الكتب
الله ليس كذلك
أفعالك تبين أن دينك فاشل
أكذوبة الملحد الطيب
تحريف الكلم ، بضاعة الملحدين
في الفلسفة والأخلاق
الإلحاد بين قصورين
المرئيات

ما هو تبرير الملحد لوجود المنظومة الأخلاقية؟

مشاكل الإلحاد التي عجز عنها الملحدون أمامها

داوكنز وقصة فلسفة الأخلاق

الأخلاق بين الإسلام والإلحاد

القيم بين الإيمان والإلحاد

البقاء للأقوى الدارونية الاجتماعية وأخلاق الإلحاد

فلسفة الهوية الجندرية

التطور التاريخي لحركة الشذوذ الجنسي

أساليب سيولة الشذوذ في المجتمعات

تفنيد شبهات مشرعي الشذوذ

يوجد ملحدون على أخلاق – لكن لا يوجد إلحاد أخلاقي !!

الدراسات العلمية والفطرة

الفطرة بين الدين والعلم

مداخلة حول موضوع الانحراف عن الفطرة.

هل الإسلام حقاً دين الفطرة؟!

التفسيرات المادية للفطرة تعتمد على مغالطة منطقية

لا يمكن تفسير الفطرة بهرمونات الدم وكيمياء المخ

هل يمكن للملحد أن يكون ملتزمًا أخلاقيًا

تقرير ندوة ارجع لفطرتك

ارجع لفطرتك

خنادق الشر | ارجع لفطرتك

7 نصائح لليقين | ارجع لفطرتك

توصيات ختامية للندوة | ارجع لفطرتك

فقرة ابتهال | ارجع لفطرتك

اطلاق مشروع طريقك الى اليقين | ندوة ارجع لفطرتك

الاخلاق والدين ..
المقالات
الفرق بين دين الله وعادات الشعوب
بقلم: فاتن صبري
Www.fatensabri.com
من كتاب: دين عالمي
سألني يومًا زائر ألماني، وقد كان واحدًا من ضمن مجموعة كبيرة من الألمان الذين يستمعون إلى تعريف بالإسلام كنت أُلقيه بنفسي عليهم باللغة الألمانية،
حيث كنت أقول إن الإسلام هو:
الإيمان بأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ولد، وأنه هو الخالق والرازق للكون كله وما يحتويه، لقد خلق الخالق المسيح بلا أب وخلق آدم من غير أب ولا أم، فهو يخلق ولا يلد، وعلينا عبادة الخالق مباشرة بدون قسيس ولا قديس ولا أي وسيط.
حيث قاطعني السائل قائلاً: إذا كان الإسلام بهذه البساطة والمنطقية كما تقولين، فلماذا يتسبب المسلمون بكل هذه المشاكل السياسية؟
وَقد كان هذا السؤال أمام المجموعة، وكان عليّ أن أتدارك الموضوع حتى لا يفسد هجومه هدوء الحوار.
قلت له فورًا:
أنا سوف أموت وحدي، وسوف أُبعث وحدي، وسوف ألقى الله وحدي، بدون أهلي ومالي.
إنني سوف ألقى الله بثلاثة أجوبة لثلاثة أسئلة وهي: من ربك، وما دينك ومن رسولك؟ والله ينتظر مني الإِجابة، وهي: أن الله الخالق ربيّ، وديني هو الإيمان به وعبادته وحده بدون وسيط، ورسولي محمد خاتم الرسل، وباعترافي بمحمد خاتم الرسل، أكون قد آمنت بجميع الرسل الذين سبقوه، وهذا فرض وواجب على كل مسلم.
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة: 285).
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ (البقرة:136).
قلت للجميع: وأنتم أيضًا، وكل إنسان على وجه الأرض، سوف يقابل الله وحده، والحياة قصيرة، والموت يداهمنا فجأة، متى سوف نتعلم كيف نُفرّق بين المشاكل السِياسية والدين؟ أما آن الأوان لنتعلم كيف نحدد أولوياتنا؟
فهدأ الرجل وصفقت المجموعة.
قلت لهم جميعا بعد ذلك: أريد أن أسألكم سؤالاً. إِنه لمن المعروف أن كل أُمَّة وشعب من الشعوب لديهم عادات، تقاليد، أهواء وبِدَع.
قلت لهم مسترسلة: شخص بسيط مثلي هنا، أو آخر في الصين، أو لديكم في ألمانيا أو في أمريكا الجنوبية أو أفريقيا مثلاً، كيف يستطيع أن يُفرّق مبدئيًا بين دين الله البسيط، وتقاليد وبِدَع شعب المكان الذي هو فيه، قبل قراءة أي كتاب ديني؟
أخذوا يحاولون التخمين، وبعد أن فشلوا بإعطائي الجواب الصحيح، قلت لهم: كلكم تعرفون شيئًا يُدعى الفطرة السليمة، أو المنطق السليم، فكل ما هو منطقي من الله، وكل ما هو معقد من البشر، وضحكوا جميعًا بشدة، ومنهم من صفَّق ثانيةً.
قلت لهم: على سبيل المثال، إذا أخبركم رجل دين مسلم أو نصراني أو هندوسي أو من أي ديانة أخرى، أن للكون خالق، واحد أحد، ليس له شريك ولا ولد، لا يأتِ إلى الأرض بصورة إنسان أو حيوان، ولا حجر ولا صنم، وأنه علينا أن نعبده وحده ونلجأ إليه وحده في الشدائد، فهذا فعلًا من دين الله، أما إن أخبَركم عالم دين مسلم أو نصراني أو هندوسي الخ، أن الله يتجسد بأي صورة، ويجب أَن نعبده ونلجأ إليه عن طريق أي شخص أو نَبيّ أو قسيس أَو قديس، فهذا من البشر، اتركوه.
قلت لهم أيضًا: إضافةً إلى ذلك، يجب أن تعرفوا أَن دين الله واضح ومنطقي، ولا ألغاز فيه. فأنا هنا إن أردت أن أقنعكم بأَن نبي الله محمد إلهٌ عليكم عبادته، فعليّ أن أبذل مجهودًا كبيرًا لكي أقنعكم بهذا، ولن تقتنعوا أبدًا، لأنكم قد تسألوني: كيف يكون محمدٌ إله، وقد كان يأكل ويشرب مثلنا؟
قد ينتهي بي المطاف لأقول لكم: أنتم لم تقتنعوا، لأنه لغز ومفهوم غامض، سوف تفهموه عند لقاء الله. وهذا المثال يبرهن على أن دين الله الصحيح لا بد أن يكون خالي من الألغاز، والألغاز لا تأتي إلا من البشر.
قلت لهم مسترسلة: دين الله أيضًا مجاني، فالجميع لديه حرية الصلاة والتعبد في بيوت الله، دون الحاجة لدفع اشتراكات للحصول على عضوية للتعبد فيها، أما إن كان فُرض علي أن أسجل وأدفع النقود في أيٍّ مِن دور العبادة للتعبد فهذا من البشر.
أما إن أخبرني رجل الدين أن عليّ أن أُخرج صدقة لمساعدة الناس مباشرةً فهذا من دين الله.
والناس سواسية كأسنان المشط الواحد في دين الله، فإنه لا فرق بين عربيٍّ ولا أعجميٍّ ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى. فلو أخبروكم أن هذا المسجد أو الكنيسة أو المعبد للأبيض فقط والأسود له مكان منفصل فهذا من البشر.
قلت لهم: تكريم المرأة والرفع من شأنها هو أمرٌ من الله، لكن قمع المرأة من البشر.
فسأل أحدهم: فلماذا المرأة المسلمة مقمعة إذًا في بعض البلدان؟
إذا افترضنا جدلاً أن المرأة المسلمة مقمعة في بعض البلدان، فالهندوسية أيضًا مقمعة والبوذية والنصرانية في نفس البلد. هذه ثقافة شعوب، وليس لها علاقة بدين الله الصحيح في شيء.
قلت لهم معقبة: دين الله الصحيح دائمًا في توافق وتناغم مع الفطرة، فمثلاً، أي مدخن للسجائر أو شارب للخمر، يطلب من أولاده دائمًا الابتعاد عن شرب الخمر والتدخين، لقناعته العميقة بخطرهما على الصحة والمجتمع.
فعندما يُحرِّم الدين الخمر مثلاً، فهذا فعلا أمرٌ من أوامر الله، لكن إذا جاء الدين ليُحرِّم الحليب مثلاً، فهذا ليس فيه منطق، فالجميع يعلم أن الحليب مفيد للصحة. إن من رحمة الله ولطفه في خلقه أن سمح لنا بأكل الطيبات، ونهانا عن أكل الخبائث.
غطاء الرأس للمرأة، والاحتشام للرجال والنساء مثلاً أمرٌ من الله، لكن تفاصيل الألوان والتصاميم من البشر. فالمرأة الصينية الريفية الملحدة و السويسرية الريفية النصرانية تلتزم بغطاء الرأس، على أساس أن الاحتشام شيءٌ فطريٌّ.
فهكذا نستطيع أن نُفرق بين الحق والباطل قبل أن نقرأ أي كتاب ديني.
الإرهاب مثلاً، منتشر بأشكال كثيرة في العالم بين طوائف جميع الديانات، وقد عشت في أفريقيا لفترة طويلة وأعلم أن هناك طوائف نصرانية تقتل وتمارس أبشع أنواع القمع والعنف باسم الدين وباسم الله، وهم يشكِّلون 4% من تعداد نصارى العالم. بينما من يمارس الإرهاب باسم الإسلام، يشكِّلون 01, 0% من تعداد المسلمين. ولا يقتصر الإرهاب على هذا، بل هو منتشر أيضًا بين طوائف البوذية والهندوسية وغيرها من الديانات الأخرى.
لكن تسليط الضوء بوسائِل الإعلام على الأمثلة السيئة من المسلمين، والجيدة من غير المسلمين، وإلقاء لقب إرهابي على المسلم الذي يقتل غيره، ولقب مريضًا نفسيًا على غير المسلم الذي يقتل الغير، هذا ما لا نقبله أبدًا.
وهذا ما قلته لصحفي فرنسي أثناء حواري معه بهذا الخصوص، قلت له: أنتم في الإعلام تلعبون دورًا خطيرًا في تشويه صورة الإسلام من خلال حرصكُم المتواصل على نقل أخبار هذه الأمثلة السيئة من المسلمين.
فقال: عذرًا، نحن لا ننقل إلا الحقيقة ولا ننقل الأخبار الزائفة.
قلت له: أنا لا أدعي أن أخباركم زائفة، أنا أقول: إنكم حين تخصصون زاويةً في مجلاتكم الإخبارية للحديث عن الأمثلة السيئة من المسلمين، عليكم أيضًا أن تخصصوا زاويةً أخرى للحديث عن غيرهم، وعندما تُلقبوا القاتل المسلم بالإرهابي، فعليكم أن تُلقبوا القاتل غير المسلم بالإرهابي أيضًا. قال: كلامك فيه كثير من الصحة.
يعلمنا اﻹسلام
لا يوجد في تعاليم الإسلام ما يقود الناس إلى الإلحاد، لا يوجد في الإسلام ألغاز أو غموض تُربك العقل، الإسلام بسيط ومتين، وتتلخص تعاليمه فيما يلي:
أن للكون إلهٌ واحدٌ أحد، وهو الله، الخالق للكون وما يحتويه، والذي ليس كمثله شيء، وعلى المسلم عبادة خالقه وحده، وذلك بالتواصل معه مباشرةً عند التوبة من ذنب أو طلب المعونة، وليس من خلال قسيس ولا قديس ولا أي وسيط. وأن رب العالمين رحيم بخلقه أكثر من الأُم بأولادها، فهو يغفر لهم كلما رجعوا وتابوا إليه. وأنه من حق الخالق أن يُعبَد وحده، ومن حق الإنسان أن يكون له صلة مباشرة بربه. فالمغفرة لا تتنافى مع العدالة، كما أن العدالة لا تمنع المغفرة والرحمة.
أن الخالق لا يأتِ إلى الأرض في صورة إنسان ولا حيوان ولا حجر أو صنم، وليس له شريكٌ ولا ولد، وأنه تعالى أرسل الأنبياء والرسل كالمسيح وموسى ومحمد لنشر رسالة التوحيد في العالم. خلق المسيح من غير أب وخلق آدم من غير أب ولا أم، فهو يخلق ولا يلد، وأمرنا بعبادته بالتوجه إليه وحده كما فعلوا هم، فالمسلم يعبد الله كما عبد المسيح الله ولا يعبد المسيح نفسه، ويعبد الله كما عبد محمد الله ولا يعبد محمد.
أن الإيمان بالخالق يقوم على حقيقة أن الأشياء لا تظهر بدون سبب أو بمحض الصدفة، ناهيك عن هذا الكون المادي المأهول الضخم وما فيه من مخلوقات، تمتلك وعيًا غير ملموس، وتطيع قوانين الرياضيات غير المادية. وإنه لشرح وجود كون مادي محدود، نحتاج إلى مصدر مستغني بذاته، أبدي لا يفنى ولا يزول. (بمعنى ليس كمثله شيء).
أن الإله الخالق حي قيوم غني قادر، ليس بحاجة لأن يموت لأجل البشر، فهو الذي يمنح الحياة أو يسلبها، لذلك هو لم يَمُت متجسدًا في المسيح، كما أنه لم يُبعَث، هو الذي حمى وأنقذ رسوله عيسى المسيح من القتل والصلب، كما حمى رسوله إبراهيم من النار، وموسى من فرعون وجنوده، وكما يفعل دومًا مع عباده الصالحين في حمايتهم وحفظهم.
أن الدرس الذي علمه الله للبشرية عند قبوله توبة آدم بسبب أكله من الشجرة المحرمة، هو بمثابة أول مغفرة لرب العالمين للبشرية، حيث أنه لا يوجد معنى للخطيئة الموروثة، فلا تزر وازرة وزر أخرى، فكل انسان يتحمل ذنبه وحده؛ وهذا من رحمة رب العالمين بنا. وأن الإنسان يُولد نقيًّا بلا خطيئة، ويكون مسؤولاً عن أعماله ابتداءً من سن البلوغ.
أن الإنسان لن يُحاسَب عن ذنب لم يقترفه، كما أنه لن ينال النجاة إلا بإيمانه وعمله الصالح، منح الله الحياة للإنسان وأعطاه الإرادة للامتحان والابتلاء، وهو مسؤول فقط عن تصرفاته. وأن الإنسان يملك حرية الاختيار فقط في حدود معرفته وإمكانياته. الحساب مرهون بوجود المسؤولية، وإمكانية الاختيار.
فالخالق لن يُحاسِب المَرء على شكله ووضعه الاجتماعي وانتمائه القبلي. والحرية المحفوفة بالصراع والكفاح أعظم درجة وتكريم للمرء من الإنسان السعيد مسلوب الإرادة. الحساب والثواب ليس لهما معنى بدون الإرادة.
الإيمان بكافة الرسل الذين بعثهم الله للبشر دون تمييز. وأن إنكار أي رسول أو نبي يتعارض مع أساسيات الدين. وأن جميع أنبياء الله بَشَّروا بقدوم خاتم الرسل محمد عليه الصلاة والسلام. كما أن العديد من الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله للأمم المختلفة ذُكرت أسمائهم في القرآن الكريم (مثل نوح، إبراهيم، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، يوسف، موسى، داود، سليمان، عيسى إلخ….)، هناك آخرون لم يُذكروا.
فإن احتمالية كون بعض الرموز الدينية في الهندوسية والبوذية (مثل راما، كريشنا، غوتاما بوذا) أن يكونوا أنبياء أرسلهم الله هي فكرة غير مستبعدة. وقد ظهرت الفروقات بين المعتقدات عندما قدَّست الشعوب أنبيائها وعبدتها من دون الله.
الإيمان بالكتب والعهود السابقة، التي لم يطرأ عليها أي تحريف أو تغيير، بل ويجعل الإيمان بالرسل والكتب السابقة من أسس الإسلام. ويُكرِّم ويُشرِّف كافة الرسل والأنبياء ويُبرئهم من التهم والنقائص، ويبرهن على إخلاصهم لرب العالمين ووحدانية الرسالة.
أن النص الكامل لكتابه المقدس (القرآن الكريم)، نزل على النبي محمد بواسطة الملك جبرائيل، وكما ويؤمن المسلم بغيره من الملائكة.
أن نص القرآن لا يزال بلغته الأصلية (العربية)، وبدون أي تغيير أو تحريف أو تبديل، ولا يزال محفوظًا كما هو حتى وقتنا هذا، وسيبقى كذلك، كما وعد رب العالمين بحفظه. وهو متداول بأيدي جميع المسلمين، ومحفوظ في صدور الكثير منهم، وأن الترجمات الحالية للقرآن بلغات متعددة والمتداولة بين أيدي الناس، ما هي إلا ترجمة لمعاني القرآن فقط.
أن تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأقواله، تم نقلها وتوثيقها من خلال سلسلة من الرواة الموثوقين.
أن الانسجام المَوجود بين أجساد البشر وأرواحهم يُبين أنه من غير الممكن جعل هذه الأرواح تسكن في أجساد الحيوانات ولا يمكن لها التجول بين النباتات والحشرات (تناسخ الأرواح) ولا حتى في أشخاص. ولقد مَيّز الله الإنسان بالعقل والمعرفة وجعله خليفةً في الأرض، وفضَّله وكرَّمه ورفع من شأنه على كثير من الخلائق. ومن حكمة وعدل الخالق وجود يوم القيامة الذي سوف يبعث الله فيه الخلائق ويحاسبهم وحده، ويكون مآلهم إلى الجنة أو النار، وكل الأعمال الصالحة والسيئة سوف تُوزن في هذا اليوم.
أن دين الله الصحيح دائمًا في توافق وانسجام مع الطبيعة البشرية، وهو دين واحد، سهل، مفهوم وبسيط، وصالح لكل زمانٍ ومكان، وأن تعدد الديانات ناتج عن اتخاذ الوسطاء بين الخالق والمخلوق في العبادة.
وعند توجه البشر لعبادة الخالق مباشرة بدون وسيط، والإيمان جميعًا بمحمد خاتم الرسل، واتباع شريعته، تتوحد القلوب على دين واحد، وهذا هو مفتاح البشرية نحو التناغم والتواؤم.
فعل الخيرات واجتناب السيئات، مثل حق الوالدين بالإحسان لهما، ومن ثم حق الأولاد في الحصول على حياة كريمة، والمحافظة على مال اليتيم، والقسط في الوزن والمكيال، والعدل في القول والفعل، والوفاء بالعهود. والنهي عن اقتراف الفواحش أو حتى الاقتراب منها، وعدم قتل النفس البشرِية بغير حق، وهي مبادئ فطرية معنوية، وبالتالي فإن الناس مُدركون لهذه القيم بشكل طبيعي وغريزي.
أن معاملة الناس بعضهم بعضًا بخُلقٍ حسن بهدف نفع الإنسانية وتعمير الأرض لا يُغني عن الإيمان بالخالق والالتزام بالأخلاق العالمية تحت مظلة الدين، لأن تعمير الأرض والخُلق الحسن ليسا الغاية للدين، لكنهما في الحقيقة وسيلة. غاية الدين أَن يُعرِّف الإنسان بربِّه، ثم بمصدره هو وطريقه ومصيره، ولا يتحقق حُسن النهاية والمصير إلا بالحصول على رضا رب العالمين، والسبيل إلى ذلك يكون بتعمير الأرض والخُلق الحسن.
أنه لا يوجد كهنوت في دين الله، والدين للجميع، الناس سواسية كأسنان المشط أمام الله، فلا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.
أن من أحد صفات رب العالمين الحكمة، فهو لا يخلق شيئًا عبثًا بدون غاية أو هدف، فهو خلقنا ليرحمنا ويسعدنا ويعطينا، وكل الصفات البشرية الجميلة مشتقة من صفاته. وأن وجودنا في هذه الدنيا هو لهدف وغاية سامية، وهي معرفة الله عز وجل، والتوجه إليه بالتوبة والاستعانة به مباشرة.
أن القاعدة هي الخير والشر هو الاستثناء. فالأشياء المنظمة ستنهار وتتلاشى دائمًا ما لم يجمعها شيء من الخارج أو أن تكون جيدة على نطاق واسع كما هي، دون أن يُنظم الخالق هذه الظواهر العشوائية التي تظهر في الأشياء الرائعة مثل الجمال والحكمة والفرح والحب.
أن الخالق وضع قوانين الطبيعة والسنن التي تحكمها، وهي تصون نفسها بنفسها عند ظهور فساد أو خلل بيئي وتحافظ على وجود هذا التوازن بهدف الإصلاح في الأرض واستمرار الحياة على نحو أفضل. وأن ما ينفع الناس والحياة هو الذي يمكث ويبقى في الأرض. وعندما يقع في الأرض من كوارث يتضرر منها البشر كالأمراض، البراكين، الزلازل والفيضانات، تتجلى أسماء الله وصفاته، على سبيل المثال اسم الله القوي، الشافي والحفيظ، في شفائه للمريض وحفظه للناجي، أو تجلي اسمه العدل في عقاب الظالم لغيره والعاصي، ويتجلى اسمه الحكيم في ابتلاء وامتحان غير العاصي، والذي يُجازى عليه بالإحسان إن صبر وبالعذاب إن ضجر، وبذلك يتعرف الإنسان على عظمة ربه من خلال هذه الابتلاءات تمامًا كما يتعرف على جماله من خلال العطايا. فإن لم يعرف الإنسان إلا صفات الجمال الإلهي فكأنه لم يعرف الله عز وجل.
أن الذي يقع من ابتلاءات هو إرادة الله، والذي أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، حيث أنه لا يوجد شر مطلق بالوجود، وأن الحياة الدنيا التي يعيشها الإنسان، ليست إلا لحظة مقارنة بالحياة الأخرى الأبدية، إن مات طفلاً أو كهلاً، معذبًا أو منعمًا، ومن ثم يهون كل ما عاناه في الدنيا بغمسة واحدة في نعيم الجنة، وأن الحياة الدنيا بداية لرحلة أبدية يستأنفها الإنسان بعد الموت بالبعث والحساب، ومن ثم الجزاء.
أن عظمة الدين، في شموليته وبساطته، فمصطلح الإسلام غير مرتبط بأي شخص أو مكان أو جماعة خاصة، ولكنه يعكس العلاقة مع رب العالمين.
ومن تعاليمه:
دوام التواصل مع رب العالمين عن طريق الصلاة.
تَقوية إرادة الإنسان وتَحكُّمه بنفسه، وتنمية مَشاعر الرحمة والتآلف مع الآخرين عنده، بالصيام.
إنفاق نسبة بسيطة من مدخراته للفقراء والمساكين عن طريق الزكاة، وهي عبادة تساعد الإنسان على تغليب صفات البذل والعطاء على نوازع الشُّح والبخل.
التجرد والتفرغ للخالق في وقت ومكان مُعين، من خلال أداء مناسك ومشاعر واحدة لكافة المسلمين المقتدرين ماديًا وصحيًا، عن طريق الحج إلى مكة، وهي رمز للوحدة في التوجه للخالق، على اختلاف الانتماءات البشرية وثقافاتهم ولغاتهم ودرجاتهم وألوانهم.
أن علاقة الإنسان بخالقه يجب أن تكون أفضل وأقوى من أي علاقة، فلذلك فالمسلم يجب أن يحرص على تطبيق تعاليم الإسلام، وهذه العلاقة هي العلاقة الحقيقية التي ستجلب له الخير كله واحترام الآخرين.
أن كثيرًا من الناس يمرون بفترة يعتريها الشك والبحث والضياع، ولا يجدون السلام التام والراحة، إلا بعد أن يجدوا طريقهم لرب العالمين. تماماً كطفل ضائع يبحث عن والدته، وعندما يجدها يشعر بالسكينة ويكتشف أن هذا الأمان الذي كان يبحث عنه.
معلومات
يستخدم النصارى واليهود والمسلمون في الشرق الأوسط كلمة (الله) إشارة إلى الإله، وهي تعني الإله الواحد الحق، إله موسى والمسيح، وقد عرَّف الخالق عن نفسه في القرآن الكريم باسم “الله” وأسماء وصفات أخرى. لقد ذُكرت كلمة “الله” في النسخة القديمة للعهد القديم 89 مرة (سفر التكوين 2:4) وغيرها الكثير. وقد تكلم بعض العلماء اليوم عن استخدام كلمة (الله) كإشارة إلى الإله الواحد الأحد في النسخ القديمة لكتب الهندوسية باللغة السنسكريتية (“Allah” in Rigveda Book 2 Hymn I verse II).
القرآن الكريم هو آخر الكتب التي اُرسلت من الخالق، حيث إن المسلمين يؤمنون بالنسخ الأصلية لكافة الكتب التي أُرسلت قبل القرآن (صحف إبراهيم، الزبور، التوراة والإنجيل…وغيرها). يعتقد المسلمون أن الرسالة الحقيقية لجميع الكتب كانت التوحيد الخالص (الإيمان بالله وعبادته وحده مباشرة، وليس من خلال قديس ولا قسيس، وليس له ولد، ولا يتجسد في صورة بشر أو حجر)، غير أن القرآن بخلاف الكتب السماوية السابقة لم يكن محتكرًا على فئة أو طائفة معينة دون أخرى، ولا يوجد منه نسخ مختلفة، ولم يتم أي تغيير عليه بل هو نسخة واحدة لجميع المسلمين، و القرآن يُتلى في الصلوات ويُرجع إليه في جميع الشؤون الحياتية، المسلمون في جميع أنحاء العالم يَتلون القرآن كما كان يُتلى في زمن النبي محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه، دون تغيير. والترجمات المتداولة للقرآن ما هي إلا ترجمة لمعاني القرآن فقط.
استخدام الخالق لكلمة “نحن” في التعبير عن ذاته في كثير من آيات القرآن الكريم تُعبر عن القوة والعظمة في اللغة العربية، وكذلك في اللغة الإنجليزية تسمى “نحن الملكية” حيث يستخدم ضمير الجمع للإشارة لشخص في منصب كبير (كالملك، العاهل أو السلطان). غير أن القرآن كان دومًا يُشدّد على وحدانية الله فيما يتعلق بالعبودية.
إن الفرصة لا زالت موجودة ما دام الإنسان على قيد الحياة، وهي فرصة الإيمان بالخالق الواحد الأحد وعبادته وحده.
إن اعتناق دين الإسلام سهل وبسيط. كل ما يجب فعله هو: الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه محمد بالرسالة والعمل بمقتضاها، وذلك من خلال قول جملة معروفة بشهادة الإيمان، وهي:
هل الدين مرجعية أخلاقية؟
تقول الشبهة: لو كان الدين هو المرجعية في الأخلاق لكان من حق غير الكفار أن يرتكبوا الجرائم الأخلاقية كالقتل والاغتصاب وارتكاب الفواحش دون أن يحاسبوا لأن المرجع الأخلاقي لم يصلهم.
الجواب
هذه الشبهة تثار عندما يقال إن الأخلاق ليس لها مرجعية خارج إطار الدين، فالملحد مثلا ليست له مرجعية أخلاقية، وإنما هو نفسه من يقرر مسائل الأخلاق في هذا الشأن. وإذا كان “المرجع” ذاتيا فهو لا يعد مرجعا في الحقيقة.
والإشكالية في إنكار الملحد لمرجعية الدين في الأخلاق على هذا المنوال الموضح في الشبهة تكمن في الفهم الخاطئ للتشريع.
فعندما نتحدث- نحن المسلمون- عن المرجعية الأخلاقية فإننا نقصد الرقابة الذاتية الناتجة من إدراك العقوبة الأخروية ولا نقصد العقوبة نفسها.
والعقوبة في الإسلام دنيوية وأخروية، وإنما شرعت العقوبة الدنيوية ردعا عن الجرائم الأخلاقية وحفظا لحقوق البشر ممن لا يكترث للعقوبة الأخروية، ولمنع الاعتداء بين الناس.
ومن يطرح هذه الشبهة يظن أن الإعذار من العذاب لمن لم تبلغه الرسالة يشمل الجرائم الأخلاقية والاعتداءات، وهذا غير صحيح، فالإعذار يخص جانب الاعتقاد فقط كما يتضح من نص الآية: “مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا” (الإسراء 15).
أما العقاب الأخروي للاعتداء فهو ثابت في حق المسلم والكافر، بل وحتى في حق البهائم كما ورد في الحديث: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ.” رواه مسلم.
ولا يعني الحكم بالعذاب الأخروي للكافر أن الكفار كلهم على درجة واحدة من العذاب، وإنما النار دركات متفاوتة، وهم يحاسبون على أعمالهم فتختلف دركاتهم في النار. فالمسلم يعلم أن وراءه حساب على كل ما يفعله، وأن الله رقيب عليه: “إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” (النساء 1)، فلا يعني غياب العقوبة الدنيوية عن موظف البنك المسلم أن السرقة أمر مقبول.. بينما الموظف الملحد إذا تمكن من السرقة دون علم القانون فإن عدم الإقدام عليها يعتبر أمرا غير مبرر، فالمانع من ارتكابها قد زال، وليس لديه أي تبرير مادي منطقي يمنعه من ارتكاب السرقة في هذه الحالة، فالمصلحة من السرقة متحققة والضرر منها منتفٍ.
الإسلام دين الأخلاق
يلوك الملاحدة وأعداء الإسلام ما كان يلوكه المستشرقون القدامى من أن الإسلام دين عنف وقتل وتدمير، وأنه لا يقيم للأخلاق وزنا. وشواهدهم هي سلوك وتصرفات الأفراد، سواء كانوا شخصيات تاريخية أو جماعات منحرفة. والاستشهاد بسلوك الأتباع يدل إما على الغفلة والجهل أو على الخبث والتدليس، إذ أن أي دين إنما يكون الحكم عليه من خلال مصادره التشريعية وليس من خلال أتباعه، والمصدران الأساسيان في الإسلام هما القرآن الكريم والسنة النبوية.
ولا شك أن الذي يتعرض لهذه الاتهامات من الشباب والشابات وهو على جهل بالنصوص الشرعية التي تتجلى فيها الأخلاق، لابد أن يناله شيء من الشك. وهنا عرض لبعض النصوص من القرآن والسنة التي يظهر منها الجانب الأخلاقي في الإسلام، وهي نصوص على سبيل المثال لا الحصر.
نصوص من القرآن الكريم
“وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ” (العنكبوت 45)
“خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا” (التوبة 103)
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” (الحجرات 13)
“لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (الممتحنة 8)
“وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ • الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ • وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ” (المطففين 1-3)
“وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى” (المائدة 8)
“إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ” (الأنفال 58)
“إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ” (النحل 90)
“خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” (الأعراف 199)
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” (الحجرات 6)
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (الحجرات 11)
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ” (الحجرات 12)
“قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا” (الشمس 9-10)
“وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” (البقرة 83)
“ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” (فصلت 34)
“لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا” (النساء 148)
“فاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ” (الحجر 85)
نصوص من السنة
قال ﷺ: “إنما بُعِثت لأُتمم صالح الأخلاق.” حديث صحيح أخرجه أحمد.
قال ﷺ: “ما من شيء يُوضَع في الميزان أثقل من حُسْن الخلق، وإن صاحب حُسْن الخُلُق لَيَبلُغُ به درجة صاحب الصوم والصلاة.” رواه أبو داوود والترمذي وصححه الألباني.
قال ﷺ: “أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خُلُقًا.” أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
قال ﷺ: “إن من أخيركم أحسنكم خلقًا.” رواه البخاري.
قال ﷺ: “ألا أُخبِركم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟” فسكت القوم، فأعادها مرتين أو ثلاثًا، قال القوم: نعم يا رسول الله، قال: “أحسنكم خُلُقًا.” رواه أحمد وصححه الألباني.
قال ﷺ: “اللهم اهدني لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها؛ فإنه لا يَصرِف عني سيئها إلا أنت.” رواه مسلم.
قال ﷺ: “إن الصدق يهدي إلى البِرِّ، وإن البِرَّ يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليَصدُق حتى يكون صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليَكذِب حتى يُكتَب عند الله كذابًا.” أخرجه البخاري ومسلم.
قال ﷺ: “أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تَخُن من خانك.” أخرجه أبو داوود والترمذي وسنده صحيح.
قال ﷺ: “إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجود، يُحب معالي الأخلاق، ويَكره سفسافها.” أخرجه الضياء في المختارة بسند صحيح، انظر صحيح الجامع للألباني (1800).
قال ﷺ: “اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجُبْن…” أخرجه البخاري.
قال ﷺ: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرَّحِم شِجْنة من الرحمن؛ فمَن وصَلها وصله الله، ومَن قطعها قطعه الله.” أخرجه أبو داوود والترمذي وصححه الحاكم والألباني.
قال ﷺ: “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.” أخرجه مسلم.
قال ﷺ: “إن الله جميل يحب الجمال.” أخرجه مسلم.
قال ﷺ: “أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق.” رواه الترمذي وابن ماجة.
قال ﷺ: “إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا.” رواه الترمذي.
قال ﷺ: “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.” رواه أبو داوود.
قال ﷺ: “دخلت امرأةٌ النارَ في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض.” رواه البخاري ومسلم.
قال ﷺ: “بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له” قالوا: يا رسول الله وإن لنا في هذه البهائم لأجرا؟ فقال: “في كل كبد رطبة أجر.” رواه البخاري ومسلم.
قال ﷺ: “إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل.” رواه أحمد.
كان ﷺ يقوم بأعمال المنزل ويساعد أهله في كل صغيرة وكبيرة، كما تروي زوجته عائشة رضي الله عنها فتقول: “كان يكون في مهنة أهله.” رواه البخاري.
كان ﷺ يمازح أهله ويلاعبهم، تقول زوجته عائشة رضي الله عنها: “خرجت مع النبي ﷺ في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي حتى أسابقك، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: هذه بتلك.” رواه أحمد.
قال ﷺ: “رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى.” رواه البخاري.
قال ﷺ: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.” رواه أبو يعلى والبيهقي.
قال ﷺ: “آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ.” رواه البخاري ومسلم.
قال ﷺ: “أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ.” رواه البخاري ومسلم.
قال ﷺ: “لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع.” رواه أحمد.
قال ﷺ: “لكل غادرٍ لواء يوم القيامة يُعرف به.” رواه البخاري.
“كان رسول الله ﷺ يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة.” رواه أبو داوود
قال ﷺ: “إن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار، يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها، فغُفر لها.” رواه مسلم.
قال ﷺ: “لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.” رواه مسلم والترمذي.
قال ﷺ: “من يُحرم الرفق يُحرم الخير.” رواه مسلم.
قال ﷺ: “إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه.” رواه مسلم.
قال ﷺ: “لا يكون الرفق في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.” رواه مسلم.
في الصحيحين أن أعرابيا جذب رداء النبي ﷺ حتى أثرت حاشيته في عاتقه ﷺ، ثم قال: يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه رسول الله ﷺ وضحك، ثم أمر له بعطاء.”
كان ﷺ إذا آذاه قومه قال: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.” رواه البخاري ومسلم
جاء أعرابي إلى النبي ﷺ يتقاضاه دينا كان عليه، فاشتد عليه، حتى قال له: أُحرّج عليك إلا قضيتني، فانتهره أصحابه وقالوا: ويحك! تدري من تكلم؟ قال: إني أطلب حقي. فقال النبي ﷺ: “هلا مع صاحب الحق كنتم؟” ثم أرسل إلى خولة بنت قيس، فقال لها: “إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك.” فقالت: نعم بأبي أنت يا رسول الله! قال: فأقرضته، فقضى الأعرابي وأطعمه، فقال: أوفيت أوفى الله لك. فقال: “أولئك خيار الناس، إنه لا قُدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع.” رواه ابن ماجة. (غير متعتع أي من غير إزعاج وقلق)
قال ﷺ: “اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن.” رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني.
قال ﷺ: “إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ.” رواه أحمد وأبو داوود.
قال ﷺ: “إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى رَجُلَانِ دُونَ الْآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ.” رواه البخاري ومسلم.
قال ﷺ: “إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا.” رواه الترمذي وصححه الألباني.
أعظمُ قائد وأكرم رجل ﷺ يَقعد طفلٌ على ظهره وهو ساجد فلا يرفع رأسَه. يقول: “كرهتُ أن أعجّله.” رواه أحمد والنسائي.
أخذ بعض الصحابة فرخَي عصفورة، فجاءت ترفرف، فقال النبي ﷺ: “مَن فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها.” رواه أبو داوود وصححه الألباني.
قال ﷺ: “إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوّز في صلاتي مما أعلم من شدّة وجد أمه”. رواه الجماعة إلا أبو داوود والنسائي.
هل الإسلام يتعارض مع الأخلاق
هل الإسلام دين قتل وعنف؟
كثيرا ما يقتطع الملحد نصا قرآنيا من سياقه ليظهره وكأنه تحريض على القتال ابتداءً، وكل ما عليك عند ذلك هو أن ترجع إلى سياق النصوص لتعرف أن جميع أوامر القتال التي وردت في القرآن الكريم هي أوامر قتال دفاعية وليست هجومية، بل إن هناك العديد من الآيات التي تأمر بالسلم والتعارف والتعايش:
“فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين (194)” (البقرة)
“وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين (126)” (النحل)
“وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (193)” (البقرة)
“وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين (36)” (التوبة)
“وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (192) (البقرة)
“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” (الحجرات:133)
“ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق” (الأنعام:151)
“من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” (المائدة:32)
“وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم (61)” (الأنفال)
“إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا” (النساء 90)
“لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين” (الممتحنة 8)
وادعُ إلى سبيل ربِّك بالحكمة
بقلم: فاتن صبري
Www.fatensabri.com
من كتاب: لماذا الدين ؟ رحلة من الذاكرة
إن الحاجة إلى الدين أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب، الإنسان بطبعه متدين، فلو لم يهتدِ إلى الدين الحق لسوف يخترع له دينًا، كما حصل في الديانات الوثنية التي ابتدعها البشر. والإنسان محتاج للأمن في الدنيا كما أنه محتاج للأمن في منقلبه وبعد موته، والدين الحق هو الذي يمنح أتباعه الأمن التام في الدارين.
من مقاييس الدين الحق:
الايمان بإله:
لابد للإنسان من الايمان، يمكن أن يسميه إلهًا أو يسميه أي شي آخر، وقد يكون الإله شجرة أو نجمًا في السماء أو امرأة أو رئيسه في العمل أو نظرية علمية أو حتى هوىً في نفسه، لكن لابد له من الإيمان بشيء يتبعه ويقدسه ويرجع له في نهج حياته وقد يموت لأجله وهذا ما نسميه العبادة.
الإله الحق هو الخالق:
إن عبادة غير الإله الحق تتضمن الادعاء بأنهم آلهة، والإله لا بد أن يكون خالقًا، والدليل على أنه الخالق يكون إما بمشاهدة ما خلقه في الكون وإما بوحي من الإله الذي ثبت أنه خالق، فإذا لم يكن لهذا الادعاء دليل، لا من خلق الكون المشهود ولا من كلام الإله الخالق، كانت بالضرورة باطلة.
وأن الإيمان بالخالق يقوم على حقيقة أن الأشياء لا تظهر بدون سبب، ولا الصدفة ممكن أن تكون موجدة للكون لأن الصدفة ليست سببًا رئيسيًا، وإنما هي نتيجة ثانوية تعتمد على توافر عوامل أخرى (وجود الزمان، المكان، المادة والطاقة) لكي يتكون من هذه العوامل شيئًا بالصدفة. فلا يمكن استخدام كلمة “صدفة” لتفسير أي شيء لأنها لا شيء على الإطلاق.
الخالق:
يجب أن يكون وجوده قد سبق وجود الزمان، المكان، والطاقة، واستنادًا على ذلك، لا يمكن للطبيعة أن تكون هي المسبب بخلق الكون، لأن الطبيعة نفسها تتكون من زمان، مكان وطاقة، وبالتالي يجب أن يكون ذلك السبب موجودًا قبل وجود الطبيعة.
يجب أن يكون الخالق قاهرًا أي يمتلك السلطة على كل شيء.
يجب أن يكون بيده الأمر، ليصدر أمره ببدء الخلق.
يجب أن يمتلك علم كلي بكل أمر، أي لديه معرفة كاملة بجميع الأشياء.
يجب أن يكون واحدًا فردًا، لا ينبغي أن يحتاج لوجود مسببًا آخرًا معه، ولا ينبغي أن يحتاج أن يتجسد في صورة أحد من مخلوقاته ولا يحتاج أن يكون له زوجة أو ولد في أي حال من الأحوال، لأنه يمتلك جميع صفات الكمال.
يجب أن يكون حكيمًا لا يفعل شيء إلا لحكمة خاصة.
يجب أن يكون عادلاً، ومن عدله أن يكافئ ويعاقب، وأن يكون ذا صلة بالبشر، فلن يكون إلهًا لو خلقهم وتركهم،ولهذا فهو يرسل الرسل إليهم ليوضح لهم الطريق ويُبلغ البشر منهجه. والذي يستحق المكافأة من سلك هذا الطريق، والعقاب لمن حاد عنه.
الدين:
هو منهج حياة، والذي ينظم علاقة الإنسان بخالقه وبمن حوله، وهو الطريق إلى الآخرة.
يجب أن يكون أقرب إلى فطرة الإنسان الأولى التي تحتاج لعلاقة مباشرة مع خالقها بدون تدخل وسطاء، والتي تمثل الفضائل والسجايا الخيِّرة في الإنسان.
يجب أن يكون دين واحد، سهل وبسيط، مفهوم وغير معقد، صالح لكل زمان ومكان.
يجب أن يكون دينًا ثابتًا لكل الأجيال ولكل البلاد ولكل أنواع البشر، لا يقبل الزيادة ولا النقصان حسب الأهواء، كما هو الحال في العادات والتقاليد التي منشأها البشر.
يجب أن يحتوي على عقائد واضحة ومبرهنة ولا يحتاج لوسيط ولا يؤخذ الدين بالوجدانيات بل بالدليل الصحيح المبرهن.
يجب أن يغطي كل قضايا الحياة وكل زمان ومكان، وينبغي أن يصلح للدنيا وكذلك للآخرة، يبني الجسد ولا ينسى الروح.
يجب أن يحمي حياة الناس ويحافظ على أعراضهم وأموالهم واحترام حقوقهم.
وبذلك من لم يتبع هذا المنهج الذي جاء بتوافق مع فطرته، عاش حالة اضطراب وعدم استقرار، والشعور بضيق الصدر والنفس، فضلاً عن عذاب الآخرة.
لماذا الإسلام؟
دين الإسلام موافق لفطرة الإنسان.
دين الإسلام عقيدته مبرهنة، واضحة وبسيطة، وبعيدة كل البعد عن الاعتقاد الأعمى. فالإسلام لا يكتفي بمخاطبة القلب والوجدان والاعتماد عليهما أساسًا للاعتقاد، بل يتبع مبادئه بالحجة المقنعة الدامغة، والبرهان الواضح، والتعليل الصحيح الذي يملك زمام العقول ويأخذ الطريق الى القلوب.
دين الإسلام تعاليمه مرنه وشاملة لكل نواحي الحياة، لأنه متعلق بالفطرة البشرية التي خلق الله الإنسان عليها وقد جاء هذا الدين مطابقًا لسُنن هذه الفطرة. وهي:
الإيمان بإله واحد أحد، الذي ليس له شريك ولا ولد ولا يتجسد في صورة إنسان أو حيوان ولا صنم أو حجر، وعبادة هذا الخالق وحده بدون وسيط.
دين الإسلام جاء بالأجوبة على الأسئلة الفطرية للبشر عن غاية الوجود ومصدر الوجود والمصير بعد الموت، ويقيم الأدلة في مسألة الألوهية من الكون، ومن النفس، ومن التاريخ على وجود ووحدانية الله وكماله، وفي مسألة البعث يدلل على إمكانيه خلق الإنسان وخلق السماوات والأرض، وإحياء الأرض بعد موتها، ويدلل على حكمته بالعدالة في إثابة المحسن وعقوبة المسيء.
وتجتمع الإنسانية في أصل واحد، وتمضي نحو غاية واحدة، والتنوع والاختلاف ضرورة كونية تُلزم الإنسان ضرورة استمرار منطق الحوار.
” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ “[1].
والغاية من هذا الاختلاف هو: التعارف والتكامل بين جميع الأجناس والأعراق. وطريق الحوار هو الطريق الذي سلكه رسل الله من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم ۚ ْإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” [2].
والجميع من أصل واحد، وجاءوا إلى الأرض لهدف واحد وهو معرفة الخالق وعبادته وحده.
ولتقرير رسالة التوحيد، بعث الله جميع الرسل إلى كل الأمم مرشدين أقوامهم إلى حقائق الكون؛ ولعبادة الخالق وحده كما عبد الرسول ربه، وليس بعبادة الرسول أو أي شيء آخر، لينطلقوا منها ويحققوا غاية خلقهم، وإن لكل أمة رسول، وكل الرسالات السماوية عبر الزمان والمكان جاءت لخدمة هذه الغاية.
” وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ…”[3].
وكل رسالة سماوية تؤكد ما جاءت به سابقتها، حيث تدرَّج الرسل عليهم الصلاة والسلام في إبلاغ مراد الله، وتوحدوا في أصل التوحيد ثم تنوعوا في الشرائع حسب حاجة الإنسان.
فالقرآن الكريم وهو كتاب الله وكلامه الذي لم يتغير ولم يتبدل رغم مرور مئات السنين، ورغم اختلاف البلاد والحضارات لازال كما أُنزل، ولازال يقود المسلمين في حياتهم الدنيا وفي طريقهم إلى الآخرة، يُصدق أصول الديانات التي سبقته وامتدت إلى زمانه والتي جاءت بها الرسل مناسبة لزمانهم.
ومع تغير الحاجة يأتي طور من الديانة جديد يتفق في أصله ويختلف في الشريعة تدرجًا مع الحاجات، مع تصديق اللاحق للسابق في أصل التوحيد، وباتخاذ سبيل الحوار يكون المؤمن قد استوعب حقيقة وحدة المصدر لرسالة الخالق؛ لينطلق من نقطة الإيمان الخاص به، إلى بدء رحلة الاستخلاف في الأرض.
وهذا التنوع لا يُشكل عائقًا أمام التواصل الإنساني، فالحوار له أصول ومنطلقات وجودية وإيمانية، تُحتِّم على الإنسان احترامها والانطلاق منها للتواصل مع الآخر؛ لأن الغاية من هذا الحوار هو التخلص من التعصب والهوى الذي هو عبارة عن إسقاطات للانتماءات العصبية العمياء؛ التي تحول بين الإنسان وحقيقة التوحيد النقي، وتؤدي إلى التصادم والدمار كما هو واقعنا الآن.
وينطلق حوار رسل الله على أساس جوهري وهو الإيمان بكل الرسالات السماوية والاعتراف بها؛ فلا يمكن إنكار حقيقة التنوع كما لا يمكن إنكار حقيقة تواتر الرسل.
وباعتراف القرآن الكريم بالحقائق الكونية، وبعرضه ملخص الرسالات السماوية التي تجتمع في أصل التوحيد، وبدعوة أتباعه إلى الاعتراف بهذا الأصل، كان هذا الكتاب الخاتم تتويجًا لهذا التواصل البشري. والإنسان المؤمن يُسلِّم بأن الله هو مصدر كل شيء، وهذا هو الدافع الأكبر لرحلته في الحياة وفق منهج الله وشريعته.
والحياة الدنيا بداية لرحلة أبدية يستأنفها الإنسان بعد الموت بالبعث والحساب ومن ثم الجزاء، ويعتبر الإسلام أن وجودنا في هذه الدنيا هو لهدف وغاية سامية وهي معرفة الله عز وجل وعبادته بالتوجه إليه مباشرة.
ورغم قصر الحياة الدنيا فهي بمثابة دار ابتلاء وامتحان للبشر ليتمايزوا على درجات ومراتب عند اقبالهم على الحياة الآخرة.
والذي يقع من ابتلاءات هو إرادة الله، والذي أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، حيث أنه لا يوجد شر مطلق بالوجود[4].
وبتوفير الإسلام للترابط والانسجام بين العقل والدين، العقل والنقل، والعقل والقلب، فإنه لا تنوير ولا نهضة ولا تقدم ولا جمال ولا علم حقيقي إلا بالإسلام.
وقد نجح الإسلام كمنهج، بينما فشلت الرأسمالية والشيوعية، وإنه ما من مستشرق درس الإسلام وحضارته – مهما كان موقفة منه - إلا واعترف بأن الإسلام دين ودولة.
ولكن ابتعاد المسلمين عن دينهم الصحيح وعجزهم عن نشر مبادئ الإسلام بصورة صحيحة ساهم في العقود الأخيرة بازدياد نسبة الملحدين والمشككين والحائرين في العالم.
ولقد تقدم الناس في الغرب بالعلوم والمعارف عندما تركوا المعتقدات الخاطئة والتي كانت تقوم على أساس الدين المشوه لديهم، وأخذوا بأسلوب العلم والمنطق، لكن مع توجههم للعلم بطريقة سليمة كانوا قد خسروا القيم والأخلاق والغاية من وجودهم بتغاضيهم عن اعتناق الدين الصحيح.
وسوف نبحث هذه النقاط بالتفصيل من خلال سرد حوارات واقعية مع شخصيات من جنسيات وثقافات مختلفة في هذه الرحلة.
========================================
[1] (هود:118).
[2] (الحجرات:13).
[3](النحل:36).
[4] من أقوال الشيخ محمد راتب النابلسي.
هل نحن مفطورون على عبادة الله؟
سنرى اليوم هذا السُّلوك الإلحاديَّ مع أوَّل مُكوِّنٍ، ألا وهو: نزعة التَّدين، ونقصد بالتَّدين: إدراك الإنسان أنَّ له ولهذا الكون خالقًا مدبِّرًا، والرَّغبة في عبادة هذا الخالق والتَّقرُّب منه، والشُّعور بالحاجة إليه، وكذلك الُّلجوء إليه عند الشَّدائد
المنظور الإسلاميُّ يذكر وجود هذه النَّزعة كحقيقةٍ مسلَّمةٍ، وذلك في آيات كثيرة،كقول الله تعالى:”وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا” الإنسانُ عمومًا؛ لأنَّها فطرةٌ مزروعةٌ في كلِّ إنسانٍ،
وقولنا بفطريَّة التَّديُّن يعني: أنَّه مُكوِّنٌ صميميٌّ راسخٌ في النَّفس البشريَّة، وجزءٌ أصيلٌ مِن تكوينها، توجَد جذوره منذ ولادة الإنسان، بغضِّ النَّظر عن المؤثِّرات الخارجيَّة
في البداية، أنكر الملحد فطريَّة التَّديُّن، وقال: “بل إيمان النَّاس بِوجود خالقٍ أمرٌ مكتَسَبٌ بتأثير التَّربية، وتناقُل الأجيال لهذه الدَّعوة، ولو تُرِك الإنسان ونفسَه، فليس هناك ما يدعوه للإيمان بوجود خالقٍ”
ويقول لك الملحد: “هناك معتقداتٌ كثيرةٌ، يؤمن بها أصحابها مع أنَّها مجرَّد خرافاتٍ، كبابا نويل، الَّذي يأتي على عربةٍ من السَّماء، ليلة العيد -عيد الميلاد-، والتِّنِّين الَّذي ينفث النَّار…”
فأصالةُ التَّديُّن في النَّفس البشريَّة أمرٌ تؤكِّده دراسات الأنثروبولوجي (علم الإنسان)، والسُّوسيولوجي (علم الاجتماع)، وبات من المألوف في العديد من الدِّراسات التَّعبير عن فطريَّة التَّديُّن بأنَّ الدِّين أشبَهُ ما يكونَ بشيءٍ قد تمَّ تسليكه في الإنسان “religion is hardwired in humans” يعني: هو مُكوِّنٌ صميميٌّ في الإنسان، مختلِطٌ بلحمه ودمه كالشَّرايين والأعصاب، وهي حقيقةٌ ضاربةٌ في عمق التَّاريخ،
لكنَّ ترديدهم المَرَضيَّ لمثل هذه العبارات، بمناسبةٍ أو بدون مناسبةٍ يدلُّ على نفسيَّاتٍ مُتصارِعةٍ، تُغالِب صوتًا عميقًا فيها وتحاول كَبْتَه، وإلَّا لَمَا احتاجوا إلى هذه الضَّوضاء، خاصَّةً وأنَّ الملحد لا ينتظر جزاءً أخرويًا على الاستعلانِ بمعتَقَدِه، ولا لديه دوافع أخلاقيَّةٌ مطلقةٌ تدفعُه إلى استنقاذ النَّاس مِن ضلال الإيمان بالله -حَسْبَ معتقده- ولفراغٍ يعصف بكثيرٍ من الملاحدة، بعد أن أنكروا هذا المكوِّن الِفطريَّ الَّذي يفرِض نفسه عليهم، بدأوا بتأسيس لونٍ من التَّجمُّعات الإلحاديَّة على نحوٍ طُقوسيٍّ مشابهٍ -إلى حدٍّ بعيد- التَّجمُّعاتِ الدِّينيَّة، مثل: ما يعرف بكنائسِ الملاحدة (كنائس الملحدين)atheist churches والَّتي بدأت بالانتشار في دولٍ متعدِّدةٍ، كأمريكا وكندا وبريطانيا في تعبير واعٍ أو غير واعٍ عن مكنُونٍ فطريٍّ، يبحث عن شكلٍ مِن أشكال التَّنفيس وصَدَق ابن القيِّم إذ قال:”إنَّ في القلب فاقةً -أي حاجةً- لا
يسدُّها شيءٌ سوى الله تعالى أبدًا، وفيه شعثٌ -يعني تفرُّق- لا يلمُّه غير الإقبال عليه، وفيه مرضٌ لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده”
قالوا: نزعة الإيمان بالخالق ليست بالضَّرورة أن تكون مطابقةً للحقيقة، بل قد تكون مجرَّد توهُّم أنتجته العشوائيَّة، قد تكون صفةً انتخبتها الطَّبيعة لتساعد الإنسانَ على البقاء، وسنبحث عن سببٍ ماديٍّ لنزعة التَّديُّن، وبدأتْ بالفعل تتشكَّل مجالاتٌ معرفيَّةٌ خاصَّةٌ لدراسة هذه الظَّاهرة فقد تفرَّع عن علم الأعصاب الـ(Neuroscience)، ما بات يعرف بـ (neurotheology)، أي: علم اللَّاهوت العصبيّ؛ وهو مجالٌ بحثيٌّ يسعى للكشف عن طبيعة الصِّلة بين الجهاز العصبيّ وظاهرة التَّديُّن، بل بلغ الأمر إلى التَّفتيش عن جينٍ مسؤولٍ عن نزعة التَّديُّن هذه فقد نشر عالم الجينات الأمريكي دين هامر “Dean Hamer” كتابًا سنة 2005 بعنوان:(The God Gene: How Faith Is Hardwired into Our Genes) يعني: (الجين الإلهي: كيف ضُمِّن الإيمانُ في جيناتنا)،
بدايةً، لاحِظ أنَّ هؤلاء الملحدين لم يبحثوا عن تفسيراتٍ ماديَّةٍ لقناعة بعض النَّاس بوجود التِّنِّين، ولا لأمثلة الملحدين السَّخيفة الَّتي يضربونها؛ ليقولوا أنتم تفترضون وجود إلهٍ، وأيُّ إنسانٍ قد يفترض شيئًا آخر، كوحش الإسباغيتي الطَّائر، أوالإبريق الدَّائر في الفضاء لأنّه فرقٌ -كلَّ الفرق- بين هذه المعتقدات والأمثلة السَّخيفة، وفي المقابل نزعة التَّديُّن الأصيلة، شديدة العمق في الجنس البشريِّ
سنرى في حلقةِ (الشُّعور بالإرادة الحرَّة) بُطلان محاولة تقديم تفسيرٍ ماديٍّ جينيٍّ لكلِّ شيءٍ وتحوُّله إلى سخافةٍ مُبتَذَلةٍ ومع ذلك نقول: فلنفترِض جدلًا أنَّكم وجدتم جيناتٍ لنزعةِ التَّديُّن، وأخرى للضَّروراتِ العقليَّة، ومجموعةً ثالثةً للأخلاق، ورابعةً للغرائز، وخامسةً للشُّعور بالغائيَّة، ومجموعةً سادسةً من الجينات للإرادة الحرَّة، وهو ما يبدو متناقضًا طبعًا، كأنَّنا نقولُ: جيناتٌ تجبرك على أن تكونَ حرًا! لكن، فلنفترض.. فلنفترض أنَّكم وجدتُم هذا كلَّه، ما هذه الحُزمة المتناسَقة الموجَّهة الَّتي تجعل النَّاس مؤمنين بوجود خالق، محبِّين لعبادته، مُلتجِئين إليه، مالكين لضروراتٍ عقليةٍ يفهمون بها مُرادَه، ونزعةٍ أخلاقيِّةٍ منسجمةٍ مع أوامِره، وشعورٍ بالغائيَّة يدفعهم للبحث عن مراده والالتزام به، وإرادةٍ حرَّةٍ يختارون بها طاعته أو معصيته، وغرائز تضمَن استمرار جنسهم في هذه الأرض خلال فترة اختبارهم…؟ حتَّى لكأنَّ عشوائيَّتكم تعبُّد ربَّنا! إن وجدتم هذه الحزمة، فما هو إلَّّا دليلٌ آخرٌ على عِظم هذا الخالق، الَّذي أودَعَها في البشر، وكامَلَ بينها وجعلها منسجمةً مع أوامره الشَّرعيَّة
الفطرة من جديد
لم يكن الإلحاد في يوم من الأيام سلوكاً يتلاءم مع الفطرة. بل هو عصي عليها، ولا أدل على ممانعته ومنافرته لوازع الفطرة من أنه قرار واع يتخذه الإنسان في وقت متأخر من حياته. الإيمان حاجة معبرة عن كيان الإنسان برمته، لا معبرة عن مكون معرفي فحسب، يتمتع به الآدمي ثم يلغيه كما نفعل حين نعيد تهيئة القرص الصلب. بعبارة أخرى: الإيمان بالخالق ليس مجرد معلومة أو فكرة، وإنما حاجة واتجاه. ولذلك اتفق التطوريون المهتمون بدراسة الدين من منظور طبيعي على أنه يتمتع بأصل بيولوجي ولكنهم اختلفوا في دوره أو وظيفته function، فمنهم من قال إنه يساعد على التكيف، ومنهم من قال إنه غلطة للطبيعة![1]
القول بأن الإيمان حاجة واتجاه فرع لازم عن الفقر الذاتي للإنسان في مقابل الغنى الذاتي لخالقه، ومن بين وعينا بطرفي هذه النسبة يتولد إدراكنا لمعنى العبودية من جهة العبد والإنعام من جهة الخالق. لما كان الإيمان بالنسبة لنا عبارة عن حاجة أو اتجاه فإن غاية ما يفعله الملحد هو توجيه هذه الطاقة باتجاه نفسه أو تبديدها في اتجاهات أخرى، كما أشار الفيلسوف بول تيليش[2] Paul Tillich، فيصبح هدف الطاقة الجديد هو المحور الذي يدور حوله إدراكنا لمعنى الحياة. هذا ما يحدث بشكل خاص لضحايا الأزمات الوجودية، وجودية سارتر، وكافكا، وكامو، ونيتشه، وهكذا. يقول فولتير: “لو لم يوجد الإله لكان من الضروري اختراعه”، وفولتير بالمناسبة من عظماء الغرب، وكثيراً ما تستعمل عبارته هذه للتلويح بإلحاده أو بصحة خيار الإلحاد نفسه، وهذا غير صحيح. فلا هو ملحدٌ ولم يرِد بها إلحادًا. فولتير يريد أن يخبرنا أن الإيمان بالخالق – كما ذكرت آنفاً – ليس فقط نتيجة ممارسة منطقية على الطريقة الأرسطية، أو استدلال رياضي احتمالي على طريقة بليز باسكال، أو حتى معالجة فكرية استجابة لشرط النظر قبل الإيمان كما عند المتكلمين من أشاعرة وغيرهم، وإنما هو شيء وراء ذلك وأكبر منه؛ إنه حاجة تلح على وعينا واعتراف نابع من وجداننا، وهو شيء نعلمه من خبرتنا الذاتية subjective experience حق العلم؛ ولكن ما العمل إذا كانت مضمون الخبرة الذاتية بالنسبة للملحد وهم لا علم؟
لا يدرك الكثير أن هذا الافتراض من قبل الملحد مبني على فهم مغلوط للعقل نفسه. فالتصور الصحيح للعقل يقضي بأن مطالب العاطفة واتجاهات الوجدان مضمّنة في عمل العقل وعملية اتخاذ القرار. أما التصور المغلوط للعقل فيزعم أن خبراتنا الذاتية تنتمي إلى فضاء آخر غير فضاء العقل، وهذا غير صحيح.
لقد أدرك الغرب في وقت متأخر أن العقل ينطلق من أسس عاطفية وفكرية معاً، وتقوده اتجاهات أخلاقية. هذا ما أكده جمع من العلماء والباحثين كجورج لاكوف George Lakoff، ومارك جونسن Mark Johnson، وأنتونيو داماسيو Antonio Damasio، وغيرهم.
ما معنى هذا الكلام؟ معناه أن الملحد عندما يتخذ قرار إلحاده فإنه يكون قد استجاب لتفكير يقوده مطلب عاطفي ما، وليس لـ”منطق خالص” أو “فكر محض”، فإنه لا وجود -بحسب عالم الأعصاب والوعي أنتونيو داماسيو- لشيء اسمه “فكر” من غير أساس “عاطفي”.
ولذلك ذهب كل من لاكوف وجونسن إلى أن التصور الحديث للعقل يشكل تحد للعقل الغربي المتأثر بالمفهوم الفلسفي اليوناني ومن ثم الديكارتي للعقل. وكذلك نزيد فنقول أن التصور الجديد للعقل متسق تمام الاتساق مع التصور القرآني النبوي للعقل، فهو ليس محتجزاً في الدماغ وإنما قابع في وسط النفس ومتصل بالدماغ، بل إنه كما يقرر داماسيو حصيلة اتصاله بمطالب الكائن الحي كله. أزعم أن سؤال الفطرة يعود مجدداً مع التصور المتكامل للعقل، وأزعم أن الملحد عندما يتخذ قرار إلحاده فإنه يفعل ذلك بعد أن يعمل على “تحييد” neutralization إملاءات المكون الوجداني في العقل، ويفسح المجال أمام ما يتصور هو أنه “الفكر المحض” أو “المنطق الخالص”. وعندما نقول “تحييد” فهذا يعني أنه لا يعمل على تعطيل إملاءات المكون الوجداني فضلاً عن إلغائها، وإنما يمارس ما يعرف في علم النفس بـ “الإزاحة” أو “التنحية”، أو “القمع” suppression، وأكبر دليل على أن هذا هو الواقع هو أن كثيراً من الملاحدة الذي ظنوا أنهم قد اتخذوا قرار إلحادهم بناء على ما يمليه العقل الصحيح – في تصورهم – عادوا للإيمان بالخالق، فهل يُتصور أنهم عادوا بعد أن استأصلوا داعي الفطرة بقرار إلحادهم الأول؟ أم عادوا لأنهم رفعوا عنه حظر “التحييد” واتصلوا به من جديد؟
[1] Sanderson, S. K. (2008) Adaptation, Evolution, and Religion, Religion, 38: 141-156.
[2] Smith, Huston (1990) Postmodernism’s Impact on the Study of Religion. Journal of the American Academy of Religion, Vol. 58, No. 4, p. 659.
الفطرة والكمبيوتر
أيُّها الأحبَّةُ، سنَبدأُ اليومَ بأصلِ الأصولِ: بإثباتِ وجودِ اللهِ عزَّ وجلَّ، لِنُؤسِّسَ القاعدةَ الَّتي منها ننطلقُ إلى ما بعدَها.
بدايةً إخوانِي، ما الَّذِي يدُلُّنا على وجودِ اللهِ؟ إنَّها الفِطْرةُ والعقلُ.
وسنتكلَّمُ في البدايةِ عنِ الأدلَّةِ الفطريَّةِ: ما هيَ الفطرةُ؟ كثيرًا ما نسمعُ هذهِ الكلمةَ، ماذا تعنِي؟ وكيفَ تدُلُّ على وجودِ اللهِ تعالى؟
الفطرةُ هي قُوًى واندفاعاتٌ مودَعَةٌ في نفسِ الإنسانِ، تظهرُ آثارُها أثناءَ نموِّهِ وتفاعلِهِ معَ بيئتِهِ، بدءًا مِن الْتِقامِهِ ثديَ أُمِّهِ ليرضعَ، ثمَّ انجذابِهِ للحقائقِ والأخلاقِ السَّليمةِ.
يمكنُ تشبيهُ الفطرةِ للإنسانِ، بنِظامِ التَّشغيلِ للحاسوب “Operating System”
نظامُ التَّشغيلِ هذا لهُ مكوِّناتٌ تتعاونُ وتأتلفُ فيما بينَها لتُعطيَ إنسانًا سَوِيًّا، لاحِظْ قولَ اللهِ تعالى:}لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ{
فأحسنُ تقويمٍ: يشملُ المكوِّناتِ الفطريَّةَ اللّازمةَ لتحقيقِ الغايةِ مِنْ خلقِ الإنسانِ، وهيَ تُفهَمُ كذلكَ منْ قولِ اللهِ تعالى حِكايةً عن موسى عليهِ السَّلامُ: }رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ{
فإنَّ مِمَّنْ هدَى: الإنسان؛ فاللهُ تعالى أحسنَ تقويمَ الإنسانِ، وهداهُ بالفطرةِ.
فهداهُ بالفطرةِ إلى:
1- الإقرارِ بأنَّ لهُ ولهذا الكونِ خالقًا مُدبِّرًا، والشُّعورِ بالحاجةِ إلى هذا الخالقِ، وكذلكَ اللُّجوءِ إليهِ عندَ الشَّدائدِ.
2- وهداهُ بالفطرةِ الَّتي ستُكَوِّنُ لديهِ المُسَلَّماتِ العقليَّةَ، والَّتي بِها يَفهمُ خطابَ هذَا الخالقِ وتكليفَهُ إِيَّاهُ.
3- وهداهُ إلى السُّؤالِ عنِ الغايةِ منْ وجودِهِ، ومصيرِهِ بعدَ موتِهِ، بما يُكَوِّنُ القوَّةَ الدّافعةَ للبحثِ عن أمرِ خالقِهِ، والعملِ بهِ.
4- وهداهُ أيضًا إلى النَّزعةِ الأخلاقيَّةِ مِنْ محبَّةٍ فطريَّةٍ للخيرِ والعدلِ والصَّلاحِ، وكراهيةٍ للشَّرِّ والظُّلمِ والفسادِ بما ينسجمُ معَ أوامرِ الخالقِ الشَّرعيَّةِ، فيميلُ إلَيها الإنسان ُويحبُّها.
5- وهداهُ للشُّعورِ بالإرادةِ الحُرَّةِ، بما يجعلُهُ مختارًا لأفعالِهِ في طاعةِ الخالقِ أو معْصيَتِهِ: «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ»
6- وهداهُ إلى الغرائزِ اللّازمةِ لِمَعيشتِهِ بشكلٍ سَويٍّ ما دامَ في فترةِ الاختِبارِ على هذهِ الأرضِ، كغريزةِ الأمومِة، وغريزةِ حُبِّ البقاءِ.
هذا التَّعريفُ المُوَسَّعُ للفطرةِ تجدُ قريبًا منهُ في كلامِ ابنِ عاشورَ في (التَّحريرِ والتَّنويرِ) عندَ قولِ اللهِ تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»
فهيَ إذًا حُزْمةٌ فطريَّةٌ، تتعاونُ بشكلٍ عجيبٍ لتُنتجَ إنسانًا سوِيًّا يعملُ لغايةٍ.
قد يحجُبُ الفطرةَ ما يحجُبُها أثناءَ مسيرِ الإنسانِ.
قد يُغالِبُها الإنسانُ، ويَصُمُّ أُذُنَيْهِ عنْ ندائِها، بلْ ويكبِتُها ويطمِسُها؛ فلا يعودُ يسمعُ هذا النِّداءَ العميقَ، لكنَّ هذا كُلَّهُ لا يُلغي حقيقةَ أنَّها موجودةٌ أصالةً وابتداءً فيهِ قبلَ هذِهِ المُغالَبةِ، وتبقى تهجُمُ عليهِ الفَيْنةَ بعدَ الفَيْنةِ، وتنجذبُ لما ينبشُ عنها وينفضُ الرُّكامَ المُتجمِّعَ عليها.
لذا فالفطرةُ تشكِّلُ مأزقًا كبيرًا للملحدينَ، فالفطرةُ تشكِّلُ بالنِّسبةِ لهمْ تدخُّلًا خارجيًّا من قوَّةٍ مُريدةٍ عليمَةٍ، مُتعاليةٍ عن التَّفاعلاتِ لبيوكيميائيَّةِ العشوائيَّةِ
وَرْطةُ الملحدينَ هيَ كوَرْطةِ شخصٍ قالَ لكَ: هذا جهازُ حاسوبٍ تكوَّنَ بِمَحْضِ الصُّدفةِ تركَّبتْ أجزاؤُهُ وتناسقَتْ دونَ صانعٍ، وإنَّما رياحٌ عاصفةٌ هَوْجاءُ جمَّعتْهُ على هذا النَّحْوِ.
فتحْنَا الحاسوب، فإذا فيهِ نظامُ تشغيلٍ كاملٌ متناسقٌ، وبرامجُ لكلٍّ منها غايةٌ.
كيفَ تُفسِّرُ وجودَ هذهِ البرامِجِ أيُّهَا الملْحِدُ؟
إنْ بَلعْنا أُكْذوبَتَكَ المُضحِكةَ عن الجسمِ الصُّلبِ للحاسوبِ، فكيفَ تُفسِّرُ وجودَ هذا المُحتوَى البرمَجِيِّ على الجهازِ؟
التَّفاعلاتُ الحيويَّةُ الكيميائيَّةُ المجرَّدةُ، والطَّفراتُ العشوائيَّةُ والانتخابُ الطَّبيعيُّ، لو تجاوزْنَا أنَّها لا يمكِنُها خلقُ إنسانٍ، وسلَّمْنا لكُم، وقلْنا: خَلقَتْ إنسانًا وبثَّتْ فيه الحياةَ، هذهِ المعاني العمياءُ كلُّها: مِنْ أينَ لها أنْ تودِعَ في عقلِ هذا الإنسانِ ونفسِه هذهِ الحزمةَ المتناسقةَ الموجَّهةَ؟
وكيف تُفسِّرونَ تكوُّنَ هذهِ الحُزْمةِ -هِيَ هِيَ- في كلِّ نفْسٍ جديدةٍ تولَدُ؟
أقرَّ بعضُ الملحدينَ بالمأزقِ ومنهُمُ الفيلسوفُ البريطانيُّ الملحِدُ توماس نيجل ” “Thomas Nagel في كتابِهِ المعروفِ بعنوانِ:
(Mind and Cosmos: Why the Materialist
?Neo-Darwinian Conception Of Nature is Almost Certainly False ــ العقلُ والكونُ: لماذا التصوُّرُ الدارويني الجديد للطَّبيعةِ يكادُ يكونُ خطأً قطْعًا؟)
والكتابُ يستعرضُ ثلاثَ قضَايَا أساسيَّةٍ، موضِّحًا عجزَ المادِّيَّةِ الدَّاروينيَّةِ عن تقديمِ حلٍّ لها وهي:
الوعيُ
والإدراكُ
والقِيَمُ
ومعَ ذلِكَ، بقيَ الكاتبُ مُلحدًا.
أمّا عامَّةُ الملحدينَ، فكيفَ تعامَلُوا معَ الورْطَةِ؟ تردَّدوا بينَ إنكارِ فِطْريَّةِ هذهِ المُكوِّناتِ.
أيْ أنَّ منهُمْ منْ أنكرَ وجودَ هذهِ المكوِّناتِ في الإنسانِ -ابْتداءً- معَ ولادتِهِ، واعتبرَها من تأثيراتِ التَّربيةِ والبيئةِ الاجتماعيَّةِ، ومنهمْ منْ أقرَّ بوجودِها لكنْ حاولَ إيجادَ تفسيراتٍ ماديَّةٍ لها.
والطَّرفانِ وقَعَا في أعاجيبِ التَّخبُّطِ والتَّناقضِ واللَّا معقولِ، كما سنرى بإذنِ اللهِ
كانَ هذا بيانًا لتعريفِ الفطرةِ، ولإشكاليَّةِ الملحدينَ الإجماليَّةِ معَها.
روبوتات من لحم
يقولُ الإسلامُ: إِنَّ من الفطرةِ الَّتي أَوْدَعَها الخالق في الإنسان، شعورَ هذا الإنسانِ بالإرادة الحرَّة في الأفعال الَّتي تقع تحت اختياره، وأنَّ هذه الإرادة الحرَّة عدلٌ إلهيٌّ، ليتحمَّل الإنسان نتائج اختياراته، فيُثيبَهُ اللهُ إِنْ أحسنَ، ويعاقبَهُ إِنْ أساء.
ويقول الإلحاد: لا خالق، ولا فطرة، ولا روح، بل نحن عبارةٌ عن مادَّةٍ فقَط، مجموعةٍ من الذرَّات.
قيل للملحدين: فكيف تفسِّرون حقيقةَ أنَّ الإنسان يجدُ من نفسه حريَّةَ الاختيار في أفعاله؟
يشتري أو لا يشتري، يتكلَّم أو لا يتكلَّم، يكتب أو لا يكتب؟
الذرَّات التي يتكوَّن منها الإنسان، لا وعيَ لها ولا اختيار، إنَّما تتَّبِع قوانينَ كيميائيَّةً حيويّةً معروفةً. فإن كان الَّذي يحكُمنا هو ماديَّةَ هذه الذّرَّات، إن كانت أفعالنا هي نتيجةً محضةً لجيناتٍ ونبضاتِ الخلايا العصبيَّةِ التي أوجَدَتْها الصُّدفة فنحن لسنا إلَّا روبوتات مُسَيَّرة لتعمل أعمالاً محدَّدةً.
هل رأيتم روبوتًا يختارُ بنفسه عملاً غير الَّذي بُرمِجَ عليه؟!
وكذلك نحن -حسَب مادّيَّتِكم- روبوتاتٌ لحميَّة كالرُّوبوتات المعدنيَّة.
فكيف تفسِّرون الإرادة الحرَّة بعد هذا كلِّه؟
هذه من الأسئلة التي يَرُدُّ عليها الملحدون بتخبُّطٍ وحيرةٍ، كما في هذا اللِّقاء لِريتشارد دوكينز “Richard Dawkins” ولورنس كراوس “Lawrence Krauss” حيث يعترف دوكينز بأنَّ هذا السُّؤال يخيفه، وأنَّ قناعاته العقليَّة الماديَّة بعدم وجود إرادةٍ حرَّة تتعارضُ مع انطباعه الشّخصيِّ القويِّ بوجودها.
وعلى عادة الملحدين، تهرَّبوا من المأزق بإنكار الحقائق الواضحة ومخالفة بدهيَّات العقل.
فأنكر كثيرٌ منهم وجود الإرادة الحرَّة، كما أنكروا من قبلُ الضّروراتِ العقليَّةَ، وقيمة الأخلاق، ونزعةَ التّديُّن، والشّعور بوجود غايةٍ للحياة.
فترى دوكينز يقول في كتابه (نهرٌ من عدن) “River out of Eden”: “الشّيفرة الوراثيَّة لا تكترث ولا تدري، إنَّها كذلك فقط، ونحن نرقص وفق أنغامها”، أي بمعنى آخر: نحن روبوتات تحكمها الجينات.
وترى عالِمَ الأعصاب الملحد سام هاريس “Samuel Harris” يؤلِّف كتابًا بعنوان: الإرادة الحرَّة، يقول في أوَّله: “الإرادة الحرَّة وَهْمٌ”، ويصف الإنسان فيه بأنَّه: (Biochemical puppet) أي: دميةٌ كيميائيةٌ حيويةٌ، وهو ما تُعبِّر عنه أيضًا الصُّورة على غِلاف كتابه، ومع ذلك، يفتخر على الغلاف بأنَّه صاحب أحد أكثر الكتب مبيعًا بعنوان: (نهاية الإيمان).
فهذا الإنجاز العظيم الذي نشره الملحدون التَّنويريُّون: إقناع أتباعهم بأنَّه لا إله، وأنَّهم مُجرَّدُ دمىً متحركةٍ.
وترى بروفيسور البيئة والتّطوُّر جيري كوين “Jerry Coyne” يكتب مقالاً بعنوان: “أنت لا تمتلك إرادةً حرَّةً!”.
وهذه بالفعل هي الرُّؤية المتوافقة مع الإلحاد والمنهج المادّي، أنَّه يجب ألَّا تكون هناك إرادةٌ حرَّةٌ.
لكن، هل بالفعل هربَ الملحدون بإنكارهم هذا من المأزق؟ أم أنَّهم أوقعوا أنفسهم في بحرٍ من التّناقضات والأسئلة الَّتي لا تَنتهي؟
فإذا كان الإنسان فاقد الاختيار بالفعل، فما المبرِّرُ لمعاقبته إِنْ أجرم وقتل وسرق واغتصب وعذَّب وفعل الشنَّائعَ كلَّها؟ لماذا نعاقبه وهو ضحيَّةٌ لجيناته التي تُسَيِّرُهُ رغماً عنه؟ وإِنْ كان صاحب الكرم والإيثار والتَّضحية، مجبورًا على أفعاله، فما المبرِّر للثَّناء عليه؟
ثمَّ أليس من الغريب أنَّ سام هاريس الذي يصف النَّاس بأنَّهم دُمىً بيوكيميائيَّةٌ هو نفسه الذي اقترح إلقاء قنبلةٍ نوويَّةٍ على المسلمين للتّخلِّصِ من شرورهم؟! أليس من الغريب أيضًا، حِرصُ الملحدين الشَّديد على إلغاء ما يسمُّونه “وَهْمَ الإله” من الوجود مع فتورٍ واضحٍ عن إزالة الوهم الآخر في نظرهم، وَهْمِ حريّةِ الإرادة البشريَّة؟ مع أنَّ هذا الوهم يجعل النَّاس يعاقِبون المجرمين المساكين المجبورين على إجرامهم.
ثمَّ إِنْ لم تكن هناك إرادةٌ حرَّةٌ، إِنْ كان المؤمن مجبورًا على إيمانه، والملحد مجبورًا على إلحاده، فلمذا يتحمَّس الملحدون للدَّعوة إلى إلحادهم إِنْ لم يكن لدى الإنسان إرادةٌ حقيقيَّةٌ يستطيع أن يغيَّر معتقدَهُ من خلالها؟
أليس من الطَّريف جدًّا أن يؤلِّف الملحدون كتبًا ليقنعونا من خلالها بأنَّه لا وجود للإرادة الحرَّة، مع أنَّ ذلك يعني أنَّه ليس هناك أيُّ فعلٍ عقلانيٍ في تأليفهم هذا، وإنِّما حروفٌ تمَّ صفُّها بضغط تفاعلاتٍ بيوكيميائيَّةٍ، ومعلومٌ أنَّه ليس من أجندة هذه التفاعلات طلبُ الحقِّ فضلاً عن إصابته.
وما قيمة التعلَّم إن كان الإنسان فاقدًا للإرادة الحرَّة الَّتي يختار من خلالها المعارف الصَّحيحة دون الباطلة، إِنْ كان مدفوعًا رغمًا عنه إلى نتائجَ محدَّدةٍ، بغضِّ النَّظر أَهِيَ صحيحةٌ أَمْ باطلةٌ؟
أليس من المعلوم أنَّ أصل كلمة (عَقْلٌ) في اللُّغة العربيَّة هو: (المنعُ)؟
فعقل الإنسان يمنعه أن ينساق خلف أيِّ شيءٍ كالبهيمة.
أفلا يكون الملحدون لذلك بلا عقول، لأنَّهم بإنكارهم للإرادة الحرَّة، مدفوعون لما يفعلون، دون شيءٍ يحجزهم؟
أليس من المضحك بعد هذا كلِّه أن يلقِّب الملحدون أنفسهم بالمفكِّرين الأحرار “Free thinkers”؟ مع أنَّه في ظلِّ إنكارهم للإرادة الحرَّة وإنكارهم للمُسلَّمات العقليَّة -كما بينَّا في الحلقة الخامسة- فإنَّ الإنسان لا يمكن أنْ يكون مفكِّرًا ولا أَنْ يكون حُرًّا. أليس من المضحك أن يتكلَّم الملحدون عن كرامة الإنسان مع أنَّ إلحادهم يعني، إنسانًا بلا عقلٍ، بلا أخلاقٍ، بلا غايةٍ، بلا إرادةٍ حرَّةٍ، إنَّما وَسٌخ كيميائيٌّ، تحرِّكه الصُّدفة كالدُّمية؟
تساؤلاتٌ لا تنتهي، تلطِمُ وُجُوه الملحدين الَّذين أنكروا الإرادة الحرَّة وأنكروا الرُّوح، وادَّعَوْا أنَّنا مادَّةٌ مجرَّدَةٌ، وأنَّ جيناتنا هي التي تسيِّرُنا.
المواطن الملحد: خطر الإلحاد على المجتمع
“إذا كان المرء لا يؤمن بوجود إله ليُحاسبه، إذن ما هي الفائدة من محاولة تعديل تصرفاتك لتبقى في الحدود المقبولة؟! هذا ما اعتقدته على أي حال، كنت دائمًا أعتقد بأن نظرية التطور حقيقة، بأننا أتينا من الوحل: عندما نموت، لا يوجد شيء!”
– السفاح الملحد جيفري دامر
“If a person doesn’t think there is a God to be accountable to, then—then what’s the point of trying to modify your behavior to keep it within acceptable ranges? That’s how I thought anyway. I always believed the theory of evolution as truth, that we all just came from the slime. When we, when we died, you know, that was it, there is nothing…”
– Jeffrey Dahmer, Interview with Stone Phillips, Dateline NBC, Nov.29, 1994.
البط الأسود
لا شك أن طلب الشعور بالتميز هو أحد مداخل الهوى والغرور عندما ينشأ من نقصٍ حقيقي في النفس وليس عن استحقاق ممدوح من الآخرين، مثل ذلك مثل الأعرابي الذي أحزنه عدم شهرته بين الناس، فلمّا قدِمَ مكةَ -وعلى طريقة خالِف تُعرف- تبولَ في بئر زمزمَ وتحمل الضرب واللوم على ذلك فقط ليشتهر!
ومن هنا حُق لنا أن ننظر إلى رؤية الملحدين لأنفسهم على أنهم (البط الأسود) الشاذ وسط سائر البط فاتح اللون! لأنه -وفي نفس الوقت أيضًا- يراهم الناس بالفعل عنصرًا شاذا بينهم، فما هو السبب يا ترى؟ ولماذا تتفق سائر المجتمعات في العالم على استبعاد (البط الأسود) من بينها أو النظر إليه نظرةً دونيةً لا ترتقي للاحترام الحقيقي -وبعكس محاولات التلميع الإعلامي المستمر- للملحدين؟
سر التميز؛ نقمة عند الملحدين
نظرت يومًا في حالهم لأعرف سر اضطهاد الناس والمجتمعات لهم؟ فهم من كل مستويات الحياة من الشاب الصعلوك إلى العاهرة إلى الدكتور الجامعي إلى الموظفة المُتعلمة وحتى منهم عالم الفيزياء أو الأحياء. بل وكذلك ما قد يصدر عنهم من جرائم أو تعديات فلن أكذب وأنفي إمكانية صدور مثلها من أصحاب الديانات أو العلمانيين!! إذن: ما هو سبب التميز (المذموم) الذي يجعلهم في خانة المنبوذ دومًا كما أشرنا إليه في مقالة سابقة(1) حيث رأينا فيها مثلا عنوان مقالة موقع الـ NCBI الشهير، عن عدم الثقة مطلقا في الملحدين(2):
“Do you believe in atheists?: Distrust is central to anti-atheist prejudice”
حيث اعتمد المقال على نتائج الدراسة التي قام بها البروفيسور ويل جيرفيس Will Gervais وزملاؤه وتم نشرها في مجلة (عِلم النفس الاجتماعي والشخصي) Journal of Personality and Social Psychology حول سبب عدم الثقة في مُعاملة الملحدين.
وكذلك عنوان مقالة موقع Scientific American بعنوانها التهكمي: نحن لا نؤمن بالملحدين(3): “In Atheists we distrust”
أو المقال البحثي بجريدة Washington Post والذي يتساءل: لماذا لا زال الأمريكيون لا يُحبون الملحدين؟(4)
“Why do Americans still dislike atheists”.
وذلك بناء على الدراسات الاستقرائية التي أكدت أن نسبة كراهية الملحدين في أمريكا وحدها بلغت 39.6%، وهو ما عبرت عنه جريدة News Junkie Post الشهيرة في عنوانها الصريح (Research Finds that Atheists are Most Hated and Distrusted Minority) عن أكثر الفئات كرها وانعدام ثقة.(5)
أقول: نظرت فيما يُميز الملحدين لكي يُصاحبهم ذلك الازدراء الدائم لهم في المجتمعات على اختلاف توجهاتها (إسلامية – نصرانية – دينية – علمانية) فوجدت أنه (انعدام الثوابت البديهية والمرجعية الأخلاقية أو القيمية لهم).
فكل المؤمنين -على اختلاف طوائفهم- يرضون بالثوابت البدهية العقلية ويقتنعون بها، مثل بديهة وجود صانع وخالق لكل هذا الكون الدقيق والمخلوقات المُحكمة، وأن العدم لا يخلق شيئا، واستحالة ظهور وعي وإرادة من مادة صماء بغير إله، وهو ما لا يتصف به الملحدون للأسف لكي يستقم لهم إلحادهم وتهربهم من الاعتراف بالله!
أيضًا كل المؤمنين لهم مرجعيات أخلاقية أو قيمية يُمكن أن تحاكمهم إليها إذا أخطأوا أو مالوا عنها -وحتى العلمانية كذلك لها قواعدها التي تقننها مثل احترام القوانين وعدم التعدي على الحقوق والحريات الشخصية ونحوه- إلا الإلحاد! فإنه يتجلى لنا شذوذه في هذه النظرة العدمية لأي مرجعية يمتلكها سواء في الأخلاق أو القيم أو القوانين أو الحريات.
ولا شك أن ذلك نابعٌ من غياب المفهوم الوجودي (الإيجابي) للملحد، وإلا فلكم أن تتخيلوا ملحدَا لا يرى في نفسه ولا غيره إلا مجموعة ذرات بلا روح تجمعت بالصدفة من غير هدف، ثم هي تتفرق أيضًا بعد عمر طويل أو قصير بلا أي قيمة ولا غاية وجودية في الحياة!! فملحد بهذه المرجعية لا يُتوقع منه إلا أن يكون إله نفسه، ومفهوم الصواب والخطأ عنده نسبي حسب حاجاته وشهواته وميوله ونزواته، حيث لا رادع يردعه عن الإجرام ونيل ما يريد إذا شعر بغياب الرقيب أو الحسيب، وذلك بعكس المؤمن والذي لديه تجسيد دائم للضمير الحي وملازم لفكره وداخلة نفسه سواء التزم به أو خرقه في بعض الأحيان.
لن نطيل في شرح هذه الخلفية العدمية للإلحاد والملحدين ولكن ننتقل إلى مظاهرها العملية التي تجعل من (المواطن الملحد) بطًا أسودًا شاذا بالفعل لا يرغب فيه أحد!
وصدقوني ستعجبون كثيرًا مما ستقرؤونه بعد قليل من تحليل الملحدين لأنفسهم جرائم قتل وإبادة واغتصاب وخيانة زوجية حسب الحاجة والشهوة التي لا مُحدد لها عندهم!
الانتماء والتضحية
إن الشعور بالانتماء والتضحية في الإنسان لا يمكن تغذيته ماديًا ولا بكل مال العالم وكنوزه، فقط المعتقدات والدوافع النفسية الاجتماعية والأسرية هي الرافد الوحيد له، وهو الشيء الذي يعرفه كل قادة العالم من ساسة وحكام وملوك، ولذلك ترى في الجيوش المؤمنة أنه يتم استدعاء وإشعال هذه الحالة الوجدانية من الانتماء والتضحية قبل أي معركة أو تحرك حاسم قد يتعرض فيه الجندي للإصابة أو القتل! –وهو نفس ما سمعناه من آبائنا عمّا تم معهم قبيل حرب 6 أكتوبر 1973م من زيارات لشيوخ ودعاة لمعسكرات الجنود لإشعال الحس الديني لديهم-.
والآن نعود إلى المقياس الإلحادي ونسأل: في أي مرجعية إلحادية أو قيمية نجد أنه لبعض الذرات المادية للآخرين الأولوية في البقاء على حساب ذرات جسد الملحد؟! أو حتى تستحق الإصابة من أجلها ولن نقول الموت!! العجيب أن علاقات الأبناء والآباء نراها تتحطم كذلك على أعتاب آليات البقاء للأقوى وتحت أقدام مؤسسي الأفكار الإلحادية المادية والتطورية التي يتغذى على أفكارها وإلهاماتها الملحدون، بل وإلى الدرجة التي نجد فيها داروين نفسه في كتابه (أصل الأنواع) يفترض وقوع مثل هذه الصراعات بين الأبناء للقضاء على الآباء والحلقات الوسيطة في التطور في زعمه(6)!
إذن -وبميزان اجتماعي نفسي بحت- فالملحد أبعد ما يكون عن الشعور بالانتماء أو التضحية -والتي تتخطى امتناع التضحية بالإصابة أو الموت إلى امتناع التضحية بالمال وبكل شيء لو صح إلحاده- فهل مثل هذا الصنف من (المواطنين) يرغب فيه أحد؟!
الأمانة وشهادة القضاء
لقد تكررت واقعتان مشهورتان للشعب الأمريكي كان الحدث المشترك فيهما هو انقطاع الكهرباء عن أكثر من ولاية في وقت واحد حتى أنهم يسمون الواقعة الواحدة منهما بـ (اليوم الأسود)، وتجدونه في أفلامهم الوثائقية الإنجليزية وفي أخرى مترجمة للعربية باسم (أمريكا في الظلام).(7)
في مثل هذه الوقائع رأى العالم القيمة العملية لمعنى كلمة (الضمير) الديني والإنساني، وكيف أن ذلك الضمير الذي يسبح ضد المادة وأنانية الإلحاد له أكبر الأثر في ضبط الأمان المجتمعي في حال ضعف أو غياب المراقبة (الرسمية) أو (الحكومية) في البلاد!
ففي الحالة العادية نرى التزام الأمانة في كل المحلات التجارية أو السوبر ماركت أو المولات الكبيرة، ونرى الأمن -من المفترض- وهو يخيم على الكثير من الشوارع والمنازل والبيوت لوجود الأمن والشرطة في الجوار يشاهدون ويراقبون ولكن: ماذا عندما تنقطع الكهرباء أو الطاقة فتتوقف كاميرات المراقبة والتصوير ويسود الظلام الشوارع والمنازل والبيوت؟
نقول أنه بالنسبة للمؤمن بإله رقيب حسيب مُطلع على كل أحواله: فلن يفرق الأمر معه كثيرًا لأنه إذا غاب النور فإن رب الظلمة والنور لا يغيب!! ولأنه إذا هرب المجرم بفعلته في الدنيا فماذا سيفعل في حساب الآخرة أمام مَن لا تخفى عنه خافية؟!
ورغم أن السرقة والتعدي يمكن صدورهما من مؤمن ضال مُخطئ أو مُذنب كما قلنا، إلا أن المؤمن أو العلماني تستطيع أن تحاكمه إلى مرجعيته الأخلاقية أو القيمية فتقيم عليه الحُجة، حيث يُمثل التفكير في ذلك بالنسبة له رادع (عقلي) و (قلبي) أولي قبل الشروع في أي تعدي أو جريمة، ولكن الملحد: من أين له بمثل هذا الرادع إلا خوف العقاب وهو ما سقط بسقوط الرقابة وكاميرات التصوير وحلول الظلام الدامس؟
هذا مثال بسيط وسريع على مفهوم (الأمانة) من حيث وجودها عند المؤمن والملحد، ويُقاس على ذلك المثال أمثلة كثيرة جدًا لا تنتهي من حياتنا اليومية للأسف ولا يُمكن فيها الوثوق أبدَا بأمانة الملحد لانعدام هذه المرجعية الأخلاقية أو القيمية لديه والتي تبيح له فعل وتسويغ أي شيء في أي وقت حسب مصلحته وحسب شهوته!! بدءًا من العثور على ورقة نقود في الشارع دون أن يره أحد، وانتهاءًا بخيانة الأعراض والزوجات للأقارب والجيران والمعارف والأصدقاء!
فإذا كان الوضع كذلك، فما هي نسبة صحة شهادة الملحد في المحاكم؟!! ولكم أن تتصوروا الفاجعة….
001
لقد نشأنا منذ الصغر ونحن نرى في بلادنا الإسلامية والعربية -وحتى الأجنبية كما في الأفلام والمسلسلات– حرص القاضي دومًا على أن يؤدي الشاهد اليمين أو القسم أو الحلف وذلك لإحراجه أمام ضميره –ذلك الضمير اللامادي الذي لا يعترف بوجوده الملحد أصلا- وهنا لنا أن نتخيل ذلك الموقف المُضحك عندما يقف الملحد في القاعة ويطلب منه القاضي أداء اليمين، فعلى ماذا سيُقسم وبماذا يَدين؟!
هي صورة هزلية في الحقيقة أنتجتها انعدامية معاني الأخلاق والأمانة لدى الملحد المادي لتحل محلها معاني المصلحة الشخصية أو الانتهازية أو مصلحة مَن يدفع أكثر؟
ونفس ما قيل في حديثنا عن الأمانة من احتمالية وقوع مثل هذه الخيانات من مؤمنين -ولا ننكر ذلك رغم أنه يُرفع عنهم وصف الإيمان في تلك اللحظة- إلا أنه وكما وضحنا من قبل فهناك فارقٌ جوهريٌ في وجود رادع عقلي قلبي قبل الجريمة؟
وهو ما يجعل المؤمن مترددًا قبلها أو ينزع للتوبة بعدها، أما عند الملحد فلا. يقول تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء 58.
وهذا ينطبق على رد الودائع والتعامل بالأمانة مع المسلم والكافر على حدٍ سواء، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغم كل ما عاناه من كفار مكة قومه: إلا أنه راعى أمانته معهم حيث كانوا يودعونه أشياءهم رغم عدائهم له -وكيف لا وهم الذين عرفوه طول حياته بالصادق الأمين؟!-. فنراه في الهجرة يترك عليًا رضي الله عنه في بيته ليرد لهم ودائعهم وأمانتهم.
وأما في شهادة الحق فيقول جل في علاه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) النساء 135. والآية لا تحتاج إلى شرح، وقد عدّها القائمون على كلية القانون بجامعة هارفارد Harvard University إحدى أعظم مقولات العدل في التاريخ الإنساني!! فاختاروها لتكون من ضمن المنقوش على الحائط الرئيسي المواجه للمدخل.(8)
002
فهل رأينا معًا إلى أي مدى سيكون تأثير (المواطن الملحد) في أمن وأمان وأمانة المجتمعات؟ طبقوا تلك الرؤية إذن بشكل أوسع في الأعمال الهامة والحساسة لأي دولة أو مجتمع مدني بل وفي مسائل الزواج والتربية والتعليم والرعاية. نطالع مثلا في المقالة التي أشرنا إليها أعلاه (نحن لا نؤمن بالملحدين)؛ أن أغلب الأمريكيين لا يقبلون أن يُدرس لأبنائهم مدرسا ملحدا.
لماذا هؤلاء صادقون مع أنفسهم في استبعاد (المواطن الملحد)؟
يقول الكاتب الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي (توفي 1881م) في آخر وأروع رواياته التي تغوص في النفس الإنسانية بمشرطها الدقيق –قصة الإخوة كارامازوف-: ” لو لم يكن هناك إله، فكل شيء مُستباح”!(9)
وهو مصداق ما قاله من قبله الفيلسوف والطبيب والمفكر الإنجليزي جون لوك John Locke أحد مؤسسي الدولة المدنية الحديثة (توفي 1704م): “لا يمكن التسامح على الإطلاق مع الذين يُنكرون وجود الله… فالوعد والعهد والقسَم من حيث هي روابط المجتمع البشري: ليس لها قيمة بالنسبة إلى الملحد!! فإنكار الله حتى لو كان بالفكر فقط: يُفكك جميع الأشياء”.(10)
وهكذا لا تنتهي سلسلة الحُكم العاقل على (البط الأسود) بالشذوذ والإفساد النفسي والمجتمعي وإلى اليوم، وقد اخترنا مقالة اثنين فقط من القدامى لنرى دقة نظرتهم في الملحد الذي وصل اليوم لأشنع مما كان عليه في وقتهم بكثير!!
فإلى أي مدى صدقت توقعاتهم تلك؟
إفساد العلم
الملحد هو الشخص الوحيد الذي إذا رأى ماكينة ما وتوصل إلى كيفية عملها: فعليه أن ينفي ساعتها أن يكون لها صانع! لأن هذا هو ملخص إلحاده المزعوم عندما ينظر لأي ظاهرة في الكون أو المخلوقات فيزعم أنه ليس لها خالق ولا صانع طالما استطاع أن يعرف طريقة عملها أو تأديتها لوظيفتها! أيضًا هو الوحيد الذي إذا جلس أمام برنامج حاسوبي ولم يعرف وظيفة أحد الأزرار: فعليه أن ينفي ساعتها أن يكون للبرنامج صانع أو مبرمج أو مُصمم!
فبئس العلم ساعتها؛ هذا العلم الذي يزدري العقل والمنطق! ولا ينتهي الشذوذ والإفساد عند هذا الحد، ولكن نرى المزيد من تدليسات (المواطن الملحد) للحقائق عندما يزعم أن العلم لا يؤمن بوجود إلا كل ملموس ومُشاهد!! فهذا لعمرُ الله داءٌ ما له دواء عند العقلاء!! إذ معلوم أن العلماء قد أثبتوا وجود الجاذبية الأرضية مثلا والإلكترونات والفوتونات وغيرها من مجرد آثارهم فقط رغم أنه لم يرهم أو يلمسهم أحد!! وقد شرحنا كل ذلك من قبل في مقالة العدد الماضي.(11)
العجيب هنا -وعلى النقيض من ذلك- نرى الملحد يستميت في إثبات خرافاته الإلحادية وخيالاته الافتراضية -فكرة التطور كمثال- بغير دليل مادي واحد ملموس حسب طريقة تفكيره!! وذلك إما بالمسارعة إلى (إله فجوات) خاص به لتفسير كل ما يجهله من وظائف الأعضاء بكونها أدلة على التطور
-ومثلما يفعل تحت مُسمى الأعضاء الضامرة أو الجينات الخردة- وإما بالمزيد من تأليف القصص الوهمية عن التطور في الماضي السحيق والتي لم ولن يرها أحد، وإما بمزيد من الغش والتزوير لأدلة على التطور ما تلبث إلا أن تنكشف -مثل تزويرهم وتأليفهم للعديد من حفريات الكائنات الوسيطة التي لم توجد في الحقيقة-.
وهنا سنكتفي بمثال واحد صغير ليتعرف الناس على نوع (المواطن الملحد) في العلوم كيف يكون؟
ففي تسعينات القرن الماضي تم العثور على قطعة عظم من ضلع دولفين، ولكن التطوريون –وعلى الفور– قالوا أنها من بقايا ترقوة سلف الإنسان –هل تتخيلون من قطعة عظم واحدة يفترون الأكاذيب العلمية بكل بساطة واستخفاف بعقول البسطاء وغير المختصين!– وبالطبع سرعان ما تم اكتشاف الأمر، وليُعلق عليه الدكتور تيم وايت Tim White أستاذ الأنثروبولوجيا التطورية بجامعة كاليفورنيا بيركلي قائلا: “المشكلة مع الكثير من علماء الأنثروبولوجيا هي رغبتهم المُلحة لإيجاد أسلاف الإنسان، لذلك فإن أي شظايا من العظام تصبح عظامًا لأسلاف الانسان”.(12)
الاستخفاف بالحياة والبشر
حيث كما قلنا من قبل أن الملحدين ينظرون إلينا كمجموعة من الذرات لا أكثر ولا أقل؟! -تلك النظرة المادية البحتة الخالية من أي قيمة أو مشاعر أو هدف أو غاية-. يقول أشهر علماء الفيزياء والفلك الملحدين ستيفن هوكينج Stephen Hawking: “الجنس البشري ليس إلا حثالة كيميائية على سطح كوكب متوسط الحجم”.(13)
فإذا كانت هذه هي نظرة عالم من علماء الملاحدة!! فكيف بعوام الملاحدة وسفهائهم؟!
وهذا ملحد تطوري آخر وهو السير/ ديفيد أتنبره David Attenborough يقول: “أوقفوا إطعام أمم العالم الثالث لتقليل عدد سكان العالم”.(14)
فالويل الويل لهذا العالم الذي عندما تولى فيه الملحدون مقاليد السياسة والحكم العسكري أبادوا الملايين من شعوبهم وشعوب غيرهم لأتفه الأسباب ولفرض الإلحاد والشيوعية عليهم – مثل ستالين ولينين وماو تسي تونغ وبول بوت وغيرهم -، وأما علماؤهم ومفكريهم فلا يجب أن ننتظر منهم (بوصفهم مواطنين ملحدين) إلا الأقوال العدمية المحضة والتي لا تحمل إلا موتا بطيئا للفقراء والضعفاء في سبيل راحتهم الخاصة!
سهولة الجريمة ما دام لا حساب بعد الموت
حيث نرى مثلا القاتل السفاح جيفري دامر Jeffrey Dahmer والذي قتل 15 من الشباب تقريبًا وقطع أجسادهم وكان أحيانا يسلخ ويأكل أجزاءً منهم أو يحتفظ بهياكلهم العظمية، يقول في لقاء مع NBC والمذيع ستون فيليبس 1994م بعد القبض عليه: “إذا شخص لا يؤمن بوجود إله ليُحاسبه، إذن ما هي الفائدة من محاولة تعديل تصرفاتك لتبقى في الحدود المقبولة؟! هذا ما اعتقدته على أي حال، كنت دائمًا أعتقد بأن نظرية التطور حقيقة، بأننا أتينا من الوحل: عندما نموت، لا يوجد شيء”.(15)
“If a person doesn’t think there is a God to be accountable to, then—then what’s the point of trying to modify your behaviour to keep it within acceptable ranges? That’s how I thought anyway. I always believed the theory of evolution as truth, that we all just came from the slime. When we, when we died, you know, that was it, there is nothing…”.
وبالطبع ليس كل (المواطنين الملاحدة) يقع القبض عليهم متلبسين بجرائمهم مثل هذا السفاح، فهناك آخرون يؤسسون لمثل هذه المصائب في كتبهم وكلامهم وقليلا مَا يلتفت إليهم أحدٌ للأسف، منهم الملحد الشهير سام هاريس Sam Harris الذي يُمهد لأي جريمة إنسانية بتطبيقه لنفس آليات التطور المزعوم -مثل البقاء للأقوى أو الأصلح أو تمرير الجينات إلخ-حيث يقول عن جريمة الاغتصاب: “لا يوجد شيء طبيعي أكثر من الاغتصاب. البشر تغتصب، الشيمبانزي تغتصب، الأورانجتون تغتصب، الاغتصاب من الواضح هو جزء من الاستراتيجية التطورية لتمرير جيناتك إلى الجيل اللاحق”.(16)
“..there’s nothing more natural than rape. Human beings rape, chimpanzees rape, orangutans rape, rape clearly is part of an evolutionary strategy to get your genes into the next generation”.
إفساد العلاقة بين الجنسين
ولا نعني هنا فقط الشذوذ الجنسي أو المثلية الجنسية كما يسمونها، ولكننا سنذهب أبعد من ذلك لنتأكد بأنفسنا من أن الملحد لا قانون ولا مرجعية أخلاقية ولا قيمة واحدة عنده ثابتة إلا ما يشتهي ويريده كالحيوان: فساعتها يُبرره!! ولذلك كان من الصعوبة بمكان أن يرضى إنسان أو إنسانة بأن يكون شريك حياته ملحدًا وكما سنرى بعض الأسباب الآن.
فهذا أشهر علماء الملاحدة البيولوجيين ريتشارد دوكينز Richard Dawkins في مقالته (إبعاد الوحش ذي العين الخضراء Banishing the Green-Eyed Monster)ـ(17) يؤكد لقرائه كيف أن (الخيانة الزوجية) لا شيء فيها البتة من منظور الطبيعة المادية الحيوانية، بل ويتساءل: “لماذا كل هذه الهواجس حول الإخلاص لزوجة واحدة؟ لماذا نعتبر كلمة الغش هي الوصف لذلك؟! ولماذا يشعر الإنسان بأن له ملكية خاصة في جسد إنسان آخر”.
Returning to the original topic of sex outside marriage, I want to raise another question that interests me. Why are we so obsessed with monogamous fidelity in the first place? Agony Aunt columns ring with the cries of those who have detected -or fear- that their man/woman (who may or may not be married to them) is “cheating on them”. “Cheating” really is the word that occurs most readily to these people. The underlying presumption — that a human being has some kind of property rights over another human being’s body — is unspoken because it is assumed to be obvious. But with what justification
003
وياليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل تخطاه إلى ممارسة الجنس مع الحيوانات كذلك، وأنعِم وأكرم بالمواطن الملحد الذي لا حدود لأقواله ولا تصرفاته. فها هو الملحد بيتر سينجر Peter Singer برفسور جامعة بريستون التطوري يقول في فيديو علني: بما أننا -أي الملحدين المعترفين بالتطور- حيوانات أو قردة عليا؛ فلا يجب أن يكون هناك عقاب للبهيمية! (وتسمى Bestiality أي ممارسة الجنس مع الحيونات).(18)
We are animals, indeed more specifically, we are great apes.
ويقول في كتابه (تحرير الحيوان Animal Liberation) بعدم منع (البهيمية) إلا لو كان فيها عنف(19)!
Humans and animals can have “mutually satisfying” sexual relationships. Bestiality should remain illegal if it involves cruelty, but otherwise is no cause for shock or horror.
فبالله عليكم: أي بلد وأي عقلاء يرضون بمثل هذا التفكير الشاذ والقذر من (البط الأسود)؟ أو حتى يسمحوا له بالتواجد الفعلي والعلني بينهم عن طيب نفسٍ ورضا؟!
004
الخاتمة: مواطن غير صالح للتعايش
ولو شئنا لأطلنا في تعديد مساوئ (المواطن الملحد)، ولكن ما ذكرناه يغنينا عن المزيد في كل نقطة من نقاطه، ونختم فقط بهذه الصفات (الشخصية) للملحدين والتي تم تجميعها من دراسات أجنبية لنرى عن قرب كيف سيكون التعايش مع (البط الأسود) في المجتمع؟
فقد قامت جامعة تينيسي بأمريكا بعمل بحث مُجمع من أكثر من دراسة على غير المؤمنين (ملاحدة – لاأدرين – لادينين).(20) وخرجت بنتيجة أن غير المؤمنين مُغلقين الفكر، ونرجسيين بطريقة مثيرة للاهتمام.
نقول: وهذه هي الصفات التي تناسب الملحدين بالفعل لأنهم يدافعون عن قضايا ساقطة عقليًا ومنطقيًا وعلميًا!! ويؤكد ذلك ما بينته الدراسة أيضًا من أن 85% من غير المؤمنين يتسمون بصفات: (الغضب – الجدلية – الدوغمائية). وتعليقنا على ذلك أنهم لو كانوا على حق: ما كان هناك من داعي لدوغمائيتهم وسفسطتهم المعروفة للدفاع عن باطل لا يصح.
وفي اختبار نفسي آخر في نفس البحث: سجل الملحدون أعلي معدلات في صفات (النرجسية – الدوغمائية – الغضب – أقل معدلات في القبول وإيجابية العلاقات مع الآخرين).
وهذا بحث أمريكي آخر من جامعة كامبريدج(21) ينتقد فيه الإلحاد ويظهر مدي سخافة أفكاره وانعدام هدفه وغايته وقيمته في الحياة، بل ويسرد وقائع تاريخية على ذلك -والبحث مليء بالتفاصيل الكثيرة والهامة جدًا التي نرجو أن نترجمها في مقال منفصل قريبًا إن شاء الله-.
العجيب أن نفس هذه النتائج هي التي طالعتنا بها الدراسة الشهيرة منذ 2004م والتي نشرتها مجلة رابطة الأطباء النفسانيين الأمريكيين American Psychiatric Association على موقعها الرسمي عن العلاقة بين الانتماء الديني ومحاولات الانتحار.(22) حيث أثبتت الدراسة أن الإيمان والاستقرار الأسري يقللان كثيرًا من نسبة الانتحار المتزايدة عند الملحدين، حيث تقلل من (عدوانيتهم) الزائدة عن المؤمنين وكذلك الميل إلى (الغضب) و(الاندفاع) المتناسب مع اضطراباتهم النفسية والاجتماعية للأسف.
إذن الخلاصة: لا يصلح (المواطن الملحد) إلا كـ(بط أسود) شاذ ومنبوذ من أي مجتمع محترم يحافظ على أهله، وأهله يحافظون عليه.
المراجع:
(1) السينما واللاوعي: الخطاب الشعبي للإلحاد، العدد الثاني من مجلة براهين.
(2) Gervais WM, et al, “Do you believe in atheists? Distrust is central to anti-atheist prejudice”, J Pers Soc Psychol. 2011 Dec;101(6):1189-206. doi: 10.1037/a0025882. Epub 2011 Nov 7.
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/22059841
(3) Daisy Grewal, “In Atheists We Distrust “, Scientific American, January 17, 2012.
http://www.scientificamerican.com/article/in-atheists-we-distrust/
(4) Gregory Paul and Phil Zuckerman, “Why do Americans still dislike atheists?”, The Washington Post, April 29, 2011.
http://www.washingtonpost.com/opinions/why-do-americans-still-dislike-atheists/2011/02/18/AFqgnwGF_story_1.html
(5) Ole Ole Olson, ” Research Finds that Atheists are Most Hated and Distrusted Minority”, NEWS JUNKIE POST, Sep 19, 2009 at 11:31 am. http://newsjunkiepost.com/2009/09/19/research-finds-that-atheists-are-most-hated-and-distrusted-minority/
(6) تشارلز داروين، “أصل الأنواع”، الإصدار السادس 1872م بزيادة الباب السابع – نسخة المشروع القومي المصري للترجمة 2004م – صـ 283.
(7) يمكن مشاهدة آخر الواقعتين في فيلم وثائقي تابع لقناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي، ويمكن مشاهدته مدبلجًا على اليوتيوب في قناة DocumentaryHD3 على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=0QZxFbGd4aI
(8) يُعتبر المُبتعث السعودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية “عبد الله الجمعة” هو أول مَن تنبه إلى هذه الآية المنقوشة مع غيرها على حائط كلية القانون فالتقط هذه الصورة التي نقلناها عنه من موقع ” تويتر” – وهذا رابط النصوص المنقوشة على هذا الحائط:
http://library.law.harvard.edu/justicequotes/explore-the-room/west/
(9) رواية (الإخوة كارامازوف) The Brothers Karamazov –الكتاب الحادي عشر Book Eleven: Brother Ivan Fyodorovich وهي آخر مؤلفات فيودور قبل موته.
(10) جون لوك، “رسالة في التسامح”، نسخة المشروع القومي المصري للترجمة 1997م، ص 57.
(11) العلم بين الإيمان والإلحاد، العدد الثالث من مجلة براهين.
(12) Dr. Tim White- Evolutionary anthropologist -University of California at Berkeley – New Scientist, April 28, 1983, p199.
(13) Stephen Hawking, Reality on the Rocks: Beyond Our Ken, 1995.
(14) Anthony Gucciardi, ” David Attenborough: Stop Feeding Third World Nations to Reduce Population”, Infowars.com, September 18, 2013.
(15) Jeffrey Dahmer, in an interview with Stone Phillips, Dateline NBC, Nov.29, 1994.
رابط اللقاء المُصور كاملا على اليوتيوب:
http://www.youtube.com/watch?v=vPMBfX7D4WU#t=11
(16) ABC Radio National, Stephen Crittenden interviews Sam Harris.
(17) Banishing the Green-Eyed Monster
http://old.richarddawkins.net/articles/1926-banishing-the-green-eyed-monster
(18) https://www.youtube.com/watch?v=2pG01ASbgyM
(19) أقوال وآراء الملحد بيتر سينغر في الجنس مع الحيوانات:
http://fixedreference.org/en/20040424/wikipedia/Peter_Singer
(20) راجع: http://www.atheismresearch.com
(21) رابط الدراسة:
http://www.investigatingatheism.info/meaning.html
ولكن تعطل مؤخرًا، فيمكن الاطلاع عليه من موقع أرشيف: https://web.archive.org/web/20131102071416/http://www.investigatingatheism.info/meaning.html
(22) Kanita Dervic, et al, “Religious Affiliation and Suicide Attempt”, Am J Psychiatry. 2004 Dec;161(12):2303-8.
الإسلام دين الأخلاق
يلوك الملاحدة وأعداء الإسلام ما كان يلوكه المستشرقون القدامى من أن الإسلام دين عنف وقتل وتدمير، وأنه لا يقيم للأخلاق وزنا. وشواهدهم هي سلوك وتصرفات الأفراد، سواء كانوا شخصيات تاريخية أو جماعات منحرفة. والاستشهاد بسلوك الأتباع يدل إما على الغفلة والجهل أو على الخبث والتدليس، إذ أن أي دين إنما يكون الحكم عليه من خلال مصادره التشريعية وليس من خلال أتباعه، والمصدران الأساسيان في الإسلام هما القرآن الكريم والسنة النبوية.
ولا شك أن الذي يتعرض لهذه الاتهامات من الشباب والشابات وهو على جهل بالنصوص الشرعية التي تتجلى فيها الأخلاق، لابد أن يناله شيء من الشك. وهنا عرض لبعض النصوص من القرآن والسنة التي يظهر منها الجانب الأخلاقي في الإسلام، وهي نصوص على سبيل المثال لا الحصر.
نصوص من القرآن الكريم
“وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ” (العنكبوت 45)
“خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا” (التوبة 103)
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” (الحجرات 13)
“لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (الممتحنة 8)
“وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ • الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ • وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ” (المطففين 1-3)
“وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى” (المائدة 8)
“إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ” (الأنفال 58)
“إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ” (النحل 90)
“خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” (الأعراف 199)
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” (الحجرات 6)
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (الحجرات 11)
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ” (الحجرات 12)
“قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا” (الشمس 9-10)
“وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” (البقرة 83)
“ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” (فصلت 34)
“لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا” (النساء 148)
“فاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ” (الحجر 85)
نصوص من السنة
قال ﷺ: “إنما بُعِثت لأُتمم صالح الأخلاق.” حديث صحيح أخرجه أحمد.
قال ﷺ: “ما من شيء يُوضَع في الميزان أثقل من حُسْن الخلق، وإن صاحب حُسْن الخُلُق لَيَبلُغُ به درجة صاحب الصوم والصلاة.” رواه أبو داوود والترمذي وصححه الألباني.
قال ﷺ: “أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خُلُقًا.” أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
قال ﷺ: “إن من أخيركم أحسنكم خلقًا.” رواه البخاري.
قال ﷺ: “ألا أُخبِركم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟” فسكت القوم، فأعادها مرتين أو ثلاثًا، قال القوم: نعم يا رسول الله، قال: “أحسنكم خُلُقًا.” رواه أحمد وصححه الألباني.
قال ﷺ: “اللهم اهدني لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها؛ فإنه لا يَصرِف عني سيئها إلا أنت.” رواه مسلم.
قال ﷺ: “إن الصدق يهدي إلى البِرِّ، وإن البِرَّ يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليَصدُق حتى يكون صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليَكذِب حتى يُكتَب عند الله كذابًا.” أخرجه البخاري ومسلم.
قال ﷺ: “أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تَخُن من خانك.” أخرجه أبو داوود والترمذي وسنده صحيح.
قال ﷺ: “إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجود، يُحب معالي الأخلاق، ويَكره سفسافها.” أخرجه الضياء في المختارة بسند صحيح، انظر صحيح الجامع للألباني (1800).
قال ﷺ: “اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجُبْن…” أخرجه البخاري.
قال ﷺ: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرَّحِم شِجْنة من الرحمن؛ فمَن وصَلها وصله الله، ومَن قطعها قطعه الله.” أخرجه أبو داوود والترمذي وصححه الحاكم والألباني.
قال ﷺ: “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.” أخرجه مسلم.
قال ﷺ: “إن الله جميل يحب الجمال.” أخرجه مسلم.
قال ﷺ: “أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق.” رواه الترمذي وابن ماجة.
قال ﷺ: “إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا.” رواه الترمذي.
قال ﷺ: “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.” رواه أبو داوود.
قال ﷺ: “دخلت امرأةٌ النارَ في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض.” رواه البخاري ومسلم.
قال ﷺ: “بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له” قالوا: يا رسول الله وإن لنا في هذه البهائم لأجرا؟ فقال: “في كل كبد رطبة أجر.” رواه البخاري ومسلم.
قال ﷺ: “إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل.” رواه أحمد.
كان ﷺ يقوم بأعمال المنزل ويساعد أهله في كل صغيرة وكبيرة، كما تروي زوجته عائشة رضي الله عنها فتقول: “كان يكون في مهنة أهله.” رواه البخاري.
كان ﷺ يمازح أهله ويلاعبهم، تقول زوجته عائشة رضي الله عنها: “خرجت مع النبي ﷺ في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي حتى أسابقك، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: هذه بتلك.” رواه أحمد.
قال ﷺ: “رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى.” رواه البخاري.
قال ﷺ: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.” رواه أبو يعلى والبيهقي.
قال ﷺ: “آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ.” رواه البخاري ومسلم.
قال ﷺ: “أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ.” رواه البخاري ومسلم.
قال ﷺ: “لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع.” رواه أحمد.
قال ﷺ: “لكل غادرٍ لواء يوم القيامة يُعرف به.” رواه البخاري.
“كان رسول الله ﷺ يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة.” رواه أبو داوود
قال ﷺ: “إن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار، يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها، فغُفر لها.” رواه مسلم.
قال ﷺ: “لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.” رواه مسلم والترمذي.
قال ﷺ: “من يُحرم الرفق يُحرم الخير.” رواه مسلم.
قال ﷺ: “إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه.” رواه مسلم.
قال ﷺ: “لا يكون الرفق في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.” رواه مسلم.
في الصحيحين أن أعرابيا جذب رداء النبي ﷺ حتى أثرت حاشيته في عاتقه ﷺ، ثم قال: يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه رسول الله ﷺ وضحك، ثم أمر له بعطاء.”
كان ﷺ إذا آذاه قومه قال: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.” رواه البخاري ومسلم
جاء أعرابي إلى النبي ﷺ يتقاضاه دينا كان عليه، فاشتد عليه، حتى قال له: أُحرّج عليك إلا قضيتني، فانتهره أصحابه وقالوا: ويحك! تدري من تكلم؟ قال: إني أطلب حقي. فقال النبي ﷺ: “هلا مع صاحب الحق كنتم؟” ثم أرسل إلى خولة بنت قيس، فقال لها: “إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك.” فقالت: نعم بأبي أنت يا رسول الله! قال: فأقرضته، فقضى الأعرابي وأطعمه، فقال: أوفيت أوفى الله لك. فقال: “أولئك خيار الناس، إنه لا قُدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع.” رواه ابن ماجة. (غير متعتع أي من غير إزعاج وقلق)
قال ﷺ: “اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن.” رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني.
قال ﷺ: “إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ.” رواه أحمد وأبو داوود.
قال ﷺ: “إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى رَجُلَانِ دُونَ الْآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ.” رواه البخاري ومسلم.
قال ﷺ: “إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا.” رواه الترمذي وصححه الألباني.
أعظمُ قائد وأكرم رجل ﷺ يَقعد طفلٌ على ظهره وهو ساجد فلا يرفع رأسَه. يقول: “كرهتُ أن أعجّله.” رواه أحمد والنسائي.
أخذ بعض الصحابة فرخَي عصفورة، فجاءت ترفرف، فقال النبي ﷺ: “مَن فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها.” رواه أبو داوود وصححه الألباني.
قال ﷺ: “إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوّز في صلاتي مما أعلم من شدّة وجد أمه”. رواه الجماعة إلا أبو داوود والنسائي.
هل الإسلام دين قتل وعنف؟
كثيرا ما يقتطع الملحد نصا قرآنيا من سياقه ليظهره وكأنه تحريض على القتال ابتداءً، وكل ما عليك عند ذلك هو أن ترجع إلى سياق النصوص لتعرف أن جميع أوامر القتال التي وردت في القرآن الكريم هي أوامر قتال دفاعية وليست هجومية، بل إن هناك العديد من الآيات التي تأمر بالسلم والتعارف والتعايش:
“فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين (194)” (البقرة)
“وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين (126)” (النحل)
“وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (193)” (البقرة)
“وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين (36)” (التوبة)
“وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (192) (البقرة)
“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” (الحجرات:133)
“ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق” (الأنعام:151)
“من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” (المائدة:32)
“وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم (61)” (الأنفال)
“إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا” (النساء 90)
“لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين” (الممتحنة 8)
هل الدين مرجعية أخلاقية؟
تقول الشبهة: لو كان الدين هو المرجعية في الأخلاق لكان من حق غير الكفار أن يرتكبوا الجرائم الأخلاقية كالقتل والاغتصاب وارتكاب الفواحش دون أن يحاسبوا لأن المرجع الأخلاقي لم يصلهم.
الجواب
هذه الشبهة تثار عندما يقال إن الأخلاق ليس لها مرجعية خارج إطار الدين، فالملحد مثلا ليست له مرجعية أخلاقية، وإنما هو نفسه من يقرر مسائل الأخلاق في هذا الشأن. وإذا كان “المرجع” ذاتيا فهو لا يعد مرجعا في الحقيقة.
والإشكالية في إنكار الملحد لمرجعية الدين في الأخلاق على هذا المنوال الموضح في الشبهة تكمن في الفهم الخاطئ للتشريع.
فعندما نتحدث- نحن المسلمون- عن المرجعية الأخلاقية فإننا نقصد الرقابة الذاتية الناتجة من إدراك العقوبة الأخروية ولا نقصد العقوبة نفسها.
والعقوبة في الإسلام دنيوية وأخروية، وإنما شرعت العقوبة الدنيوية ردعا عن الجرائم الأخلاقية وحفظا لحقوق البشر ممن لا يكترث للعقوبة الأخروية، ولمنع الاعتداء بين الناس.
ومن يطرح هذه الشبهة يظن أن الإعذار من العذاب لمن لم تبلغه الرسالة يشمل الجرائم الأخلاقية والاعتداءات، وهذا غير صحيح، فالإعذار يخص جانب الاعتقاد فقط كما يتضح من نص الآية: “مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا” (الإسراء 15).
أما العقاب الأخروي للاعتداء فهو ثابت في حق المسلم والكافر، بل وحتى في حق البهائم كما ورد في الحديث: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ.” رواه مسلم.
ولا يعني الحكم بالعذاب الأخروي للكافر أن الكفار كلهم على درجة واحدة من العذاب، وإنما النار دركات متفاوتة، وهم يحاسبون على أعمالهم فتختلف دركاتهم في النار. فالمسلم يعلم أن وراءه حساب على كل ما يفعله، وأن الله رقيب عليه: “إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” (النساء 1)، فلا يعني غياب العقوبة الدنيوية عن موظف البنك المسلم أن السرقة أمر مقبول.. بينما الموظف الملحد إذا تمكن من السرقة دون علم القانون فإن عدم الإقدام عليها يعتبر أمرا غير مبرر، فالمانع من ارتكابها قد زال، وليس لديه أي تبرير مادي منطقي يمنعه من ارتكاب السرقة في هذه الحالة، فالمصلحة من السرقة متحققة والضرر منها منتفٍ.