العلاج النبوي بأبوال الإبل وألبانها
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أن ناساً من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا فصحوا.. الخ الحديث) رواه البخاري برقم 5361 ومسلم برقم 1671.
وفي رواية النسائي عنه قال: (قدم أعراب من عرينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا فاجتووا المدينة حتى اصفرت ألوانهم وعظمت بطونهم فبعث بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاح له وأمرهم أن يشربوا من ألبانها و أبوالها حتى صحوا.. الخ الحديث) صحيح سنن النسائي برقم 295.
وخلاصة القصة أن جماعة من الرجال أسلموا ونزلوا ضيوفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فاجتووا المدينة أي أصابهم المرض، قال المفسرون: الجوي داء من الوباء يصيب الجوف، كما في إحدى روايات الحديث (فعظمت بطونهم) أي نتج عنه انتفاخ البطن (الاستسقاء). ومن ظاهر الأحاديث أنه كان بهم هزال شديد واصفرار في اللون، وهذا كله قد يكون ناتجا عن مرض كبدي وربما كان فيهم أمراض أخرى، فوصف لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الدواء بأن يشربوا من ألبان وأبوال الإبل ففعلوا فصحوا وبرئوا.
وكثير من الملحدين والنصارى يسخر مما ورد في السنة النبوية حول العلاج بأبوال الإبل وحليبها، وهذه السخرية عندما تواجهها بنوعين من الأدلة فإنها تنقلب على أصحابها: الدليل الأول على صحة العلاج بأبوال الإبل هو البحث العلمي، والدليل الثاني هو التجربة، ومعلوم أن المنهج التجريبي هو الميدان الذي قام عليه الطب عبر التاريخ.
هنا ستجد مقاطع ومواضيع حول العلاج بأبوال الإبل، منها ما هو قائم على البحث العلمي ومنها ما هو قائم على التجربة، وقتا ممتعا..
لقاء مع الباحثة فاتن خورشيد- الجزء الأول
لقاء مع الباحثة فاتن خورشيد- الجزء الثاني
لقاء مع الباحثة فاتن خورشيد- الجزء الثالث
عجائب وأسرار العلاج بأبوال الإبل- د. أحلام العوضي
علاج الاستسقاء بأبوال الإبل- د. محمد أوهاج
خبرة المعالج بريكان الدوسري- الجزء الأول
خبرة المعالج بريكان الدوسري- الجزء الثاني
روابط مفيدة حول هذا الموضوع
- بحث حول العلاج بأبوال الإبل من موقع معهد الصحة الوطني التابع لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية
- دراسة من مجلة الكيمياء الحيوية الأمريكية: بول الإبل لا يحوي أمونيا واليوريا شبه معدومة
- إنتاج كبسولات علاجية للمادة الفعالة في بول الإبل
- خبر من البي بي سي حول استخدام بول الإبل للعلاج في أفريقيا
- بول الخيول أيضا يستخدم علاجا..
موضوع منقول عن د. عبد القيوم، مستشار البحث العلمي والطبي في ملتقى الصيادلة العرب
مكونات حليب الإبل وفوائده من واقع الأبحاث
تحدث الدكتور عبد العاطي كامل، رئيس بحوث الأبقار بمركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة المصرية، عن دراسة له فقال إنه أثبت أن ألبان الإبل تحتوي على سكر اللاكتوز، وهو سكر له مفعول مدر للبول، مؤكداً أن هذا السكر يتم امتصاصه في الأمعاء الدقيقة للإنسان ويتحول بفضل أنزيم الأكتيز إلى سكر الجلوكوز.
والعجيب في هذا النوع من السكر أنه يتم امتصاصه ببطء في الدم ليمنع تزايد تراكم الجلوكوز، الأمر الذي يحمي الإنسان من الإصابة بمرض السكر، ويكون بالتالي مفيدا جداً لمرضى السكر.
ويؤكد أيضا أن ألبان الإبل تحتوي كذلك على أقل نسبة دهون مقارنة بألبان الحيوانات الأخرى، لذلك فإن انخفاض نسبة الدهون في ألبان الإبل يعطيها مميزات غذائية أخرى مهمة للغاية لاسيما لأصحاب أمراض الكبد، مشيراً إلى أنه بمقارنة دهون لبن الإبل بالألبان الأخرى اتضح أنه يحتوي على أحماض دهنية قصيرة السلسلة.
وعلاوة على ذلك فإن لبن الإبل تكمن أهميته في تركيزاته العالية من الأحماض الدهنية سريعة التمثيل، خاصة حامض الملينوليلك والأحماض الدهنية غير المشبعة، وهي الأنواع المعروفة بضرورتها في غذاء الإنسان للمحافظة على صحته وحيويته. بالإضافة إلى أن ألبان الإبل تحتوي على أحماض أمينية أكبر بكثير من الألبان الأخرى، ومن هذه الأحماض الأمينية الميثونين والأرجنين والليسين والفالين والفينيل والأنين.
وجاء في أكثر من مصدر إعلامي أن مجمع زايد الحكومي لبحوث الأعشاب والطب التقليدي في أبو ظبي قد أجرى دراسة علمية أظهرت إمكانية تطوير مضاد حيوي من حليب الإبل يقضي على حمى الوادي والإيدز والسل وداء الكبد الوبائي وغيرها من الأمراض. ونسب للدكتور ناجي مدير عام المجمع قوله إن الإبل هي الحيوانات الوحيدة التي تملك جهاز مناعة شاذ ومميز عن القاعدة الأساسية لنظام المناعة المتعارف عليه لدى الحيوانات الأخرى، مشيراً إلى أن جهاز مناعة الإبل يحتوي على حقل مناعي واحد هو السلسلة الثقيلة، وهو يخلو من السلسلة الخفيفة. وأوضح أن السلسلة الثقيلة تحتوي على قوة ربط وموزانة فريدة من نوعها.
ويري الباحثون أن حليب الإبل يحتوي على خلاصات تنشط الكبد وتحرض على خروج المادة الصفراوية من الحويصلة الصفراوية، وأن قيمة حليب الناقة أيضا تكمن في التراكيز العالية للحموض الطيارة وبخاصة حمض اللينوليلك والحموض المتعددة غير المشبعة الأخرى التي تعتبر ضرورية من أجل تغذية الإنسان وخصوصاً في تغذية الأشخاص المصابين بأمراض القلب.
وحليب الابل غني بفيتامين ج، أو ما يسمى بحمض الأسكوربيك، ولذا ينصح بإعطاء حليب الإبل للنساء الحوامل والمرضعات والمصابين بمرض الإسقربوط. ومن أهم مزايا حليب الإبل أنه يتميز دون غيره من الألبان الأخرى بمركبات ذات طبيعة بروتينية كالأزوزيم ومضادات التخثر ومضادات التسمم ومضادات الجراثيم والأجسام المانعة الأخرى، ولذا فإن حليب الإبل أقل إصابة بالحمى المالطية من كل أنواع الحليب الأخرى.
ويقول الدكتور احمد سليمان، خبير الإنتاج الحيواني بصندوق دول الكومنولث، إن حليب الإبل يتفوق عن غيره بمحتواه العالي من أملاح الكالسيوم والماغنسيوم والبوتاسيوم والصوديوم، بالإضافة إلى أنه غني أيضاً بأملاح الحديد والمنجنيز والنحاس والزنك والعناصر المعدنية الدقيقة الأخرى، مما يضيف له مزايا علاجية جيدة لمن يعانون من فقر الدم وضعف النظام.
وحليب الإبل غني أيضا بفيتامين ب2 وب 12، وهي فيتامينات هامة، حيث يعتبر فيتامين ب2 على الصورة البسيطة أو المعقدة هاما جداً فيما يتعلق بالتعاملات الكيميائية الخاصة بالتمثيل الغذائي للمواد الكربوهيدراتية وتحسن النمو، ويساعد على ليونة الجلد واختفاء الاحتقان الموجود حول العين، أما فيتامين ب12 فهو يعتبر العامل المضاد للأنيميا الخبيثة، وهذا الفيتامين يحتوي على الكوبالت، لذلك يسمي بالسيانوكابالت أميني وهي مركبات لها تأثيرات بيولوجية في الجسم.
ويحتوي بروتين حليب الإبل على ثلاثة أنواع من الجلوبيولين هي الفاجلوبيولين وبيتاجلوبيولين وجاماجلوبيولين، وهذه الأنواع الثلاثة موجودة غالباً في جميع البروتينات الموجودة في جميع ألبان الحيوانات الأخرى إلا أنها تختلف فيما بينها في التركيب النسبي.
ويتميز حليب الإبل بارتفاع النوع جاماجلوبيولين وهو الذي يعزى إلى دوره في تقوية جهاز المناعة لشاربي حليب الإبل وعلاج كثير من الأمراض المرتبطة بخلل أو ضعف في جهاز المناعة.
ولقد جاء في البي بي سي وجريدة يديعوت إحرنوت الإسرائيلية أن البرفيسور (ريئوفين يغيل)، الذي يعمل بجامعة بن غريون في بئر سبع، وبمشاركة طاقم من الأطباء قاموا بدراسات وأبحاث على حليب الإبل، وان هناك اكتشافات مثيرة جدا فيما يتعلق بالتركيبة الكيماوية لحليب الإبل الذي يشبه حليب الأم أكثر مما يشبه حليب البقر.
ويقول البروفيسور غيل إن حليب الإبل يحتوي على كمية قليلة من سكر اللاكتوز والدهون المشبعة إضافة على احتوائه على كمية كبيرة من فيتامين سي والكالسيوم والحديد، وهو ما يجعله ملائما للأطفال الذين لا يرضعون. ويضيف الأطباء اليهود أن حليب الناقة غني ببروتينات جهاز المناعة، لكنه لا يحتوي على البروتينين الاثنين المعروفين بحساسيتهما، ولذلك فهو ملائم لمن لم يتمكن جهازه الهضمي من هضم سكر الحليب.
ومازال البروفيسور غيل يتحدث عن المزايا العلاجية لحليب الإبل فيقول إن حليب الإبل يحتوي على مواد قاتلة للجراثيم وأنه يلائم من يعانون من الجروح وأمراض التهاب الأمعاء. ويوصي به لمن يعانون الربو أو من يتلقون علاجاً كيماوياً لتخفيف حدة الأعراض الجانبية. كما يوصي به لمرضى السكر والمرضى الذين يعانون من أمراض تتعلق بجهاز المناعة مثل مرض اللوبوس حين يبدأ الجسم بمهاجمة نفسه.
ويستمر البروفيسور غيل فيقول: أوصي من يعانون من هذه الأمراض أن يحاولوا شرب كاسين من هذا الحليب يوميا ويزيدوا الكميه وفق حاجتهم.
مكونات بول الإبل وفوائده من واقع الأبحاث
إن تركيبة بول الإبل (تحليل بي اتش) كانت بصورة عمومية قلوية جداً عكس البول البشري فهو حمضي لاذع. وإذا ما قورنت اللاكتروايت والعناصر التابعة بين مختلف الحيوانات التي ترعى بالعشب فإنها تحتوي على كمية كبيرة من البوتاسيوم وكميات قليلة من الصوديوم.
وعندما مقارنة بول الإبل مع أبوال الأبقار والماعز والبشر سنجد أن المغنسيوم في بول الإبل أعلى من البول البشري وإن التركيز للمكونات الأخرى يختلف بصورة كبيرة جداً بين كل الأصناف، وكان محتوى البولينا والبروتينات الزلالية عال جداً إذا ما قورنت بالبشر؛ فالحامض البولي أقل وهذا هو الذي يلعب دوراً أساسياً في تحسين توازن الألكترولايت لمرضى الاستسقاء، ولعل هذا ما يوضح التبادل الحاصل في بول الإبل بين السوائل المختلفة الكثافة بعضها عن بعض حتى يحدث التجانس في التركيبة وربما يوضح أيضاً التأثير المدر للبول لمن يشرب بول الإبل، وكذلك الزيادة المتكررة لحركة تفريغ الأمعاء التي تجعلهم أفضل حالاً وأكثر نشاطاً.
ولا شك أن كثيرا من قبائل البدو يشهدون بهذه النتائج من واقع حياتهم وأسلوب معيشتهم الذي لا يخلوا من العلاج بحليب الإبل وأبوالها، والتي استمدوها من الهدي النبوي المصحوب مع الفتوحات الإسلامية لهذه البلاد. ولا يسعنا إلا أن نقول إنه مازال الطب النبوي بشتى عناصره ينفرد بالصدارة والقمة لجميع ما وصل إليه الإنسان من دواء، ولا شك أن هذا من معجزات النبوة وإقامة الحجة على العالمين.
نستكمل هنا بعض المعلومات الطبية القيمة لأحدث نتائج البحوث عن هذا الموضوع الشيق الذي يعتبر من الإعجاز العلمي والطبي للحديث النبوي الشريف.
قال ابن القيم رحمه الله: قال صاحب القانون– أي الطبيب ابن سينا: “وأنفع الأبوال بول الجمل الأعرابي وهو النجيب” انتهى. “زاد المعاد” (4/47،48)
وقد جاء في جريدة “الاتحاد” الإماراتية العدد 11172، الأحد 6 محرم 1427ه، 5 فبراير 2006م: “أهم ما تربى الإبل من أجله أيضا حليبها، وله تأثير (فعَّال) في علاج كثير من الأمراض، ومنها التهابات الكبد الوبائية والجهاز الهضمي بشكل عام وأنواع من السرطان وأمراض أخرى”.
وجاء في بحث قامت به الدكتورة “أحلام العوضي” نشر في مجلة “الدعوة” في عددها 1938، 25 صفر 1425ه، 15 أبريل 2004م، حول الأمراض التي يمكن علاجها بحليب الإبل، وذلك من واقع التجربة أن هناك فوائد جمة لحليب الإبل، وهنا بعض ما جاء في بحث الدكتورة أحلام:
“أبوال الإبل ناجعة في علاج الأمراض الجلدية كالسعفة (التينيا)، والدمامل، والجروح التي تظهر في جسم الإنسان، والقروح اليابسة والرطبة. ولأبوال الإبل فائدة ثابتة في إطالة الشعر ولمعانه وتكثيفه، كما يزيل القشرة من الرأس، وأيضا لألبانها علاج ناجع لمرض الكبد الوبائي، حتى لو وصل إلى المراحل المتأخرة التي يعجز الطب عن علاجها.” انتهى
وقال الأستاذ الدكتور عبد الفتاح محمود إدريس، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر: “وأبيِّن في هذا الصدد ما ينفع بول الإبل في علاجه من الأمراض، قال ابن سينا في “قانونه”: (أنفع الأبوال بول الجمل الأعرابي وهو “النجيب”)، وبول الإبل يفيد في علاج مرض “الحزاز” (قيل إنه وجع في القلب من غيظ ونحوه)، وقد استخدمت أبوال الإبل وخاصة بول الناقة البكر كمادة مطهرة لغسل الجروح والقروح، ولنمو الشعر وتقويته وتكاثره ومنع تساقطه، وكذا لمعالجة مرض القرع، والقشرة”.
وفي رسالة الماجستير المقدمة من مهندس تكنولوجيا الكيمياء التطبيقية محمد أوهاج محمد، التي أجيزت من قسم الكيمياء التطبيقية بجامعة “الجزيرة” بالسودان، واعتمدت من عمادة الشئون العلمية والدراسات العليا بالجامعة في نوفمبر 1998م بعنوان: (دراسة في المكونات الكيميائية وبعض الاستخدامات الطبية لبول الإبل العربية)، يقول محمد أوهاج:
إن التحاليل المخبرية تدل على أن بول الجمل يحتوي على تركيز عالٍ من البوتاسيوم والبولينا والبروتينات الزلالية والأزمولارتي، وكميات قليلة من حامض اليوريك والصوديوم والكرياتين.
وأوضح في هذا البحث أن ما دعاه إلى تقصي خصائص بول الإبل العلاجية هو ما رآه من سلوك بعض أفراد قبيلة يشربون هذا البول حينما يصابون باضطرابات هضمية، واستعان ببعض الأطباء لدراسة بول الإبل؛ حيث أتوا بمجموعة من المرضى ووصفوا لهم هذا البول لمدة شهرين، فصحت أبدانهم مما كانوا يعانون منه، وهذا يثبت فائدة بول الإبل في علاج بعض أمراض الجهاز الهضمي. كما أثبت أن لهذا البول فائدة في منع تساقط الشعر، فيقول: إن بول الإبل يعمل كمدر بطيء مقارنة بمادة ” الفيروسمايد “، ولكن لا يخل بملح البوتاسيوم والأملاح الأخرى التي تؤثر فيها المدرات الأخرى، إذ إن بول الإبل يحتوي على نسبة عالية من البوتاسيوم والبروتينات، كما أنه أثبت فعالية ضد بعض أنواع البكتيريا والفيروسات، وقد تحسن حال خمس وعشرين مريضاً استخدموا بول الإبل من الاستسقاء، مع عدم اضطراب نسبة البوتاسيوم، واثنان منهم شفوا من آلام الكبد، وتحسنت وظيفة الكبد إلى معدلها الطبيعي، كما تحسن الشكل النسيجي للكبد.
ومن الأدوية التي تستخدم في علاج الجلطة الدموية مجموعة تسمى fibrinoltics، وتقوم آلية عمل هذه المجموعة على تحويل مادة في الجسم من صورتها غير النشطة plasminogen إلى الصورة النشطة plasmin، وذلك من أجل أن تتحلل المادة المسببة للتجلط fibrin. أحد أعضاء هذه المجموعة هو urokinase الذي يستخرج من خلايا الكلى أو من البول كما يدل الاسم (uro). وقد كشف عميد كلية المختبرات الطبية بجامعة الجزيرة السودانية البروفسير أحمد عبد الله أحمداني عن تجربة علمية باستخدام بول الإبل لعلاج أمراض الاستسقاء وأورام الكبد، فأثبتت نجاحها لعلاج المرضى المصابين بتلك الأمراض، وقال في ندوة نظمتها جامعة “الجزيرة” إن التجربة بدأت بإعطاء كل مريض يوميّاً جرعة محسوبة من بول الإبل مخلوطاً بلبنها حتى يكون مستساغاً، وبعد خمسة عشر يوماً من بداية التجربة انخفضت بطون أفراد العينة وعادت لوضعها الطبيعي، وشفوا تماماً من الاستسقاء.
وذكر أنه جرى تشخيص لأكباد المرضى قبل بداية الدراسة بالموجات الصوتية، وتم اكتشاف أن كبد خمسة عشر مريضاً من خمس وعشرين في حالة تشمع، وبعضهم كان مصاباً بتليف الكبد بسبب مرض البلهارسيا، وقد استجاب جميع المرضى للعلاج باستخدام بول الإبل، وبعض أفراد العينة من المرضى استمروا برغبتهم في شرب جرعات بول الإبل يوميّاً لمدة شهرين آخرين، وبعد نهاية تلك الفترة أثبت التشخيص شفاءهم جميعاً من تليف الكبد.
وقال إن بول الإبل يحتوي على كمية كبيرة من البوتاسيوم، كما يحتوي على زلال ومغنسيوم، إذ إن الإبل لا تشرب في فصل الصيف سوى أربع مرات فقط ومرة واحدة في الشتاء، وهذا يجعلها تحتفظ بالماء في جسمها لاحتفاظه بمادة الصوديوم، إذ إن الصوديوم يجعلها لا تدر البول كثيراً؛ لأنه يرجع الماء إلى الجسم. وأوضح أن مرض الاستسقاء ينتج عن نقص في الزلال، أو في البوتاسيوم، وبول الإبل غني بهما. وأشار إلى أن أفضل أنواع الإبل التي يمكن استخدام بولها في العلاج هي الإبل البكرية.
وقد أشرفت الدكتورة أحلام العوضي المتخصصة في الميكروبيولوجيا بالمملكة العربية السعودية على بعض الرسائل العلمية امتداداً لاكتشافاتها في مجال التداوي بأبوال الإبل، ومنها رسالتا عواطف الجديبي ومنال القطان، ومن خلال إشرافها على رسالة الباحثة منال القطان نجحت في تأكيد فعالية مستحضر تم إعداده من بول الإبل، وهو أول مضاد حيوي يصنع بهذه الطريقة على مستوى العالم، ومن مزايا المستحضر كما تقول الدكتورة أحلام أنه غير مكلف، ويسهل تصنيعه، ويعالج الأمراض الجلدية كالإكزيما والحساسية والجروح والحروق وحب الشباب، وكذلك إصابات الأظافر والسرطان والتهاب الكبد الوبائي وحالات الاستسقاء، بلا أضرار جانبية. وقالت إن بول الإبل يحتوي على عدد من العوامل العلاجية كمضادات حيوية، فالإبل لديها جهاز مناعي مهيأ بقدرة عالية على محاربة الفطريات والبكتريا والفيروسات، وذلك عن طريق احتوائه على أجسام مضادة، كما يستخدم في علاج الجلطة الدموية، ويستخرج منه fibrinolytics، والعلاج من الاستسقاء، كما أن في بول الإبل علاجاً لأوجاع البطن وخاصة المعدة والأمعاء، وأمراض الربو وضيق التنفس، وانخفاض نسبة السكر في المرضى بدرجة ملحوظة، وعلاج الضعف الجنسي، ويساعد على تنمية العظام عند الأطفال، ويقوي عضلة القلب، ويستخدم كمادة مطهرة لغسل الجروح والقروح، وخاصة بول الناقة البكر، ولنمو الشعر وتقويته وتكاثره ومنع تساقطه، ولمعالجة مرض القرع والقشرة. كما يستخدم بول الإبل في مكافحة الأمراض بسلالات بكتيرية معزولة منه، وقد عولجت به فتاة كانت تعاني من التهاب خلف الأذن يصاحبه صديد وسوائل تصب منها، مع وجود شقوق وجروح مؤلمة، كما عولجت به فتاة لم تكن تستطيع فرد أصابع كفيها بسبب كثرة التشققات والجروح، وكان وجهها يميل إلى السواد من شدة البثور.
وتقول الدكتورة أحلام إن أبوال الإبل تستخدم أيضاً في علاج الجهاز الهضمي، ومعالجة بعض حالات السرطان، وأشارت إلى أن الأبحاث التي أجرتها هي على أبوال الإبل أثبتت فاعليتها في القضاء على الأحياء الدقيقة كالفطريات والخمائر والبكتريا.
وأجرت الدكتورة رحمة العلياني من المملكة العربية السعودية أيضاً تجارب على أرانب مصابة ببكتريا القولون، حيث تمت معالجة كل مجموعة من الأرانب المصابة بداوء مختلف، بما في ذلك بول الإبل، وقد لوحظ تراجع حالة الأرانب المصابة التي استخدم في علاجها الأدوية الأخرى باستثناء بول الإبل الذي حقق تحسناً واضحاً. (مجلة الجندي المسلم العدد 118، 20 ذو القعدة 1425 ه، 1/1/2005م)
هناك بعض المؤشرات والدلائل تشير إلى فائدة أبوال الإبل وألبانها في علاج مرضى فيروس سي، وإن كانت لا ترقى إلى مستوى البراهين الطبية لكن في مثل هذه الحالات نتساءل: هل من أخلاقيات المهنة أن نترك المريض بلا أية رؤية للعلاج حتى لو ثبتت بعض الدلائل القوية لبعض العلاجات الطبيعية المستخدمة منذ القدم وبلا آثار ضارة واضحة لها بدعوى أنها لم توافق البراهين العلمية اليقينية حسب مبادئ الطب الغربي؟
أنقل لكم هذه المقابلة ولا أدري ما الذي آلت إليه الأمور حاليا في هذا الموضوع المنشور بمجلة الشباب السنة 126- يناير 2004 ذو القعدة 1423 ه: مواجهة ساخنة مع طبيبة بيطرية تدعي علاج أمراض الكبد والكلى ببول الإبل! أقوال د. زينب السنيني: 100 سنتيمتر من بول الإبل الصغيرة صباحا ومساء تقضي على فيروس سي الكبدي خلال 21 يوما.
تحقيق: نادية منصور- مجلة الشباب..
أثارت طبيبة بيطرية اسمها زينب السنيني جدلا واسعا في الأوساط الطبية بما أعلنته عن أنها نجحت في علاج العديد من أمراض الكبد والكلى باستخدام بول الإبل، وقالت ان هذا العلاج أظهر نسبة عالية من النجاح على المرضى الذين قاموا بتجربته، وقد اتهمها أساتذة الطب المتخصصون في أمراض الكبد بخداع المرضى وممارسة مهنة الطب دون أن تكون مؤهلة لها.
وقد أجرت الشباب هذه المواجهة الساخنة مع الطبيبة وواجهتها بكل ما أثير عن طريقة العلاج التي تستخدمها، والتقت بأساتذة الطب للوقوف على تعليقهم حول هذه القضية الخطيرة.
تقول الطبيبة البيطرية صاحبة الاكتشاف زينب السنيني: أنا حاصلة على بكالوريوس الطب البيطري من جامعة الإسكندرية ثم الماجستير عن الأمراض التي تصيب الإبل، وأستعد لمناقشة رسالة الدكتوراه في نفس المجال. أما عن فكرة هذا العلاج فقد أتاحته لي دراسة الإبل ومعرفة صفتها التشريحية، ولم أجد معلومات متوافرة عنها، فلجأت إلى شبكة الإنترنت واطلعت على الكثير من المعلومات عن طريق مكتبات رئيسية في الولايات المتحدة. وقد لاحظت أن البدو يعالجون المرضى، فبدأت ألاحظهم، ومنذ 7 سنوات اكتشفت صحة هذا الكلام، واستخدمت هذا البول في علاج مرضى فيروس سي به وبعد فترة تتراوح بين21 و40 يوما اختفى الفيروس من كبد المريض تماما، كما اتضح أنه يعالج أمراضا أخرى مثل التهابات الكلى وزيادة الكوليسترول والسكر في الجسم.
وقد جاءتني حالات كثيرة بينهم أطباء من المنوفية والفيوم ومحافظات الصعيد والقاهرة، ووافقوا جميعا على تجربة بول الإبل. وقد وجدت معارضة شديدة من بعض الأطباء بحجة أن البول يكون ساما. وأرد على ذلك بأنني درست تركيب الجمال الفسيولوجي وتبين أنها تصوم كل فترة وتستهلك البروتين الموجود في بولها مرة أخرى من خلال دورة داخلية، ثم إنني لا أستخدم بول أي إبل، بل اعتمد على الحيوان الوليد الصغير المولود حديثا وكذلك لبن أمه، وعندما يزورني مريض مصاب بفيروس سي على سبيل المثال فأطلب منه تحليل bcr الخاص بالفيروس وأعرف نسبته، وتحليل وظائف الكبد وتحاليل السكر وأشعة تليفزيونية تبين مسحا شاملا للكبد لمعرفة نسبة التليف. وبعد ذلك أجلس مع المريض في عيادة استقبل فيها هذه الحالات وأجري فيها أبحاثي، والخطوة الأولى هي تهيئة المريض نفسيا لتلقي العلاج وقبوله، وهي نقطة مهمة تساعد في الشفاء، وبعد ذلك أصف له البرنامج الغذائي المناسب لحالته المرضية والذي يرفع المناعة عنده بحيث يعتمد في غذائه على زيت الزيتون، وإن وافق المريض فإنه يمكث مع الراعي في خيمته طوال مدة العلاج، أما إذا رفض ولديه إمكانات فإنه يقيم في فندق ويتحمل نفقات الانتقال لمكان العلاج في الجبل، والراعي لا يأخذ أي مقابل.
ويتناول المريض بول الإبل المولودة حديثا، جرعة في الصباح ولابد ان يكون ممتنعا عن الطعام قبلها بأربع ساعات، كما يمتنع عن الطعام بعدها أيضا بفترة مماثلة، والجرعة عبارة عن 100 سنتيمتر من البول أي حوال نصف كوب تقريبا، وهناك جرعة أخرى في المساء، ويركز على الحليب لأنه يعطيه الإحساس بالشبع ويمده بالفيتامينات ويتناوله مع البول، وبالطبع أطلب منه التوقف عن تناول أية أدوية أخرى.
وقد يستجيب المريض للشفاء بعد ثلاثة أسابيع، وإذا كانت حالته خطيرة فإنه يستمر في العلاج 42 يوما، وبعد انتهاء الفترة تماما أطلب منه إجراء التحاليل مرة أخرى لمعرفة تطور حالته، وفي حالات عديدة يختفي الفيروس تماما وتتحسن حالة الكبد وحالة المريض الصحية بشكل عام. وبعض المرض قد تضطرهم ظروف عملهم أو حالتهم إلى البقاء أياما ثم مغادرة المكان والسفر تم الحضور بعد فترة لاستكمال العلاج.
ولا أستطيع أن أحدد عدد المرضى الذين تم شفاؤهم، ولكن هناك كثير منهم جربوا هذا العلاج. وكما قلت فهو ليس جديدا بل إنه معروف في الصحراء بين البدو ويتم تناقله من أجيال لأخرى. وبول الابل يعالج حالات عديدة منها حساسية الأطفال، ولا أستطيع ذكر أسماء بعض من تلقوا هذا العلاج لأنني لا أتدخل في خصوصيات الآخرين.
وسوف أدرس بشكل دقيق تركيب البول والمادة الفعالة التي تقوم بضبط إنزيمات الكبد ومستوى السكر في جسم المريض.
وفي الواقع يشعر المريض بعد تناول العلاج بتحسن حالته من خلال اختفاء الاصفرار الموجود في وجهه وحالة الهزال التي يعاني منها، ولا أجبر المريض على ذلك فهو يأتي بإرادته طلبا للعلاج.
الزعم أن الطبَّ النبوي خرافة إسلامية
مضمون الشبهة:
يزعم بعض الطاعنين أن الطب النبوي مجرد خرافة نشأت على يد مجموعة من الفقهاء المسلمين الذين ألَّفوا الكتب المختلفة في هذا المجال، كابن القيم وغيره؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن طبيبًا، والطب من الأمور الدنيوية، وليس من مهمة الأنبياء، أما ما ثبت من معالجة النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ببعض الأدوية -كالحجامة- فهي أمور خاصة بالنبي، وهذا لا يعني أن يكون أُسوة لغيره في ذلك؛ لأن الوحي لا دخل له في ذلك، كما أنه لا يوجد شيء اسمه الطب الإسلامي والطب غير الإسلامي، فالإنسان واحد وإن اختلف دينه، والطب كذلك.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن القول بأن الطب النبوي خرافة إسلامية قولٌ ينمُّ عن جهل واضح؛ إذ ثبت بالدليل والبرهان أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بحقائق طبية لم يستطع العلم الحديث أن يكتشفها إلا في الآونة الأخيرة بعد تقدُّم الأجهزة الطبية، في حين أن سَبْق النبي صلى الله عليه وسلم في الإخبار بها يعدُّ إعجازًا باهرًا في وجه كل مشكِّكٍ، ومن ذلك مثلًا إخبارهصلى الله عليه وسلم عمَّا يحمله التراب من حماية ضد الجراثيم والميكروبات، وغير ذلك كثير لم يُكتشَف على يد العلم إلَّا حديثًا، فهل ما أخبر به العلم الآن خرافة طبية؟!
2) إن ما ثبت من معالجة النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ببعض الأدوية ـ كالحجامةـ لهو أكبر دليل على فساد هذه الشبهة؛ إذ أثبتت الدراسات الطبية الحديثة دور الحجامة والحبة السوداء وعسل النحل والسواك وغير ذلك من وسائل علاجية أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم-في علاج كثير من الأمراض، والحماية من أمراض كثيرة أخرى؛ مما دفع الكثير من علماء الغرب إلى اعتناق الإسلام، فطالما أن العلم هو الذي أقرَّ بهذه الوسائل فلماذا نتركها ولا نتبعها، وليس هناك دليل على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها؟!
3) الأحاديث الطبية جزءٌ من السنة، فلا ينبغي إنكارها أو الطعن فيها أو محاولة تعطيل معانيها، بدليل استخدام الصحابة ما ورد في هذه الأحاديث ونفعها لهم؛ لذا أدخل أهل العلم أحاديث الطب في كتبهم، بل أفردوها بالتصنيف؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث لإصلاح أحوال الناس في معاشهم ومعادهم، كما أن الاكتشافات العصرية الحديثة شهدت بصحة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه فلا سبيل لأي طعن أو تشكيك في الطب النبوي.
التفصيل:
أولا. الأدلة والبراهين على أن الطب النبوي حقائق طبية وليس خرافة إسلامية:
بداية نودُّ الإشارة إلى أمرٍ مهمٍّ، وهو تعريف الإعجاز العلمي؛ إذ تبيَّن أنه لا يعدو
أن يكون إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يُظهِر صدقه فيما أخبر به عن ربه.
وإن الباحث المدقِّق ليجد الكثير من الأبحاث المعجزة التي أخبر بها القرآن الكريم والسنة النبوية وتجلَّت في عصرنا، وشاهَد حقائقها أهل الاختصاصات الكونية العلمية الدقيقة في عصرنا، كعلم الفلك وعلوم الأرض والأرصاد والنبات والحيوان وعلوم الطب المختلفة وعلوم البحار، وغيرها من العلوم الكونية؛ ليكون ذلك دليلًا لكل عاقل
في عصرنا على أن هذا القرآن نزل من عند الله عز وجل، وأن العلامة الإلهية الشاهدة بأنه من الله هي العلم الذي تحمله الآيات وتُجلِّيه الاكتشافات العلمية الدقيقة بعد رحلة طويلة من البحث والدراسة، وباستخدام أدقِّ الآلات التي لم تُصنَع إلَّا في عصر الثورة الصناعية المعاصرة، ولقد أشار القرآن إلى هذا النوع من الإعجاز، ووعد بإظهاره في قوله تعالى: )سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد (53)((فصلت).
وكل آية من كتاب الله تحمل علمًا إلهيًّا، يعرفه البشر عند ارتقائهم بأسباب العلوم والمعارف في الميدان الذي تتحدث عنه الآية القرآنية، والقرآن مليءٌ بالآيات التي تتحدث عن مظاهر الكون، وحديثه عن الكون هو حديث مَنْ يعلم أسراره ودقائقه؛ لأنه هو الذي خلقه وأوجده، فهو الأعلم بحقائقه ودقائقه، مع أن البشرية كلها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تعلم تلك الأسرار، بل كان يغلب على تفكيرها الأسطورة والخرافة؛ لذلك رأينا الجَرَّاح الفرنسي العالمي الشهير الدكتور ” بوكاي” يتقدَّم إلى البشرية بأُطروحة قال فيها: “لقد قامت الأدلة على أن القرآن الذي نقرؤه اليوم هو القرآن نفسه الذي قرأه النبي محمد صلى الله عليه وسلم على الصحابة، وما دام أن القرآن قد أفاض في الحديث عن الكون وأسراره، فإننا نستطيع بهذه الحقيقة أن نعرف ما إذا كان القرآن من عند الله، باختبار يعرفه كل عاقل في عصرنا”([1]).
ولقد قضى الدكتور ” بوكاي” لتحقيق هذا الاختبار عشر سنوات يتعلَّم فيها القرآن واللغة العربية، ويُقارِن بين القرآن وبين الاكتشافات العلمية الحديثة، ثم ألَّف كتابًا أطلق عليه “التوراة والإنجيل والقرآن والعلم الحديث” أثبت سَبْق القرآن لهذه العلوم، وبيَّن أن هذا مما اشتمل عليه وعد الله القائل:)سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد (53)( (فصلت)([2]).
الدراسات العلمية الحديثة نجد أن الطب النبوي لم يكن خرافة
أو أسطورة أو شيئًا خياليًّا، وإنما هو حقيقة واقعية فريدة؛ إذ إنه صلى الله عليه وسلم أخبر عن أشياء في زمنه لم يكتشفها العلم الحديث إلَّا في العصر الحاضر بعد تقدُّم العلوم، واختراع الأجهزة الطبية المتقدِّمة.
حقًّا لقد احتوى القرآن الكريم والسنة النبوية على الكثير من الحقائق العلمية المتعلِّقة بخَلْق الإنسان ومراحله وعلم وظائف الأعضاء، وغير ذلك، بل لقد دعا القرآن العقول والأنظار إلى البحث عن الإنسان وخَلْقه وتكوينه فقال:)فلينظر الإنسان مم خلق (5) خلق من ماء دافق (6)((الطارق).
ولقد سبقنا علماءُ الغرب وبحثوا في خَلْق الإنسان وتكوينه -والفضل ما شهدت به الأعداء- وأثبتوا حقائق علمية أصبحت من المسلَّمات واليقينيات، ولكن العلماء المسلمين حينما قارنوا بين ما وصل إليه هؤلاء وما ورد في القرآن الكريم من حقائق إنسانية اكتشفوا أنه قد سبق الأبحاث العلمية الحديثة بأكثر من ألف وأربعمائة سنة؛ ذلك لأن علم الأجنة لم يقف على قدميه إلا في بداية القرن العشرين، ومع ذلك فله أصول في الإسلام([3]).
ولقد أثارت مراحل خلق الجنين في القرآن إعجاب الكثيرين ودهشتهم الشديدة، فلقد قال الخالقفي القرآن الذي أُنزِل على محمد صلى الله عليه وسلم:)ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)( (المؤمنون).
وقد جاء العلم الحديث فأثبت أن الجنين يمرُّ بمراحل متعددة ومتعاقبة هي: النطفة، العلقة، المضغة، العظام، كِسْوَة العظام لحمًا، الإنشاء خلقًا آخر، ولقد وُضِعت هذه الآية موضع دراسة استغرقت في الغرب عشرات السنين قام بها علماء علم الأجنة، ذلك أنه بعد اكتشاف المِجهَر والآلات الحديثة في مجال الطب استطاع العلماء أن يتابعوا كيفية خلق الإنسان، فشاهدوا عملية الإخصاب التي تتم بين الحيوان الـمَنَويّ للرجل وبُوَيْضَة المرأة في أعلى القناة الواصلة بين المِبْيَض والرَّحِم([4]).
فمرحلة النطفة تكون عندما يتم التخصيب، وتتكوَّن النطفة الأمشاج من الحيوان المنوي والبويضة، وهذه المرحلة قد عبَّر عنها القرآن الكريم بدقة متناهية فقال: )إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا(2)((الإنسان)، فهل مَن أخبر بهذه الحقيقة منذ أكثر من 1400 عام يكون كلامه خرافة طبية؟! إذًا فما الحقيقة؟!
وهذه النطفة تتحوَّل إلى الكرة الجرثومية، وبمجرَّد أن تنزل إلى الرحم تأخذ في الانغراس والتشبُّث به؛ حيث تنقسم هذه الكرة إلى طبقتين؛ داخلية وخارجية، وتأخذ الطبقة الخارجية في مد جذورها إلى بِطانة الرحم والانغراس فيه، وتكوِّن الطبقة الداخلية أجزاء الجنين، ومنها يُخلَق الجنين، ويُحاط الجنين في هذه المرحلة بكثير من الأوعية والبِرَك الدموية، كما تتصل دماؤه في هذا الوقت بدماء الأم ريثما يضخُّ قلبه الدم؛ ولذلك يبدو وكأنه قطعة دم جامدة متعلقة، وكذلك يستطيل حجمه بما يشبه دودة العلق؛ ولهذا سُمِّيت هذه المرحلة بـ “العلقة”.
وأهم ما يميِّز الجنين بعد مرحلة التعلُّق أو الانغراس بداية ظهور الكُتَل البدنية أو الفلقات على الجنين، وهي التي يتكوَّن منها أعضاء الجنين وعضلاته وعظامه، وذلك منذ بداية الأسبوع الرابع، وتأخذ هذه الفلقات في التزايد والكثرة؛ مما يجعل الجنين كأنه قطعة من اللحم الممضوغ، لا يزيد حجمه عن 1 سم، وهذه مرحلة المضغة.
وتتحوَّل هذه المضغة في الأسبوع الخامس والسادس إلى قطاعينِ؛ عظمي وعضلي، وفي أثناء الأسبوع السابع يبدأ الهيكل العظمي بالانتشار خلال الجسم، وتأخذ العظام أشكالها المألوفة، وفي نهاية الأسبوع السابع وأثناء الأسبوع الثامن تأخذ العضلات موقعها حول تكوينات العظام؛ أي تُكسَى العظام باللحم.
وبنهاية الأسبوع الثامن تنتهي مرحلة التخليق، والتي يُسمِّيها علماء الأجنة بـ “المرحلة الجنينية”، هذا وقد أكَّد علم الفحص بأجهزة الموجات فوق الصوتية أن جميع التركيبات الخارجية والداخلية في الشخص البالغ تتخلَّق من الأسبوع الرابع وحتى الأسبوع الثامن من عمر الجنين.
وبتلك المراحل السابقة يكتمل تخليق الجنين ليدخل بعد ذلك في التسوية والتعديل، وهي مرحلة الإنشاء خلقًا آخر، وهذا ما ذكره القرآن بترتيب عجيب، فقال تعالى: )الذي خلقك فسواك فعدلك (7)((الانفطار).
وبهذا يتضح أن القرآن الكريم قد عبَّر عن خلق الجنين وتطوُّر مراحله بصورة إعجازية متفرِّدة تدلُّ – بما لا يدع مجالًا للشك- على أنه الكتاب المعجِز، وأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إعجاز متفرِّد بحق لا مِراء فيه، فالإسلام منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام يذكر التفاصيل الدقيقة لخلق الأجنة، ويبيِّن أطوارها المختلفة، ويقدِّم المسمَّيات والمصطلحات التي تصف المظهر الخارجي والعمليات والأحداث الداخلية لكل مرحلة، وقد استوفت هذه المصطلحات القرآنية بمثالية رائعة جميع الشروط التي يجب توفُّرها للمصطلحات العلمية الدقيقة.
ودقة القرآن الكريم في وصف هذه المراحل جعلت علماء الأجنة في هذا العصر يعترفون بأن من يقول بهذا لا بد أن يكون نبيًّا يأتيه الوحي من السماء، وأشهرهم” كيث مور” أحد أكبر علماء الأجنة في العالم الذي يقول: إن هذه المعلومات عن مراحل الجنين لم يعرفها العلماء إلَّا بعد أكثر من ألف عام بعد نزول القرآن.
ولقد أثارت قضية استخدام التراب في التطهُّر والتطهير كثيرًا من الجدل، فقال منكرو الطب النبوي: كيف يُستخدَم التراب في التطهير وهو الذي يحمل مختلف أنواع الجراثيم والأمراض الفتَّاكة؟! وقالوا: إن القرآن لم ينزل إلَّا بما يتفق مع البيئة العربية الصحراوية الخالية من البحار.
وإذا بالعلم الحديث يأتي مصدِّقًا لأحكام القرآن الكريم وهادمًا لشُبَه الجاحدين والمعاندين؛ حيث يكتشف العلماء أخيرًا أن التراب قاتلٌ للجراثيم ومُبِيدٌ لها، وأنه يستحيل أن تعيش الجراثيم في التراب.
يقول الدكتور “وطسمان”: إن التراب هو أعظم مطهِّر من الجراثيم، ومن هنا نفهم مغزَى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا وَلَغَ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، وعفِّروه الثامنة في التراب»([5])؛ حيث اكتشف العلماء أن في لُعاب الكلب جرثومة خطيرة لا تموت إلا بالتراب([6]).
ودُهِش الدكتور ” بوكاي” لثراء الموضوعات التي عالجها القرآن، فهناك الخلق وعلم الفلك وبعض الموضوعات الخاصة بالأرض وعالمي الحيوان والنبات والتناسل الإنساني، وذكر أن القرآن أتى بمعتقدات علمية لم تكن أحيانًا مقبولة في ظاهرها، ولكنها عندما دُرِست اليوم على ضوء المعارف الحديثة الثابتة ظهر أنها تنطوي على مُعطيات علمية استطاع العلم في العصر الحديث فقط أن يثبت حقيقتها.
وذهب الدكتور السيد الجميلي إلى أن الإعجاز الطبي يظهر جليًّا فيما احتواه القرآن من حِكَمٍ طبيةٍ بلغت شَأْوًا بعيدًا من العظمة وأثبتها الطب بعد قرون عديدة([7]).
ثانيًا. تطابق الاكتشافات العلمية الحديثة مع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن العلاج ببعض الأدوية:
إن القول بوجود طبٍّ نبويٍّ لا يُسلَّم به إلا بعد ثبوت تحقيق مناطه، والذي يتمثَّل بحقيقتين هما:
أولًا: ثبوت اكتشاف هذه الحقيقة من قِبل العلماء المتخصصين في مجالها وإثابتها بشكل مستقر.
ثانيًا: الدلالة الواضحة على تلك الحقيقة في نصٍّ من نصوص القرآن الكريم أو السنة المطهَّرة، وذلك دون تكلُّف أو تعسُّف في الاستدلال، علمًا بأن الرابط الذي يُعطي هذا المناط قيمته هو عدم إمكانية إحاطة البشر بتلك الحقيقة وقت التنزيل؛ ولذلك فإن خطوات إثبات شاهد من شواهد الإعجاز العلمي في نص الحديث الشريف تصبح خمسًا، وهي:
1.إثبات وجود دلالة واضحة في النص تشير إلى الحقيقة الكونية المكتشَفة من قِبل المتخصصين في العلوم البحتة.
ثبوت تلك الحقيقة الكونية علميًّا بعد توافر الأدلة التي تحقِّق سلامة البرهنة عليها.
ثبوت استحالة معرفة البشر بتلك الحقيقة الكونية وقت تنزيل القرآن على نبينا محمدصلى الله عليه وسلم.
تحقُّق المطابقة بين دلالة النص من كتاب الله عز وجل أو من سُنَّة رسوله محمدصلى الله عليه وسلموتلك الحقيقة الكونية.
إذا كان النص الذي نستنبط منهالإعجاز العلمي من السنة المطهَّرة وجب أن يكون صحيحًا أو حسنًا؛ حيث لا تُعتمَد في هذا المنهج الأحاديث الواهية أو الموضوعة([8]).
وعلى هذا، فإننا إذا ما نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة مثلًا: «إن أمثل ما تداويتم به الحجامة»([9])، وإذا ما سألنا سؤالًا مفاده: هل تـمَّت دراسة هذا الحديث من الناحية الطبية؟ وهل هو خاصٌّ بالنبي صلى الله عليه وسلم في زمنه أم في الحجامة علاجٌ نافعٌ؟
يكون الجواب: لقد أثبت العلم الحديث أن الحجامة قد تكون شفاء لبعض أمراض القلب والدم والكبد؛ ففي حالة شدة احتقان الرئتين نتيجة هبوط القلب، وعندما تفشل جميع الوسائل العلاجية من مُدِرَّات البول وربط الأيدي والقدمين لتقليل اندفاع الدم إلى القلب – قد يكون إخراج الدم بفَصْده عاملًا جوهريًّا مهمًّا لسرعة شفاء هبوط القلب، كما أن الارتفاع المفاجئ لضغط الدم المصحوب بشبه الغيبوبة، وفقد التمييز للزمان والمكان أو المصاحب للغيبوبة نتيجة تأثير هذا الارتفاع الشديد المفاجئ لضغط الدم – قد يكون إخراج الدم بفصده علاجًا لمثل هذه الحالة، كما أن بعض أمراض الكبد – مثل التليُّف الكبدي – لا يوجد لها علاج ناجع سوى إخراج الدم بفصده، فضلًا عن بعض أمراض الدم التي تتميَّز بكثرة كرات الدم الحمراء، وزيادة نسبة الهيموجلوبين في الدم، تلك التي تتطلَّب إخراج الدم بفصده؛ حيث يكون هو العلاج الناجع لمثل هذه الحالات منعًا لحدوث مضاعفات جديدة.
ومما هو جدير بالذكر أن زيادة كرات الدم الحمراء قد تكون نتيجة الحياة في الجبال المرتفعة ونقص نسبة الأكسجين في الجو، وقد تكون نتيجة الحرارة الشديدة بما لها من تأثير واضح في زيادة إفرازات الغُدَد العَرَقِيَّة؛ مما ينتج عنها زيادة عدد كرات الدم الحمراء؛ ومن ثم كان إخراج الدم بفصده هو العلاج المناسب لمثل هذه الحالات، ومن هنا جاء قوله صلى الله عليه وسلم: «إن أمثل ما تداويتم به الحجامة»([10]).
وهذا يدل دلالة واضحة على أن علماء المسلمين لم يأتوا بخرافات وأطلقوا عليها “الطب النبوي”، ولم يتحيَّزوا لِـما جاءت به السنة النبوية على حساب الاكتشافات العلمية في هذا المجال، وإنما جاءت هذه الأبحاث مؤكِّدة على صدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام»([11])، والسام: الموت – إعجازٌ طبيٌّ دوائيٌّ؛ فقد أثبتت سلسلة من الأبحاث دور الحبة السوداء في القضاء مَعْمَليًّا على البكتيريا الـمُمْرِضة للإنسان والمسبِّبة للتسمُّم الغذائي(Antisalmonellosis)،كما ثبت أنه يمكن استخدامها كمنشِّط للمضادات الحيوية لإثبات تأثيرها التعاوني مع الدواء (synergism effect).
وقد اتضح من نتائج هذه الدراسات أن مستخلَصات الحبة السوداء الزيتية والمائية احتوت على المركَّبات الفعالة ضد الميكروبات، أهمها القلويدات وبعض المركَّبات الزيتية العِطْرية الطَّيَّارة والثابتة – الثيموكنيون والهيدروثيموكنيون- التي تم فصلها معمليًّا، وأثبتت كفاءتها في القضاء على أنواع البكتيريا المعويَّة عديمة المقاومة الحيوية.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن في الحبة السوداء شفاء من كل داء، وباعتبار أن العموم هو الأصل؛ لورود الاستثناء بلفظ “إلا الموت”، فإن هذا يعني أن في الحبة السوداء على الأقل نسبة من الشفاء لكل داء؛ لأن الشفاء هنا نكرة، ولكن معناه أن فيها قدرًا من الشفاء يقلُّ أو يكثر حسب المرض([12]).
وإذا ما نظرنا إلى سنة النبي في استخدام السواك، وقوله صلى الله عليه وسلم: «السواك مَطْهَرة للفم، مَرْضاة للرب»([13])،فإننا نجد أن منظَّمة الصحة العالمية(who)أبدت إعجابها الشديد بالسواك، وأصدرت بيانًا مفسرًا عن أهميته لحماية الأسنان، وقد جاء ذلك متأخرًا عن الطب النبوي الشريف بأكثر من أربعة عشر قرنًا حينما أوصى به النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وذكرت مجلة ستلايت عن الدكتور يحيى سحيب -أستاذ الأسنان في برنامج “الأعشاب والشباب” بقناة نفرتيتي- أن تقرير منظَّمة الصحة العالمية يؤكِّد أن السواك عبارة عن مادة خَرْدَليَّة قادرة على قتل الجراثيم بالفم، ويمنع تكوُّن مادة الجير على جدار الأسنان، كما أنه يُعطِّر الفم، وينشِّط الدورة الدموية للِّثة، وهو مُطهِّرٌ قويٌّ ومفيدٌ لمرضى السكر؛ لأنه يمنع نزيف اللثة.
وقد أضاف الدكتور يحيى أن ما تعلمناه سابقًا من ضرورة غسل الأسنان بالفرشاة مرتين أو ثلاثة في اليوم أمرٌ غير صحيح؛ لأنه لا بد من غسيل الأسنان بعد تناول أي طعام
حتى لو كان كمية قليلة، وفي خلال سبع دقائق فقط؛ حتى لا تُصاب الأسنان بالتلوث، وبالطبع فإنه من الصعب أن يحمل الإنسان معه الفرشاة والمعجون طوال اليوم، ولكن
من السهل طبعًا أن يحمل معه السواك أينما يذهب([14]).
وإذا ما تعايشنا مع وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لبني البشر نجد أن العالم أجمع اليوم يتكلَّم عن مخاطر السِّمْنَة، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا ويوصينا بالمحافظة على الجسد من التُّخَمة؛ إذ يقول صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لُقَيْمات يُقِمْنَ صُلْبَه، فإن كان لا بد فاعلًا فثُلُثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنَفَسه»([15]).
وقد توصَّل العلم إلى أن السِّمنة من الناحية الصحية تُعتبر خللًا في التمثيل الغذائي؛ وذلك يرجع إلى تراكم الشحوم أو اضطراب الغُدَد الصماء، والوراثة ليس لها دور كبير في السِّمنة كما يعتقد البعض، وقد أكَّدت البحوث العلمية أن للبَدانة عواقب وخيمة على جسم الإنسان، وأصدرت إحدى شركات التأمين الأمريكية إحصائية تقرِّر أنه كلما طالت خطوط حزام البطن قصرت خطوط العمر؛ فالرجال الذين يزيد محيط بطونهم أكثر من محيط صدورهم يموتون بنسبة أكبر، كما أثبتت البحوث أيضًا أن مرض البول السكري يصيب الشخص البدين غالبًا أكثر من العادي، كما أن البدانة تؤثِّر في أجهزة الجسم، وبالتحديد القلب؛ حيث تحلُّ الدهون محل بعض خلايا عضلة القلب، مما يؤثِّر بصورة مباشرة على وظيفته، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حذَّر من كثرة امتلاء البطن المتسبِّبة في السِّمنة والتُّخمة.
وحذَّرت تلك البحوث من استخدام العقاقير لإنقاص الوزن؛ لما تسبِّبه من أضرار، وأشارت إلى أن العلاج الأمثل للبدانة والوقاية منها هو اتباع ما أمرنا به الله سبحانه وتعالى بعدم الإسراف في تناول الطعام، واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تناول الطعام، كما أوضح الحديث الذي نحن بصدده… وجاء هذا الحديث تطبيقًا لقوله تعالى:)يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين (31)((الأعراف)؛ وبهذا سبق النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهمية التوازن في تناول الطعام والشراب، وحذَّر من أخطار الإسراف فيهما على صحة الإنسان([16]).
فهل هذه الإرشادات خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل تلك الأبحاث تشير إلى أنه وحده فقط صلى الله عليه وسلم من يستطيع التداوي بهذه الأدوية في زمنه دون غيره؟!
حقًّا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم طبيبًا، ولم تكن مهنة الطب منوطة بالأنبياء، وليس معنى أن السنة النبوية أكَّدت على أهمية علاج ما أو دواء معيَّن أنه يلزم عنه استخدامه والتداوي به دون غيره، وإنما نؤكد على نفعه وأهميته، بجوار ما توصَّل إليه الطب الحديث من أدوية أخرى.
وليس معنى أننا ندافع عن الطب النبوي أننا ندعو إلى ترك الطب الحديث، وإنما نقصد بذلك أن نتَّبع نصائح النبي صلى الله عليه وسلم إلى جوار البحث عما يكتشفه الأطباء من علاج حديث قائم على التجربة والمتابعة، وندعو الأطباء أيضًا إلى النظر إلى الأحاديث الطبية وإجراء التجارب على هذه الوسائل التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليحددوا بالضبط القَدْر المطلوب من العلاج والمرض الذي يعالج بها، بالإضافة إلى ذلك ننبِّه على أمرٍ مهمٍّ هنا، وهو البحث الدقيق عن صحة الأحاديث التي تتعلَّق بالطب؛ حتى نغلق الباب على المتكسِّبِين بهذا الطب، ويخضع هذا الأمر لمؤسسات علمية محكِّمة؛ لئلا نفتح الباب للغش والتدليس على المسلمين.
ثالثًا: الأحاديث الطبية الصحيحة وَحْيٌ من السماء وليست اجتهادات شخصية:
أجمع المسلمون الأوائل على أن السنة النبوية هي المرجع الثاني في الشرع الإسلامي في كل نواحي الحياة؛ من أمور غيبية اعتقادية، أو أحكام عملية أو سياسية أو تربوية، وأنه لا يجوز مخالفتها في شيء من ذلك لرأي أو اجتهاد أو قياس، ولا شك أن الأحاديث الطبية هي جزء من السنة، لا ينبغي إنكارها أو الطعن فيها أو محاولة تعطيل معانيها، وهناك أدلة كثيرة على حُجِّيَّة الأحاديث الطبية الصادرة من النبي صلى الله عليه وسلم، يمكن إجمالها في هذين القسمين:
القسم الأول: أدلة العموم:
ويُقصَد بها الأدلة من الكتاب والسنة على حجية السنة النبوية عامة، وهي كثيرة جدًّا، وليس هذا مكان تفصيلها، لكن نذكر شيئًا منها؛ فمن القرآن الكريم قول الله تعالى:)وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم)، ففي هذه الآية يبيِّن الله عز وجل أن النبي صلى الله عليه وسلم مُوحًى إليه، وأن ما كان يصدُر عنه إنما كان بوَحْيٍ من عند الله عز وجل.
وأما بالنسبة للسنة ودلالتها على حُجِّيَّتها فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن طاعته من طاعة الله، وأن كل ما يقوله صلى الله عليه وسلم حقٌّ لا يداخله شك أو ريب، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: «كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرِيد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يتكلَّم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بأصبعه إلى فِيهِ، وقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده، ما يخرج منه إلا حقٌّ»([17])، فدلَّ هذا الحديث على أن كل ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم حقٌّ.
وهذا العموم الذي في الحديث الشريف استُدِلَّ عليه من جهتين:
الأولى: فعل الصحابي رضى الله عنه في كتابته كل شيء: «كنت أكتب كل شيء».
الثانية: إقراره صلى الله عليه وسلم، بل أمره بالكتابة: «اكتب» أمرٌ مطلَقٌ غير مقيَّدٍ، ومع قوله صلى الله عليه وسلم: «ما يخرج منه إلا حق»، وممَّا خرج من فمه صلى الله عليه وسلم الشريف ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الطب وما يتعلَّق به.
القسم الثاني: الأدلة الخاصة:
ونقصد بها الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في أمور الطب والعلاج، وكيف أنها وحيٌ من عند الله، وليست -كما يقول الجهلاء- اجتهادًا بشريًّا لا علاقة له بالوحي، بالإضافة لأقوال السَّلَف الصالح رضى الله عنهم، والتي تؤكِّد أن الأحاديث الطبية حُجَّة تمامًا كغيرها من الأحاديث النبوية الشريفة، من تلك الأدلة:
1.ما جاء من أن الله تعالى أنزل لكل داء دواء:
ففي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لكل داء دواء، فإذا أُصيب دواءُ الداءِ بَرَأَ بإذن الله»([18])، وفي الحديث: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء»([19]).
قال ابن حجر العسقلاني: “ومن مجموع هذه الألفاظ ما يُعرَف منه المراد بالإنزال في الأحاديث السابقة، وهو إنزال علم ذلك على لسان الـمَلَك للنبي صلى الله عليه وسلم أنواعًا من هذه الأدوية، وعلمها لأمته، فكان بيانه صلى الله عليه وسلم لهذه الأدوية بيانًا لبعض الأدوية التي أنزلها الله عز وجل”.
2.الصحابة فهموا العموم في أحاديثه الطبية أيضًا:
قال ابن رجب الحنبلي: “إذا صحَّت السنة بشيء، وعمل بها الصحابة، فلا مَعْدِل عنها”، ولذلك أمثلة كثيرة، ومنها:
مداواة أسماء رضي الله عنها للمرأة المحمومة:
فقد ورد عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها كانت تُؤتَى بالمرأة الموعوكة فتدعوا بالماء فتصبه في جيبها وتقول: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبردوها بالماء؛ فإنها من فيح جهنم»([20]).
مداواة عائشة رضي الله عنها لأهل الميت بالتلبينة:
عن عائشة رضي الله عنها : «أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرَّقن إلَّا أهلها وخاصَّتها أمرت ببُرمةٍ من تلبينةٍ فطُبِخَت، ثم صُنِع ثَرِيدٌ، فصُبَّت التلبينة عليها، ثم قالت: كُلْنَ منها؛ فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: التلبينة مَـجَمَّة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن»([21]).
مداوة ابن أبي عتيقرضى الله عنه لغالب ابن أبجر رضى الله عنه:
وهذه القصة أوردها البخاري في صحيحه عن خالد بن سعيد قال: «خرجنا ومعنا غالب ابن أبجر، فمرض في الطريق، فقدمنا المدينة، وهو مريض، فعاده ابن أبي عتيق، فقال لنا: عليكم بهذه الـحُبَيْبة السوداء، فخذوا منها خمسًا أو سبعًا فاسحقوها ثم اقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب؛ فإن عائشة حدَّثتني أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلَّا من السام»([22]).
3.أهل العلم أدخلوا أحاديث الطب في كتبهم، بل أفردوها بالتصنيف:
فقد أورد البخاري ومسلم وأصحاب السُّنَن وغيرهم داخل مؤلَّفاتهم كتبًا خاصة بالطب النبوي، بل قد ألَّف العلماء كتبًا مفردة مستقلة باسم “الطب النبوي”، مثل:
الطب النبوي، لأبي نعيم الأصبهاني (ت 430هـ).
الطب النبوي، لأبي جعفر المستغفري (ت 432هـ).
كتاب الأربعين الطبية، لأبي عبد الله البغدادي (ت 629هـ).
الطب النبوي، لأبي عبد الله المقدسي (ت 643هـ).
الشفاء في الطب المسند عن السيد المصطفى، للتيفاشي (ت 651هـ).
الطب النبوي، لابن قيم الجوزية (ت 751 هـ).
المنهج المروي والمنهل الروي في الطب النبوي، لأبي الفضل السيوطي (ت 911هـ).
وفي هذا أكبر دلالة على حجية الأحاديث الطبية النبوية.
4.القول بعدم حجية أحاديث الطب يؤدي إلى ضياع السنة:
فالذين يريدون الطعن في حجية الأحاديث النبوية في أمر الطب والتداوي يزعمون أنها من أمور الدنيا، وباب المعاملات من أمور الدنيا، وباب اللباس من أمور الدنيا، وباب الأشربة من أمور الدنيا، وباب المساقاة والمزارعة من أمور الدنيا، وهكذا دَوالَيك.
وقد جاءت في أمور الطب والتداوي أحاديث كثيرة، قال الحافظ السيوطي: “الأحاديث المأثورة في علمه صلى الله عليه وسلم بالطب لا تُحصَى، وقد جُمع منها دواوين”.
ويقول الدكتور نجيب الكيلاني في كتابه القيِّم “في رحاب الطب النبوي”: “إن مفهوم الطب النبوي مفهوم شامل يبعث على الدهشة ويدعو إلى الإعجاب؛ لأننا حينما نقيس الطب النبوي بالمقاييس العلمية الحديثة في أُسسه العامة نجد أنفسنا أمام إعجاز قاهر لكل نوازع الشك والتردد.
فالطب النبوي يتمثل كل ما له علاقة بصحة الإنسان؛ كالتغذية والنظافة والانحرافات العضوية والنفسية، وبعض طرق العلاج وكافة النواحي البيئية والاجتماعية والشخصية، وغيرها مما يتعلَّق بالصحة العامة.
ونحن إذا نظرنا في التعريف الحديث الذي وضعته منظمة الصحة العالمية (who)عن مفهوم الصحة لوجدنا ذلك التعريف يؤكِّد أن الإنسان الصحيح ليس هو السليم بدنيًّا فحسب؛ لأن صحة البدن في صورتها المثالية المكتملة لا بد أن تشتمل على سلامة النواحي البدنية والنفسية والعقلية والاجتماعية، وفي هذا الإطار يتحدَّد مفهوم الصحة لدى تلك المنظمة الكبرى التي يُديرها ويُشرِف عليها نخبة من كبار أطباء العالم، وأمهر الباحثين والخبراء في مجال الصحة”.
فهل يمكن لأحدٍ بعد ذلك أن يطعن في حجية الأحاديث النبوية في مجال الطب والتداوي؟!
علاوة على أن هناك بعض الأحاديث الطبية فيها ما يدل صراحة على أنها وحيٌ من عند الله؛ مثل حديث أنس رضى الله عنه عند ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما مررت ليلة أُسرِي بي بملأ إلا قالوا: يا محمد، مُرْ أُمَّتك بالحجامة»([23])، فما الذي يفصل الأحاديث الطبية النبوية إذًا عن بقية الأحاديث النبوية الأخرى([24])؟!
أما ردُّ الأحاديث الطبية بدعوى أنها من أمور الدنيا التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «… أنتم أعلم بأمر دنياكم»([25])، فليس في هذا الحديث حجة لهم، بل هو حجة عليهم؛ لأن الصحابة رضى الله عنهم فهموا من كلامه صلى الله عليه وسلم أنه على العموم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يُنكِر عليهم هذا الفهم، إنما أنكر عملهم بظنه المعارض بما يعلمونه؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «… إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنًّا، فلا تؤاخذوني بالظن…»([26]).
يقول شيخ الإسلام في “مجموع الفتاوى”: “لم ينههم صلى الله عليه وسلم عن التلقيح، لكن هم غلطوا في ظنهم أنه نهاهم”، كما يؤكد هذا المعنى النووي في “المنهاج” قائلًا: “لم يكن هذا القول خبرًا، وإنما كان ظنًّا كما بيَّنته الروايات”؛ ولهذا فليس فيه دلالة على ما ذهبوا إليه.
يقول العلَّامة المعلمي اليماني: “فإن صحَّ فكأنهم مرُّوا بشجر مُثْمِر فخرصوه يجربون حَدْسهم، وخرصها النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت على خلاف خرصه، ومعلوم أن الخرص حزر وتخمين، فكأن الخارص يقول: أظن كذا”.
وفي هذا السياق يضيف الدكتور أحمد شوقي إبراهيم قائلًا: “والذي يطالع الحديث النبوي الشريف ولا يكون على علم بالمنهج العلمي الصحيح في البحث والدراسة في عصر العلم الحالي ـ يظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهد رأيه في موضوع تأبير النخل، وجاء الواقع يخالفه فقال: «أنتم أعلم بشئون دنياكم»، وبنوا على ظنِّهم المخطئ هذا اعتقادهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهد رأيه بصفته بشرًا، وليس وحيًا من الله تعالى له، وليس إلهامًا من الله عز وجل له؛ لذلك قال ابن خلدون ما قال، ونقل عنه المفكرون الذين عاصروه ومن جاءوا بعده ما نقلوا، وأفتى خطأً من العلماء المعاصرين مَن كتب في موضوع اجتهاد الرسول بغير علم ولا هُدًى.
أما الذي يتدبَّر الحديث الشريف وهو على علم بما وصل إليه علماء المنهج العلمي في الدراسة والفكر والبحث في عصر العلم الحالي ـ فإنه يجد فيه علمًا عظيمًا، وتأسيسًا للمنهج العلمي التجريبي الصحيح، وهدمًا للمنهج الإغريقي الخاطئ الذي كان سائدًا في عصر نزول الرسالة، وأدَّى إلى ركودٍ فكريٍّ كبيرٍ.
سؤاله صلى الله عليه وسلم: «ماذا يصنع هؤلاء؟» سؤال مَن يعلم، فليس من المقبول عقلًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم تلقيح النخل، وهو الذي عاش في الصحراء، وسافر إلى الشام في قوافل التجارة، وهو أكثر الناس علمًا، بل وهو الذي كلَّفه الله تعالى بأن يُعلِّم الناس ما لم يكونوا يعلمون من أمور حياتهم الدنيا، إذًا فقد ثبت أن سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سؤال مَن يعلم، كأسلوبٍ تعليميٍّ تربويٍّ قال: «ماذا يصنع هؤلاء؟» ففهم طلحة رضي الله عنه القصد من السؤال فأجابه.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: «ما أظن ذلك يغني شيئًا» تعليم للناس كيف يبدءون بحث أي موضوع بإقامة الفرض الظني، وهو المعروف علميًّا الآن باسم (Hypothesis)، فكان قوله صلى الله عليه وسلم: «ما أظن ذلك يغني شيئًا» مدخلًا علميًّا صحيحًا لبحثأي مسألة علمية، لم يفهمه إلا العلماء في أوربا في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
والفرض الظني-كما ذكرنا- لا بد أن يُوضَع في تجربة تطول مدتها حتى تظهر نتائجها، وحدث ما أراده الرسول صلى الله عليه وسلم منهم، فقد نزلوا عن النخل وتركوا تلقيحه، وفي ذلك وضع المسألة في تجربة، إذًا فقد قام فرضٌ علميٌّ ووُضِع موضع التجربة، وهذا من الأسس الضرورية في المنهج العلمي الصحيح في البحث والدراسة، وكان لا بد من الانتظار حتى تظهر نتائج التجربة، وظهرت أخيرًا في قول طلحة رضي الله عنه: «فصار شيصًا»، إذًا فهي نتيجة سلبية للتجربة، وأظهر ذلك للناس أن الفرض الظني لم يكن صحيحًا، ليس قولًا، ولكن عن تجربة وعلم؛ وبذلك علموا أن الفرض الظني يخطئ ويصيب، والفيصل في ذلك هو نتائج التجربة؛ لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هو الظن، إن كان يغني شيئًا فاصنعوه، فإنما أنا بشر مثلكم»؛ أي افعلوا ما أفعل، فإنما أنا بشر مثلكم، وهو في الحقيقة ليس مثلهم؛ ففي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: «إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مُطعِم يطعمني وساقٍ يسقين»([27])، وقال الله عز وجل عنه: )قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي((الكهف: ١١٠)، إذًا فقوله صلى الله عليه وسلم: «فإنما أنا بشر مثلكم»؛ أي اهتدوا بما أقوله لكم، فإنما أنا بشر مثلكم.
ثم زاد الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر وضوحًا وقال: «وإن الظن يخطئ ويصيب»، شرحٌ لماهية الفرض الظني أو الفرض العلمي، ولا أدري لماذا لم يلاحظ بعض المفسِّرين للحديث النبوي أنه قال: «وإن الظن يخطئ ويصيب» كشرح لماهية الفرض الظني، ولم يقل: «وأنا أخطئ وأصيب»، أبدًا لم يقل ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عصمه ربه عز وجل من الزَّلَل والخطأ، فهو معصوم مطلقًا.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بشئون دنياكم» فقول كريم أخطأ في فهمه بعض المفسرين أيضًا، فاعتقدوا – جهلًا منهم بالحق- أن المعنى: أنتم أعلم مني بشئون دنياكم، وهذا يتعارض عقلًا مع ما جاء في قول الله عز وجل:)كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون (151)((البقرة)، فالله تعالى أرسله مُعلِّمًا للبشر جميعًا في كل أمور الدين والدنيا، وهذا ما قاله جمهور المفسرين للآية الكريمة، وما دام الأمر كذلك فليس من المقبول عقلًا أن يفهموا من الحديث النبوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لهم: أنتم أعلم مني بشئون دنياكم، وإنما المعنى الذي كان يجب عليهم أن يفهموه من نصِّ الحديث الشريف: أنتم أعلم من بعضكم البعض بشئون دنياكم، وليس هناك وجه مقبول لفهم الحديث إلا هذا الوجه، أما قوله صلى الله عليه وسلم: «ولكن ما قلت لكم قال الله، فلن أكذب على الله» إنه قولٌ شريفٌ يضع الحد الفاصل بين علم الإنسان في مجال العلم التجريبي، وبين كلام الله عز وجل الذي لا يجب أبدًا أن يضعه الناس في فرضٍ ظنيٍّ أو يخضعونه لتجربة”([28]).
أما قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بُعِث بالأمور التعبُّدية دون الأمور الدنيوية فهذا قول باطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث لإصلاح أحوال الناس في معاشهم ومعادهم، وقد قال العلَّامة ابن قيم الجوزية في كتابه “زاد المعاد” في ختام مسائل طب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: “قد أتينا على جملة نافعة من أجزاء الطب العلمي والعملي؛ لعل الناظر لا يظفر بكثير منها إلا في هذا الكتاب، وأريناك قرب ما بينها وبين الشريعة، وأن الطب النبوي نسبة طب الطبائعيين إليه أقل من نسبة طب العجائز إلى طبهم .
والأمر فوق ما ذكرناه وأعظم مما وصفناه بكثير، ولكن فيما ذكرناه تنبيه باليسير على ما وراءه، ومن لم يرزقه الله بصيرة على التفصيل فليعلم ما بين القوة المؤيَّدة بالوحي من عند الله والعلوم التي رزقها الله الأنبياء، والعقول والبصائر التي منحهم الله إياها، وبين ما عند غيرهم.
ولعل قائلًا يقول: ما لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم وما لهذا الباب وذِكْر قُوى الأدوية وقوانين العلاج وتدبير أمر الصحة؟
وهذا من تقصير هذا القائل في فهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن هذا وأضعافه وأضعاف أضعافه من فهم بعض ما جاء به، وإرشاده إليه، ودلالته عليه، وحسن الفهم عن الله ورسوله – مَنٌّ يَمُنُّ الله به على من يشاء من عباده.
فقد أوجدناك أصولَ الطب الثلاثة في القرآن، وكيف تُنكر أن تكون شريعة المبعوث بصلاح الدنيا والآخرة مشتملة على صلاح الأبدان كاشتمالها على صلاح القلوب، وأنها مُرشِدة إلى حفظ صحتها ودفع آفاتها بطرق كلية، قد وُكِل تفصيلها إلى العقل الصحيح والفطرة السليمة بطريق القياس والتنبيه والإيماء كما هو في كثير من مسائل فروع الفقه، ولا تكن ممَّن إذا جهل شيئًا عاداه.
ولو رُزِق العبدُ تضلُّعًا من كتاب الله وسنة رسوله، وفهمًا تامًّا في النصوص ولوازمها لاستغنى بذلك عن كل كلام سواه، ولاستنبط جميع العلوم الصحيحة منه، فمدار العلوم كلها على معرفة الله وأمره وخلقه، وذلك مُسلَّم إلى الرسل صلوات الله عليهم وسلامه، فهم أعلم الخلق بالله وأمره وخلقه وحكمته في خلقه وأمره.
وطب أتباعهم أصح وأنفع من طب غيرهم، وطب أتباع خاتمهم وسيِّدهم وإمامهم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أكمل الطب وأصحه وأنفعه، ولا يعرف هذا إلَّا من عرف طب الناس سواهم وطبهم ثم وازن بينهما، فحينئذ يظهر له التفاوت، وهم -أي الأنبياء- أصحُّ الأمم عقولًا وفِطَرًا، وأعظمهم علمًا، وأقربهم في كل شيء إلى الحق؛ لأنهم خيرة الله من الأمم، كما أن رسولهم خيرته من الرسل، والعلم الذي وهبهم إياه، والحلم والحكمة أمرٌ لا يدانيهم فيه غيرهم، وعند أحمد من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا إنكم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل»([29]).
فظهر أثر كرامتها على الله سبحانه وتعالى في علومهم وعقولهم وأحلامهم وفطرهم، وهم الذين عُرضت عليهم علوم الأمم قبلهم وعقولهم وأعمالهم ودرجاتهم، فازدادوا بذلك علمًا وحلمًا وعقولًا إلى ما أفاض الله سبحانه وتعالى عليهم من علمه وحلمه… وهذه أسرار وحقائق إنما يعرف مقدارها من حسن فهمه، ولطف ذهنه، وغزر علمه، وعرف ما عند الناس، وبالله التوفيق”([30]).
وعلى هذا، فليس للمشكِّك أي طريق للطعن في الطب النبوي، لا سيما إذا ما أضفنا إلى ما سبق:
أن الاكتشافات العصرية الحديثة كانت شاهدة على صحة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حارت عقول الأطباء قديمًا وحديثًا فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
أن كثيرًا من الأطباء غير المسلمين قد أسلموا لـمَّـا وقفوا على أوجه الإعجاز الطبي في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل آخرهم ذلك العالم النصراني الذي أعلن إسلامه في مؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، والذي عُقد في دولة الكويت عام 1427هـ/ 2006م في شهر نوفمبر لهذا العام([31]).
الخلاصة:
لم يكن الطب النبوي خرافة إسلامية كما يزعم الطاعنون، وإنما هو حقائق علمية تجلَّت بوضوح بعد الاكتشافات الحديثة؛ حيث أثبتت التجارب العديدة التي أُجرِيت على الوسائل العلاجية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم صحة هذه الوسائل، بل أصبحت شاهد صدقٍ على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلَّا وحيًا من عند علَّام الغيوب.
لقد قارن العلماء بين ما وصل إليه الغرب وما ورد في القرآن الكريم من حقائق إنسانية تخصُّ علم الأجنة، فوجدوا أن القرآن الكريم والسنة النبوية قد سبقا الأبحاث العلمية الحديثة بأكثر من ألف وأربع مئة سنة؛ ذلك أن علم الأجنة لم يقف على قدميه إلَّا في بداية القرن العشرين، أما القرآن فقد ذكر أدق تفاصيله وأبعدها عن العين المجرَّدة والتخمينات.
يقول الله تعالى:)ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)( (المؤمنون)، وقد جاء العلم الحديث فأثبت أن الجنين يمرُّ بمراحل متعددة ومتعاقبة: النطفة، العلقة، المضغة، العظام، كسوة العظام لحمًا، الإنشاء خلقًا آخر، وذلك كله لم يعرفه العلم إلَّا بعد اكتشافات المِجهَر والآلات الحديثة في مجال الطب، فهل مَن أخبر بهذه الحقيقة منذ أكثر من 1400عام يكون كلامه خرافة؟! إذًا فما هي الحقيقة؟!
ثم إننا إذا ما نظرنا إلى إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة مثلًا في قوله صلى الله عليه وسلم: «نعم العبد الحجَّام؛ يُذهِب الدم، ويخفِّف الصُّلْب، ويجلو البصر»، ففي شدة احتقان الرئتين نتيجة هبوط القلب، وعندما تفشل جميع الوسائل العلاجية نجد أن للحجامة دورًا مهمًّا يعلمه الأطباء في عصرنا.
وكذلك الحبة السوداء، فقد ثبت بالأبحاث العلمية والدراسات الإكلينيكية أن لها دورًا كبيرًا في القضاء على البكتيريا الـمُمْرِضة للإنسان والمسبِّبة للتسمُّم الغذائي.
وكذلك السواك الذي ثبت أنه قادرٌ على قتل الجراثيم بالفم، ويمنع تكوُّن مادة الجير على جدار الأسنان، كما أنه يُعطِّر الفم ويُنشِّط الدورة الدموية للثة، وهو مُطهِّرٌ قويٌّ ومفيدٌ لمرضى السكر؛ لأنه يمنع نزيف اللثة.
حقًّا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم طبيبًا، ولم تكن مهنة الطب منوطة بالأنبياء، وليس معنى أن السنة النبوية أكدت على أهمية علاجٍ ما أو دواء معيَّن أنه يلزم عنه استخدامه والتداوي به دون غيره، وإنما نؤكِّد على نفعه وأهميته إلى جوار ما يكتشفه العلماء حديثًا.
لقد أجمع المسلمون الأوائل على أن السنة النبوية هي المرجع الثاني في الشرع الإسلامي في كل نواحي الحياة؛ من أمور غيبية اعتقادية، أو أحكام عملية أو سياسية أو تربوية، وأنه لا يجوز مخالفتها في شيء من ذلك لرأيٍ أو اجتهادٍ أو قياسٍ، ولا شك أن الأحاديث الطبية هي جزء من السنة لا ينبغي إنكارها أو الطعن فيها أو محاولة تعطيل معانيها.
إن مفهوم الطب النبوي مفهوم شامل يبعث على الدهشة ويدعو إلى الإعجاب؛ لأننا حينما نقيس الطب النبوي بالمقاييس العلمية الحديثة في أُسسه العامة نجد أنفسنا أمام إعجاز قاهر لكل نوازع الشك والتردُّد.
(*) خرافة الطب النبوي ودجل المروِّجين له، طلال شاكر، مقال منشور بموقع: الحوار المتمدن www.ahewar.org.
[1]. الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، د. عبد الله بن عبد العزيز المصلح و د. عبد الجواد الصاوي، دار جياد، السعودية، 1429هـ/ 2008م، ص19: 22.
[2]. المرجع السابق نفسه.
[3]. المعجزة والإعجاز في القرآن الكريم، د. سعد الدين السيد صالح، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1993م، ص189.
[4]. المرجع السابق، ص191.
[5]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب، (2/ 816 )، رقم (641).
[6]. المعجزة والإعجاز في القرآن الكريم، د. سعد الدين السيد صالح، مرجع سابق، ص205، 206.
[7]. من روائع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، د. عاطف المليجي، القاهرة، ط4، 2004م، ص37.
[8]. الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، د. عبد الله بن عبد العزيز المصلح و د. عبد الجواد الصاوي، مرجع سابق، ص19: 21.
[9]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الحجامة من الداء، (10/ 158)، رقم (5696).
[10]. الإعجاز العلمي في الإسلام: السنة النبوية، محمد كامل عبد الصمد، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط7، 1428هـ/ 2007م، ص29، 30.
[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الحبة السوداء، (10/ 150)، رقم (5688).
[12]. ملخصات بحوث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، دار جياد، السعودية، ط1، 1432هـ/ 2011م، ص117، 118.
[13]. صحيح: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب: الوضوء، باب: فضل السواك وتطهير الفم به، (1/ 70)، رقم (135). وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (209).
[14]. انظر: السواك، بحث منشور بموقع: سنا للطب الأصيل www.tebasel.com.
[15]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الزهد، باب: كراهية الأكل، (4/ 590)، رقم (2380). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2380).
[16]. الإعجاز العلمي في الإسلام: السنة النبوية، محمد كامل عبد الصمد، مرجع سابق، ص33، 34.
[17]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: العلم، باب: كتابة العلم، (10/ 57)، رقم (3641). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (3646).
[18]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: لكل داء دواء واستحباب التداوي، (8/ 3328)، رقم (5637).
[19]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، (10/ 141)، رقم (5678).
[20]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: لكل داء دواء واستحباب التداوي، (8/ 3331)، رقم (5653).
[21]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأطعمة، باب: التلبينة، (9/ 461)، رقم (5417).
[22]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الحبة السوداء، (10/ 150)، رقم (5687).
[23]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الطب، باب: الحجامة، (2/ 1151)، رقم (3479). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (3479).
[24]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، القاهرة، ط1، 2007م، ص875: 883.
[25]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفضائل، باب: وجوب امتثال ما قاله شرعًا دون ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي، (8/ 3488)، رقم (6013).
[26]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفضائل، باب: وجوب امتثال ما قاله شرعًا دون ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي، (8/ 3487)، رقم (6011).
[27]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: الوصال ومن قال: ليس في الليل صيام، (4/ 238)، رقم (1963).
[28]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، نهضة مصر، القاهرة، ط1، 2003م، ج1، ص72، 73.
[29]. إسناده حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضى الله عنه، (5/ 3)، رقم (20041). وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
[30]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط14، 1407هـ/ 1986م، ج4، ص379.
[31]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص895.
التشكيك في الفوائد الطبية لعسل النحل
مضمون الشبهة:
يشكِّك الطاعنون في الفوائد الطبية لعسل النحل، التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: )يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (69)((النحل)، ويرون أن القول بأن العسل فيه شفاء للعديد من الأمراض-مطلقًا- أشبه بالوصفات الشعبيَّة التي لا تليق بعصر العلم والتقدُّم، والعلاج بالهندسة الوراثية.
مؤكِّدين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخطأ خطأً كبيرًا حينما وصف العسل للرجل الذي اشتكى له من استطلاق بطنه، والوارد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي يشتكي بطنه، فقال صلى الله عليه وسلم: اسْقِه عسلًا، ولما لم يفلح العسل الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم قال له بعد ثلاث مرات: صَدَقَ الله وكَذَبَ بطن أخيك»، ويتساءلون: كيف يُوصَف العسل لمن عنده إسهال، والأطباء يُجمعون على أن العسل من المسهلات؟!
وجها إبطال الشبهة:
1) أكَّد العلم الحديث ما جاء به القرآن الكريم من فوائد عسل النحل الطبية، وذلك بعد تقدُّم العلم، ونَيْل عسل النحل حقَّه من الأبحاث العلمية العالمية؛ إذ تبيَّن لكل ذي بصرٍ ما يحتويه هذا العسل من مواد مهمَّة وضرورية لحماية جسم الإنسان ووقايته، وعلاجه من الأمراض، وذلك ثابت من خلال التجارب المقدَّمة من علماء الغرب.
2) جاءت الدراسات العلمية الحديثة لتكون شاهدًا على صدق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن علاج العسل لاستطلاق البطن؛ ففي دراسة حول هذا الأمر بلغت نسبة نجاح العلاج بالعسل بين هؤلاء المرضى 83%، وتحسَّنت أحوالهم النفسية والـمَرَضية، واختفى الإسهال أو خفَّت حِدَّته، كما تلاشت الأعراض البطنية الأخرى.
التفصيل:
أولا. العلم الحديث يبيِّن فوائد عسل النحل العلاجيَّة في كثير من الأمراض:
في البداية نودُّ أن نشير إلى أن عصر العلم ذاته- الذي يتذرَّع به أصحاب هذه الشبهة- هو الذي أنصف العسل؛ لما فيه من فوائد جمَّة، واحتوائه على الكثير من العناصر المهمة التي يحتاجها جسم الإنسان.
يقول الدكتور حسان شمسي باشا- زميل الكليات الـمَلَكية للأطباء في لندن-: إن العسل لم ينل حقَّه من اهتمام الباحثين الغربيين خلال العقود الماضية مثلما نال خلال السنتين الماضيتين؛ فقد نُشِرَت عشرات الدراسات العلمية خلال العامين المنصَرِمَينِ، ولا يكاد يمرُّ أسبوع إلا وتجد دراسة علمية رَصِينة حول العسل نُشِرت في المجلات العالمية الموثَّقة([1]).
1) الحقائق العلمية:
لا عجب في هذه الفوائد العديدة الناتجة من عسل النحل إذا ما عرفنا أهم محتوياته ومكوِّناته، وكذلك إذا ما اطلعنا على خصائصه.
محتويات عسل النحل ومكوناته:
يحتوي عسل النحل على عدد من المواد؛ كالسكريَّات والماء والفيتامينات والأملاح المعدنية وبعض المواد البروتينيَّة والخمائر والإنزيمات، إلى غير ذلك، وهذا تفصيل لهذه
المواد:
السكريات:
يُعدُّ عسل النحل أهم مصدر للمواد السكرية، ونسبة السكر فيه كبيرة جدًّا، وعدد السكريات التي اكتُشِفَت في العسل تبلغ 25 نوعًا حتى الآن، وإنك لتعجب حقًّا عندما تعلم أن النسبة العُظمَى من سكر العسل- أكثر من 70%- إنما تتشكَّل من السكر الأحادي البسيط بنوعيه (الفراكتوز والجلوكوز).
الخمائر:
الخمائر مواد ضرورية للكائن الحي لا بقاء له بغيرها، وهي تقوم بدورٍ أساسيٍّ وبالغ الأهمية في إتمام العمليات الكيميائية الحيوية داخل الخلية في يُسْرٍ بالغٍ وفي درجة الجسم العادية، وقد تبيَّن أن العسل يحتوي على أعلى نسبة من الخمائر إذا قُورِن بجميع الأطعمة الأخرى.
الفيتامينات:
الفيتامينات مواد أساسية لجسم الإنسان، وأي نقص فيها قد يؤدي إلى العديد من الأمراض التي قد تبلغ درجة الخطورة، ويشتمل عسل النحل على مجموعة تمثِّل أغلب وأهم الفيتامينات المعروفة؛ منها فيتامين (أ)، وهو ضروريٌّ للإبصار ولسلامة الجلد وصحته، وتجديد خلايا البشرة، كما أنه ضروري لسلامة الأغشية المخاطية ولعمليات التمثيل الغذائي داخل جسم الإنسان، وغير ذلك من الفوائد الكثيرة، وكذلك فيتامين (د)، وهو يعمل على سلامة الجسم في امتصاص عنصرَيِ الكالسيوم والفوسفور، ويؤدي نقصه إلى أمراض الكُساح عند الأطفال، ولِين العظام عند البالغين، وفيتامين (و)، وهو ضروري لتكوين الخلايا التناسلية والمحافظة على حيويتها ونشاطها، وللمحافظة على حيوية الجنين في أثناء فترة الحمل، وفيتامين (ك)، وهو ضروري لمنع النَّزف، وفيتامين (ب 1)، الذي يقوم بدورٍ مهمٍّ في عملية تمثيل المواد السكرية، وللمحافظة على سلامة الأعصاب، وقيام الجهاز العصبي بوظائفه، وفي انتظام عملية الهضم، وفيتامين (ب 2) يحمل الهيدروجين إلى الخلايا الحية في عمليات التَّأكْسُد، ويساعد الجسم على التخلُّص من الملح والماء بواسطة الكُلى، ويساعد على امتصاص الحديد، وفيتامين (ب 3)، وهو ضروري لتكوين مادة الأسيتيل كولين المهمَّة في قيام الجهاز العصبي بوظائفه، وكذلك فيتامين (ب 5)، وهو الشهير بالفيتامين المضاد لمرض البلاجرا، وفيتامين (ب6)، وهو ضروري في عمليات تمثيل المواد البروتينية، كما أنه يحافظ على التوازن والتبادل الغذائي داخل أنسجة الجسم، وكذلك حمض الفوليك الذي يساعد على تكوين كرات الدم الحمراء ونُضْجها، وعلى حسن أداء الجهاز الهضمي لوظائفه، وفيتامين (هـ)، وهو ضروري في عمليات التمثيل الغذائي، ويؤدي نقصه إلى جفاف الجلد والتهابه وتقشُّره، وفيتامين (ج)، الذي يساعد على تكوين مادة الكولاجين في العظام والأسنان والأوعية الدموية، ويساعد على امتصاص الحديد، وتكوين كرات الدم الحمراء ونضجها.
الأملاح المعدنية:
تدخل الأملاح المعدنية في تركيب الجسم البشري، وتعمل بصفتها عناصر مهمة لبعض الأنسجة والعضلات وكريات الدم الحمراء والبيضاء.
الإنزيمات:
وهي عبارة عن مواد بروتينية معقَّدة التركيب، يتم تكوينها بواسطة الكائنات الحية داخل الخلايا أو خارجها؛ لتقوم بالمساعدة في إتمام التفاعلات الحيوية المختلفة من هَدْم وبناء، وأهم هذه الإنزيمات: الأنفرتيز والأميليز والكاتليز والبروتينيز والببتيديز والجلوكوز أوكسيديز.
مواد أخرى:
لا تقتصر محتويات عسل النحل على كل هذا الذي تقدَّم ذِكْره، بل إنه يحتوي أيضًا على الكثير من المواد الأخرى المهمة المعروفة؛ فتوجد في العسل مثلًا مجموعة كبيرة من الأحماض العضوية؛ مثل حمض الليمونيك واللبنيك والتفاحيك- الخليك- والأوكساليك والجلوكونيك واليروجلوتاميك.
الخصائص الغذائية الفريدة لعسل النحل:
وإضافة إلى ما سبق نجد أن عسل النحل يمتاز بعددٍ من الخصائص الغذائية المفيدة التي تميِّزه من غيره من الأغذية، ومن هذه الخصائص:
العسل غذاء جاهز:
الأطعمة بصورة عامة تظلُّ في المعدة مدة غير قصيرة لتمتزج مع عُصارات المعدة، ثم تمرُّ إلى الأمعاء الدقيقة؛ حيث تضاف إليها عصارات أخرى، وتبقى بعض الوقت قبل أن يتيسَّر امتصاصها في الأمعاء الدقيقة، وبعض الأطعمة –كالسليلوز- يحتاج لمسيرة أطول حتى يصل للأمعاء الغليظة ليصبح قسم منها فقط صالحًا للامتصاص، أما بالنسبة للعسل فإن 80% منه تقريبًا سكر أحادي؛ مثل الفركتوز والجلوكوز، وهما جاهزان تقريبًا للامتصاص والاستعمال في خلايا الجسم بمجرد ابتلاعها.
غذاء يحتفظ بقيمته وسلامته:
معظم الأطعمة التي يمرُّ عليها وقت تتعرَّض للتبدُّل الذي قد ينقص من قيمتها أو يحوِّلها إلى مواد خطرة على الصحة، أما العسل الطبيعي فقد وُجد أنه لا يفسد مع مرور الزمن إذا حُفظ بطريقة سليمة، كما يبقى محتفظًا بفوائده الحيوية لفترة طويلة تمتد من 3: 5 سنوات، بالإضافة إلى أنه يمتلك خاصية مضادة للتعفُّن ونمو الأحياء الدقيقة، وعدم وجود أيِّ آثار ضارة أو جانبية من تناوله.
غذاء مضاد للعفونة:
فقد ثبت أن العسل به خصائص مضادة للعفونة، وهي كافية لتؤثِّر على الجراثيم الـمُمْرِضة داخل الأمعاء، بحيث إذا استغنى الإنسان عن اللحوم والحليب واقتصر على العسل كغذاء نقصت الزمرة الجرثومية الـمُمْرِضة للأمعاء بنسبة عالية، كما أنه غذاء يريح الكبد والكليتين، وليس له فضلات تبقى دون أن يستفيد منها الجسم، وهو مليءٌ بالحيوية والطاقة، وله مكانته العالية في إنتاج القدرة والقوة داخل جسم الإنسان، كما أثبتت البحوث التي أُجرِيت في أمريكا وإنجلترا وروسيا والصين أن العسل شفاء لكثير من الأمراض([2]).
وها هم علماء الغرب يُجرون أبحاثًا علميَّةً في أَوْج عصر العلم والحداثة ليؤكِّدوا ما جاء به الإسلام منذ أكثر من 1400 سنة.
أبحاث علمية عالمية لدراسة فوائد عسل النحل الطبية:
بحث إنجليزي لإثبات فائدة العسل في التئام الجروح:
نُشِر في صحيفة إنجليزية في 6 مارس 1956م أن أحد كبار الجرَّاحين في مستشفى نورفولك الإنجليزي استخدم عسل النحل لتغطية آثار الجروح الناتجة عن العمليات الجراحية التي يجريها، بعد أن ثبت له أنه يساعد على سرعة التئام الجروح وإزالة آثارها، فلا تترك ندوبًا وتشوُّهات بعد العملية، كما تبيَّن له من هذه التجارب التي أجراها أن طبيعة العسل وما يحويه من مواد تساعد على نمو الأنسجة البشرية من جديد فتلتئم الجروح بطريقة مستوية.
بحث إيطالي لإثبات فاعلية العسل في أمراض الكبد والمرارة:
نصح داود الأنطاكي قديمًا في القرن السادس عشر باستعمال العسل لعلاج مرضى الصفراء وتسمُّم الكبد، وثبت في جامعة بولونيا بإيطاليا أن العسل له تأثير يقوِّي الكبد، كما أن العسل مع الليمون والزيتون يفيد في حالات أمراض الكبد والحوصلة المرارية.
بحث أمريكي لإثبات أثر العسل في علاج الأمراض الصدرية والحساسية:
أعلن الدكتور “وليام بيترسون” -إخصائي أمراض الحساسية بجامعة أيوا الأمريكية- أنه قام بمعالجة اثنين وعشرين ألف مريض بالحساسية بمقدار ملعقة يوميًّا من عسل النحل الخام، وأكد العسل فاعليته في 90% من الحالات، وفي حالات الشعور بضِيق الصدر والسُّعال والخشونة الصوتية يفيد منقوع البصل مع العسل في جَلْي الصدر، وكذلك في علاج السعال الدِّيكي وفي حالات التهاب الشُّعَب الهوائية.
بحث أمريكي لإثبات فاعلية العسل في علاج التهاب المفاصل:
توصَّلت الباحثة الأمريكية “جوليا تشرش” بعد تجارب متعددة على الخنازيز الغينية إلى إثبات وجود مادة مجهولة في عسل النحل وشمعه لها القدرة على علاج تصلُّب المفاصل، ووجدت أن العسل المستخرَج من القُرص مباشرة -دون تسخين أو أي معالجة صناعية أخرى -يعمل على القضاء على تصلُّب الرُّسغين الذي يصيب الإنسان، وقد تبيَّن أن الخنازير الغينية التي تنقصها هذه المادة الـمجهولة تتأثر أشكال عظامها تمامًا كما يحدث للآدميين المصابين بالتهاب المفاصل.
بحث بريطاني لإثبات فاعلية العسل في نمو الأنسجة:
كان قدماء المصريين ينصحون بتغطية الجروح بقماشٍ قُطنيٍّ مغموسٍ بالعسل لمدة أربعة أيام، وقد جرَّبها حديثًا الجراح البريطاني “ميخائيل بولمان” بمستشفى نورفولك نورديتش بإنجلترا؛ حيث أتى العسل بنتائج مذهلة في تضميد جُرْحٍ ناتجٍ عن استئصال ثَدْي بسبب السرطان، فتحسَّن الجرح بسرعة فائقة بعد استعمال العسل؛ حيث إن احتواء العسل على عناصر غذائية يلعب دورًا واضحًا في التشكيل السريع للأنسجة النامية، كما أنه يعمل على تهدئة الجروح الملتهبة والمتقيِّحة بطيئة الالتئام.
كما يُستعمَل العسل كذلك في حالات الإصابة بالرصاص؛ حيث إن العسل يزيد كمية إفراز الجلوتاثيون في الجرح؛ الأمر الذى يساعد على عملية التأكسُد والاختزال، وينشِّط نمو الخلايا وانقسامها، فيُسرع بالشفاء ويسرِّع من التئام الجروح، خاصة إذا أُخذ عن طريق الفم.
بحث مصري لإثبات فاعلية العسل في علاج التهاب العيون:
في عام 1981م أشار الدكتور محمد عمارة -رئيس مستشفى طب العيون بجامعة المنصورة -إلى نجاح العسل في علاج التهاب القَرَنية وعتمات القرنية المترتبة على الإصابة بفيروس الهربس، والتهاب الملتحِمة وجفافها، وينصح بوضع العسل في جيب الملتحمة الأسفل 2: 3 مرات يوميًّا، وسيحدث -في الغالب -حَرَقانٌ وقتِيٌّ بالعين وانهمار الدموع، ولكن سرعان ما يتلاشى وتتحسَّن الحالة بنسبة 85%.
بحث إسباني لإثبات أثر العسل في علاج الأنيميا والضغط العام:
في إحدى مستشفيات إسبانيا أُجرِيت تجربة على ثلاثين طفلًا لمدة ستة أشهر، وقُورِنوا بعدد مماثل من الأطفال الذين يأخذون الغذاء العادي، فظهرت زيادة في الوزن، وزيادة في عدد كرات الدم الحمراء، وزيادة في الهيموجلوبين، وزيادة في الكائنات النافعة بالأمعاء، علاوةً على قدرة تحمُّل غير عادية بالنسبة للأطفال الذين يأخذون العسل، وينصح الأطباء في حالة إصابة الأطفال بالأنيميا بإضافة مِلْعَقة أو ملعقتين إلى وجبة الطفل([3]).
كما أظهرت دراسة جديدة أن العسل يملك خصائص يستطيع من خلالها مقاومة الجراثيم، كما أظهر فعالية ضد البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، التي طوَّرت أجهزتها المناعيَّة لمقاومة المضادات؛ الأمر الذي جعل مقاومتها بالأدوية العادية أمرًا صعبًا، ولطالما كان العسل في القديم والحديث يُستخدَم علاجًا طبيًّا للكثير من الأمراض في مختلف البلدان والحضارات القديمة، لكن هذه الدراسة قد تكون نقطة تحوُّل جديدة في الاستخدامات الطبية للعسل.
وحول الدراسة التي أجرتها جامعة سيدني الأسترالية، تقول دي كارتر -الأستاذ المشارك في كلية العلوم البيولوجيَّة والميكروبيَّة الجرثوميَّة-: “بيَّن لنا البحث الذي أجريناه أن العسل يمكن أن يحلَّ محلَّ الكثير من المضادَّات الحيوية المستخدَمة في معالجة الجروح؛ كالمراهم والكريمات المختلفة، كما أن استخدام العسل كوسيلة مساعدة للعلاج سيزيد من عُمْر المضادات الحيوية”.
ويؤكد العلماء أن أكثر أنواع البكتيريا التي تسبِّب الالتهابات في المستشفيات باتت قادرة على مقاومة نوع واحد على الأقل من المضادات الحيوية، وهذا يتطلَّب إنتاج أنواع جديدة من هذه المضادات؛ لتكون قادرة على القضاء على البكتيريا المسبِّبة للأمراض([4]).
العسل مطهِّرٌ قويٌّ:
وجد الدكتور” مولان” Molanأن جميع أنواع العسل تتميَّز بوجود مضادات للجراثيم من النوع القوي، ويقول: “إنك لا تجد أيَّ مادة في العالم تُشبِه العسل في خواصها المطهِّرة؛ حيث يفرز النحل مادة (hydrogenperoxide) بواسطة إنزيمات خاصة، وهذه المادة معروفة بخصائصها المعقِّمة”.
كما أثبت هذا الباحث بعد تجارب استمرت عشرين عامًا أن العسل له طاقة كبيرة في علاج الإمساك الـمُزْمِن دون أيَّة آثارٍ جانبيَّة، ويقول: “إن أدواتي الطبية التي أحملها معي في حقيبة العلاج هي مجرَّد عسل وضمَّادات”.
العسل يحوي مضادات حيويَّة قوية:
يقوم الدكتور ” مولان” بعلاج الكثير من الأمراض بالعسل فقط دون أي شيء آخر، ويقول:”إن للعسل تأثيرًا مُذهِلًا في علاج الحروق والتَّقيُّح، ويمكن تطبيقه مباشرة على الحروق فيعمل على ترميم الجلد وقتل البكتيريا المؤذية، بل يزيل آثار الحروق؛ فتجد العضو المحروق بعد العلاج بالعسل عاد كما كان دون آثار أو ندوب”.
وقد حيَّرت بعض أنواع الجراثيم باحثي الولايات المتحدة الأمريكية ولم يجدوا لها علاجًا، ولكنهم اليوم يحاولون استخلاص المضادات الحيوية الموجودة في العسل لتعقيم المشافي؛ حيث يؤكدون أنها من أفضل المضادَّات الحيوية!
العسل يعالج سرطان الجلد:
بعد اختبارات طويلة وجد الدكتور (GlenysRound)-إخصائي أمراض السرطان- شيئًا غريبًا في العسل، فقد لاحظ أن للعسل تأثيرًا مُدهِشًا في علاج السرطان، ويقول: “إننا نستعمل العسل في علاج سرطان الجلد؛ حيث يخترق الجلد ويعالج هذا السرطان بشكلٍ تعجز عنه أفضلُ الأدوية”.
العسل يعالج القروح:
يؤكد العلماء أن كل الأدوية وقفت عاجزة أمام علاج القروح، ولكنهم تمكَّنوا أخيرًا من شفائها بالعسل، والشيء الذي يؤكِّده جميع المرضى الذين تـمَّت معالجتهم بالعسل أنهم يشعرون بسعادة أثناء العلاج، فلا آثار جانبية ولا ألم، كما يؤكِّد الخبراء أنه يتم إنفاق ستة بلايين دولار سنويًّا على علاج الجروح والحروق، ولو تمَّ الاعتماد على العسل لوفَّروا نسبة كبيرة من الأموال.
العسل يعالج قُرحة المعدة:
وجد بعض الباحثين أن العسل يملك قوة شفائية في علاج قروح المعدة والتهابات الحنجرة، ووجدوا أن الجراثيم تجتمع بطريقة خاصة لتدعم بقاءها وتجمعاتها، وأثبت البحث العلمي أن العسل يقوم بتفريق دفاعات الجراثيم ويشتِّتها ويُضعِفها؛ الأمر الذى يساعد الجسم على القضاء عليها، وقد قام العلماء مؤخرًا باكتشاف مادة في العسل تمنع التَّأكسُد؛ وبالتالي تفيد في علاج الكوليسترول.
ولذلك يَعجَب العلماء من الطاقة الخفيَّة الموجودة في العسل، التي تستطيع شفاء الأمراض المستعصية، ويتساءلون: كيف يحدث الشفاء؟ ما الشيء الذي يقوم به العسل داخل خلايا جسدنا فنجد أن السرطان يتوقَّف بشكلٍ مفاجئٍ، ونجد أن الكثير من البكتيريا يتوقَّف نموها في الجسم، ونجد أن الجهاز المناعي ينشط ويصبح أكثر فاعلية… ما الذي يحدث؟ لا أحد لديه الإجابة.
العسل يَقِي من السرطان:
إن العسل وغذاء مَلِكات النحل يمكن أن يكونا جزءًا من ترسانة السلاح التي يتم بها محاربة السرطان؛ فقد توصَّل فريق من الباحثين بجامعة زغرب بكرواتيا إلى مجموعة من منتجات عسل النحل أوقفت نمو الأورام أو انتشارها لدى فئران التجارب، وقالوا في مقال بصحيفة علوم الغذاء والزراعة: “إن البشر المصابين بالمرض يمكن أن يستفيدوا أيضًا من هذه النتيجة”.
واقترحوا أن منتجات العسل ربما تؤدي إلى ما يُعرَف بـ “الأبوبتوسيس”، وهو انتحار الخلايا، أو لديها تأثير مباشر سامٌّ على الخلايا، أو يساعد الجهاز المناعي الذي يقاوم نمو الخلايا السرطانية، وقال الفريق البحثي الذي قادته الدكتورة ندى أورساليتش: “إن الدراسة تشير إلى أن منتجات عسل النحل يمكن أن تكون أداة مفيدة في السيطرة على نمو الورم”.
وفي ظل موجة الأمراض المستعصية التي نواجهها بسبب التلوث المناخي، فإننا ندعو الجميع لأن يتخذوا من العسل مادة وقائية، حتى لو كان أحدنا سليمًا ينبغي أن يتناول كمية قليلة منه كل يوم؛ وهذا سيساعد النظام المناعي لديه على مواجهة مزيد من الأمراض([5]).
وقد أظهر عدد من الدراسات العلمية أن العسل يمتلك خصائص مضادة للجراثيم في المختبَر، كما أكَّد عدد من الدراسات السريرية أن استعمال العسل في علاج الجروح الملتهبة بشدة استطاع تطهير هذه الإنتانات الجرثومية والقضاء عليها، وعجَّل في شفاء الجروح،
كما أكَّدت الدراسات المختبرية والسريرية أن العسل فعَّالٌ تجاه عدد واسع من الجراثيم، وليس له أي تأثيرات جانبية ضارة على أنسجة الجرح، وإضافة إلى هذا فإنه يؤمِّن تنظيفًا ذاتيًّا سريعًا للجرح، ويزيل الرائحة منه، ويحفِّز نمو الأنسجة التي تُلئِم الجروح، وخصائص العسل المضادة للالتهاب تخفِّف آلام الجروح بسرعة، كما تخفِّف من الوذمة المحيطة بالجرح، ومن خروج السوائل من الجرح (Exudates)، وتقلِّل من ظهور الندبات بعد شفاء الجروح.
وأشارت الأبحاث العلمية إلى أن خواص العسل الفيزيائية والكيميائية -مثل درجة الحموضة والتأثيرات الأُسموزية (Osmotic)- تلعب دورًا في فعاليته القاتلة للجراثيم، وإضافة إلى هذا فإن العسل يمتلك خواص مضادة للالتهابات ( antiـ inflammatoryactivity)، ويحفِّز الاستجابات المناعية داخل الجرح، والنتيجة النهائية هي أن العسل يقاوم الإنتان الجرثومي، ويحفِّز الالتئام في الجروح والحروق والقروح.
ويضيف كاتب المقال-أيضًا- أنه قد تمَّ الاعتراف مؤخَّرًا في أستراليا طبِّيًّا باستخدام نوعين من العسل ( (MediHoneyو ((ManukaHoney لأغراض علاجية.
العسل يُثبِّط جرثومة العصيَّات الزرق (الزائفة):
يقول الدكتور ” كوبِر”Cooper في مقدمة بحثه الذي نُشِر في مجلة (J Bur CareRehabil) في شهر ديسمبر 2002م: لأنه لا يوجد علاجٌ مثاليٌّ للحروق المصابة بإنتانٍ جرثوميٍّ من نوع العصيات الزرق (Pseudomonas aeruginosa)، فإن هناك حاجة ماسَّة للبحث عن وسائل أخرى فعالة لعلاج هذا الإنتان.
والعسل علاج قديم للجروح، ولكن هناك أدلَّة متطوِّرة تؤكِّد فعاليَّته كمضادٍّ لجرثومة العصيات الزرق، وقد قام الدكتور ” كوبِر” وزملاؤه في جامعة كارديف في بريطانيا باختبار حساسية 17 سلالة من سلالات جرثومة العصيات الزرق تم عزلها من حروق مصابة بالإنتان، وذلك تجاه نوعين من أنواع العسل؛ الأول هو (PastureHoney)، والثاني هو ((ManukaHoney، وقد أكَّدت نتائج الدراسة أن كل السلالات الجرثومية السابقة الذِّكر قد استجابت للعلاج بالعسل وبتراكيز قليلة دون 10% جم/مم، وليس هذا فحسب، بل إن كلا النوعين من العسل احتفظا بفعاليتهما القاتلة للجراثيم، حتى عندما تم تمديد المحلول لأكثر من عشرة أضعاف.
وخلص الباحثون إلى القول بأن العسل- بفعاليته المضادة للجراثيم- قادر على أن يكون أحد الوسائل العلاجية الفعالة في معالجة الحروق المصابة بإنتان جرثومي بالعصيات الزرق.
وكانت نتائج بحث آخر نُشِر في مجلة (JApplMicrobial) عام 2002م قد أكَّدت على فعالية استخدام العسل في علاج الجروح المصابة بالمكورات الإيجابية الجرام (GramPositiveCocci).
استخدام العسل كضمادٍ للجروح:
ففي دراسة نُشِرت في مجلة (AnnPlastSurg) في شهر فبراير 2003م، أُجرِيت على 60 مريضًا هولنديًّا مصابًا بجروح عميقة مختلفة، شملت الجروح الـمُزمِنة 21 مريضًا، والجروح المعقَّدة 23 مريضًا، وجروحًا ناجمة عن الرضوض الحادَّة 16 مريضًا ـ أكَّد الباحثون أن استعمال العسل كان سهلًا في تطبيقه عند كل المرضى إلَّا واحدًا، وساعد في تنظيف الجروح، ولم يحدث أيُّ تأثيرٍ جانبيٍّ لاستعماله في علاج تلك الجروح.
وذكر الباحثون أن العديد من الأطباء ما زال يتردَّد في استخدام العسل كعلاج موضعيٍّ للجروح؛ وذلك لأن البعض يعتقد أن استعمال العسل يبدو غير محبَّب بسبب لُزُوجته.
وينصح الباحثون في مقال نُشِر في مجلة (ArchSurgery) عام 2000م باستعمال العسل كواقٍ لحافَّة الجرح أثناء العمليات الجراحية التي تُجرَى على الأورام.
العسل والحروق:
نشرت مجلة (Burns) عام 1996م دراسة على استعمال العسل في علاج الحروق، قُسِّم فيها المرضى إلى مجموعتين، كلٌّ منهما تشمل 50 مريضًا؛ عُولِـجت المجموعة الأولى بالعسل، في حين عُولجت المجموعة الثانية بوضع شرائح البطاطا المسلوقة- كمادة طبيعية غير مؤذية- على الحروق، وتبيَّن بنتائج الدراسة أن 90% من الحروق التي عُولجت بالعسل أصبحت خالية من أيِّ جراثيم خلال 7 أيام، وتمَّ شفاء الحروق تمامًا في 15 يومًا بنسبة 100%، أما المجموعة الثانية التي عُولجت بشرائح البطاطا فقد شُفِيَ فقط 50% منهم خلال 15 يومًا.
العسل غنيٌّ بمضادات الأكسدة:
ففي دراسة نُشِرَت في شهر مارس 2003م في مجلة (JAgricFoodChem) قارن الباحثون بين تأثير تناول 1,5ج/ كجم من وزن الجسم من شراب الذرة، أو من العسل على الفعالية المضادة للأكسدة، فقد ازدادت محتويات البلازما من مضادات الأكسدة الفينولية بنسبة أعلى بعد تناول العسل عنها بعد تناول شراب الذرة، وقد أشارت الدراسة إلى أن مضادات الأكسدة الفينولية (Phenolic) الموجودة في العسل فعالة، ويمكن أن تزيد من مقاومة الجسم ضدَّ الإجهاد التأكسدي (OxidativeStress).
ويقدِّر الباحثون أن الإنسان الأمريكي يتناول سنويًّا ما يزيد على 70 كجم من الـمُحَلِّيَات؛ ولهذا فإن استعمال العسل بدلًا من بعض المحليات (sweeteners) يمكن أن يؤدِّي إلى زيادة قوة جهاز المقاومة المضاد للأكسدة في جسم الإنسان، ويدعو الدكتور (Schramm) الأمريكيين إلى استخدام العسل بدلًا من جزء من المحلِّيات المستخدَمة يوميًّا في تحلية الطعام.
وفي دراسة حديثة أُجرِيت في فرنسا ونُشرِت في مجلة (J Nutr) في شهر نوفمبر 2002م، وأُجرِيت على الفئران التي أُعطِيت غذاءً يحتوي على 65جم/100جم من النشويَّات على صورة نشاء القمح، أو على مزيج من الفركتوز مع الجلوكوز، أو على غذاء يحتوي على العسل. تبيَّن للباحثين أن الفئران التي غُذِّيت على العسل كان لديها مستوى أعلى من مضادات الأكسدة؛ مثل ألفا توكفرول وغيره، وكانت قلوبها أقل تعرُّضًا لتأكسُد الدهون فيها، وذكر الباحثون في ختام بحثهم أن الحاجة ماسَّة لإجراء المزيد من الدراسات لمعرفة الآلية التي يمارس بها العسل خصائصه المضادة للأكسدة.
وفي دراسة أخرى قُدِّمت في شهر نوفمبر في مؤتمر (ExperimentalBiology) في أورلاندو في 4/4/2001م، استُخْدِم العسل كمصدرٍ للسكريَّات أثناء التمارين الرياضية في مسابقات ركوب الدراجات، فأُعطي تسعة متسابقين إحدى ثلاث مواد مغذِّية إضافية- إما العسل، أو محلول السكر، أو محلول خالٍ من السُّعرات الحرارية-كل أسبوع، ولمدة ثلاثة أسابيع، وأُجرِي فحص القدرة على التحمُّل كل أسبوعٍ، وشمل هذا الفحص ركوب الدراجة لمسافة 64 كم، وقد استطاع الذين تناولوا العسل أن يختصروا مدَّة قَطْع تلك المسافة بثلاث دقائق بالمقارنة مع الذين لم يتناولوا العسل، كما زاد تناول العسل من قدرة التحمُّل على ركوب الدراجة بنسبة 6%، وبالطبع فإن هذه الفروق البسيطة لها أهمية كبرى في السباقات الرياضية.
العسل وصحة الفم:
أكَّد البروفيسور “مولن” في مقال نُشر في مجلة (GenDent) في شهر ديسمبر 2001م أن العسل يمكن أن يلعب دورًا في علاج أمراض اللِّثة وتقرُّحات الفم ومشكلات أخرى في الفم؛ وذلك بسبب خصائص العسل المضادة للجراثيم.
العسل علاجٌ لالتهاب الأغشية المخاطية الشعاعي:
ففي دراسة حديثة نُشِرت في مجلة (SupportCareCancer) في شهر أبريل 2003م، وأُجرِيت على أربعين مريضًا مصابًا بسرطان في الرأس والرقبة، ويحتاجون إلى معالجة شعاعية- قُسِّم المرضى إلى مجموعتين؛ أُعْطِيت الأولى منهما المعالجة الشعاعية، وأما الثانية فأُعطِيت المعالجة الشعاعية بعد تطبيق العسل موضعيًّا داخل الفم، فقد أُوصِي المرضى بتناول 20جرامًا من العسل الصافي قبل المعالجة الشعاعية بـ 15 دقيقة، ثم بعد إعطاء الأشعة بـ 15 دقيقة، ثم بعد 6 ساعات من المعالجة بالأشعة، وأظهرت الدراسة انخفاضًا شديدًا في معدَّل حدوث التهاب الأغشية المخاطيَّة عند الذين استعملوا العسل بنسبة 75% في المجموعة الأولى، مقابل 20% في المجموعة الثانية.
وخَلُصَ الباحثون إلى القول بأن إعطاء العسل موضعيًّا أثناء المعالجة الشعاعية طريقة علاجيَّة فعَّالة وغير مكلِّفة لمنع حدوث التهاب الأغشية المخاطية في الفم، ويستحق الأمر إجراء دراسات أكبر وفي مراكز متعددة لتأكيد نتائج هذه الدراسة([6]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الآية الكريمة:
يُعدُّ عسل النحل منحة عجيبة من منح الله عز وجل، امتزجت مزاياه كطعام ممتاز بمزاياه الطبية العلاجية التي لم يتم إثباتها إلا في عصرنا الحديث، رغم أن الله عز وجل أوضح هذا فقال: )يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس((النحل:69)، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حثَّ على العلاج به منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «الشفاء في ثلاثة؛ شَرْبَة عسلٍ، وشَرْطَة مِـحْجَمٍ، وكَيَّة نارٍ، وأنهى أُمَّتي عن الكَيِّ»([7]).
من أقوال المفسرين:
لقد أفاض المفسِّرون في تفسير هذه الآية؛ حيث ذهب جميعهم إلى أن العسل من أعظم الأدوية، يقول الإمام القرطبي في تفسيره: “)فيه شفاء للناس ((النحل:69) ، هل هو على عمومه أم لا؟ فقالت طائفة: هو على العموم في كل حال ولكل أحد، فرُوِيَ عن ابن عمر أنه كان لا يشكو قُرْحة ولا شيئًا إلا جعل عليه عسلًا، حتى الدُّمَّل إذا خرج عليه طَلَـى عليه عسلًا، وحكى النقاش عن أبي وجرة أنه كان يكتحل بالعسل، ويستمشي بالعسل، ويتداوَى بالعسل.
ورُوي أن عوف بن مالك الأشجعي مَرِض، فقيل له: ألا نعالجك؟ فقال: ائتوني بالماء، فإن الله تعالى يقول: )ونزلنا من السماء ماء مباركا((ق: 9)، ثم قال: ائتوني بعسل، فإن الله تعالى يقول:)فيه شفاء للناس( (النحل:69)، وائتوني بزيت، فإن الله تعالى يقول: )من شجرة مباركة((النور: 35)، فجاءوه بذلك كله فخلطه جميعًا ثم شربه فبَرِئَ.
ومنهم من قال: إنه على العموم إذا خُلِط بالخل ويُطبَخ فيأتي شرابًا ينتفع به في كل حالة من كل داء، وقالت طائفة: إن ذلك على الخصوص، ولا يقتضي العموم في كل عِلَّة وفي كل إنسان، بل إنه خبر عن أنه يشفي كما يشفي غيره من الأدوية في بعض، وعلى حال دون حال، ففائدة الآية إخبار منه في أنه دواء لما كثر الشفاء به وصار خليطًا ومعينًا للأدوية في الأشربة والمعاجين، وليس هذا بأول لفظ خُصِّص، فالقرآن مملوءٌ منه، ولغة العرب يأتي فيها العامُّ كثيرًا بمعنى الخاص، والخاص بمعنى العام، ومما يدل على أنه ليس على العموم أن )شفاء(نكرة في سياق الإثبات، ولا عموم فيها باتفاق أهل اللسان ومحقِّقي أهل العلم ومختلفي أهل الأصول، لكن قد حملته طائفة من أهل الصدق والعزم على العموم، فكانوا يستشفون بالعسل من كل الأوجاع والأمراض، وكانوا يُشفَون من عِلَلهم ببركة القرآن وبصحة التصديق والإيقان. يقول ابن العربي: ومن ضَعُفَت نِيَّتُه، وغلبته على الدين عادته، أخذه مفهومًا على قول الأطباء، والكل من حكم الفعال لما يشاء”([8]).
ويقول الإمام السعدي في تفسيره لقوله تعالى: )فيه شفاء للناس((النحل:69): “في خلق هذه النحلة الصغيرة التي هداها الله هذه الهداية العجيبة، ويسَّر لها المراعي، ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها وهدايته لها، ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة، فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى، وتمام لُطْفِه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يُـحَبَّ غيره ويُدْعَى سواه”([9]).
ويقول الإمام أبو بكر الجزائري في تفسيره: “)فيه شفاء للناس((النحل:69)؛ أي من الأدواء، هذا التذكير في قوله: )شفاء( دالٌّ على بعض دون بعض، جائز هذا حتى يضم إليه بعض الأدوية أو العقاقير الأخرى، أما مع النيَّة- أي أن يشرب بنية الشفاء من المؤمن – فإنه شفاءٌ لكل داءٍ وبدون ضميمة؛ أي شيء آخر له”([10]).
وقال الطاهر ابن عاشور: “وفي العسل خواص كثيرة المنافع بيِّنة في علم الطب”([11]).
هذا عن رأي المفسِّرين في الآية؛ حيث فهموا جميعًا أن الآية صريحة كل الصراحة في الدلالة على كون العسل شفاء، وهذا ما ذهب إليه ابن القيم أيضًا في كتابه “الطب النبوي”؛ حيث يتحدث عن الفوائد الجمَّة للعسل واستطاعته شفاء كثير من الأمراض فيقول: وهو غذاءٌ مع الأغذية، ودواءٌ مع الأدوية، وشرابٌ مع الأشربة، وحلوٌ مع الحلوى، وطِلاءٌ مع الأطلية، وفرحٌ مع المفرحات، فما خُلِق لنا شيء في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبًا منه، ولم يكن مُعوَّل القدماء إلا عليه.
وقال أيضًا: والعسل فيه منافع عظيمة؛ فإنه جلاءٌ للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها، محلِّلٌ للرطوبات أكلًا وطلاءً، نافعٌ للمشايخ وأصحاب البلغم، ومن كان مزاجه باردًا رطبًا، وهو مغذٍّ مُليِّنٌ للطبيعة، حافظٌ لقوى المعالجين ولما استُودِع فيه، مُذهِبٌ لكيفيات الأدوية الكريهة، مُنَقٍّ للكبد والصدر، ومُدِرٌّ للبول، موافقٌ للسعال الكائن عن البلغم([12]).
وقد يقول قائل: تذكرون- أيها المسلمون -أن قرآنكم جاء بأن في العسل شفاء: )فيه شفاء للناس((النحل: ٦٩)، ونحن نعلم أن كثيرًا من الأمم القديمة كالفراعنة واليونانيين والرومان كانوا يستعملون العسل في علاجاتهم، كما أن ذِكْر العسل قد ورد في الكتب السماوية السابقة، فأيُّ إعجاز هنا؟
ونقول لهذا السائل: إن إعجاز آية النحل لا يكمن في ذِكْر أن العسل شفاء للناس فحسب، ولكن الإعجاز بيانيٌّ يكمن في ثلاثة أمور حسب تفسير الدكتور حسان شمسي باشا:
الأول: أن الله تعالى لم يذكر العسل صراحة في الآية فقال:)يخرج من بطونها شراب((النحل: ٦٩)، ولم يقل: (يخرج عسل)، وترك الله تعالى للإنسان أن يدرس ماذا يخرج من النحل من عسل، وغذاء مَلَكي، وعكبر، وشَمْع، وسم نحل، يدرس خصائص هذه المواد ويعلم تركيبها، وهذه هي مرحلة التعرُّف.
الثاني: أن في هذا الذي يخرج من النحل شفاء؛ ففي العسل شفاء، وفي غذاء الملكة شفاء، وفي العكبر شفاء، وفي الشمع شفاء، حتى في سم النحل ذاته شفاء، وكيف يتأكَّد الإنسان أن في هذه المواد شفاء دون أن يبحث فيها ويتدبَّر، ويُجرِي الدراسات والأبحاث؛ ليتعرَّف على الخصائص العلاجية الشافية لهذه المواد، أفيها ما يقتل الجراثيم الفتَّاكة، أم بها مقوٍّ للمناعة، أم أنها تشفي العيون والجلد والأسنان، أم سوى ذلك؟ وهذه مرحلة البحث العلمي في المختبرات.
الثالث: قوله تعالى: )شفاء للناس((النحل: ٦٩)، فلم يقل المولى عز وجل: (شفاء لكل الناس)، بل ترك الأمر مطلقًا؛ ليبحث العلماء عن الأمراض التي جعل الله شفاءها في هذه المواد، وفي هذا حثٌّ للإنسان أن يقوم بإجراء الدراسات لمعرفة هذه الفئة من الناس، وهنا يكمن الإعجاز؛ ففي كلمات ثلاث )فيه شفاء للناس((النحل: ٦٩)، أرسى الله تعالى قواعد البحث العلمي في الطب وعلم الأدوية، فحين يعتقد العلماء أن في النبات مادة دوائية، يدرسون تركيبها وخصائصها أولًا، ثم يُجرون أبحاثًا في المختبرات؛ ليتعرَّفوا على الخصائص الشافية فيها، وهذه هي المرحلة الثانية، ثم ينتقل البحث إلى الإنسان فتُجرَى الدراسات على أولئك المرضى الذين يمكن أن تكون لهم شفاء، ألم يختم الله تعالى آية النحل بقوله: )إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (69)((النحل)([13]).
وحتى لا يقع الإنسان في خيبة أمل وهو يسمع قول الله تعالى: )فيه شفاء للناس((النحل: ٦٩)، فإنه ينبغي أن يُفرِّق بين العسل الحقيقي الذي أراده ربُّنا عز وجل، الذي هو جَنْيُ رحيق الأزهار، والعسل المزيَّف الذي هو جنيُ الماء والسكر الذي يُوضَع للنحل على مَقْرُبة من الخلايا، فإن تأثير العسل المزيَّف ضعيف جدًّا، وإله الكون يقول: )فيه شفاء للناس((النحل: ٦٩).
ولقد أُجرِيت بحوث ودراسات وتجارب دقيقة جدًّا على آثار العسل على الجهاز الهضمي والجهاز العصبي والجلد والكبد والأمعاء، وبُحِث عن علاقته بمرضى السكر وعلاقته بالتوتُّر العصبي وبالأَرَق وبأمراض الحساسية وبالجهاز التنفسي وجهاز القلب والدوران، بل إن كل أجهزة الجسم دون استثناء تتأثَّر تأثُّرًا سريعًا وإيجابيًّا بالعسل الحقيقي الذي يُؤخَذ من رحيق الأزهار.
ومن باب التقريب، فإن الله عز وجل يشفي بالعسل من التهابات الأمعاء الحادة، ويُحسِّن به نمو العظام؛ لأنه سريع الامتصاص، ويمنع التعفُّن في الأمعاء، وله دورٌ إيجابيٌّ في التحكم بعضلات المثانة البولية، وهو علاج ممتاز للمصابين بتقرُّحات المعدة والأمعاء ومعظم أمراض الجهاز الهضمي.
والعسل لا يؤذي مرضى السكري؛ لأنه سكر أحادي سهل الهضم، والتوتُّر العصبي يتأثَّر إيجابيًّا بتناول العسل، والأرق يزول بتناول العسل، وكذلك أعراض الحساسية وأمراض الجلد، حتى إن الأطباء الآن يضعون على الجروح العسل قبل أن تلتئم؛ لأن سرعة التئام الجروح عن طريق العسل ثلاثة أضعاف سرعة التئامها العادي.
والإنسان بَدَلَ أن يأخذ الأدوية الغالية الثمن عليه أن يستعين بهذا الشراب الصافي الذي أَودَع الله فيه هذه الخصائص العجيبة، وقد قال العلماء في العسل: إنه سبعون مادة دوائية، وتكاد تكون شَرْبَة العسل صيدلية كاملة؛ إنزيمات، معادن، فيتامينات، اثني عشر نوعًا من السكر، وكل نوع له فوائد خاصة، ولا يزال هذا الموضوع قيد البحث، والعلماء قدَّموا شيئًا، وغابت عنهم أشياء([14]).
3) وجه الإعجاز:
وجد بعض الباحثين أن العسل يملك قوة شفائيَّة في علاج قُروح المعدة والتهابات الحنجرة، ووجدوا أن الجراثيم تجتمع بطريقة خاصة لتدعم بقاءها وتجمعاتها، وأثبت البحث العلمي أن العسل يقوم بتفريق دفاعات الجراثيم ويشتِّتها ويُضعِفها؛ الأمر الذي يساعد الجسم على القضاء عليها، وقد قام العلماء مؤخرًا باكتشاف مادة في العسل تمنع التأكسُد، وبالتالي تفيد في علاج الكوليسترول؛ ولذلك يعجب العلماء من الطاقة الخفية الموجودة في العسل، التي تستطيع شفاء الأمراض المستعصِية، ويتساءلون: كيف يحدث الشفاء؟ ما الشيء الذي يقوم به العسل داخل خلايا جسدنا، فنجد أن الكثير من البكتيريا يتوقَّف نموها في الجسم، ونجد أن الجهاز المناعي ينشط ويصبح أكثر فاعلية؟!
والإجابة جاءت من عند الله عز وجل ونبيه صلى الله عليه وسلم من أكثر من أربعة عشر قرنًا؛ إذ يقول عز وجل عن العسل:)فيه شفاء للناس((النحل: ٦٩)، ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «الشفاء في ثلاثة؛ شَرْبَة عسلٍ، وشَرْطَة مِـحْجَمٍ، وكَيَّة نارٍ، وأنهى أُمَّتي عن الكَيِّ»([15]).
ثانيًا. الدراسات الحديثة تؤكد أن العسل يساعد في علاج التهاب المعدة:
1) الحقائق العلمية:
وبعدما ثبت بالدليل القاطع من خلال الدراسات التي قام بها علماء الغرب دور العسل في شفاء الأمراض يتبقَّى أن نعرف أثر العسل على المعدة والأمعاء؛ فقد نشرت مجلة(B M J) الإنجليزية الشهيرة عام 1985م دراسة على 169 طفلًا مصابًا بالتهاب المعدة والأمعاء، وأُعطِي 80 طفلًا المحلول العادي مضافًا إليه 50 مل من العسل بدلًا من سكر العنب- الجلوكوز- ووجد الباحثون أن الإسهال الناجم عن التهاب المعدة والأمعاء استمر 93 ساعة عند الذين لم يُعطَوا العسل، في حين شُفِيَ الذين أُعطوا العسل في وقت أقصر (58 ساعة)([16]).
بحثٌ علميٌّ عن العسل كعلاج للإسهال المزمن:
يقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم: سبق أن أجرينا دراسة على علاج بعض أمراض الـمَعِدَة والاثنى عشر بعسل النحل، وجاءت النتيجة طيبة ومثمرة، والدراسة التي بين أيدينا اليوم تدور حول علاج الإسهال المزمِن مجهول السبب بعسل النحل، وكذا استعمال العسل في علاج بعض الحالات الخفيَّة من تقرُّح الأمعاء ممن يشكون من إسهال مزمن ومن أعراض أخرى تنتمي إلى الجهاز الهضمي.
فقد أُجرِيت الدراسة على 53 مريضًا، 23 منهم من الذكور تتراوح أعمارهم بين 31: 55 عامًا، ومتوسطها 39 عامًا، و30 من الإناث تتراوح أعمارهن بين 19: 45 عامًا، ومتوسطها 28 عامًا، ولقد استغرقت هذه الدراسة سبعة أشهر، هؤلاء المرضى كانوا يعانون من إسهال مزمن لشهور – وربما لسنين- خَلَت قبل إجراء البحث عليهم، وهم من الذين طُبِّقَت عليهم شروط نلخِّصها فيما يأتي:
1- أن يشكو المريض من إسهال لا يقل عن ثلاث مرات يوميًّا ولمدة لا تقل عن أسبوعين، أو إصابته بإسهال متقطِّع على مدى ثلاثة أشهر.
2- وجود أعراض مَرَضيَّة أخرى؛ مثل أوجاع البطن وانتفاخها مع عسر في الهضم.
3- خلو المريض من أمراض عامة أخرى.
4- خلو البراز من الطفيليَّات والبلهارسيا والميكروبات المرضية.
5- أن تكون الأشعة الملوَّنة للقولون خالية من الأورام والأمراض العضوية.
6- أجرى الفحص المنظاري للقولون، وكذلك أُخِذت عينة نسيجية من الغشاء المخاطي لكل مريض.
7- عدم استجابة المريض للأدوية الخاصة بالإسهال، وكذلك عدم استجابته للالتزام بنظام غذائي معيَّن مما يُطلَق عليه اسم “الرِّجيم”.
ولقد تمَّت الدراسة على هؤلاء المرضى في بيوتهم، وذلك بأن نُصِح كل مريض أن يتناول ثلاث ملاعق كبيرة من عسل النحل الطازج قبل الإفطار وعند النوم، ولمدة ثلاثة أسابيع، ثم قمنا بتتبُّع كل مريض على حِدَة ولمدة أربعة أشهر، كما تُرِكَ المريض ليختار الطعام الذي يريحه، فإذا ما انتكس المرض وعاوده الإسهال حينئذٍ يجب عليه أن يكرِّر أخذ العسل مرة ثانية وبالجرعة نفسها لمدة تتراوح بين أسبوع وثلاثة أسابيع.
نتائج البحث:
لقد لُوحِظ أن متوسط أعمار المرضى من الإناث يقلُّ بعشر سنوات عنها بين المرضى الذكور، كما يزيد عدد الإناث قليلًا على عدد الذكور، ولقد اشترك جميع المرضى في شكوى الإسهال المزمن، ولكنهم اختلفوا في شكواهم الأخرى والمشيرة إلى الجهاز الهضمي؛ فمنهم من عانى من آلام بطنية، إما محدَّدة بجزءٍ معيَّنٍ في البطن، كالجانب الأيمن أو تحت الضلوع اليسرى أو اليمنى، ومنهم من يشكو من آلام حول السُّرَّة، غير أن الغالبية العظمى منهم يعانون من آلام بطنية متنقِّلة بين جميع هذه المواضع وبصورة متقطِّعة وليست بصفة مستمرة، كما تبيَّن أن الكثيرين منهم يشكون من أعراض انتفاخ في البطن، وغازات تتحرَّك تحت الضلوع اليسرى وفي موضع فم المعدة، وكذلك تبيَّن أن بعضهم يشكو من عُسْر الهضم، ومنهم من يعاني من الرغبة في القَيْء، خاصة بعد تناول الوجبات، وعلى الأخص وجبة الإفطار صباحًا، وأحيانًا عند الاستيقاظ من النوم، ولقد لُوحِظ كذلك أن عددًا من المرضى الإناث يشكون من حَرَقان أو حساسية في فتحة الشَّرَج، أما المجموعة التي أُصِيبت بتقرُّح بسيط في الأمعاء الغليظة فلقد لاحظنا- بالإضافة إلى ما ذُكِر من أعراض سابقة- أن معظمهم يشكون من نقصٍ في الوزن وفقرٍ في الدم، مع فُقدان الشَّهيَّة للطعام، واكتئاب متوسط الحِدَّة، وأعراض نفسية أخرى.
استجابة المرضى للعلاج بعسل النحل:
من النتائج المهمة التي حصلنا عليها أن نسبة نجاح العلاج بعسل النحل بين هؤلاء المرضى بلغت 83 %، وتحسَّنت أحوالهم النفسية والمرضية، واختفى الإسهال أو خفَّت حِدَّته، كما تلاشت الأعراض البطنية الأخرى.
ولنا أن نُدرِك مدى سعادة هؤلاء المرضى الذين استمروا شهورًا – بل سنين- يتعاطون الكثير من الأدوية المختلفة؛ ما بين أدوية الإسهال ومضادات حيوية، وأدوية الدوسنتاريا الأميبية، وأدوية مهدِّئة للأعصاب، وأخرى مسكِّنة للآلام البطنية، وثالثة لعُسْر الهضم… إلخ، وقد أصبحوا في غِنًى عن هذه الأدوية وما تكلِّفهم من مبالغ طائلة، ناهيك عما قد يتسبَّب عنها من أعراض تسمُّميَّة أو أعراض جانبيَّة لهذا العقار أو ذاك، فضلًا عن أن عسل النحل من الأطعمة اللذيذة المفيدة؛ إذ يحتوي على 40% دكستروز، كما يحتوي على فيتامينات ومعادن وأملاح ضرورية للجسم، وكذلك به مواد عُضويَّة نافعة لأجهزة الجسم المختلفة، وعسل النحل- فضلًا عن ذلك- سهل الحصول عليه، وقطعًا أرخص سعرًا من الأدوية المختلفة.
وشَأن كل علاجٍ، فلقد لاحظنا أن نسبة من هؤلاء المرضى الذين استجابوا للعلاج في بادئ الأمر قد عاودهم الإسهال مرة أخرى، وبلغت نسبة هؤلاء 28%، ولكن نُصِحوا بأن يتناولوا العسل بالجرعات السابقة ولمدة أسبوع أو أكثر، وكانت استجابتهم هذه المرَّة طيِّبة، ولقد عرف المرضى ذلك، لدرجة أن الكثيرين منهم بدءوا يفضِّلون وضع العسل على موائدهم بجانب الأطعمة الأخرى، وأصبح العسل طعامًا مشتركًا مألوفًا ومحبوبًا لديهم، ويتناولونه إما صافيًا أو مختلطًا مع الأطعمة الأخرى؛ مثل مركَّبات الألبان.
كيف يؤثِّر عسل النحل على الجهاز الهضمي؟
حتى الآن لا نعرف على وجه اليقين كيف يؤثِّر عسل النحل هذا التأثير النافع، ولكن هناك بعض الحقائق عن العسل كشف عنها العلم الحديث، نذكر منها:
1- أنه مادَّة مطهِّرة ولا تسمح بنموِّ أو تكاثر الجراثيم بها، حتى ولو تُرِكَت في العراء دون وقاية.
2- أنه يخفِّض من نسبة الأحماض بالمعدة، وكذلك يخفِّض من إنتاج بعض الهرمونات الـمعِديَّة والـمَعَوِيَّة، والتي لها تأثير مباشر على إفراز المواد الهاضمة والمواد الـمُهيِّجَة والمثيرة لحركة المعدة والأمعاء.
3- أنه يحتوي على مواد عضوية تُسمَّى بـ “الأجسام المضادة”، وهذه تعمل عملها في محتويات القناة الهضمية وخلايا الغشاء المخاطي الذي يبطِّنها.
4- أنه يحتوي على 40% دكستروز، وهي مادة سهلة الهضم ملطِّفة لأغشية الأمعاء، وقد تمنع تكاثر واختلال نسبة البكتيريا الطبيعية في الأمعاء.
5- أنه يحتوي على معادن وأملاح؛ الصوديوم، البوتاسيوم، الكالسيوم، الماغنسيوم… وغيرها، بالإضافة إلى الفيتامينات المتعددة، وهذه تعدِّل من وظائف القناة الهضمية، وتُحدِث الانسجام في الحركة الدافعة للأمعاء وتنظِّم خط سيرها.
هذه العوامل- وربما غيرها كثير- تلعب متضافرةً دورًا أساسيًّا في الحفاظ على الكيان والأداء الوظيفي للجهاز الهضمي؛ حيث ينتظم عمله بصورة طبيعية([17])، وثبت أن العسل يلغي الحموضة الزائدة في المعدة، وهي التي تؤدي – غالبًا- إلى الإصابة بقُرْحَة المعدة أو الاثنى عشر.
يؤكد ذلك الدكتور “يويرش” في كتابه “العلاج بعسل النحل” فيقول: وعلى أساس المراقبة الإكلينيكية استقر رأي كثير من المؤلِّفين على أن الغذاء المكوَّن من العسل فقط أو الممزوج مع الأطعمة الأساسية يُقلِّل من الحموضة لدى المرضَى الذين يشكون من الحموضة العالية في المعدة؛ وعلى ذلك يمكن وصف العسل علاجًا للاضطرابات المختلفة في المعدة والأمعاء المصحوبة بزيادة في الحموضة.
وقد رأى الدكتور “ف. جريجورييف” حالة مريض يشكو اضطرابًا في المعدة، مع زيادة في الحموضة، وكان يُصاب بنَوْبات من الألم الشديد، حتى إنه كان يفقد معها وَعْيَه، وقد أثبت العسل أنه الدواء الناجع الوحيد لهذا المريض.
وكما ذكرنا آنفًا أن المشاهدات الإكلينيكية للأستاذ “ن. مولر” والدكتورة “ز. أرخيبوفا” والأستاذ “س. منشكوف” والدكتور “س. فلدمان” تَجزِم بأن العسل غذاءٌ خاصٌّ له قيمته بالنسبة للأشخاص الذين يشكون من قُرْحَة المعدة والاثنى عشر والحرقة في فم المعدة الناتجة عن سوء الهضم.
وفي عيادة معهد كورسك الطبي عُولِـجت حالات لمرضى قرحات المعدة والاثنى عشر؛ حيث وُضِعَت 46 حالة تحت العلاج، منها 18 حالة كان أصحابها تحت العلاج في الخارج، و28 حالة تحت العلاج في الداخل، وكانت نتيجة العلاج بالعسل واضحة وإيجابية الأثر؛ فقد اختفت الآلام سريعًا عقب بدء العلاج، وأصبح التبرُّز عاديًّا، وتحسَّنت الشَّهيَّة، كما تحسَّن إفراز المعدة، وقلَّت الحموضة، كما زاد وزن المرضى، وزاد الهيموجلوبين من 6 إلى 15 نقطة، وكان متوسط زيادة عدد الكرات الحمراء 600000، كما زاد عدد الكرات البيضاء بنسبة ملحوظة، وكانت زيادة وزن المرضى الداخليِّين في المتوسط 2,8 كيلو جرام في الشهر، والمرضى الخارجيِّين 3.2 كيلو جرام، وفي حالة 28 مريضًا نقصت الحموضة الكلية من 10% إلى 16%، وقد أظهرت أشعة رونتجن وجود تجويف في المعدة في حالة 14 مريضًا داخليًّا، وبعد أربعة أسابيع من العلاج اختفت الحموضة في عشر حالات، واختفى التجويف في 10 حالات بعد علاج استمر من 4 إلى 6 أسابيع.
كما عالج الدكتور “ف. سيمونوفا” 57 حالة من قرحة المعدة والاثنى عشر، وتحت إشراف الدكتور “ي. لفينسوس” في مستشفى بسمانيا بموسكو، وتناول 29 مريضًا العسل فقط، و28 مريضًا تناولوا العسل مع عقاقير أخرى، وكانت نتيجة العلاج اختفاء الألم لدى أصحاب جميع الحالات، وقلَّت الحموضة في العصير المعدي، ووقف النَّزْف الـمَعَوِي، وانتظم التبرُّز، واختفت التجاويف([18]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما جاء به الحديث الشريف:
لقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم العسل لعلاج الإسهال- استطلاق البطن- وأكَّد على ذلك ثلاث مرات؛ فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيدٍ الخدريِّ: «أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخي يشتكي بطنه – وفي رواية: استطلق بطنه- فقال صلى الله عليه وسلم: اسْقِهِ عسلًا، ثم أتاه الثانية فقال: اسقه عسلًا، ثم أتاه الثالثة فقال: اسْقِهِ عسلًا، ثم أتاه فقال: قد فعلت؟ فقال: صَدَقَ الله وكَذَبَ بطنُ أخيك، اسْقِهِ عسلًا، فسقاه فبرأ»([19]).
وكان وصف النبي صلى الله عليه وسلم العسلَ لهذا الرجل؛ لأن استطلاق بطنه كان بسبب تُـخَمَة أصابته، فأمره بشرب العسل؛ لدفع الفضلات المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء، فإن العسل فيه جلاءٌ ودفعٌ للفضلات، أما المعدة فقد أصابتها أخلاط لَزِجَة تمنع استقرار الغذاء فيها للُزُوجتها، وهي ذات خمل كخمل القطيفة، فإذا عَلِقَت بها الأخلاط أفسدها الغذاء، فدواؤها وجلاؤها العسل، والعسل أفضل ما عُولِج به هذا الداء، ولا سيما إذا مُزِجَ بالماء الحار.
وفي تكرار السَّقْي معنًى طبيٌّ بديعٌ، هو أن الدواء يجب أن يكون بمقدار وكميَّة بحسب حال الداء؛ فإن قلَّ الدواء عن الداء لم يُزِلْه بالكلية، وإن زاد عليه أَوْهَى القوى فأحدث ضررًا آخر، فلما أمره أن يسقيه العسل سقاه مقدارًا لا يبلغ مقاومة الداء، ولا يفي بالحاجة المطلوبة، فلما تكرَّر تردُّده على النبي صلى الله عليه وسلم أكد عليه المعاودة؛ ليصل إلى مقدار الدواء الذي يمكنه مقاومة الداء، فلما تكرَّرت الشربات بحسب مادة الداء شُفِيَ بإذن الله تعالى.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «وكذب بطن أخيك» إشارة إلى أن هذا الدواء نافع، وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه، ولكن لكثرة المادة الفاسدة؛ ومن ثم أمره بمعاودة شُرب العسل لاستفراغها، فكان كذلك وبرأ بإذن الله([20]).
وقد قامت الباحثة أسماء سيب- الباحثة بعلم الأحياء الدقيقة والأمن الصحي للأغذية- بدراسة علمية مقارنة للأثر الضد ميكروبي لمجموعة من الأعسال من مختلف مناطق دولة الجزائر لعام 2007م، تقول في هذه الدراسة: وفي هذا السياق تم دراسة تأثير أنواع من العسل المحلِّي والمستورَد على النمو الميكروبي، وذلك باستخدام عشرين نوعًا من العسل المختلفة الأصل النباتي والجغرافي، وكان منها الطبيعي من المناحل مباشرة والمعبَّأ تجاريًّا، وذلك على عدة أنواع من البكتيريا المتسبِّبة في أكثر الأمراض خطورة وانتشارًا في مستشفياتنا، وعلى الفطريات الـمُمْرِضة الـمُتْلِفة للأغذية في طور تخزينها، والتي تلحِق أضرارًا جسيمة على الصحة والاقتصاد.
فمن حيث النشاط المضاد للميكروبات فإن جميع أنواع العسل تمنع نمو البكتيريا والخميرة بمستويات متفاوتة، حسب نوع العسل والميكروب ومدة التحضين، كما أن عيِّنات أخرى أُحادية الأزهار أظهرت نشاطًا مهمًّا مضادًّا للفطور، وخصوصًا مع عسل سِدْر جَبَلِـي (Ziziphuslotus) و (Eucaluptusglobulus)، والعسل المتعدِّد الأزهار بجبال تلمسان (عين غرابة).
ونلاحظ أنه من بين جميع السلالات المدروسة كانت إيشيريا القولونية (E.Coli) الأكثر حساسية للعسل، وهذه النتائج قد نُساهم بها في تفسير حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال للأعرابي الذي أتاه يشكو أن أخيه استطلق بطنه: «اسْقِه عسلًا»؛ لأن هذه البكتيريا تسبِّب الإسهال والارتباكات المعوية.
هذه النتائج تتوافق مع العديد من الأبحاث العلمية المختبرية والإكلينيكية على حروق المرضى وجروحهم المتعفِّنة الصعبة أو المستحيلة المعالجة بالمضادات الحيوية الكلاسيكية، وما زال بحثنا مستمرًّا لمحاولة استخلاص العناصر المسئولة عن تثبيط النمو الميكروبي والتعريف الكيميائي بها([21]).
يقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم: “ونفهم من الحديث الشريف أن العسل علاجٌ ناجعٌ للإسهال والنزلات المعويَّة، وقد ثبت ذلك في التجارب العلمية الحديثة، وأن العسل يقتل جراثيم (Shigella) التي تسبِّب الزحال والإسهال.
ويعلِّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف أن نتلمَّس العلاج المادي للأمراض، ذلك العلاج الذي أتاحه الله تعالى للناس، والشفاء بعد ذلك من الله عز وجل، فالرجل الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو من استطلاق بطن أخيه كان يعلم يقينًا أن الرسول ليس طبيبًا، ولا يتعاطى مهنة الطب، فلماذا أتاه إذًا؟ أتاه ليدعو لأخيه بالشفاء، فردَّ الرسول صلى الله عليه وسلم عليه فقال: «اذهب فاسقه عسلًا»؛ أي اذهب فالتمس أسباب العلاج المادي أولًا، ثم إن الحديث الشريف يعلِّم الإنسان أن يأخذ العلاج بالجرعة المناسبة، وللوقت المناسب، فليس معنى أن يأخذ المريض جرعة من الدواء أن يُشفى، ولكن عليه أن يأخذ الجرعة المناسبة للمدة المناسبة، كما يعلِّمنا الحديث النبوي الشريف أن يُؤمِن الإنسان بما جاء به القرآن والسنة من حق، وإن بدا له من ظاهر الأمر ما يخالفه.
والعسل مصدرٌ غنيٌّ بالطاقة الحرارية في الجسم؛ لما فيه من سكريات محوَّلة لا تحتاج إلى مزيد من الهضم، ولا يتخمَّر في الأمعاء؛ لأنه يُمتَصُّ مباشرة؛ نظرًا لما يحتوي عليه من إنزيمات هاضمة تساعد على تمام هضمه وسرعته، إذًا فالذي يتناول العسل غذاءً لا يحدث له عُسْر هضم، ولا انتفاخ بالبطن، ولا نزلة معوية وإسهال”([22]).
3) وجه الإعجاز
أكَّدت نتائج الأبحاث الطبية-بما لا يدع مجالًا للشَّك- نجاح العسل في علاج أمراض المعدة، وأشارت النتائج إلى أن المرضى الذين كانوا يعانون من إسهالٍ مُزْمِنٍ لشهور- وربما لسنين خَلَت- قبل إجراء البحث عليهم قد تمَّ علاجهم بنسبة نجاح بلغت 83%، وتحسَّنت أحوالهم النفسية والمرضية، واختفى الإسهال أو خفَّت حِدَّته، كما تلاشت الأعراض البطنية الأخرى.
ولا عجب في هذا إذا عرفنا أن عسل النحل يحتوي على مواد عضوية تُسمَّى بـ “الأجسام المضادة”، وهذه تعمل عملها في محتويات القناة الهضمية وخلايا الغشاء المخاطي الذي يبطِّنها، وهذا كله يتطابق تمام المطابقة مع ما جاء به حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إرشاد مَن استطلَق بطنه إلى العسل قائلًا: «اسْقِهِ عسلًا»، فصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم، وما العجب وقد قال عنه المولى سبحانه وتعالى:)وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)((النجم)؟!
(*) وهم الإعجاز العلمي، د. خالد منتصر، دار العين، القاهرة، ط1، 2005م. الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري، عبد المحسن بن زبن بن متعب المطيري، رسالة دكتوراه، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، 2009م.
[1]. العسل في الطب الحديث، د. حسان شمسي باشا، بحث منشور بموقع: الدكتور حسان شمسي باشا www.drchamsipasha.com.
[2]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص723: 733.
[3]. الموسوعة الشاملة في الطب البديل، د. أحمد مصطفى متولي، دار ابن الجوزي، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص282: 284.
[4]. ملف شامل عن الإعجاز العلمي في العسل، مقال منشور بمنتديات: نحو الكيمياءwww.4chem.com.
[5]. أسرار الشفاء بالعسل، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
[6]. أسرار العسل تتجلَّى في الطب الحديث، د. حسان شمسي باشا، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[7]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الشفاء في ثلاث، (10/ 143)، رقم (5680).
[8]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج10، ص136، 137.
[9]. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/2000م، ج1، ص444.
[10]. أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، أبو بكر الجزائري، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط5، 1424هـ/ 2003م، ج2، ص308، 309.
[11].التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ط1، 1420هـ/2000م، ج13، ص168.
[12]. الطب النبوي، ابن قيم الجوزية، تحقيق: الشحات أحمد الطحان، دار المنار، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص27.
[13]. معجزة الاستشفاء بالعسل، أسماء سيب، بحث منشور ضمن بحوث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، مرجع سابق، ج1، ص144، 145.
[14]. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: آيات الله في الآفاق، د. محمد راتب النابلسي، دار المكتبي، سوريا، ط3، 1429هـ/ 2008م، ص394، 395.
[15]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الشفاء في ثلاث، (10/ 143)، رقم (5680).
[16]. أسرار العسل تتجلى في الطب الحديث، د. حسان شمسي باشا، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[17]. موسوعة ما فرطنا في الكتاب من شيء: المعارف الطبية في ضوء القرآن والسنة، د. أحمد شوقي إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1423هـ/ 2002م، ج4، ص146: 149.
[18]. الطب القرآني بين الدواء والغذاء، محمد محمود عبد الله، دار الشرق العربي، بيروت، 1409هـ/ 1989م، ص87، 88.
[19]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الدواء بالعسل وقوله تعالى: )فيه شفاء للناس((النحل: ٦٩)، (10/ 146)، رقم (5684). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: التداوي بسقي العسل، (8/ 3338)، رقم (5663).
[20]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ج10، ص179، 180.
[21]. انظر: معجزة الاستشفاء بالعسل، أسماء سيب، بحث منشور ضمن بحوث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، مرجع سابق، ج1، ص144: 157. وانظر: ملخصات بحوث المؤتمر، ص59، 60.
[22]. موسوعة ما فرطنا في الكتاب من شيء: المعارف الطبية في ضوء القرآن والسنة، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج4، ص150، 151.
التشكيك في الفوائد الطبية لاستخدام السواك
مضمون الشبهة:
في حملة تشكيكية ليست الأولى من نوعها يطعن بعض المشككين في الفوائد الطبية لاستخدام السواك الذي ذكرته السنة النبوية، زاعمين أنه من الأمور التي عفا عليها الزمن، ولا يصح لإنسان يعيش في عصر التكنولوجيا والمعرفة أن يستخدم لنظافة فمه وأسنانه ما استخدمه المسلمون في عصر صدر الإسلام؛ وذلك لظهور الفرشاة والمعاجين التي صُنِعت بتقنية علمية حديثة، ويستدلون على هذا بأن الاعتماد على السواك دون الفرشاة والمعجون واحد من الأسباب الرئيسية لتفشي ظاهرة تسوُّس الأسنان في بعض المجتمعات الإسلامية.
وجه إبطال الشبهة:
لقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّته- من خلال العديد من الأحاديث الصحيحة- مرارًا وتكرارًا على استخدام السواك؛ تطهيرًا للفم، ومرضاة للرَّب، ثم جاء العلم حديثًا فأجرى أبحاثه وتجاربه المعملية على سواك الأراك([1])، فوجد أن به تركيبات كيميائية فريدة تحفظ الأسنان من التسوُّس والتلوث، وتحفظ اللِّثة من الالتهابات؛ مثل حمض التانيك- العفص- والفلورين، ومركَّبات كيميائية أخرى من زيت الخردل وسكر العنب لها قدرة فائقة على القضاء على جراثيم الفم… إلخ، وقد شهد بهذا علماء الغرب؛ مثل العالم روادارت والدكتور كينت كيوديل؛ ومن ثم، فقد أثبتت الدراسات الطبية الإكلينيكية تفوُّق سواك الأراك على غيره من الفُرَش والمعاجين الصناعية، وليس أدلُّ على هذا من لجوء العديد من الشركات في دول الغرب إلى إدخال خلاصة السواك أو شيئًا من تركيبه الكيميائي في صناعة معاجين الأسنان.
وعليه، فإن تفشِّي ظاهرة تسوس الأسنان في بعض المجتمعات الإسلامية ليس بسبب التمسُّك باستخدام السواك؛ لأن الواقع يشهد بخلافه، والعلم يؤيده، وإنما السبب في ذلك هو عدم الاعتناء بنظافة الفم والأسنان، وعدم استخدام السواك بالطريقة الصحيحة، فكيف يدَّعون بعد ذلك عدم صمود السواك أمام مستحدثات العصر الحديث في نظافة الفم والأسنان؟
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
لقد أثبت العلم حديثًا- من خلال أبحاثه وتجاربه- أن للسواك المأخوذ من نبات الأراك فوائد صحية وطبية كثيرة للفم، يتضح هذا من خلال التركيب الكيميائي لهذا النبات، وهو كالآتي:
يحتوي عود الأراك على مادة العَفْص بنسبة كبيرة، وهي مادة مضادة للعفونة، مطهِّرة قابضة، تعمل على قطع نزيف اللثة وتقويتها.
يحتوي على مادة خردلية تُسمَّى “السنجرين” (Sinnigirin) ذات رائحة حادة وطعم حرَّاق تساعد على الفتك بالجراثيم.
يحتوي على مادتي الكلورايد والسليكا، وهما مادتان تحافظان على بياض الأسنان، كما يحتوي على مادة صمغية تغطي المينا، وتحمي الأسنان من التسوس، وهو ما أكَّده الدكتور طارق الخوري في بحثٍ له([2]).
يحتوي على مادة ثلاثي المثيل أمين التي تعمل على التئام جروح اللثة ونموها السليم، فهي مادة مطهِّرة يمكنها تعديل الأُس الهيدروجيني للتجويف الفموي على نحو يؤثر بصورة غير مباشرة في النمو الميكروبي، وقد أثبتت الأبحاث وجود كميات أخرى من مضادات الأورام.
يحتوي على الفلورايد الذي يخفِّف التسوس أو يمنعه، وذلك بتفاعله مع السطح الخارجي للأسنان، ويحوِّلها إلى مادة تُسمَّى “فلور أباتيت”، والتي لها مقاومة عالية ضد ذوبان الأحماض التي تفرزها البكتيريا أثناء وجود مرض التسوس، كما يعمل الفلورايد على تقليل درجة حموضة الإفرازات البكتيرية في داخل الفم، مما يقلِّل من سرعة ذوبان أجزاء الأسنان الخارجية المتأثرة سابقًا بالتسوس، مما يزيد من مقاومتها مستقبلًا للتسوس، والأثر الآخر للفلورايد هو إحباط نمو البكتيريا المسبِّبة للتسوس في الفم.
يحتوي على مادة تُسمَّى “السيليس” بنسبة 4%، وبهذه المادة خاصية تمكِّنها من حكِّ طبقة البلاك وطرحها.
يحتوي على مادة بيكربونات الصوديوم التي أوصى مَـجْمَع معالجة الأسنان بجمعية أطباء الأسنان الأمريكية بإضافتها إلى معالجة الأسنان.
يحتوي على مادة تُسمَّى “سيلفا يوريا”، والتي عُرفت بقدرتها على صدِّ عمليات النَّخْر والتسوس؛ وبالتالي منع تكوين البُؤر الصَّديدية داخل الفم.
يحتوي على نسبة عالية من فيتامين (ج) المهم لصحة اللثة ومنع النزيف.
يحتوي على قدرٍ من حامض الأنيسيك الذي يساعد في طرد البلغم من الصدر، وأيضًا كمية من حامض الأسكوربيك ومادة السيتوسيترول، وكلا المادتين بإمكانهما تقوية الشُّعيرات الدموية المغذِّية للثة.
يحتوي على نسبة 1% من مواد عِطْرِيَّة زيتية طيِّبة الرائحة تعطِّر الأفواه بأريجها.
يحتوي على مادة تُسمَّى “الإنثراليتون” ذات فائدة في تقوية الشهية للطعام، كما تفيد في تنظيم حركة الأمعاء([3]).
وتلك الفوائد الطبية لعود الأراك قد توصَّلت إليها العديد من الأبحاث العلمية؛ منها بحث مشترك للدكتور عبد الرحيم محمد والدكتور جيمس ترند([4])، وقد توصَّلت إلى تلك الفوائد أيضًا دراسة سريرية وكيميائية بعنوان “استعمال السواك لنظافة الفم وصحته”، قام بها مجموعة من كبار أطباء الأسنان بالكويت، وهم: د. محمود رجائي المصطيهي، د. أحمد عبد العزيز الجاسم، د. إبراهيم المهلهل الياسين، د. أحمد رجائي الجندي، د. إحسان شكري([5]).
وقد أثبت الباحثان براون وجاكوب عام 1979م أن السواك يقضي على خمسة أنواع على الأقل من الجراثيم الـمُمْرِضة الموجودة بالفم؛ أهمها البكتيريا السبحية (Streptococci)، والتي تُسبِّب بعض أنواع الحمى الروماتيزمية([6]).
ومن ثم يتبيَّن مما سبق أن للسواك فوائد وقائية وعلاجية؛ فهو يحتوي على مواد كيميائية تساعد على منع تسوس الأسنان، وتمنع الالتهابات التي قد تحدث داخل الفم، وتُسكِّن الآلام، وتزيل البؤر الجرثومية عن سطح الأسنان، كما أن الحركة الميكانيكية لاستعمال السواك تقوم بتدليك اللثة؛ فتنشِّط الدورة الدموية فيها.
وقد أظهرت دراسات طبية معاصرة أن المواد الكيميائية التي يحتوي عليها السواك مواد مثبِّطة لنشاط الخلايا السرطانية (Cancer)؛ ففي دراسة علمية أُجرِيت في باكستان عام 1981م على بعض أنواع السواك، جاءت النتائج لتؤكِّد وجود مواد وعناصر في السواك تقلِّل الإصابة بسرطان الفم أو تمنعها.
كما أن المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة الأمريكية قد أجرى بعض التجارب على مستخلصات بعض نباتات السواك؛ وذلك لدراسة مدى فاعليتها ضد أمراض السرطان، وكانت النتائج تدل على وجود مركَّبات كيميائية في هذه النباتات تمنع بعض أنواع الأمراض السرطانية([7]).
وبالإضافة إلى ما سبق، فقد قام الدكتور مشاري بن فرج العتيبي- استشاري طب الأسنان بمكة المكرمة- بدراسة طبية إكلينيكية عن تأثير خلاصة الـمِسْواك على مناعة الخلايا البشرية([8])، يقول فيها: في معلومة جديدة تُضاف إلى المعرفة البشرية أثبتت التجارب المختبرية قدرة خلاصة مسواك عود الأراك على حماية الخلايا الإنسانية المناعية (Monocytes) من الموت، فيما لو تم تعريضها إلى سموم أشرس أنواع البكتيريا الفموية (A.a)؛ ففي هذه التجرية تم تعريض الخلايا البشرية المناعية إلى سموم هذه البكتيريا مرة دون إضافة أي مادة أخرى، ومرة أخرى في وجود خلاصة مسواك عود الأراك (80%) لمدة 60 دقيقة، ولقد تم قراءة (LDEactivity) الذي يُفرَز من الخلايا الإنسانية الميتة…
ومن هذه التجربة نلاحظ أن وجود عصارة مسواك عود الأراك كان لها تأثيرٌ سحريٌّ في حماية الخلايا البشرية عند تعرُّضها لسموم البكتيريا من الموت المحقَّق، والذي كان ظاهرًا من خلال التجربة حينما وُضعت الخلايا مع السموم دون عصارة الـمسواك، وكان مصيرها الموت.
وبهذا فإننا نرى أنها تعمل كالجهاز المناعي، وتعمل على تقوية قدرة هذه الخلايا على التغلب على السموم التي تعترضها، وهذا يُعتبر مفتاحًا جديدًا للعديد من أبواب البحث والتقصِّي؛ لتبيان السبب الحقيقي وراء هذا التأثير([9]).
وبعد تلك الحقائق الطبية عن السواك نقول: لقد أكَّد الباحثون أنه عند وضع عود أراك وفحص قطاعٍ عَرَضيٍّ منه- وذلك بعد غليه ونقعه في مزيجٍ يتألَّف من مقادير متساوية من الماء والكحول والجلسرين- يتبيَّن أن ثمَّة ثلاث طبقات متعاقبة:
طبقة خارجية:وهي عبارة عن نسيج فِلِّيني.
طبقة وسطى:وهي عبارة عن نسيج خشبي، وهما يشكِّلان الجزء الخارجي الذي يحمي الطبقة الثالثة.
طبقة داخلية:وهي عبارة عن ألياف سليلوزية رائعة البناء.
فالألياف هنا تترتَّب وفق نظام دقيق في حِزَمٍ متراصَّةٍ بجوار بعضها، أشبه ما يكون بفصوص ثمرة الليمون، تنطوي كل حزمة على عشرات الليفات الدقيقة؛ لتكوِّن معًا أكمل فرشاةٍ طبيعيةٍ لدَرْء الخطر الـمُحدِق بالأسنان.
2) التطابق بين حقائق العلم وما أشارت إليه الأحاديث الشريفة:
منذ بَدْء الخليقة والإنسان يبحث دائمًا عن إيجاد طريقةٍ مُثلَى وجيِّدة للاعتناء بنظافة فمه وأسنانه؛ اقتناعًا منه بأنَّ هذا هو المدخل الرئيس والطبيعي للطعام، والجهاز الأول المسئول عن استقبال كلِّ ما يدخل إلى الـمَعِدة؛ لذلك يجب أن يكون نظيفًا، وقد حدَّثنا التاريخ القديم عن استخدام الإنسان الأوَّل ريشَ الطيور والزَّغَبَ في تنظيف أسنانه، وكذلك عِظام بعض الحيوانات، ثم قِطَعًا صغيرة من القُماش الخَشِن، إلى بعض أنواع الأخشاب أو الأشجار، حتى وصلنا إلى استخدام فُرشاة الأسنان الكهربائيَّة، وأنواع المعاجين المختلفة الأشكال والألوان والمذاق والمحتويات، إلى تيَّارات المياه المندفِعة، والخيوط الحريرية… إلخ، وكلُّها محاولات منذ القِدَم وحتى الآن للحفاظ على فمٍ نظيفٍ وأسنانٍ بيضاءَ ناصعةٍ.
وكان لنا – نحن المسلمين- السَّبْقُ أيضًا في هذا الـمِضْمار؛ فمنذ أكثر من ألف وأربع مئة عام والمسلمون يستخدمون نوعًا من الأخشاب الجافَّة التي تقوم بتنظيف الأسنان، وتعطير الفم وتطهيره، وهو ما يُعرَف بـ “السواك”([10])، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السواك مَطْهَرةٌ للفم، مَرْضاةٌ للرب»([11])، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بالسواك؛ فإنه مَطْيَبةٌ للفم، ومَرْضاةٌ للرب»([12])، وهناك أحاديث أخرى كثيرة وردت في فضل السواك.
وهنا أثار الطاعنون شبهتهم قائلين: إن السواك كان له أهميته في عصر صدر الإسلام، أما الآن فلم يَعُدْ وسيلة جيِّدة لنظافة الفم والأسنان؛ وذلك لظهور المعاجين التي صُنعت بطريقة علمية سليمة.
لا شك أن هذا الادعاء عارٍ تمامًا عن الصحة؛ وذلك لما يأتي:
لقد أشار الحديثان السابقان إشارة صريحة إلى فوائد السواك الصِّحية؛ وذلك من خلال كلمتَيْ “مطهرة، مطيبة” للفم، ولا شك أن هذا الخطاب النبوي الرفيع هو خطاب عامٌّ لكل المسلمين إلى قيام الساعة، وليس قاصرًا على الصحابة رضى الله عنهم وحدهم؛ فالتشريع الإسلامي صالح لكل زمان ومكان.
يقول الشيخ ابن عثيمين معلِّقًا على الحديث الأول: “مطهرة للفم”؛ يعني: يُطهِّر الفم من الأوساخ والأنتان، وغير ذلك مما يضر، وقوله: “للفم” يشمل كل الفم؛ الأسنان واللِّثة واللسان، كما في حديث أبي موسى رضى الله عنه قال: «دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وطرف السواك على لسانه»([13]) ([14]).
ويعدِّد الإمام ابن القيم فوائد السواك فيقول: “وفي السواك عدة منافع؛ يطيِّب الفم، ويشدُّ اللثة، ويقطع البلغم، ويجلو البصر، ويذهب بالحَفَر([15])، ويصحُّ المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، ويسهِّل مجاري الكلام، وينشِّط للقراءة والذِّكر والصلاة، ويطرد النوم…”([16]).
وقد جاء العلم حديثًا فأثبت فوائد طبِّـيَّة جمَّة للسواك، يقول الدكتور زغلول النجار: “أثبتت الدراسات المختبرية على عود الأراك أنه يحتوي على العديد من المركبات الكيميائية التي تحفظ الأسنان من التسوس والتلوث، وتحفظ اللثة من الالتهابات، وذلك من مثل: حمض التانيك- العَفْص- ومركبات كيميائية أخرى من زيت الخردل وسكر العنب لها رائحةٌ حادَّةٌ، وطعمٌ لاذعٌ، وهذه المركبات لها قدرة فائقة في القضاء على جراثيم الفم، بالإضافة إلى العديد من المواد العِطْرية والسكرية والصمغية والمعدنية والشعيرات الطبيعية من الألياف النباتية الحاوية على كربونات الصوديوم، وهي مادة تُستخدَم في تحضير معاجين الأسنان”([17]).
وقد شهد بتلك الحقائق العلمية علماء الغرب، يقول روادارت- مدير معهد الجراثيم بجامعة روستوك بألمانيا-: قرأتُ عن السواك الذي يستعمله العرب كفرشاة للأسنان في كتابٍ لرحَّالة زار بلادهم، وقد عرض للأمر بشكل ساخر اتخذه دليلًا على تأخُّر هؤلاء القوم الذين يُنظِّفون أفواههم بقطعة من الخشب في القرن العشرين، وفكَّرت: لماذا لا يكون وراء هذه القطعة حقيقة علمية؟
وفورًا بدأت أبحاثي فسحقتها وبلَّلتها، ووضعت المسحوق المبلَّل على مزارع الجراثيم فظهرت عليها آثار كتلك التي يقوم بها البنسلين([18]).
وذكر الدكتور فريد ريك فيستر أنه لم يستعمل طوال السنوات السبع الماضية سوى عود الأراك([19])؛ ومن ثم، فعلى الرغم من التطور المذهل في عالم طب الأسنان، وأساليب العلاج والاختراعات المتلاحقة للأجهزة، والأدوات التي تُستخدَم في تنظيف الأسنان، إلا أن السواك ما زال يحظى بأهمية في هذا الشأن؛ فهو أفضل مطهِّرٍ ومنظِّفٍ للفم والأسنان حتى الآن؛ وذلك لما يأتي:
لقد أجرى الدكتور مشاري بن فرج العتيبي بحثًا علميًّا عن تأثير سواك عود الأراك وفرشاة الأسنان فيما يخص صحة اللثة والقدرة على إزالة طبقات اللويحة السنية المتواجدة في الشق اللثوي وعلى أسطح الأسنان؛ فظهرت النتائج الآتية:
وجد أن انخفاض معدَّلات تواجد اللويحة السنية (Dentalplaque) ومستوياتها, والتي كانت في مرحلة استخدام السواك- عود الأراك- أعلى مما وُجِد خلال مرحلة فرشاة الأسنان.
كذلك فقد وجد أن انخفاض معدلات المقاييس الخاصة بصحة اللثة (Gingivalinflamations) ومستوياتها, والتي كانت في مرحلة استعمال السواك تفوق ما وُجد خلال مرحلة استعمال فرشاة الأسنان, ولقد كان ذلك الانخفاض واضحًا وبفارقٍ كبيرٍ لصالح السواك.
وفي هذا البحث قام الدكتور مشاري أيضًا بدراسة مقارنة حول تأثير استخدام السواك وفرشاة الأسنان على عدد من أنواع البكتيريا الفموية المتواجدة ضمن اللويحة اللثوية بالشِّق اللثوي, وباستخدام تقنية الحامض النووي الوراثي تمَّت دراسة مدى تأثير استخدام السواك على مستويات البكتيريا الفموية وللمرة الأولى على مستوى العالم, ولقد لُوحِظ أنه بعد نهاية مرحلة استخدام السواك كان المشاركون يحملون عددًا أقل من البكتيريا المسمَّاة (ActinomycetemcomitanActinobacillus) واختصارها (A.a) إذا ما قُورِن بالعدد قبل بداية هذه المرحلة, ووُجد أن الفارق هنا يعتبر فارقًا إحصائيًّا حقيقيًّا (P<0.05).
وهذه النتيجة تؤكِّد أن استخدام أعواد السواك تقلِّل من تواجد هذا النوع من البكتيريا الفموية (A.a)، والتي تعتبر من أشرس أنواع الميكروبات, والسبب الرئيسي لعدد كبير من أمراض اللثة والعظم المحيط بها.
وهذه المعلومة تُسجَّل للمرة الأولى على مستوى المعرفة الطبية, وهذا يعتبر حقًّا ما نطالب بحفظه في المحافل العالمية؛ ففي الصحن المحتوي على تلك البكتيريا نجد أن نمو هذه البكتيريا يتوقَّف كليًّا إذا أصبح على بعد 10ملم من قطعة عود الأراك المغروسة في منتصف الوسط الحاوي للبكتيريا النامية, وهذا يعني أن نمو هذه البكتيريا قد تأثَّر بوجود عود الأراك الذي أبطل نموها, أو استطاع أن يُعطِّل عملية النمو التي تقوم بها هذه البكتيريا في الظروف الملائمة لذلك([20]).
وعليه، فإن السواك يتفوَّق على الفرشاة والمعاجين الحديثة من عدة أمور هي:
السواك فرشاة طبيعية مزوَّدة بمواد مطهِّرة ومنظِّفة آليًّا، تطرح فضلات ما بين الأسنان، وأليافه قويَّة لا تنكسر تحت الضغط، بل ليِّنة لها شكلها الذي تدخل فيه بين الأسنان وفي الشقوق؛ فتزيح الفضلات دون أن تؤذي اللثة، والفرشاة الصناعية غير ذلك.
السواك يُستعمَل وحده، أما الفرشاة فتحتاج إلى معجون.
السواك به مادة العَفْص لعلاج الالتهابات وطعمها جيِّد، أما المعجون فمواده صابونية.
يمتاز السواك بسهولة التحكُّم في قُطْره وطوله وعرضه ولِيونته، وهذا بخلاف الفرشاة([21]).
فاعلية السواك تستمرلمدة من ستٍّ إلى ثماني ساعاتٍ من استعماله، أما المعاجين الصناعية فلا تستمر فاعليتها سوى ساعتين فقط، ثم يبدأ ظهور البكتيريا مرة أخرى
بالفم؛ وهذا بسبب أن السواك يحتوي على العديد من المواد الفعالة؛ من أهمها على الإطلاق مادة يزوثيوسيانات، وهي مادة كبريتية، وقد ثبت أنهذه المادة تلتصق بالغشاء المخاطي بالفم واللثة لعدة ساعاتٍ، وهي تعمل كمضادٍّ حيويٍّ طبيعيٍّيمنع نمو البكتيريا الضارة بالفم والأسنان، وهذا هو السر في بقاء فاعلية السواك واستمرارها لمدة طويلة بعد استعماله([22]).
السواك اقتصادي؛ فثمنه يناسب جميع طبقات المجتمع، وهذا بخلاف الفرشاة والمعجون.
استعمال السواك لا يحتاج إلى استشارة طبية، وهذا بخلاف المعجون الذي يحتاج إلى استشارة طبيب؛ لاختيار المعجون المناسب للأسنان، فهناك أنواع من المعاجين متعددة الأغراض.
إن مما يميِّز السواك أن الإنسان بمقدوره استخدامه في أي مكان كان، ولا يحتاج إلى غسله بالماء كالفرشاة؛ لأنه يحتوي على مواد معقِّمة([23]).
ودعمًا لما سبق، فإن هناك تقارير قادمة من جمعية أطباء الأسنان الأمريكية (ADA) تقول: إن الفرشاة البلاستيكية لا تؤثِّر على الجراثيم بفاعلية؛ بسبب عدم قدرتها على اختراق طبقة المخاط الفموية (Mucin)، والتي تحمي الجراثيم، وإنما يقدِر على ذلك القطعة الخشبية- السواك- بسبب خاصية الامتصاص التي تملكها، وأيضًا تفيد التقارير الصادرة من هذه الجمعية أن الجراثيم تنمو على فرشاة البلاستيك بعد 14 يومًا من استعمالها.
يقول الدكتور “كينت كيوديل” أمام المؤتمر الثاني والخمسين للجمعية الدولية لأبحاث الأسنان في أتلانتا الأمريكية: “إنه لُوحِظ أن الذين يستعملون السواك يتمتعون بأسنان سليمة، وأن بعض الشركات في بريطانيا والهند تُصنِّع معاجين أسنان تدخل بها مواد مأخوذة من السواك”.
وقد وجدت جامعة مينوسوتا الأمريكية في أبحاثها أن المسلمين الزنوج الذين يستعملون المسواك سليمو الأسنان واللثة إذا ما قُورِنوا بمَن يستعملون الفرشاة.
ويكفي للتدليل على أهمية السواك للثة والأسنان، بل وتفوقه على الفرشاة والمعجون أن العديد من الشركات- وقد سبق ذكر شيء من ذلك آنفًا- في دول الغرب قد صنعت معاجين أسنان من خلاصة السواك، أو مضافًا إليها مواد مأخوذة منه([24])
.
وليس هذا فحسب، بل إن السواك يتواجد بين أشهر ماركات فرشاة الأسنان في دول الغرب.
وتأسيسًا على ما سبق، فإن تلك الفوائد العظيمة للسواك لا تتحقق بصورة جيِّدة إلا باتباع الطريقة الصحيحة في التسوُّك، وهي ما يأتي:
يجب أن يكون تسويك الأسنان العُليا للفك العلوي على حدة، وكذلك أسنان الفك السفلي، وأن تكون حركة التنظيف من أعلى إلى أسفل للفك العلوي، ومن أسفل إلى أعلى للفك السفلي مارًّا باللثة؛ لتنشيط الدورة الدموية فيها.
وقد أثبتت تجارب الباحثين أن حركة تنظيف الأسنان يجب أن تكون موازية لمحور السنِّ الطوليِّ، أما إن كانت غير ذلك- كأن تكون أفقية- فإنها تُسبِّب أضرارًا جسيمة وتآكلًا لأنسجة الأسنان وتعرية لجذورها.
كما يجب استخدام السواك لمدة 24 ساعة، ثم يُقطَع الجزء المستخدَم، ويُستخدَم جزء جديد؛ لئلا يفقد فاعليته في مقاومة الجراثيم([25]).
أيضًا يجب الاعتناء بنظافة السواك، وعدم تركه حتى يجف.
هذا ما ذكره العلم الحديث، فهل يحق لمثيري الشبهة أن يدَّعوا أن استخدام السواك وحده دون الفرشاة والمعجون يؤدي إلى تسوُّس الأسنان؟! وهم يزعمون أن هذا حادث وشائع بالفعل في المجتمعات العربية والإسلامية!
إن هذه مغالطةٌ وقلبٌ للحقائق؛ لأن شيوع تسوُّس الأسنان- خاصة في الدول العربية والإسلامية- راجع إلى أمرين؛ الأول: ترك كثير من الناس الاعتناء بنظافة الفم والأسنان، لا سيما عن طريق السواك، فقد جاء في كتاب “سبل السلام”: قد ذُكر في السواك زيادة على مائة حديث([26])، فواعجبًا لسُنَّة تأتي فيها الأحاديث الكثيرة ثم يهملها الناس، بل كثير من الفقهاء، فهذه خيبة عظيمة([27])، أما الأمر الثاني: عدم استخدام السواك بالطريقة الصحيحة التي ذكرناها.
وبالإضافة إلى ما سبق من فوائد جمَّة للسواك في نظافة اللثة والأسنان نقول: إن إعجاز السنة النبوية ليس قاصرًا على هذا فقط، وإنما يتعدَّاه إلى الفم كله؛ فعن أبي موسى رضى الله عنه قال: «دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وطرف السواك على لسانه»([28])، وفي رواية للإمام النسائي: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستنُّ وطرف السواك على لسانه، وهو يقول: عَأْ عَأْ»([29]) ([30])، وفي مسند الإمام أحمد عن أبي موسى رضى الله عنه قال: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستاك، وهو واضع طرف السواك على لسانه يستنُّ إلى فوق»([31]).
هذا ما قالته الأحاديث، فماذا عن التفسير العلمي لها؟!
يُلاحظ بالعين المجرَّدة أن اللسان بكامل سطحه العلوي به شقوق واضحة غائرة، ولا شك أن هذه الشقوق يلتصق بها الكثير من بقايا فُتات الطعام والشراب الدقيقة؛ مما ينتج عنه بعد ذلك تعفُّنها وخروج رائحة كريهة.
وقد ثبت علميًّا أن اللسان أخصب مكان في الفم لنمو شتى أنواع البكتيريا الضارة من جرَّاء هذا التعفُّن، لا سيما المنطقة الخلفية- قاعدة اللسان- لأن المنطقة الأمامية من اللسان تحتكُّ دائمًا بالأسنان وسقف الفم؛ مما يعمل على تنظيفها من هذه البكتيريا بصفة دائمة، كما أن الـحُلَيْمات الذوقية التي تغلِّف شقوقها أقل غورًا وأقل تجعُّدًا، بعكس المنطقة الخلفية التي تفتقد لهذا، وشقوقها أكثر غورًا وتجعُّدًا، ولا شك أن هذه البكتيريا الضارَّة تندفع إلى داخل جسم الإنسان مع أي وجبةٍ قادمةٍ، وقد تُسبِّب هذه البكتيريا بعض التقرُّحات للسان.
أما الكيفية العلمية لتنظيف اللسان فقد وردت في موقعٍ متخصِّصٍ في أمراض الفم والأسنان، وهو (animated.teeth.com)، وهي ما يأتي: “هناك طرق متعددة يمكن من خلالها تنظيف المنطقة الخلفية للسان، لكن لكلٍّ منها الهدفُ نفسه، هو قَشْط البكتيريا والأوساخ التي تجمَّعت على سطح اللسان، عندما تنظِّف لسانك ليست المشكلة في الطريقة التي اخترت استعمالها، ولكن يجب عليك أن تحاول تنظيف المنطقة الخلفية البعيدة في لسانك، لا تتفاجأ إذا وجدت شعورًا بالغَثَيان، إن شعورك بالغثيان هو ردُّ فعلٍ طبيعيٍّ سوف يزول مع الوقت”.
وهذا يتطابق تمام المطابقة مع فِعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاءت به الأحاديث السابقة؛ وبهذا فقد سبق صلى الله عليه وسلم كل العلماء- في العصر الحديث- بالتأكيد على تنظيف الفم أو اللسان جيِّدًا لدرجة الإحساس بالتقيُّؤ؛ لأن هذه الطريقة ضرورية لإزالة أي أثر للبكتيريا الضارة من الفم، والتي تسبِّب أنواع الالتهابات المختلفة للثة والفم([32])، فأيُّ إعجازٍ هذا؟!
ونخلُص مما سبق إلى أن تلك المعلومات لم تكن متوافرة في زمن الوحي، ولا لقرونٍ من بعده، وتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستخدام السواك هو سَبْقٌ علميٌّ وسلوكيٌّ بكل أبعاده، وحِرص على طهارة الفم والأسنان ونظافتهما؛ لأن الفم هو مدخل الطعام إلى الجهاز الهضمي في جسم الإنسان، وحينما يُمضَغ الطعام تبقى منه بقايا عالقة بين الأسنان وباللثة، وهذه إذا لم تنظَّف تتعفَّن، وتملأ الفم بالفطريات والجراثيم التي قد تكون سببًا في كثير من الأمراض، بالإضافة إلى ما تُنتِجه من روائح كريهة ومنفِّرة من صاحبها.
من هنا كانت وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم باستخدام السواك؛ لأنه مَطْهَرة أو مَطْيَبة للفم، وأيضًا مَرْضاة للرب سبحانه وتعالى، وهذا يُفسِّر لنا حرص النبيصلى الله عليه وسلم على استخدام السواك، حتى وهو على فراش الموت؛ لذا فقد حثَّ أُمَّته كثيرًا على استخدامه؛ فعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لولا أن أشقَّ على أُمَّتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء»([33])، وقال صلى الله عليه وسلم: «أكثرتُ عليكم في السواك»([34]).
وهنا يبرز التساؤل المنطقي: مَن الذي أعلم هذا النبي الخاتم بفائدة السواك فيُوصي باستخدامه عند كل وضوء وصلاة، وذلك من قبل أكثر من ألف وأربع مئة سنة؛ أي في زمن لم يكن فيه إدراكٌ لمخاطر تلوُّث الفم والأسنان ببقايا الطعام؟ ولماذا التوصية بالأراك على وجه التخصيص، ولم يكن أحد يعلم شيئًا عن تركيبه الكيميائي حتى عشرات قليلة من السنين التي مضت في ختام القرن العشرين؟!
وللإجابة عن هذه التساؤلات أقول: إن سَبْق أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل المعارف المكتسَبة بألف وأربع مئة سنة على الأقل بالإشارة إلى فوائد السواك في تطهير الفم والأسنان- لا يمكن لعاقلٍ أن يتصوَّر له مصدرًا غير الله الخالق، وأن التوصية باختيار الأراك على وجه الخصوص لا يمكن أن يكون لها مصدرٌ غير الخالق سبحانه وتعالى([35]).
وعليه، فهل بعد ذلك كله يحقُّ لهؤلاء الطاعنين أن يدَّعوا أن السواك لم يَعُدْ له أهمية طبِّـيَّة في العصر الحديث بعد انتشار الفرشاة والمعاجين الصناعية؟!
3) وجه الإعجاز:
من خلال التركيب الكيميائي لسواك الأراك أثبتت الأبحاث والتجارب المختبرية أن السواك يحتوي على مادة الفلورين التي تقوِّي اللثة، وحمض التانيك الذي يمنع نزيف اللثة، ومادة الكبريت والفلورايد القاتلة للبكتيريا، وكذا مادة السيلكون التي تزيل الطبقة الصفراء وطبقة البكتيريا من الأسنان، وتُكسِبها نعومة، هذا بالإضافة إلى تركيبات أخرى كثيرة تحافظ على صحة الفم والأسنان، وقد شهد بتلك الحقائق العديد من علماء الغرب.
وقد أشار إلى تلك الحقائق العلمية المذهلة النبيصلى الله عليه وسلم، فقال: «السواك مَطهَرة للفم، مَرضاة للرب»، وقد أكَّد هذا عمليًّا من خلال حرصه الشديد على استخدام السواك، وكذا حثِّه أُمَّته كثيرًا على استخدامه، فأيُّ إعجازٍ طبيٍّ هذا؟!
(*) أحاديث دمَّرت الإسلام من جذوره، مقال منشور بشبكة: الملحدين العرب www.el7ad.com. عجب عجاب: معركة من أجل السواك، مقال منشور بمنتدى: سبيل المؤمنين www.momenway.com.
[1]. الأراك: شُجيرة تنمو في الجزيرة العربية وفي غيرها من المناطق الجافة في كل من غربي آسيا وشمالي أفريقيا، وهي شُجيرة كثيرة الفروع، مخضرَّة الأوراق باصفرار قليل، دقيقة الأزهار والثمار، وتُعرف ثمارها باسم “الكباث”، وهي على هيئة الكرات الصغيرة التي تبدأ حمراء اللون ثم تسودُّ، وهناك العديد من الأشجار الأخرى التي تُستخدَم أعوادها لتحضير السواك، ولكن شجيرة الأراك هي أشهر هذه الأشجار على الإطلاق وأكثرها شيوعًا واستخدامًا، وأفضل السواك ما اتُّـخِذ من المدادات الأرضية لشجيرة الأراك، علمًا بأنه قد يُتَّخذ من فروعها الخضراء، وهي أقل جودة من المساويك المتَّخَذة من المدادات الأرضية.
[2]. بحث منشور بمجلة طب الأسنان الوقائي الإكلينيكي (Clinical Preventive Dentistry)، عام 1983م.
[3]. انظر: السواك بين السنة والطب، أحمد حسين خليل حسن، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص622: 625. الإعجاز العلمي في الإسلام: السنة النبوية، محمد كامل عبد الصمد، مرجع سابق، ص19: 22. الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية، د. أحمد مصطفى متولي، دار ابن الجوزي، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص905: 907.
[4]. انظر: السواك، د. محمد علي البار، نقلًا عن: السواك والصيام، د. حسان شمسي باشا، مقال منشور بموقع: الدكتور حسان شمسي باشا www.drchamsipasha.com.
[5]. انظر: المجلة الإسلامية الشهرية لطب الأسنان، ج36، نقلًا عن: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، يوسف الحاج أحمد، مكتبة ابن حجر، دمشق، 1428هـ/ 2007م، ص741: 746. موقع: إسلام ست www.islamset.com.
[6]. انظر: السواك بين الشريعة والطب، عادل الصعدي، بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jameataleman.org.
[7]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص624 بتصرف. الإعجاز العلمي في الإسلام: السنة النبوية، محمد كامل عبد الصمد، مرجع سابق، ص20.
[8]. هذا البحث عبارة عن دراسة طبية إكلينيكية، اتُّخِذ فيها منهجٌ بحثيٌّ متشددٌ وبالغ الصعوبة؛ وذلك اتباعًا لقواعد البحوث العلمية الحديثة.
[9]. عود الأراك وتأثيره على صحة الفم ومناعة الخلايا البشرية، د. مشاري بن فرج العتيبي، رسالة دكتوراه، انظر: مجلة الإعجاز العلمي، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، السعودية، العدد (26)، محرم 1428هـ، ص78. السواك بين السنة والطب، أحمد حسين خليل حسن، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net.
[10]. السواك بين الشريعة والطب، مقال منشور بموقع: الألوكة www.alukah.net.
[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: سواك الرطب واليابس للصائم، (4/ 187) معلَّقًا.
[12]. إسناده جيِّد: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، (8/ 134)، رقم (5865). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2517). وقال: إسناده جيِّد.
[13]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: السواك، (2/ 773)، رقم (581).
[14]. شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين، دار صلاح الدين، القاهرة، 1421هـ/ 2001م، ج1، ص1375.
[15]. الحفر: صُفرة تعلو الأسنان أو تقشُّر في أصولها، وله معنى آخر في الطب الحديث وهو: مرضٌ ناشئٌ عن نقص فيتامين (ج).
[16]. الطب النبوي، ابن قيم الجوزية، مرجع سابق، ص210.
[17]. الإعجاز العلمي في السنة النبوية، د. زغلول النجار، نهضة مصر، القاهرة، ط6، 2004م، ج1، ص129.
[18]. انظر: المجلة الألمانية الشرقية، العدد (4)، 1961م، نقلًا عن: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: آيات الله في الآفاق، د. محمد راتب النابلسي، مرجع سابق، ص293، 294 بتصرف.
[19]. السواك بين السنة والطب، أحمد حسين خليل حسن، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net.
[20]. عود الأراك وتأثيره على صحة الفم ومناعة الخلايا البشرية، د. مشاري بن فرج العتيبي، بحث منشور بمجلة الإعجاز العلمي، مرجع سابق، العدد (26)، ص72: 79.
[21]. السواك: أهميته واستعماله، أبو حذيفة إبراهيم بن محمد ود. سوزان سعد إسماعيل، نقلًا عن: الصلاة وصحة الإنسان، حلمي الخولي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1428هـ/ 2007م، العدد (139)، ص47، 48 بتصرف.
[22]. السواك وفوائده الصحية، مقال منشور بمنتدى: كلية الصيدلة جامعة المنصورة www.pharma.board.com.
[23]. انظر: أخبار الطب النبوي والعلاج بالقرآن، د. أحمد عثمان، مقال منشور بموقع: صحة أون لاين www.sehaonline.com.
[24]. انظر: الإعجاز العلمي في الإسلام: السنة النبوية، محمد كامل عبد الصمد، مرجع سابق، ص21.
[25]. السواك والصيام، د. حسان شمسي باشا، بحث منشور بموقع: الدكتور حسان شمسي باشا www.drchamsipasha.com.
[26]. هذه الأحاديث ليست كلها صحيحة؛ فهي تتراوح ما بين: صحيح، وحسن، وضعيف، ولكن الأحاديث الصحيحة والحسنة تربو على الثلاثين حديثًا.
[27]. سبل السلام، الصنعاني، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط4، 1379هـ/ 1960م، ج1، ص41.
[28]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: السواك، (2/ 773)، رقم (581).
[29]. صوتٌ كصوت المتقيِّئ على سبيل المبالغة، مثله مثل: أُعْ أُعْ، إهْـ إهْـ، إخْ إخْ.
[30]. صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الطهارة، باب: كيف يستاك، (1/ 2)، رقم (3). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (3).
[31]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث أبي موسى الأشعري رضى الله عنه، (15/ 20)، رقم (19625). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[32]. انظر: الهدي النبوي في تسويك اللسان سَبْقٌ علميٌّ، طارق عبده إسماعيل، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net.
[33]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: سواك الرطب واليابس للصائم، (4/ 187) معلَّقًا.
[34]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجمعة، باب: السواك يوم الجمعة، (2/ 435)، رقم (888).
[35]. انظر: الإعجاز العلمي في السنة النبوية، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ج1، ص129، 130.
الطعن في حديث التلبينة
مضمون الشبهة:
في غمار الحملة المستمرة لتشويه صورة كل ما هو إسلامي، وتشكيك الناس في الأدوية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم؛ وصولا لإنكار سنة صحيحة- يطعن المشككون في حديث التلبينة([1])، والذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «التلبينة مجمة لفؤاد المريض، وتذهب ببعض الحزن»، زاعمين أنه لا علاقة بين الأغذية والعواطف والأحاسيس، كما يصفونها بأنها من الطب الشعبي الذي عفا عليه الزمن، بل إن هذا الحديث- على حد زعمهم- من خرافات الإسلام وبلاهاته.
وجه إبطال الشبهة:
أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن التلبينة تعمل على تخفيف حدة الانفعال والحزن والاكتئاب؛ لما تحتوي عليه من عناصر تعمل على ذلك؛ إذ ثبت أن الاكتئاب هو خلل كيميائي ناتج عن نقص العناصر؛ مثل البوتاسيوم والماغنسيوم ومضادات الأكسدة وغيرها، ولما كانت التلبينة غنية بهذه العناصر كان من الطبيعي أن تعالج الاكتئاب، كما أنها تعمل على تقليل الكوليسترول في الدم، فهي بذلك علاج لأمراض القلب والشيخوخة والسكر والضغط، وتقي من سرطان القولون، فهل بعد هذا يقال عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن التلبينة خرافة وترهات؟!
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
أثبت الباحثون أن الحزن والاكتئاب هو خلل كيميائي، وأن هناك مواد لها تأثير في تخفيف الاكتئاب والحزن؛ مثل البوتاسيوم والماغنسيوم ومضادات الأكسدة والميلاتونين وبعض عناصر فيتامين (ب) المركب والسيراتونين.
وقد ثبت أن الشعير يحتوي على عنصري البوتاسيوم والماغنسيوم، ويؤدي نقصهما إلى سرعة الغضب والانفعال والشعور بالاكتئاب والحزن، وضبط البوتاسيوم والماغنسيوم له تأثير في تخفيف الاكتئاب، وذلك عن طريق تأثير هذين العنصرين على بعض الموصِّلات العصبية، وهو ما أشار إليه الباحثون بقولهم: يؤدي إلى تخفيف الاكتئاب؛ إذ يشعر الإنسان بالميل إلى الاكتئاب عند تأخر العمليات الفسيولوجية للموصِّلات العصبية، وهذا من أهم أسبابه نقص فيتامين (ب) المركب؛ وهو مما يساعد على التخلص من الاكتئاب والتخفيف منه.
إن علاج نقص مضادات الأكسدة- مثل فيتامين (هـ)- له تأثير فعّال في علاج حالات الاكتئاب والشيخوخة، وخاصة لدى المسنين، والشعير يحوي كمية كبيرة من مشابهات فيتامين (E) و (A) المضادين للأكسدة.
ويحتوي الشعير على الحمض الأميني تريبتوفان (tryptophan)، الذي يسهم في تخليق أهم الناقلات العصبية، وهي السيروتونين (serotonin)، والتي تؤثر بشكل واضح في الحالة النفسية والعصبية للمريض([2]).
ومن بين ما توصلت إليه العلوم فيما يخص الشعير الأخضر- وهو أقل أهمية من حبوب الشعير الخضراء- أنه يساعد على بناء الدم؛ لغناه بالحديد، وتمثيل الكريات الحمراء من أهم ما يجعل الجسم يُنشط جيدًا؛ ولذلك فالشعير يحد من انخفاض الضغط وفقر الدم والأنيميا، والكريات الحمراء هي التي توزع الأكسجين على الجسم، وتزيل السموم منه؛ ولذلك فالشعير الأخضر يحد من السرطانات.
ويحتوي الشعير كذلك على فيتامين (س) بكمية تعادل خمسة أضعاف الكمية الموجودة في الحوامض، ويحتوي على الكالسيوم بكمية ضعف الكمية الموجودة بالحليب، وكمية الحديد الموجودة في الشعير الأخضر تفوق الكمية الموجودة بالسبانخ خمس مرات، ويحتوي الشعير الأخضر على كل الفيتامينات والأملاح المعدنية والكلوروفايل والكاروتينات والفلافونويدات، وكمية كبيرة من حمض الفوليك، ليكون الشعير الأخضر من المواد التي يجب على النساء الحوامل تناولها؛ لأن حمض الفوليك ضروري للنمو الجيد للجنين، خصوصًا نمو المخ في أثناء الأشهر الأولى من الحمل.
وعلاوة على هذه التركيبة الغنية والهائلة، فإن الشعير الأخضر يحتوي على الإنزيمات الضرورية للتأكسد والاستقلاب داخل الجسم، وهناك مكونات أخرى تدخل في التركيب الدقيق للشعير الأخضر؛ منها مكون الأكسدة للدهنيات (succinate)، ومكون (O-glycosylsoritexin)، وبعض الإنزيمات الأخرى التي تساعد على ضبط المفاعلات الكيماوية داخل الجسم، ويعرف الشعير في علم الطب الغذائي بأنه منشط للكريات الحمراء، ومحفز لتجديدها، ومطهر للدم.
ويُعد الشعير غنيًّا بالأملاح المعدنية، ومن بينها البوتاسيوم الذي يوجد فيه بكمية هائلة، ويفيد البوتاسيوم في خفض ارتفاع الضغط، ويحتوي الشعير على كل الفيتامينات، خصوصًا مكون فيتامين (ب) بكل أنواعه، ويفيد في تهدئة الأعصاب، وبعض المكونات الكيماوية الطبيعية الأخرى، ويوجد الكلوروفايل على أعلى مستوى في الشعير الأخضر، وكذلك مكون البيتاكاروتين أو البروفايتمن (أ)، والشعير هو المادة الغذائية الوحيدة من بين الحبوب والنشويات التي تساعد على خفض الوزن والوقاية من السمنة.
وبهذه الخصائص يكون الشعير الغذاء الذي لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لتغذية المرضى والأطفال والنساء، ونظرًا لتركيبته الغنية بالأملاح الثنائية من الكالسيوم فالشعير يحد من أثر الكورتيكويدات بالنسبة لمتناولي هذه العقاقير([3]).
ومن أحدث ما توصل إليه علماء النفس لعلاج الاكتئاب النفسي المصاحب للشيخوخة في المؤتمر العالمي العاشر للطب النفسي بمدريد عام 1996م- أن إعطاء جرعات مكثفة من مجموعة معينة من العقاقير التي تعرف باسم “مضادات الأكسدة” تساعد في شفاء حالات الاكتئاب لدى المسنين في فترة زمنية قصيرة تتراوح بين شهر وشهرين.
الشعير واحتواؤه على مادة الميلاتونين:
لقد كشف العلم الحديث عن أن الشعير يحتوي على نسبة عالية من مادة الميلاتونين، والتي تفرز- في الأساس- من الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ (Brain) خلف العينين.
أهمية الميلاتونين للإنسان:
تقي الإنسان من الإصابة بأمراض القلب.
تعمل على تخفيض نسبة الكوليسترول في الدم.
تساعد على خفض ضغط الدم المرتفع.
تعمل على الوقاية من شلل الرعاش عند كبار السن.
تزيد من كفاءة الجهاز المناعي بالجسم.
تقي الإنسان من اضطرابات النوم؛ كالأرق.
تعالج حالات الاكتئاب، وتعمل على تأخير ظهور الشيخوخة.
لها دور فعال في علاج السرطان.
كما ثبت في بعض التجارب أن تناول مادة التربتوفان- التي يحتوي عليها الشعير- يساعد على التغلب على الأرق وتحسن النوم([4]).
وأشار التقرير العلمي المنشور بجريدة الأهرام (10/ 5/ 1996م) إلى أن الشعير من ضمن الأغذية التي يجب على المكتئب تناولها، وزيادة الكمية المأخوذة منها([5]).
كما نشرت مجلة ليبيدز عام 1985م مقالاً حول فوائد الشعير وغيره من النباتات في معالجة ارتفاع كوليسترول الدم، جاء فيه: لقد قام خبراء من قسم الزراعة في أمريكا بإجراء بحوث على الشعير، فتبين أنه يحتوي على ثلاثة عناصر كلها تقوم بخفض كوليسترول الدم.
كما قامت شركات كثيرة في الغرب بتعبئة زجاجات بماء الشعير، وعُرفت باسم (Barleywater)، وقامت شركات الأدوية بتصنيع كبسولات تحتوي على زيت الشعير([6]).
كما أثبتت الدراسات العلمية فاعلية حبوب الشعير الفائقة في تقليل مستويات الكوليسترول في الدم، وذلك من خلال عدة عمليات حيوية تتمثل فيما يلي:
1.تتحد الألياف المنحلة الموجودة في الشعير مع الكوليسترول الزائد في الأطعمة؛ فتساعد على خفض نسبته في الدم.
ينتج عن تخمر الألياف المنحلة في القولون أحماض دسمة تُـمتص من القولون، وتتداخل مع استقلاب الكوليسترول؛ فتعيق ارتفاع نسبته في الدم.
تحتوي حبوب الشعير على مركبات كيميائية تعمل على خفض معدلات الكوليسترول في الدم؛ مثل مادة بتاجلوكان (B- Glucan) التي تتحد مع الكوليسترول الزائد في الأطعمة والأحماض الصفراوية؛ مما يقلل وصوله إلى تيار الدم، كما يعد وجودها ونسبتها في المادة الغذائية محددًا لمدى أهميتها وقيمتها الغذائية ورفع القدرة المناعية للجسم.
تحتوي حبوب الشعير على مشابهات فيتامينات (هـ) (Tocotrienol)، التي لها القدرة على تثبيط إنزيمات التخليق الحيوي للكوليسترول؛ ولهذا السبب تشير الدلائل العلمية إلى أهمية فيتامين (هـ)- الذي طالما عُرفت قيمته لصحة القلوب- إذا تم تناوله بكميات كبيرة، وعلى هذا النحو يسهم العلاج بالتلبينة في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية؛ إذ تحمي الشرايين من التصلب- خاصة شرايين القلب التاجية- فتقي من التعرض لآلام الذبحة الصدرية (Heartlnfarction)، واحتشاء عضلة القلب (Lsehemia)، وأعراض نقص التروية، أما المصابون فعليًّا بهذه العلل الوعائية والقلبية فتسهم التلبينة- بما تحمله من خيرات صحية فائقة الأهمية- في الإقلال من تفاقم حالتهم المرضية.
وتشير نتائج البحوث إلى انخفاض نسبة الكوليسترول العام بنسبة 10%، وانخفاض نسبة الكوليسترول منخفض الكثافة (ldl) إلى 8%، وارتفاع نسبة الكوليسترول عالي الكثافة (hdl) إلى 16%.
والشعير يكبح جماح ضغط الدم لسببين:
يحتوي على كمية وافرة من عنصر البوتاسيوم؛ حيث يخلق هذا العنصر التوازن اللازم بين الملح والماء داخل الخلية.
الشعير مُدِرّ للبول؛ مما يقلل من ضغط الدم.
والشعير ينظم امتصاص السكر في الدم؛ مما يحد من ارتفاع السكر المفاجئ؛ لاحتواء أليافه المنحلة القابلة للذوبان على بكتينات تكون مع الماء هلامًا لزجًا يبطئ من هضم النشويات والسكريات وامتصاصها، كما أنه قليل السعرات غني بالألياف المنحلة وغير المنحلة؛ مما يقلل من الرغبة في تناول الأطعمة السكرية وغيرها؛ وهذا يساعد على تنظيم نسبة السكر في الدم([7]).
وبالجملة، فإن العلم الحديث قد أثبت أهمية الشعير في الوقاية من أمراض عديدة، منها:
أمراض القلب:
فقد كشف العلم الحديث عن أن الشعير يحتوي على بعض المركبات الكيميائية
التي تساعد على خفض نسبة الكوليسترول؛ لذلك فإن حبوب الشعير تُعد علاجًا للقلب ومقوية له.
2.أمراض ضغط الدم:
أكدت الأبحاث على أهمية الشعير لمرضى ضغط الدم؛ لاحتوائه على عنصر البوتاسيوم الذي يخلق توازنًا بين الملح والماء داخل الخلية، ويُعد البوتاسيوم من أهم الأدوية في جميع الرعايات المركزة على مستوى العالم لمرضى ضغط الدم، وعند اللزوم يتم حقن البوتاسيوم عن طريق الوريد، والشعير أيضًا له خاصية إدرار البول، حتى إن هناك أدوية مستخلصة منه تعمل على إدرار البول، وهي أشهر الأدوية المستعملة لمرضى ضغط الدم([8]).
علاج للسرطان وتأخر الشيخوخة:
تمتاز حبة الشعير بوجود مضادات الأكسدة؛ مثل فيتامين (E) و A))، وقد توصلت الدراسات الحديثة إلى أن مضادات الأكسدة يمكنها منع وإصلاح أي تلف بالخلايا يكون بادئًا أو محرضًا على نشوء ورم خبيث؛ إذ تلعب مضادات الأكسدة دورًا في حماية الجسم من الشوارد الحرة ( (Freeradicalsالتي تدمر الأغشية الخلوية، وتدمر الحمض النووي (DNA)، وقد تكون المتهم الرئيسي في حدوث أنواع معينة من السرطان وأمراض القلب، بل وحتى عملية الشيخوخة نفسها.
ويؤيد حوالي 9 من كل 10 أطباء دور مضادات الأكسدة في مقاومة الأمراض، والحفاظ على الأغشية الخلوية، وإبطاء عملية الشيخوخة، وتأخير حدوث مرض الزهايمر.
وقد حبا الله الشعير بوفرة الميلاتونين الطبيعي غير الضار، والميلاتونين هرمون يفرز من الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ خلف العينين، ومع تقدم الإنسان في العمر يقل إفراز الميلاتونين.
وترجع أهمية هرمون الميلاتونين إلى قدرته على الوقاية من أمراض القلب، وخفض نسبة الكوليسترول في الدم، كما يعمل على خفض ضغط الدم، وله علاقة أيضًا بالشلل الرعاش عند كبار السن والوقاية منه، ويزيد الميلاتونين من مناعة الجسم، كما يعمل على تأخير ظهور أعراض الشيخوخة، وله دور مهم أيضًا في تنظيم النوم والاستيقاظ.
علاج ارتفاع السكر:
تحتوي الألياف المنحلة- القابلة للذوبان- في الشعير على صموغ بكتينات تذوب مع الماء، لتكون هلامات لزجة تبطئ من عمليتي هضم المواد الغذائية في الأطعمة وامتصاصها؛ فتنظم انسياب هذه المواد في الدم، وعلى رأسها السكريات؛ مما ينظم انسياب السكر في الدم، ويمنع ارتفاعه المفاجئ عن طريق الغذاء.
ويعضِّد هذا التأثير الحميد للشعير على سكر الدم أن عموم الأطعمة الغنية بالألياف- منحلة وغير منحلة- فقيرة الدسم وقليلة السعرات الحرارية في معظمها، بينما لها تأثير مالئ يقلل من اندفاعنا لتناول الأطعمة الدسمة والنهم للنشويات الغنية بالسعرات الحرارية.
ولأن المصابين بداء السكري أكثر عرضة لتفاقم مرض القلب الإكليلي، فإن التلبينة الغنية بالألياف تقدم لهم وقاية مزدوجة لمنع تفاقم داء السكري من ناحية، والحول دون مضاعفاته الوعائية والقلبية من ناحية أخرى، وهكذا يمكننا القول بثقة: إن احتساء التلبينة بانتظام يساعد المرضى الذين يعانون من ارتفاع السكر في دمهم.
مليِّن ومهدِّئ للقولون:
والجدير بالذكر أن الشعير غني بالألياف غير المنحلة، وهي التي لا تنحل مع الماء داخل القناة الهضمية، لكنها تمتص منه كميات كبيرة وتحبسه داخلها؛ فتزيد من كتلة الفضلات مع الحفاظ على ليونتها؛ مما يسهِّل حركة هذه الكتلة ويسرِّعها عبر القولون، وهكذا تعمل الألياف غير المنحلة الموجودة في الحبوب الكاملة- غير المقشورة- وفي نخالة الشعير على التنشيط المباشر للحركة الدودية للأمعاء؛ وهو ما يدعم عملية التخلص من الفضلات.
كما تعمل الألياف المنحلة باتجاه الهدف نفسه؛ إذ تتخمر هلامات الألياف المنحلة بدرجات متفاوتة بواسطة بكتيريا القولون؛ مما يزيد من كتلة الفضلات، وينشط الأمعاء الغليظة؛ وبالتالي يسهِّل عملية التخلص من الفضلات ويسرِّعها.
وأظهرت نتائج البحوث أهمية الشعير في تقليل الإصابة بسرطان القولون؛ حيث استقر الرأي على أنه كلما قل بقاء المواد المسرطنة الموجودة ضمن الفضلات في الأمعاء قلت احتمالات الإصابة بالأورام السرطانية، ويدعم هذا التأثير عمليات تخمير بكتيريا القولون للألياف المنحلة ووجود مضادات الأكسدة بوفرة في حبوب الشعير([9]).
ومن فوائد الشعير الأخرى أنه مقوًّ عام للأعصاب ومليِّن ومرطِّب ومنشِّط للكبد، ويوصف الشعير لأمراض الصدر والضعف العام، وبطء النمو لدى الأطفال، وضعف المعدة والأمعاء والكبد، وضعف إفراز الصفراء، كما يوصف لالتهاب الأمعاء، وكذلك أمراض التيفود، وأمراض التهاب المجاري البولية، والحميات، وارتفاع ضغط الدم.
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما جاء به الحديث الشريف:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «التلبينة مجمة لفؤاد المريض، وتذهب ببعض الحزن»([10])، وهذا الحديث إعجاز علمي فريد؛ إذ كان الأطباء النفسيون في الماضي يعتمدون على التحليل النفسي ونظرياته في تشخيص الأمراض النفسية، واليوم مع التقدم الهائل في العلوم الطبية يفسر أطباء المخ والأعصاب الاكتئاب على أنه خلل كيميائي، كما يثبت العلم الحديث وجود مواد تلعب دورًا في التخفيف من حدة الاكتئاب؛ كالبوتاسيوم والماغنسيوم ومضادات الأكسدة وغيرها، وهذه المواد تجتمع في حبة الشعير التي وصفها نبي الرحمة بأنها تذهب ببعض الحزن.
ويلاحظ هنا أن الدراسات العلمية تستخدم عبارة “التخفيف ببعض الحزن”، وهذه دلالة واضحة على دقة التعبير النبوي الذي أُوتي جوامع الكلم.
يقول ابن القيم: وهذا الغذاء هو النافع للعليل، وهو الرقيق الناضج، لا الغليظ النيئ، وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة فاعرف فضل ماء الشعير، فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يُطبخ صحاحًا والتلبينة تُطبخ منه مطحونًا، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن.
ثم قال: وقوله صلى الله عليه وسلم: «مجمة لفؤاد المريض» يُروى بوجهين: بفتح الميم والجيم، وبضم الميم وكسر الجيم، والأول أشهر، ومعناه مريحة له؛ أي تريحه وتسكنه، وهي من الإجمام، وهو الراحة، وقوله: «تذهب ببعض الحزن» قد يقال- وهو الأقرب- : إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية.
ثم يقول: وقد تقدم أن ماء الشعير المغلـي- وهو أكثر غذاء من سويقه- نافع للسعال، وخشونة الحلق، صالح لقمع حدة الفضول، مدر للبول، جلاء لـمـا في المعدة، قاطع للعطش، مطفئ للحرارة.
ثم قال: وصفته- ماء الشعير- أن يُؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدارًا ومن الماء العذب الصافي خمسة أمثاله([11])([12]).
وجاء في “فتح الباري”: قال الموفق البغدادي: إذا شئت معرفة منافع التلبينة فاعرف منافع ماء الشعير، ولا سيما إذا كان نخالة؛ فإنه يجلو وينفذ بسرعة ويغذي غذاء لطيفًا، وإذا شرب حارًّا كان أجلى وأقوى نفوذًا وأنمى للحرارة الغريزية، قال: والمراد بالفؤاد في الحديث رأس المعدة، فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته، خاصة لتقليل الغذاء، والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها، ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض، لكن المريض كثيرًا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي، وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة، قال: وسماه “البغيض النافع”؛ لأن المريض يعافه وهو نافع له، قال: ولا شيء أنفع من الحساء لمن يغلب عليه في غذائه الشعير، وأما من يغلب على غذائه الحنطة فالأَوْلَى به في مرضه حساء الشعير، وقال صاحب الهدي: التلبينة أنفع من الحساء؛ لأنها تُطبخ مطحونة فتخرج خاصية الشعير بالطحن، وهي أكثر تغذية وأقوى فعلاً وأكثر جلاء، وإنما اختار الأطباء النضيج لأنه أرق وألطف، فلا يثقل على طبيعة المريض، وينبغي أن يختلف الانتفاع بذلك بحسب اختلاف العادة في البلاد، ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طُبخ صحيحًا، وبالحزين إذا طُبخ مطحونًا؛ لما تقدمت الإشارة من الفرق بينهما في الخاصية([13]).
وهذه الفوائد الجمة قد أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400 عام، ثم جاء العلم بعد تقدمه لكي يؤكد ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من قبل، فهل نغفل عن هذا الإعجاز العظيم، الذي يبرز اختياره صلى الله عليه وسلم للكلمات: «مجمة لفؤاد المريض، وتذهب ببعض الحزن»؟! فسبحان من علَّمه صلى الله عليه وسلم.
3) وجه الإعجاز:
لقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن التلبينة تريح المريض من كثير من متاعبه فقال عنها: «مجمة للفؤاد»، ووصفها علاجًا للحزن فقال: «وتذهب ببعض الحزن»، ثم جاء العلم الحديث وأثبت أنها غنية جدًّا بالعناصر المختلفة، وأن الاكتئاب والحزن يصيبان الإنسان بسبب خلل كيميائي ناتج عن نقص بعض العناصر؛ كالبوتاسيوم والماغنسيوم وغيرهما، وثبت أن التلبينة من أغنى الأطعمة بهذه العناصر؛ ومن ثم فهي من أقدر الأدوية على علاج الاكتئاب والحزن، فدل ذلك دلالة قاطعة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وإنما يخبر بما يوحيه الله عز وجل له، وإلا فلماذا لم يصف أي طعام أو شراب آخر للتخفيف من الحزن؟! ومن أخبره أن هذه التلبينة تحتوي على كل هذه العناصر حتى يصفها بأنها مجمة للفؤاد؟!
(*) في الطب النبوي والبلاهة، مقال منشور بموقع:www.thelandofsands.blogspot.com.
[1]. التلبينة: هي حساء من دقيق الشعير بنخالته، يضاف لهما كوب من الماء، وتُطهَى على نار هادئة لمدة خمس دقائق، ثم يضاف لها كوب من اللبن وملعقة من عسل النحل.
[2]. التلبينة غذاء ودواء، مقال منشور بمنتديات: مكتبة المسجد النبوي الشريفwww.mktaba.org.
[3]. التلبينة معجزة في علم التغذية، د. محمد فائد، مقال منشور بموقع: الدكتور محمد فائد www.mfaid.com.
[4]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص816، 817.
[5]. المرجع السابق، ص716.
[6]. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، يوسف الحاج أحمد، مرجع سابق، ص800.
[7]. التلبينة: غذاء ودواء، د. رامي عبد الحسيب، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[8]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص814، 815.
[9]. التلبينة طعام، مقال منشور بموقع: ويكيبيديا، الموسوعة الحرةwww.ar.wikpedia.org.
[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأطعمة، باب: التلبينة، (9/ 461)، رقم (5417). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: التلبينة مجمَّة لفؤاد المريض، (8/ 3338)، رقم (5662).
[11]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، مرجع سابق، ج4، ص120، 121 بتصرف.
[12]. التلبينة: غذاء ودواء، د. رامي عبد الحسيب، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[13]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، مرجع سابق، ج10، ص154، 155.
دعوى أن حديث التداوي بألبان الإبل وأبوالها يتنافى مع التقدم الطبي الحديث
مضمون الشبهة:
في إطار الإنكار المتواصل لحقائق الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بعامة، ولحقائق الإعجاز الطبي والدوائي لهما بخاصة- يدعي المغالطون أن حديث التداوي بألبان الإبل وأبوالها، والذي رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه: «أن رهطًا من عكل ثمانية قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فاجتووا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أبغنا رَسْلا([1])، قال: ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود، فانطلقوا، فشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحوا وسمنوا…» ـ لا يتفق بحال مع ما توصل إليه الطب الحديث والعلم المتقدم، وما ذلك إلا ضرب من الشعوذة والخرافات.
زاعمين أن هذه الطريقة العلاجية القاصرة التي وردت في الحديث ما تصلح إلا لإقناع البدوي المتخلف في عصره، ولا يمكن بحال أن تصح نظرية طبية، أو أن ترقى لقانون كوني عام، وأن التمسك بمثل هذه العلاجات يجعل المسلمين أضحوكة العالم الذي يتقدم علميًّا، ويعالج الآن بالهندسة الوراثية. منكرين كل دراسة علمية جادة أُجريت لإثبات ما في أبوال الإبل وألبانها من خصائص ومركبات وعناصر فعالة في علاج كثير من الأمراض والآلام التي يعاني منها كثير من المرضى، ويتساءلون بسخرية: كيف لهذا الشيء البدائي أن يشفي تمامًا مرضا مثل الفيروس الكبدي الوبائي الذي يُعلم من كتب الطب أنه يتكاثر بطريقة السيطرة على نواة الخلية، وسرقة السلطة والإرادة منها؛ بحيث يكون موته الكامل مستحيلاً؟! والذي أعيى علاجه أصحاب الهندسة الوراثية، بل مجرد السيطرة عليه- هادفين من وراء ذلك إلى إنكار وجود أي إعجاز طبي في هذا الحديث النبوي، وفي القرآن والسنة بعامة.
وجه إبطال الشبهة:
أثبتت التجارب المعملية الحديثة- مرارًا وتكرارًا- الفوائد العديدة التي تكمن في ألبان الإبل وأبوالها، وأنها تحتوي على عديد من العناصر والمركبات التي تعمل على شفاء كثير من أمراض الإنسان، وتساعد على عافيته ونشاطه، بل أفادت كثير من الأبحاث الدقيقة أن ألبان الإبل وأبوالها علاج ناجع لكثير من الأمراض المستعصية في الإنسان، منها سرطان الدم والتهابات الكبد والاستسقاء ومرض السكر، وأثبتت الدراسات أن لبن الإبل يحتوي على مواد تقاوم السموم والميكروبات، كما يحتوي على مواد تزيد القوة المناعية للأمراض، وقد يكون هذا هو السر في فائدة ألبان الإبل في علاج كثير من الأمراض.
هذا ما أثبتته التجارب العلمية الدقيقة في جامعات علمية متخصصة، وأما خلاف ذلك من طعون وادعاءات فلا دليل عليه، ويكفي عدم إتيانهم بالدليل العلمي على زعمهم دليلاً على بطلان قولهم.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
اقتضى المنهج العلمي التجريبي طريقة حكيمة في تتبع الظواهر المدروسة والتحقق من صحة فروضها بطريقة التجربة والتحليل المعملي، للتوصل إلى نتائج حقيقية وثابتة؛ وبهذا أصبح المنهج العلمي الحديث من أشد المناهج دقة وثبوتًا، ولا يصادر على قول أو بحث علمي أو يرفضه إلا بعد أن يجري عليه تجارب علمية دقيقة، ويتخذ من تلك الآراء فرضًا علميًّا.
بهذا المنهج العلمي الواضح الدقيق جاءت الدراسات والبحوث العلمية عن ألبان الإبل وأبوالها مبينة عناصرهما ومركباتهما، ومدى فائدتهما في علاج كثير من الأمراض التي يصاب بها الإنسان، وفي علاج كثير من الأمراض البكتيرية والفيروسية، وتوصلت هذه الدراسات إلى نتيجة مؤكدة مؤداها أن ألبان الإبل وأبوالها تعدان علاجًا طبيًّا وقائيًّا لكثير من الأمراض التي تصيب الإنسان، ومنها الأمراض المستعصية والـمزمنة، ونفصل هذه الحقائق فيما يأتي:
أولاً: ألبان الإبل (تركيبها وفوائدها):
نتحدث هنا عن ألبان الإبل تحديدًا لنرى بعض الحقائق التي ذُكرت عنها في المراجع العلمية الحديثة، من حيث تركيبها وفوائدها كغذاء ودواء.
تدل الإحصائيات على أن الناقة تُحلب لمدة عام كامل في المتوسط بمعدل مرتين يوميًّا، ويبلغ متوسط الإنتاج اليومي لها من 5: 10 كجم من اللبن، بينما يبلغ متوسط الإنتاج السنوي لها حوالي 230: 260 كجم.
ويختلف تركيب لبن الناقة بحسب سلالة الإبل التي تنتمي إليها، كما يختلف من ناقة لأخرى، وكذلك تبعًا لنوعية الأعلاف التي تتناولها الناقة والنباتات الرعوية التي تقتاتها، والمياه التي تشربها وكمياتها، ووفقًا لفصول السنة التي تُربى بها، ودرجة حرارة الجو أو البيئة التي تعيش فيها، والعمر الذي وصلت إليه هذه الناقة، وفترة الإدرار وعدد المواليد والقدرات الوراثية التي يمتلكها الحيوان ذاته، وطرائق التحليل المستخدمة في ذلك.
وعلى الرغم من أن معرفة العناصر التي يتكون منها لبن الناقة على جانب كبير من الأهمية، سواء لصغار الناقة أو للإنسان الذي يتناول هذا اللبن، فإنها من جانب آخر تشير وتدل دلالة واضحة على أهمية مثل هذا اللبن في تغذية الإنسان وصغار الإبل، وبشكل عام يكون لبن الناقة أبيض مائلاً للحمرة، وهو عادة حلو المذاق لاذع، إلا أنه يكون في بعض الأحيان مالحًا، كما يكون مذاقه في بعض الأوقات مثل مذاق المياه، وترجع التغيرات في مذاق اللبن إلى نوع الأعلاف والنباتات التي تأكلها الناقة، والمياه التي تشربها، كذلك ترتفع قيمة الأس الهيدروجيني (PH)- وهو مقياس الحموضة- في لبن الناقة الطازج، وعندما يترك لبعض الوقت تزداد درجة الحموضة فيه بسرعة.
ويصل محتوى الماء في لبن الناقة بين 84% و 90%؛ ولهذا أهمية كبيرة في الحفاظ على حياة صغار الإبل، والسكان الذين يقطنون المناطق القاحلة- مناطق الجفاف- وقد تبين أن الناقة الحلوب تفقد أثناء فترة الإدرار ماءها في اللبن الذي يحلب في أوقات الجفاف، وهذا الأمر يمكن أن يكون تكيفًا طبيعيًّا؛ وذلك لكي توفر هذه النوق وتمد صغارها والناس الذين يشربون من حليبها- في الأوقات التي لا تجد فيها المياه- ليس فقط بالمواد الغذائية، ولكن أيضًا بالسوائل الضرورية لمعيشتهم وبقائهم على قيد الحياة، وهذا لطف وتدبير من الله عز وجل.
وكذلك فإنه مع زيادة محتوى الماء في اللبن الذي تنتجه الناقة العطشى ينخفض محتوى الدهون من 3,4% إلى 1,1%، وعموما يتراوح متوسط النسبة المئوية للدهون في لبن الناقة بين 6,2% إلى 5,5%، ويرتبط دهن اللبن بالبروتين الموجود فيه.
وبمقارنة دهون لبن الناقة مع دهون ألبان الأبقار والجاموس والغنم لُوحِظ أنها تحتوي على أحماض دهنية قليلة، كما أنها تحتوي على أحماض دهنية قصيرة التسلسل، ويرى الباحثون أن قيمة لبن الناقة تكمن في التراكيز العالية للأحماض الطيّارة التي تعتبر من أهم العوامل المغذِّية للإنسان، وخصوصًا الأشخاص المصابين بأمراض القلب.
ومن عجائب الخلق الإلهي في لبن الإبل أن محتوى اللاكتوز- سكر اللبن- في لبن الناقة يظل دون تغيير منذ الشهر الأول لفترة الإدرار، وحتى نهايتها في كل من النوق العَطْشَى والـمرتوية من الماء، وهذا لطف من العلي القدير فيه رحمة وحفظ للإنسان والحيوان؛ إذ إن اللاكتوز سكر مهم يُستخدم كمليِّن وكمُدِرّ للبول، وهو من السكاكر الضرورية التي تدخل في تركيب أغذية الرضع.
وفضلاً عن القيمة الغذائية العالية لألبان الإبل، فإن لها استخدامات وفوائد طبية عديدة تجعله جديرًا بأن يكون الغذاء الوحيد الذي يعيش عليه الرعاة في بعض المناطق، وهذا من فضل الله العظيم وفيضه العميم([2]).
يتبين من هذا أن لبن الناقة يمثل قيمة غذائية كبيرة للإنسان؛ بما يحتوي عليه من عناصر ومركبات فعالة من: درجة الحموضة، ونسبة الدهون، ومحتوى اللاكتوز، وتركيز الحموض الطيّارة؛ مما يجعله أيضًا مفيدًا في كثير من الاستخدامات الطبية والعلاجية.
“وقد اهتم العلماء بالأبحاث المتعلقة بألبان الإبل في الربع الأخير من القرن العشرين، فأُجريت مئات الأبحاث على أنواع الجِمال، وكمية الألبان التي تُدِرُّها في اليوم، وفترة إدرارها للألبان بعد الولادة، ومكونات لبن الإبل، وبعد دراسات مستفيضة خلُص العلماء إلى أن لبن الإبل يعتبر عنصرًا أساسيًّا في تحسين غذاء الإنسان كمًّا ونوعًا.
مكونات لبن الإبل:
يتدرج لبن الإبل في مكوناته بناء على مرحلة الإدرار، وعمر الناقة، وعدد أولادها، وكمية الطعام الذي تتغذى عليه ونوعه، وكذلك على كمية الماء المتوافر للشرب، ويعتبر لبن الإبل عالي القلوية، ولكن سرعان ما يصير حمضيًّا إذا تُرك فترة من الزمن؛ إذ يتراوح (PH) من 6,5 إلى6,7%، ويتحول للحمضية بسرعة؛ حيث يزداد حمض اللاكتيك من 0,03 بعد ساعتين إلى 14% بعد 6 ساعات، ويتراوح الماء في لبن الإبل من 84 إلى90% من مكوناته، وتتراوح الدهون في اللبن في المتوسط حوالي 5,4 ، والبروتين حوالي 3%، ونسبة سكر اللاكتوز حوالي 3,4، والمعادن حوالي 0,7%، مثل الحديد والكالسيوم والفوسفور والمنجنيز والبوتاسيوم والماغنسيوم، وهناك اختلافات كبيرة في هذه المركبات بين الأنواع المختلفة من الإبل، وتعتمد على الطعام والشراب المتوافر لها.
ونسبة الدهون إلى المواد الصلبة في لبن الإبل أقل منها في لبن الجاموس؛ حيث تبلغ في لبن الإبل 31,6%، بينما في الجاموس 40,9%، كما أن الدهون في لبن الإبل توجد على هيئة حبيبات دقيقة متحدة مع البروتين؛ لذلك يصعب فصلها في لبن الإبل بالطرق المعتادة في الألبان الأخرى، والأحماض الدهنية الموجودة في لبن الإبل قصيرة السلسلة، وهي أقل منها في الألبان الأخرى، كما أن لبن الإبل يحتوي على تركيز أكبر للأحماض الدهنية المتطايرة، خصوصًا حمض اللينوليك والأحماض الدهنية المتعددة غير المتشيعة، والتي تعتبر حيوية في غذاء الإنسان، خصوصًا مرضى القلب، كما أن نسبة الكوليسترول في لبن الإبل منخفضة مقارنة بلبن البقر بحوالي 40%، وتصل نسبة بروتين الكازين في بروتين لبن الإبل الكلي إلى 70%، مما يجعل لبن الإبل سهل الهضم.
ويحتوي لبن الإبل على فيتامين (ج) بمعدل ثلاثة أضعاف وجوده في لبن البقر، ويزداد إذا تغذَّت الإبل على أعشاب وغذاء غني بهذا الفيتامين، كما أن فيتامين (ب 1، 2) موجود بكمية كافية في لبن الإبل أعلى من لبن الغنم، كما يوجد فيه فيتامين (أ) (A) والكاروتين بنسب كافية.
ويُنصح المريض الذي يأخذ لبن الإبل للعلاج أن يأخذه بالغداة، ولا يدخل عليه شيئًا، ويجب عليه الراحة التامة بعد شربه، ويعتبر لبن الإبل الطازج الحار أفضل شيء لتنظيف الجهاز الهضمي، ويعتبر أفضل المسهِّلات، وينتشر بين البدو أن أي مرض في الداخل يمكن أن يُعالج بلبن الإبل، فاللبن ليس مانحًا للقوة فقط، ولكن للصحة أيضًا، وقد أثبت البحث العلمي الحديث مزايا فريدة للبن الإبل.
الإسرائيليون يعكفون على دراسة ألبان الإبل:
يعكف البروفيسور ريئوفين يغيل- الذي يعمل في جامعة بن غوريون في بئر السبع وبمشاركة طاقم من الأطباء- على بحث الميزات الخاصة التي تتوافر في حليب الناقة، ويقول الباحث: هناك اكتشافات مثيرة جدًّا فيما يتعلق بالتركيبة الكيماوية لحليب الناقة، الذي يشبه حليب الأم أكثر مما يشبه حليب البقرة، فقد اكتُشف أن حليب الناقة يحتوي على كمية قليلة من اللاكتوز والدهن المشبع، إضافة إلى احتوائه على كمية كبيرة من فيتامين (ج)، الكالسيوم والحديد، مما يجعله ملائمًا للأطفال الذين لا يرضعون، كما تبين من البحث أن حليب الناقة غني ببروتينات جهاز المناعة، وهو ملائم لمن لا يتمكن جهازه الهضمي من هضم سكر الحليب.
ويتحدث البروفيسور يغيل هو وطاقمه عن المزايا العلاجية لحليب الناقة فيقولون: يحتوي هذا الحليب على مواد قاتلة للجراثيم، ويلائم من يعانون من الجروح، ومن يعانون من أمراض التهاب الأمعاء، كما يُوصى به لمن يعانون من مرض الربو، ولمن يتلقون علاجًا كيماويًّا؛ لتخفيف حدة العوارض الجانبية، مثل التقيؤ، كما يُوصى به لمرضى السكري- سكري البالغين- وللمرضى الذين يعانون من أمراض تتعلق بجهاز المناعة، مثل أمراض المناعة الذاتية حين يبدأ الجسم بمهاجمة نفسه.
ويستمر البروفيسور يغيل في تعداد مزايا حليب الناقة فيقول: أوصي من يعاني من أحد الأمراض التي ذكرت أن يحاول شرب كأسين من هذا الحليب يوميًّا، ويزيد الكمية وفق الحاجة، وبالطبع بعد استشارة الطبيب، ثم قال: حليب الناقة ليس دواء، وننتظر مصادقة وزارة الصحة من أجل تسويقه كغذاء، لكننا حاليًّا نجري أبحاثًا ونجمع معلومات، وقد أقام هذا الباحث وغيره في إسرائيل مزارع للإبل ومنتجعات يؤمها السياح لتناول ألبان الإبل.
الخصائص المناعية والاستخدامات الطبية للبن الإبل:
أوضحت الدراسات العديدة التي قام بها العجمي (1994م، 2000م)، والعجمي وآخرون (1992م، 1996م، 1998م) أن لبن الإبل يمتاز بميزات مناعية فريدة؛ حيث إنه يحتوي على تركيزات مرتفعة للغاية من بعض المركبات المثبطة لفعل بعض البكتيريا الممرضة وبعض الفيروسات.
وفي الهند يستخدم لبن الإبل كعلاج للاستسقاء واليرقان ومتاعب الطحال والسل والربو والأنيميا والبواسير (Raoet al,1970)، ويستخدم أيضًا في علاج مرض الكبد الوبائي المزمن وتحسين وظائف الكبد، وقد تحسنت وظائف الكبد في المرضى المصابين بالتهاب الكبد بعد أن عولـجوا بلبن الإبل (Sharmanovetal,1978)،ويُعطى اللبن للمسنين والشباب والصغار، وهو مهم في تكوين العظام.
كما ثبت أن حليب الإبل يخفض مستوى الجلوكوز؛ وبالتالي يمكن أن يكون له دور في علاج السكري، ومن المدهش أنه قد وُجد في لبن الإبل مستويات عالية من الأنسولين وبروتينات شبيهة بالأنسولين، وإذا شُرب اللبن فإن هذه المركبات تنفذ من خلال المعدة إلى الدم من غير أن تتحطم، بينما يحطم الحمض المعوي الأنسولين العادي، وهذا قد أعطى الأمل لتصنيع أنسولين يتناوله الإنسان بالفم، وتعكف شركات الأدوية اليوم على تصنيعه وتسويقه في القريب العاجل، وقد وُجد في دراسة حديثة أن مرضى النوع الأول من السكري قد استفادوا حينما تناولوا كوبًا من حليب الإبل، وانخفض لديهم مستوى السكر في الدم؛ وعلى هذا خفَّضوا كمية الأنسولين المقررة لعلاجهم.
صورة بالمجهر الإلكتروني تبين الأجسام المضادة النانوية الموجودة في الإبل، وهي القطع
الصغيرة اللامعة ملتصقة بالخلايا السرطانية كبيرة الحجم لتدميرها.
اكتشاف مذهل:
في أحدث دراسة نشرتها مجلة العلوم الأمريكية في عددها الصادر في أغسطس عام 2005م وُجد أن عائلة الجمال- وخصوصًا الجمال العربية ذات السنام الواحد- تتميز عن غيرها من بقية الثدييات في أنها تملك في دمائها وأنسجتها أجســـامًا مضادة صغيرة تتركب من سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية، وشكلها على صورة حرف (V)، وسماها العلماء “الأجسام المضادة الناقصة أو النانوية” (NanoAntibodies) أو اختصارًا (Nanobodies)، ولا توجد هذه الأجسام المضادة إلا في الإبل العربية، زيادة على وجود الأجسام المضادة الأخرى الموجودة في الإنسان وبقية الحيوانات الثديية فيها أيضًا، والتي على شكل حرف (Y)، وأن حجم هذه الأجسام المضادة هو عشر حجم المضادات العادية، وأكثر رشاقة من الناحية الكيميائية، وقادرة على أن تلتحم بأهدافها وتدمرها كقدرة المضادات العادية نفسها، وتمر بسهولة عبر الأغشية الخلوية وتصل لكل خلايا الجسم.
وتمتاز هذه الأجسام النانوية بأنها أكثر ثباتًا في مقاومة درجة الحرارة؛ لتغير الأس الأيدروجيني تغيرًا متطرفًا، وتحتفظ بفاعليتها أثناء مرورها بالمعدة والأمعاء، بعكس الأجسام المضادة العادية التي تتلف بالتغيرات الحرارية وبإنزيمات الجهاز الهضمي، مما يعزز من آفاق ظهور حبات دواء تحتوي أجسامًا نانوية لعلاج مرض الأمعاء الالتهابي وسرطان القولون والروماتويد، وربما مرضى الزهايمر أيضًا.
وقد تركزت الأبحاث العلمية على هذه الأجسام المضادة منذ حوالي 2001م في علاج الأورام على حيوانات التجارب وعلى الإنسان، وأثبتت فاعليتها في القضاء على الأورام السرطانية؛ حيث تلتصق بكفاءة عالية بجدار الخلية السرطانية وتدمرها، وقد نجحت بعض الشركات المهتمة بأبحاث التكنولوجيا الحيوية الخاصة في بريطانيا وأمريكا في إنتاج دواء على هيئة أقراص مكون من مضادات شبيهة بالموجودة في الإبل لعلاج السرطان والأمراض المزمنة العديدة، والالتهابات البكتيرية والفيروسية.
وطورت شركة (Ablynx) هذه الأجسام النانوية لتحقق ستة عشر هدفًا علاجيًّا تغطي معظم الأمراض المهمة التي يعاني منها الإنسان، وأولها السرطان، يليها بعض الأمراض الالتهابية، وأمراض القلب والأوعية الدموية، ويعكف الآن حوالي 800 عالم من علماء التكنولوجيا الحيوية المتخصصين في أبحاث صحة الإنسان والنظم النباتية الحيوية، وبتكاتف عدة جامعات- على أبحاث الأجسام المضادة النانوية؛ لتنفيذ مشروع المستقبل في علاج الأمراض العنيدة.
ورغم الكم الهائل من العلماء الذين يبحثون في هذا الموضوع لتوفير هذه الأجسام المضادة كوسيلة لعلاج هذه الأمراض، إلا أن هناك كثيرًا من المشاكل والصعوبات تعترضهم في سبيل تصنيع هذا الدواء بالطريقة المثلى التي تتلاءم مع الظروف البيئية والاقتصادية للبشر، وكل هذه الأنواع من الأمراض؛ مما يجعل العلماء يتجهون بأبصارهم وعقولهم ناحية البيولوجيا الجزيئية لعائلة الجمال”([3]).
وعن فوائد ألبان الإبل يقول الدكتور جابر بن سالم القحطاني: “استُخدم حليب الإبل كعلاج لكثير من الأمراض؛ فقد استخدم الإنسان العربي حليب الإبل لمعالجة مرض الصفار الكبدي، وفقر الدم، والسل، وأمراض الشيخوخة وهشاشة العظام، والكساح عند الأطفال، وهو مسهِّل، وبالأخص عندما يُشرب حارًّا ولأول مرة، ولعلاج الزكام والأنفلونزا والحمى والتهاب الكبد الوبائي، والاستسقاء والأمراض الصدرية، كالدرن والربو، وكذلك الأمراض الباطنية، كقرحة المعدة والاثنى عشر والقولون، والاضطرابات الهضمية، ومخفِّض للسكر والضغط، ومنظِّم لضربات القلب ومعدلات التنفس وضربات الشمس.
وقد أظهرت دراسة عمانية تفوق حليب الإبل في علاج التهاب الكبد المزمن مقارنة باستخدام حليب النوق لعلاج الاستسقاء واليرقان، ومشاكل الطحال والدرن والربو، وفقر الدم والبواسير، وقد أُنشئت عيادات خاصة يُستخدم فيها حليب الناقة لمثل هذه العلاجات.
وفي دراسة على سكر الدم قامت بها باحثة لنيل درجة الماجستير بجامعة الجزيرة بالسودان؛ حيث جرَّبت أثر لبن الإبل على معدل السكر في الدم، فاختارت عددًا من المرضى لإجراء تجربة عملية استغرقت سنة كاملة، وقد قسمت المتبرعينإلى فئتين؛ تناولت الفئة الأولى جرعة من لبن الإبل بمعدل نصف لتر يوميًّا على الريق، أما الفئة الثانية فلم تتناول أي شيء، وعند نهاية الدراسة اتضح أن نسبة السكر في الدم انخفضت بدرجة ملحوظة وسط أفراد الفئة الأولى مقارنة بأفراد الفئة الثانية، وقد أثبتت تلك التجربة مدى تأثير حليب الإبل في تخفيض نسبة سكر الدم.
وفي دراسة حديثة أُجريت في الهند ونُشرت نتائجها في مجلة (MerMedicus2004) اتضح فيها أن حليب الإبل حسن التحكم في مرضى السكر المعتمدين على الأنسولين.
وقالت الباحثة أماني عليوي الرشيدي في رسالتها للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة الملك عبد العزيز: إن حليب الإبل استُخدم في علاج مرض السرطان، وقد تم في البحث حقن فئران التجارب بمواد مسرطنة، ثم تم تغذية بعض الفئران بحليب الإبل، وإعطاء البعض الآخر علاجًا كيماويًّا، وفي نهاية الدراسة اتضح أن الفئران التي غُذِّيت بحليب الإبل تحسنت حالتها إلى درجة قريبة من الفئران التي عُولـجت بالدواء الكيماوي، فيما كانت أفضل النتائج في الفئران التي عُولجت بالدواء الكيماوي وحليب الإبل في وقت واحد”([4]).
ويقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم متحدثًا عن فوائد ألبان الإبل أيضًا: “وذكرت دراسة علمية لبعض الأطباء أن لبن الناقة يشفي من تشمع الكبد والربو الشعبي ومرض السكر، ويقوي عظام الأطفال، وهو خير وقاية من مرض الكساح، وأن لبن الناقة
يقوي اللثة، ويقي من مرض الإسقربوط؛ بسبب احتواء لبن الإبل على نسبة عالية من فيتامين (ج).
وذكرت دراسة من قسم الأغذية بكلية الزراعة بجامعة الفاتح في ليبيا أن ألبان الإبل هي الأفضل من حيث ثراؤها بالعناصر الغذائية، وقارن العلماء لبن الإبل بلبن البقر، بعد كارثة أمراض جنون البقر التي تحدث بين الحين والحين، فوجدوا أنه لبن لا ضرر فيه، وأنه لم يُسمع عن أي إنسان مرض من جراء تناوله للبن الإبل.
ووجدوا أن نسبة الكازين في لبن الإبل تصل إلى 70% من البروتين، وهذا يجعله سهل الهضم، سهل الامتصاص، كما أن حبيبات الدهون في لبن الإبل أصغر في الحجم من حبيبات الدهون في الألبان الأخرى؛ مما يزيد من سهولة الهضم والامتصاص، وثبت أن لبن الإبل يحتوي على مواد تقاوم السموم والميكروبات، كما يحتوي على مواد تزيد القوة المناعية للأمراض، وقد يكون ذلك هو السر في فائدة لبن الإبل في علاج كثير من الأمراض”([5]).
وهكذا قد أثبتت مختلف الدراسات العلمية والبحثية المنهجية الدقيقة مدى فاعلية ألبان الإبل في علاج كثير من أمراض الإنسان، ودخولها في كثير من العلاجات والأدوية النافعة له.
ثانيًا: بول الإبل (تركيبه وفوائده):
أكدت أبحاث علمية متعددة أن في بول الإبل عناصر مركزة وبروتينات عالية؛ مما يجعله مفيدًا جدًّا في علاج كثير من الأمراض التي يعاني منها الإنسان، وخاصة أمراض الاستسقاء والكبد.
وفي هذا الشأن يقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم: “تحدث كثير من الباحثين عن فوائد العلاج بأبوال الإبل، وسنذكر بعض ما ذكره أولئك الباحثون عن دراساتهم وتجاربهم في هذا الموضوع كالآتي:
قام الدكتور أحمد عبد الله أحمداني- عميد كلية المختبرات الطبية بجامعة الجزيرة السودانية- بتجربة علمية باستخدام بول الإبل لعلاج تشمع الكبد وتليفه، وما نتج عن ذلك من استسقاء البطن، وأثبتت نجاحها.
وبدأت التجربة بإعطاء المريض جرعة محسوبة من بول الإبل مخلوطًا بلبن الإبل يوميًّا، وقال: كانت النتيجة مدهشة للغاية؛ فقد اختفى الاستسقاء بعد أسبوعين من بدء العلاج.
وذكر الدكتور أحمداني أنه أجرى الكشف بالموجات الصوتية لخمسة عشر مريضًا، وثبت إصابتهم بتشمع الكبد (FattyLiver)، واستجاب جميعهم للعلاج بأبوال الإبل لمدة شهرين، وثبت أن بول الإبل يحتوي على كمية كبيرة من البوتاسيوم والزلال والماغنسيوم، وقال: إن مرض الاستسقاء ينتج عن نقص في الزلال والبوتاسيوم، وبول الإبل غني بالاثنين معًا.
وقال الدكتور أحمداني: إن بعض الشركات العالمية استخدمت بول الإبل في صناعة أنواع ممتازة من شامبو الشعر، وإن أفضل أنواع الإبل التي يمكن استخدام بولها في العلاج هي الإبل الصغيرة التي لم تحمل بعد.
ولقد حوى كتاب الشيخ الدميري “حياة الحيوان الكبرى” كل الأجزاء الحيوانية التي تُستخدم في علاج الإنسان، ومعروف مثلاً أن فرش حلاقة الذقن تُصنع من أذيال الإبل.
وكانت الريادة في استخدام بول الإبل في العلاج للدكتورة أحلام العوضي بالاشتراك مع الدكتورة ناهد هيكل الأستاذة بالأقسام العلمية بكلية التربية بجدة، وكان لهما السبق في استخدام بول الإبل في علاج الأمراض الجلدية الفطرية، كما استخدمتا في العلاج سلالات بكتيرية معزولة من بول الإبل.
وأشرفت على رسالة ماجستير للدكتورة منال القطان التي نجحت في تأكيد فاعلية مستحضر تم تحضيره من بول الإبل، وهو أول مضاد حيوي يُصنع بهذه الطريقة على مستوى العالم، وذلك بالتعاون مع الدكتورة أحلام العوضي، والمستحضر زهيد الثمن جدًّا؛ الأمر الذي يجعله في متناول الجميع.
وثبت بعد ذلك نجاح المستحضر الجديد في القضاء على الفطريات أيضًا؛ وبالتالي نجاح استعماله في الأمراض البكتيرية والأمراض الفطرية أيضًا، وتقول الدكتورة أحلام العوضي: إن ذلك المستحضر من بول الإبل رخيص الثمن، وسهل التصنيع، وله أثر علاجي فعال في علاج الأمراض الجلدية، مثل: الأكزيما والحساسية والجروح والحروق، كما أنه علاج مفيد للأمراض الخبيثة، ولا توجد آثار جانبية له.
وفي رسالة ماجستير مقدمة من مهندس بالكيمياء التطبيقية يُدعى محمد أوهاج محمد وعنوانها “دراسة في المكونات الكيميائية وبعض الاستخدامات الطبية لبول الإبل العربية” (Astudyonthechemicalcompositionandmedicalusesoftheurineofsomeofthearabiancamels)، تحدثت الرسالة عن تاريخ التداوي بأبوال الإبل منذ قرون عديدة، وأثبتت الدراسة بواسطة التجارب التطبيقية الطبية على ثلاثين مريضًا يعانون الاستسقاء نجاح العلاج بواسطة مستحضرات معملية من بعض مكونات بول الإبل، وأثبتت التجارب الآتي:
أن بول الإبل ذو تركيز مرتفعOsmolalityمقارنة بأبوال الغنم والبقر والإنسان.
أن بول الإبل يعمل كمُدِرّ لبول المريض الذي يتعاطى الدواء، ولكنه لا يؤثر في مستوى البوتاسيوم بالدم، كما تفعل الـمُدِرّات الأخرى.
أن بول الإبل يحتوي على نسبة عالية من البوتاسيوم والبروتينات.
أن بول الإبل له تأثير علاجي واضح في بعض الأمراض البكتيرية والفيروسية.
أن بول الإبل يُستخدم في علاج الجلطة الدموية؛ فهو يحلل المادة المسبِّبة للتجلط، وهي (Fibrin).
وخلص البحث إلى وجود الدليل العلمي على صدق الحديث النبوي عن فائدة العلاج بلبن الإبل وأبوالها”([6]).
فهذه أبحاث ودراسات علمية جامعية أثبتت فعالية العلاج ببول الإبل في كثير من الأمراض والفطريات، وبينت قوة تركيب العناصر والبروتينات في جزيئاته، كما جاءت دراسة علمية عن نجاح علاج الاستسقاء ببول الإبل ملخصها:
أن بول الإبل العربية وحيدة السنام يختلف عن بول بقية الأنعام وبول البشر في عدة نواحي؛ فقد أوضحت النتائج الكيميائية أن بول الإبل يحتوي على تركيز عال من كل المواد- تقريبا- التي تم تحليلها، مثل: المعادن الفلزية والمعادن النادرة ومركبات النيتروجين غير البروتينية، وبول الأغنام يلي بول الإبل في التركيز، وإن كانت هناك بعض المواد في بول الأغنام أعلى تركيزًا، وبول الأبقار يأتي فيالمرتبة الثالثة، وأخيرًا بول البشر.
التركيز العالي لكل من البوتاسيوم والماغنسيوم والكالسيوم واليوريا في أبوال الإبل، بالإضافة إلى النيتروجين الكلي والبروتين الكلي والألبيومين والكرياتينين ـ يقابله في بول الأغنام تركيز عال في الحامض البولي والكرياتين والكالسيوم والزنك.
بول البقر يقارب بول البشر نسبيًّا في كثير من المكونات الحيوية، علمًا بأن بول البشر هو الوحيد في هذه المجموعة الذي يحمل الصفة الحمضية في تفاعله(pH = 4 – 5)، وبنظرة عامة للفوارق الكيميائية بين بول الإناث والذكور في جميع حيوانات الدراسة وبول البشر- يتضح أن الفوارق لا تكاد تذكر بالرغم من أن بول الإناث بصورة عامة يسجل أرقامًا أعلى من بول الذكور.
من الناحية السريرية، فقد خلصت الدراسة إلى أن مرضى الاستسقاء الذين تـمت معالجتهم بجرعة يومية صباحية (150ml) من بول الإبل لمدة أسبوعين- انخفض معدل الاستسقاء عندهم بدرجة أقل نسبيًّا من المجموعة التي عُولـجت بعقار الفروساميد للمدة نفسها.
استعاد المرضى في المجموعتين بطونهم بحالة خالية من السوائل، بيد أن الفروساميد كان أسرع.
بول الإبل يعمل كمدر بطيء نسبيًّا للبول ومسهِّل جيد، أما الفروساميد فمعروف بقوة إدراره، ويبدو أن ارتفاع الأملاح واليوريا والأوزمولارية بالإضافة للألبيومين تساعد بول الإبل في آلية عمله.
أملاح البوتاسيوم عالية التركيز في بول الإبل توفر لمرضى الاستسقاء تعويضًا من مصدر طبيعي، كذلك الحال بالنسبة لبروتين الألبيومين الذي تعجز الكبد المتليفة في هؤلاء المرضى من توفيره بالقدر الكافي.
بآلية غير معروفة حتى الآن استعاد المرضى المصابون بتليف الكبد حالتهم الصحية التامة؛ إذ رجعت أكبادهم لوضعها الطبيعي من حيث الحجم والملمس والوظيفة([7]).
هكذا يتبين أن بول الإبل به عديد من المركبات والبروتينات التي تساعد على شفاء كثير من الأمراض الخطيرة عند الإنسان، وخاصة الاستسقاء وتليف الكبد.
ونشرت صحيفة الرأي العام السودانية في عددها 1728 بتاريخ 8/5/1423هـ، 18/6/2002م مقالاً للدكتور أحمد عبد الله أحمداني عن دراسة أُجريت على أبوال الأبل وألبانها، يقول فيه: الدراسة علمية تجريبية دقيقة استمرت لمدة 15 يوما؛ حيث اخترنا 15 مريضًا مصابين بمرض الاستسقاء المعروف، وكانت بطونهم منتفخة بشكل كبير قبل بداية التجربة العلاجية، وبدأت التجربة بإعطاء كل مريض يوميًّا جرعة محسوبة من بول الإبل مخلوطًا بلبنها؛ حتى يكون مستساغًا, وبعد 15يومًا من بداية التجربة أصابنا الذهول من النتيجة؛ إذ انخفضت بطونهم وعادت لوضعها الطبيعي, وشُفي جميع أفراد العينة من الاستسقاء, وتصادف وجود بروفيسور إنجليزي أصابه الذهول أيضًا, وأشاد بالتجربة العلاجية.
وكنا قبل بداية الدراسة أجرينا تشخيصًا لكبد المرضى بالموجات الصوتية، فاكتشفنا أن 15 كبدًا من الـ 25 مريضًا يحتوي شمعًا, وبعضهم كان مصابًا بتليف في الكبد بسبب مرض البلهارسيا, وجميعهم استجابوا للعلاج بـبول الإبل، وبعض أفراد العينة من المرضى استمروا برغبتهم في شرب جرعات بول الإبل يوميًّا لمدة شهرين آخرين، وبعد نهاية تلك الفترة أثبت التشخيص شفاءهم من تليفالكبد وسط دهشتنا جميعًا.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الخواص والمكونات الموجودة في بول الإبل حتى يحقق تلك النتائج العلاجية الممتازة في علاج الاستسقاء وتليف الكبد؟!
يجيب البروفيسور أحمد عبد الله أحمداني على ذلك فيقول: بول الإبل يحتوي على كمية كبيرة من البوتاسيوم, يمكن أن تملأ عدة جرادل, ويحتوي أيضًا على زلال بالجرامات وماغنسيوم؛ إذ إن الإبل لا تشرب في فصل الصيف سوى 4 مرات فقط, ومرة واحدة في الشتاء، وهذا يجعلها تحتفظ بالماء في جسمها, وهذا يحفظ لها الصوديوم الذي يجعلها لا تدر البول كثيرًا؛ لأنه يرجع الماء إلى الجسم، ومعروف أن مرض الاستسقاء إما نقص في الزلال, أو في البوتاسيوم, وبول الإبل غني بالاثنين معا([8]).
كما أن هناك دراسات علمية أخرى أثبتت قدرة بول الإبل الفعالة في علاج كثير من الفطريات والفيروسات المضرة للإنسان، وأثبتت القدرة المضادة للفطريات في بول الإبل، فقد وُجد أن هناك عددًا محدودًا من مضادات الفطريات له تأثير على جدار الخلية الفطرية، ومنها (nikomycin) الذي يتركب من النيوكليوسيدات الببتديدية (nucleosidepeptide)؛ حيثإن ذلك- أي التأثير على جدارها الخلوي- يمنع نموها، وذلك بتداخله مع إنزيم الكيتين، أو قد يعمل على تحطـيم الجدار الخلوي في الفطريات نتيجة تثبيطه بناء مادة الكيتين التي تدخل في بناء الجدار، وقد ذكر مدجن وآخرون (Madgan) أن البوليكسينز (Polyxins) يثبط بناء الجدار الخلوي بتداخله مع البناء الحيوي للكيتين.
وهناك عدد كبير من مضادات الفطريات المسـتخدمة لها تأثير فعال على الأغشية الفطرية؛ مما يؤثر على نفاذيتها، وذلك إما بارتباطها مع المركبات المهمة التي تدخل في تكوين الغشاء أو تثبيط بنائه؛ حيث أثبتت الدراسات أنها ترتبـط مع مركبات السيترولات (Sterlos) بعد أن أضافوا الإستيرولات للمنبت الغذائي للفطريات، فوجدوا أن لها تأثيرًا يعادل تأثير كل من مضادي (filipinandpolyne)؛ وبذلك يحدث تغيير في تركيب الغشاء الذي يتبعه حدوث تغيير مهم في وظيفة الغشاء السيتوبلازمي، فيؤثر على النفاذية؛ مما يؤدي إلى تسرب معظم محتويات الخلية المهمة إلى خارجها، مثل: البيورين والبيريميدين والبروتينات والأيونات والمكونات الخلوية الأساسية، وينتج عن ذلك تحطيم الخلية وموتها، ومن تلك المضادات الحيوية مجموعة إميدزول والترايزول؛ حيث تمنع البناء الحيوي للستيرولات في الغشاء، ومجموعة الـ (Azole) بمشتقاتها تمنع البناء الحيوي.
ومجموعة البولينز (Polyenes) ومن أشهرها (amphotericinBandnystatin) التي ترتبط مع مركب الإرجوستيرول، وهناك عدد محدود من المضادات الحيوية له تأثير على الأحماض النووية، ومنها (fluorocytosine) الذي يدخل في تركيبه فلوروسيتوسين ـ 5؛ لذا يكون قابلاً للتحول في داخل الخلية إلى (fluorouracil)؛ حيث يحل المركب الجديد محل اليوراسيل أثناء بناء الحمض النووي (DNA) في داخل الخلية؛ وبالتالي يعطل البناء البروتيني النووي الخلوي، أو يؤدي إلى بناء بروتينات شاذة، أو يمكن أن يتداخل مع بناء الحمض النووي (DNA).
هنـاك مضـادات فطرية مؤثـرة على انقسام الخلايـا، مثل (Griseofulvin) الذي يثبط الانقسام الخلوي عن طريق تأثيره على الخيوط المغزلية أثناء الانقسام، كما وُجد عدد من الباحثين أن التركيزات المنخفضة من مضادات (Leptomycin) تمنع انقسام الخلايا، ويصاحبه تغيير في الشكل للأنوية في خميرة (Schizosaccharomyces)، أو يسبـب انتفاخًا في خيـوط الفطر.
النسبةالمئوية لإنبات جراثيم فطر (A.niger) بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل (نسبة الجراثيم النامية بعد 12 ساعة من بدء المعاملة / 1 مل من المعلق).
وقد تـمت دراسة نشاط المضادات الفطرية لبول الإبل في رسالة الماجستير التي تقدمت بها الطالبة عواطف الجديـبي في الأقسام العلمية لكلية التربية للبنات بجدة، تحت إشراف الدكتورة أحلام العوضي، وشارك في مناقشة الرسالة كمحكِّم خارجي الدكتور فهد الفاسي (أستاذ الأحياء الدقيقة بجامعة الملك عبد العزيز)، وتتلخص الدراسة ونتائجها في الآتي:
دراسة النشاط الضد فطري لعينات من مصادر مختلفة لبول الإبل على نمو بعض الفطريات الممرضة، شـملت (A.niger,F.oxysporum)، وذلك عن طريق تقدير النمو الخطي والوزن الجاف، كما قدر الوزن الجاف لخميرة (Calbicans)، ثم تم تعيين تركيز بول الإبل المثبط والقاتل للفطر المختبر.
الوزن الجاف لفطر (A.niger) لمدة من النمو بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل مقارنة بالعينة الضابطة (الوزن الجاف بالملجم / 50 مل من المنبت الغذائي).
وقد اتضح من نتائج هذه الدراسة أن عينات بول الإبل المختلفة كان لها تأثير فعال مضاد للفطر على النمو الخطي والوزن الجاف لكافة الفطريات المختبرة، كما كان بول الإبل أكثر فعالية في المنبت الغذائي السائل لكافة الفطريات المختبرة، واستنتج من جميع التجارب أن أكثر عينات بول الإبل فعالية على نمو الفطريات المختبرة هي التي جُمعت من جنوب محافظة جدة، تليها العينة التي جُمعت من شمال محافظة جدة، وأقلها كفاءة العينة التي جُمعت من شرق محافظة جدة، إلا أنها ما زالت تحتوي على فعالية مضادة للفطر واضحة، مما قد يوضح احتواء جميع عينات بول الإبل على المواد الفعالة ولكن بدرجات متفاوتة.
كمية الجلوكوزالمستهلكة بفطر (A.niger) بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل لمدة 6 أيام من النمو (كمية الجلوكوز بالملجم / 50 مل من المنبت الغذائي).
تم إجراء دراسات على عينة بول إبل جنوب محافظة جدة، وشملت:
تأثير بول الإبل على نسبة إنبات جراثيم فطرA.niger
.
الوزن الجاف لفطر (Aspergillus niger) بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل والمضادين للفطرين (Pevary & Nizoral) (الوزن الجاف بالملجم / 50 مل من المنبت الغذائي).
حفظ البول تحت الظروف المعملية الطبيعية بالإضافة إلى درجات حرارة مرتفعة والتي بلغت 60 – 80، 100؛ للتعرف على تأثير تلك العوامل على فعاليته المضادة للفطريات، والتي تنعكس على الوزن الجاف لفطري (A.niger,F.oxysporum) وخميرة (C.albicans)، واتضح من نتائج هذه الدراسة أن بول الإبل لم يفقد فعاليته كمضاد فطري بالرغم من تعرضه لعوامل غير مناسبة لحفظ المضادات الحيوية المعروفة، وخاصة المتواجدة في صورة سائلة، وقد كان لبول الإبل تأثير تثبيطي على نمو فطري (A.niger,F.oxysporum) وخميرة (C.albicans)،حتى بعد تعرضه لدرجات حرارة مرتفعة بلغت 100.
كمية الأحماضالأمينية المتكونة بفطر (A.niger) بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل لمدة 6 أيام من النمو (كمية الأحماض الأمينية بالملجم / 50 مل من المنبت الغذائي).
تأثير بول الإبل على النمو وبعض الأنشطة الأيضية لفطرA.niger، وذلك بعد معاملة المنابت الغذائية بتركيزات مختلفة من بول الإبل؛ ومن ثم تم تقدير الوزن الجاف وقياس بعض الأنشطة الأيضية للفطر الاختباري، أظهرت النتائج أن تأثر بعض الأنشطة الأيضية لفطر (A.niger) اعتمد على تركيز بول الإبل المستخدم وعمر الفطر، واتضح ذلك من الآتي:
امتصاص الجلوكوز:دلت النتائج أن التركيز المنخفض من بول الإبل كان له تأثير تنشيطي لاستهلاك الجلوكوز، ثم انخفض هذا التأثير بتقدم عمر المزرعة الفطرية، واستمر إلى نهاية فترة التحضين، بينما كان للتركيزات 4، 6% تأثير تثبيطي على استهلاكه.
كمية النتيروجين في النترات والمستهلكة بفطر (A.niger) بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل
لمدة 6 أيام من النمو (كمية النيتروجين في النترات بالملجم / 50 مل من المنبت الغذائي).
امتصاص النترات: دلت النتائج أن التركيز المنخفض من بول الإبل أدى إلى تثبيط شديد في استهلاك النترات بواسطة الفطر، ولكن انخفض هذا التأثير إلى أن أصبح تأثيرًا تنشيطيًّا؛ وذلك بتقدم عمر المزرعة الفطرية حتى اليوم السادس.
الوزن الجاف لفطر (Aspergillus niger) بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل.
الأحماض الأمينية المفرزة: دلت النتائج أن كمية الأحماض الأمينية المتكونة قد ارتفعت في المنبت الغذائي في جميع التركيزات المستخدمة، وكانت تلك الزيادة مطردة مع التركيز، وانخفض هذا التأثير التنشيطي إلى تثبيطي بتقدم عمر المزرعة الفطرية.
تــأثير بعـض المضادات الفطـرية على نمـو فطــرA.nigerوخميرة (C.albicans)، ومقارنتها ببـــول الإبل، واستخدمت المضـادات الفطرية (mycostation)، و(pevary1) وشامبو (nizoral)، وقد أظهرت نتائج هذه الدراسة الآتي:
فطرA.niger: أظهر التركيز المنخفض من بول الإبل 4% وتركيزي 12,8% من المضاد الفطري (pevary1) ـ تأثيرًا تنشيطيًّا لنمو الفطر، بينما أظهرت جميع التركيزات الأخرى المستخدمة من بول الإبل ومضاد (pevary1) وشامبو (nizoral) تثبيطًا لنمو الفطر.
خميرة C.albicans: أظهـرت التركـيزات المنخفضة من المضادات الفطرية (mycostation) و (pevary1) وبول الإبل- تأثيرًا مثبطًا لنمو الخميرة، وقد أظهر بول الإبل تأثيرًا فعالاً على الخميرة بدرجة أكبر من المضادين الآخرين، وذلك من بداية التركيز المثبط للنمو؛ حيث اتضحت فعاليته على الخلايا، فأدت التركيزات المرتفعة إلى تحلل خلايا الخميرة الشاملة للمبادئ.
التعرف على بعض العوامل التي تسبغ على بول الإبل النشاط المضاد للميكروبات، وشملت:
قياس النشاط المضاد للفطريات على الأعضاء المختلفة للنباتات البرية التي تتغذى عليها الإبل، على فطرA.nigerوخميرة (C.albicans)، وقد ظهر من نتائج هذه الدراسة انتشار المادة الفعالة ضد فطر (A.niger) وخميرة (C.albicans) في معظم أعضاء النباتات المختبرة، وقد كانت بدرجات متفاوتة.
تأثير بول الإبل على بلزمةPlasmolysisخلايا فطر (A.niger)وخميرة (C.albicans)، وذلك بالفحص المجهري للخلايا؛ حيث ظهر أن بول الإبل له تأثير فعال على خلايا الكائنات المختبرة؛ مما أدى إلى انتقال الماء من داخل الخلايا إلى الوسط الخارجي، وبالتالي انكماش السيتوبلازم وحدوث ظاهرة البلزمة التي دفعت أغزال فطر (A.niger) وخلايا خميرة (C.albicans) إلى التحلل الذاتي الذي ظهر في التركيزات المرتفعة بوضوح.
.
المضادان للفطرين (Pevary & Nizoral) مقارنة بالعينة الضابطة
عزل سلالات بكتيرية من بول الإبل واختبار قدرتها على المكافحة الحيوية لبعض الأحياء المجهرية الممرضة، وتم – بالفعل- عزل عدد من السلالات البكتيرية في هذه الدراسة من بول الإبل، وسُجِّلت لأول مرة في المملكة العربية السعودية، وتتميز تلك السلالات بصفات خاصة، منها تحمل الملوحة العالية والحركة السريعة حتى بعد حفظها لفترات طويلة تحت 5م، وبهذا قد تتميز عن بعض السلالات البكتيرية المعروفة، خاصة من ناحية الحركة، كما أظهرت النتائج أن معظم السلالات البكتيرية المعزولة من بول الإبل لها مجال واسع لمكافحة الأنواع المختلفة من الأحياء المجهرية المستخدمة في هذه الدراسة، والتي شملت فطريات، خميرةوبكتيريا([9]).
وهكذا أثبتت الدراسات العلمية الدقيقة مدى فعالية بول الإبل في علاج كثير من أمراض الإنسان، بل الأمراض المستعصية لديه، ودخولها في كثير من المركبات النافعة والمضادة للفطريات والفيروسات التي تصيب الإنسان وتؤثر على حياته.
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما جاء بالحديث الشريف:
تتمثل قدرة الله تعالى جلية في عجائب خلقه وعظيم تقديره، فهو عز وجل خالق الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، ومن كل مرض شفاء، وهو بقدرته المطلقة يجعل ذلك فيما شاء وكيف شاء، لا يعجزه خلق، ولا يعظم عليه تقدير، ومن عجيب تقديرات الله تعالى وغريب خلقه أنه جعل من ألبان الإبل وأبوالها دواء فعالاً لعلاج كثير من أمراض الإنسان وآلامه المستعصية، ذلك تمامًا كما أخرج من بطون النحل شرابًا مختلفًا ألوانه فيه شفاء للناس، وكما جعل الداء والدواء في جناحي الذبابة، وكما أخرج من بين دم الحيوانات وفرثها لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين، هو القادر أيضًا على وضع الدواء لكثير من الأمراض في أبوال الإبل وألبانها، وما ذلك على الله بعزيز.
وقد جاء الحديث النبوي الصحيح بهذا البيان المعجز؛ ليدل دلالة واضحة على أن ألبان الإبل وأبوالها تمثل علاجًا شافيًا واقيًا لأمراض الإنسان، خاصة مرض الاستسقاء والبطن؛ حيث جاء الأمر النبوي والحث منه صلى الله عليه وسلم وإرشاده لمرضى المدينة أن يخرجوا فيشربوا من ألبان الإبل وأبوالها، وكان بهذا شفاؤهم فعُوفوا وصَحّوا، مما يؤكد فعالية العلاج بألبان الإبل وأبوالها.
فقد جاء في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه قال: «قدِم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم…»([10]).
وفيه أيضًا عن أنس رضي الله عنه قال: «قدِم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا، فاجتووا المدينة، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا…»([11]).
وفيه أيضًا عن أنس رضي الله عنه قال: «… فأتوها فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا وسمنوا…»([12]).
وجاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه: «أن نفرًا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض، وسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبون من أبوالها وألبانها؟ فقالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحوا…»([13]).
وجاء في مسند الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضى الله عنه: «أن رهطًا من عرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا قد اجتوينا المدينة فعظُمت بطوننا وانتُهشت أعضاؤنا، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا براعي الإبل فيشربوا من ألبانها وأبوالها، قال: فلحقوا براعي الإبل فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلحت بطونهم وألوانهم…»([14]).
وهكذا جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم واضحة في أمره وإرشاده للمرضى بأن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، ففعلوا ما أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، فصحوا وعوفوا، وعادت إليهم قوتهم وصلحت بطونهم؛ وهذا يدل بوضوح على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وإعجاز قوله في فعالية أبوال الإبل وألبانها في علاج أمراض الإنسان.
ثم يأتي الطاعنون في عصرنا الحديث لينكروا هذه الحقيقة العلمية البينة التي جاءت واضحة في الحديث النبوي، وهذا البيان المعجز، وينفون صلاحية بول الإبل وألبانها لعلاج أمراض الإنسان، ويجعلون هذا القول ضربًا من الشعوذة والخزعبلات الجاهلية، وأن هذه الطريقة من العلاج غير صالحة بحال إلا للبدوي المتخلف ولا تقوى لدرجة النظرية العلمية، رافضين بهذا أي دراسة جادة حاولت الوصول إلى مركبات أبوال الإبل وألبانها، وصلاحيتها لعلاج كثير من أمراض الإنسان في البطن والكبد وغيرها.
إلا أن الطاعنين غاب عنهم كثير من توافق المنهج العلمي ودلالات الحديث وحقائقه، فليس لأحد له قدر من العقل والفهم أن يرفض بحثًا علميًّا، أو ينكر حقيقة ثابتة، أو شيئًا تجريبيًّا إلا بعد أن يجري عليه التجارب العلمية الدقيقة، وأن يصل من تجاربه بإنصاف إلى إثبات صحة ذلك القول أو عدمه، أما أن يرفضها دون أي دراسة أو بحث لمجرد هوى في نفسه فإن ذلك لا يقره أي منهج علمي للدراسة والبحث.
ونبين هنا قول شراح الحديث في هذا المعنى، وموقف العرب قديمًا من التداوي بأبوال الإبل وألبانها:
ذكر الإمام ابن حجر في شرح هذا الحديث المرض الذي أصابهم ومعنى الاجتواء، فقال: “فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع، فعند أبي عوانة من رواية غيلان عن أنس: «كان بهم هزال شديد»، وعنده من رواية أبي سعد عنه: «مصفرة ألوانهم»، وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حمى المدينة… ووقع عند مسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس: «وقع بالمدينة الموم»؛ أي بضم الميم وسكون الواو، قال: وهو البرسام؛ أي بكسر الموحدة سرياني معرب أُطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وعلى ورم الصدر، والمراد هنا الأخير، فعند أبي عوانة من رواية همام عن قتادة عن أنس في هذه القصة: «فعظمت بطونهم»”([15]).
وذكر الإمام ابن القيم موقفه وموقف العلماء من التداوي بألبان الإبل وأبوالها فقال: “والجوى: داء من أدواء الجوف، والاستسقاء: مرض مادي سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء، فتربو لها إما الأعضاء الظاهرة كلها، وإما المواضع الخالية من النواحي التي فيها تدبير الغذاء والأخلاط، وأقسامه ثلاثة: لحمي- وهو أصعبها- وزقي وطبلي.
ولما كانت الأدوية المحتاج إليها في علاجه هي الأدوية الجالبة التي فيها إطلاق معتدل، وإدرار بحسب الحاجة- وهذه الأمور موجودة في أبوال الإبل وألبانها- أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بشربها، فإن في لبن اللقاح جلاء وتليينًا وإدرارًا وتلطيفًا وتفتيحًا للسدد؛ إذ كان أكثر رعيها الشيح والقيصوم والبابونج والأقحوان والإذخر، وغير ذلك من الأدوية النافعة للاستسقاء، وهذا المرض لا يكون إلا مع آفة في الكبد خاصة أو مع مشاركة، وأكثرها عن السدد فيها، ولبن اللقاح العربية نافع من السدد؛ لما فيه من التفتيح والمنافع المذكورة.
وقال الرازي: لبن اللقاح يشفي أوجاع الكبد وفساد المزاج.
وقال الإسرائيلي: لبن اللقاح أرق الألبان، وأكثرها مائية وحدة، وأقلها غذاء؛ فلذلك صار أقواها على تلطيف الفضول، وإطلاق البطن وتفتيح السدد، ويدل على ذلك ملوحته اليسيرة التي فيه لإفراط حرارة حيوانية بالطبع؛ ولذلك صار أخص الألبان بتطرية الكبد، وتفتيح سددها، وتحليل صلابة الطحال إذا كان حديثًا، والنفع من الاستسقاء خاصة إذا استُعمل لحرارته التي يخرج بها من الضرع مع بول الفصيل، وهو حار كما يخرج من الحيوان، فإن ذلك مما يزيد في ملوحته وتقطيعه الفضول وإطلاق البطن، فإن تعذَّر انحداره وإطلاقه البطن وجب أن يُطلق بدواء مسهِّل.
قال ابن سينا صاحب “القانون”: ولا يُلتفت إلى ما يقال من أن طبيعة اللبن مضادة لعلاج الاستسقاء، قال: واعلم أن لبن النوق دواء نافع؛ لـما فيه من الجلاء برفق، وما فيه من خاصية، وأن هذا اللبن شديد المنفعة، فلو أن إنسانا أقام عليه بدل الماء والطعام شُفي به، وقد جُرِّب ذلك في قوم دُفعوا إلى بلاد العرب، فقادتهم الضرورة إلى ذلك فعوفوا، وأنفع الأبوال بول الجمل الأعرابي وهو النجيب”([16]).
وهكذا فقد كانت عادة العرب في التداوي أن يستخدموا ألبان الإبل وأبوالها، وعلموا ما فيها من فوائد ومنافع، واستخدموها في علاج كثير من أمراضهم، ووجدوها شفاء نافعًا لأسقامهم، ومقويًا عامًّا لأبدانهم، فكان حرصهم واضحًا على الانتفاع بها والاعتماد عليها.
والجمل هو الحيوان العجيب في خلقه وعطائه، هو من شرفه الله عز وجل بالذكر في مواضع كثيرة من كتابه العزيز، من خلال تعظيم خلق الإبل وتميزها عن سائر الأنعام الأخرى؛ فيقول تعالى: )أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت (17)( (الغاشية)، كما احتلت الإبل مكانة في الأحاديث النبوية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «الإبل عز لأهلها»([17])، وأصبحت مصدرًا من المصادر العلاجية المهمة في الطب النبوي، وأصبحت مصدرًا للقوة والثروة والفخر في شبه الجزيرة العربية.
ومع تقدم العصر وتعدد أبحاثه وتنوع دراساته أصبحت ألبان الإبل وأبوالها مصدرًا للغذاء، ورافدًا للدواء لكثير من الأمراض؛ لاتفاق الآراء على أن خواص حليب الإبل عجيبة، ومفيدة كغذاء مهم، ودواء فعال للكثير من الأمراض، فحليب النوق يحتوي على مواد تقاوم السموم والبكتيريا، ونسبة كبيرة من الأجسام المناعية المقاومة للأمراض، خاصة المولودين حديثًا، إضافة إلى ضرورته وأهميته كدواء لمرض الربو والسكري والدرن والتهابات الكبد الوبائي وقروح الجهاز الهضمي والسرطان.
كما أظهرت دراسات لبحوث الأعشاب والطب التقليدي في أبو ظبي إمكانية تطوير مضاد حيوي من حليب النوق يقضي على حـمى الوادي والإيدز وداء الكبد الوبائي والسل وغيرها.
وحليب النوق كما يقول الدكتور عبد الوهاب الجبوري- استشاري أمراض الحيوان ببلدية أبو ظبي- يحتوي على نسبة كبيرة من الفيتامينات والبروتينات، ويقوم بمعالجة العديد من الأمراض؛ ليعيد الصحة والحيوية والبنية القوية وقوة العظام والأسنان.
والنوق تبدأ في إدرار الحليب بعد الولادة مباشرة، لتستمر فترة من 9: 18 شهرًا، وبمتوسط إنتاج ما بين 1: 8 ليترات يوميًّا، ومن غرائبه أنه لا يُحلب إلا بعد استدعاء الحوار للرضاعة أولاً، ثم يتم حلبها في أوعية معدنية ويُشرب ساخنًا، وإذا تُرك لاحقًا وجب غليه.
أما بول الإبل فيسميه أهل البادية “الوزر”، وطريقة استخدامه تختلف باختلاف طبيعة المرض، وإن كان في معظم الحالات يُخلط بنسب متفاوتة مع حليب الإبل، ويُشرب على الريق.
وبول الإبل يحتوي على كمية كبيرة من البوتاسيوم وزلال الماغنسيوم، فالإبل لا تشرب في فصل الصيف سوى 4 مرات فقط، وهذا يجعلها تحتفظ بالماء في جسمها؛ لاحتفاظها بمادة الصوديوم، وقد تعددت وظائفه وفوائده الصحية، فهو علاج لمرض الاستسقاء الناتج عن نقص في الزلال والبوتاسيوم، وهو مادة مطهِّرة لغسل الجروح والقروح، وعلاج لمرض القرع والقشرة، وينفع من ورم الكبد، إضافة إلى استعمال هذا البول في المستحضرات الطبية، وأيضًا كعلاج للشعر وتحسينه؛ مما أدى إلى اتجاه بعض الشركات العالمية لاستخدام بول الإبل في صناعة أنواع متميزة من شامبو الشعر([18]).
وهكذا أثبتت الأبحاث العلمية المتتابعة مدى أهمية ألبان الإبل وأبوالها في كثير من العلاجات والفوائد للإنسان، وصلاحيتها في استخداماته المتعددة، وفاعليتها في علاج كثير من أمراضه، والخطيرة منها أيضًا؛ لتثبت مدى دقة الإعجاز النبوي في إرشاده لتناول أبوال الإبل وألبانها للعلاج من أمراض البطن والاستسقاء.
“وقد عقدت جامعة الجزيرة ندوة تحدث فيها الدكتور أحمداني، أوضح فيها أن التجربة بدأت بإعطاء كل مريض من مرضى الاستسقاء وأمراض الكبد يوميًّا جرعة محسوبة من بول الإبل مخلوطًا بلبنها؛ حتى يكون مستساغًا، وبعد خمسة عشر يومًا من بداية التجربة كانت النتيجة مذهلة للغاية؛ حيث انخفضت البطون لوضعها الطبيعي وشُفوا تمامًا من الاستسقاء؛ لأن مرض الاستسقاء ينتج عن نقص في الزلال والبوتاسيوم، وبول الإبل غني بالاثنين معًا، و قد شُفوا من تليف الكبد بعد أن استمروا في شرب البول شهرين آخرين.
ولا شك أن كثيرًا من قبائل البدو يشهدون بهذه النتائج من واقع حياتهم وأسلوب معيشتهم الذي لا يخلو من العلاج بحليب الإبل وأبوالها، والتي استمدوها من الهدي النبوي المصحوب مع الفتوحات الإسلامية لهذه البلاد، ولا يسعنا إلا أن نقول: إنه ما زال الطب النبوي بشتى عناصره ينفرد بالصدارة والقمة لجميع ما وصل إليه الإنسان من دواء، ولا شك أن هذا من معجزات النبوة وإقامة الحجة على العالمين.
وكل هذا يبين عظمة هذا الدين، وما جاء به النبي الأمين صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان في قضية جاء العلم الحديث فأثبت صحتها وفاعليتها ونفعها على كثير من الأدوية، التي تستغرق وقتًا طويلاً وكلفة مادية أكثر، وكما يقول أهل الاختصاص: إن علاج الفيروس (سي) يحتاج إلى 50 مليار جنيه بلا فائدة، فعقار مثل الإنتروفيون طويل المفعول عقار مكلف جدًّا، فقد يتكلف علاج المريض 25000: 50000 جنيه، فإذا كان في مصر مليون مريض على أقل تقدير، فإنهم يحتاجون إلى العلاج بالإنترفيرون بتكلفة ما بين 25: 50 مليار جنيه”([19]).
وهكذا تثبت الدراسات العلمية التجريبية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في كل زمان ومكان، وأن نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وأن كلامه وحي منزل، وإعجاز محكم.
3) وجه الإعجاز:
الإبل خلق من مخلوقات الله تعالى، جعل فيها المنافع الكثيرة للإنسان، وكيَّفها بما يلائم حاجاته ويلبي متطلباته، وفوق ذلك جعل من ألبانها وأبوالها علاجًا وشفاء لكثير من أمراضه، ومقويًا عامًّا لبدنه، وجاء الحديث النبوي الصحيح بذلك صريحًا؛ حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم المرضى الذين اجتووا المدينة بأن يذهبوا فيشربوا من أبوال الإبل وألبانها، وكانت النتيجة صادقة بأنهم صحوا وعوفوا.
وجاء العلم الحديث وجاءت الدراسات العلمية المحكمة لتبين الفوائد العديدة في ألبان الإبل وأبوالها، وأثبتت ما فيها من عناصر ومكونات تساعد على شفاء الإنسان من أمراض كثيرة، وخاصة أمراض البطن والكبد والاستسقاء، كما أثبتت الدراسات أيضًا فعالية أبوال الإبل وألبانها في استعمالها كمضاد قوي للسموم والميكروبات، وزيادة القوى المناعية ضد الأمراض، بل ودخولها أيضًا في عمل مستحضرات التجميل وكريمات الشعر؛ لتؤكد هذه الدراسات مجتمعة حقيقة الفائدة العلاجية في بول الإبل وألبانها، وتثبت الإعجاز الطبي في السنة النبوية، فتوافق تمامًا قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
(*) وهم الإعجاز العلمي، د. خالد منتصر، مرجع سابق.
[1]. الرَّسْل: اللبن.
[2]. رحيق العلم والإيمان، د. أحمد فؤاد باشا، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1422هـ/ 2002م، ص165: 167.
[3]. أحدث اكتشاف في ألبان الإبل: الأجسام المضادة النانوية، د. عبد الجواد الصاوي، بحث منشور بمجلة الإعجاز العلمي، مرجع سابق، العدد (24)، جمادى الأولى 1427هـ، ص12: 15.
[4]. الأبحاث العلمية عن التداوي بألبان الإبل، محمد محمود عبد المجيد عساف، بحث منشور بالمنتدى الطبي بموقع: الدي في دي العربي www.dvd4arab.maktoob.com.
[5]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج7، ص20.
[6]. المرجع السابق، ص21، 22.
[7]. تحليلات كيميائية مقارنة وتجارب سريرية لعلاج الاستسقاء بأبوال الإبل، د. محمد أوهاج محمد، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[8]. الأبحاث العلمية عن التداوي بألبان الإبل، محمد محمود عبد المجيد عساف، بحث منشور بالمنتدى الطبي بموقع: الدي في دي العربي www.dvd4arab.maktoob.com.
[9]. المضادات الفطرية في بول الإبل، عواطف بنت عابد الجديبي، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الوضوء، باب: أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، (1/ 400)، رقم (233).
[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: المحاربين من أهل الكفر والردة، (12/ 111)، رقم (6802).
[12]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: لم يسق المرتدون المحاربون حتى ماتوا، (12/ 113)، رقم (6804).
[13]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب: حكم المحاربين والمرتدين، (6/ 2598)، رقم (4275).
[14]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضى الله عنه، رقم (14118). وقال عنه شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[15]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، مرجع سابق، ج1، ص403.
[16]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، مرجع سابق، ج4، ص42.
[17]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: التجارات، باب: اتخاذ الماشية، رقم (2305). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (2305).
[18]. معجزات التداوي بألبان وأبوال الإبل، دار الحضارة، الرياض، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص606 بتصرف.
[19]. مملكة الحيوان، يوسف نوفل، مكتبة الإيمان، المنصورة، ط1، ص550، 551.
التشكيك في الفوائد الطبية للحبة السوداء
مضمون الشبهة:
يشكك بعض منكري الطب النبوي في الفوائد الطبية لحبة البركة (الحبة السوداء)([1])، والتي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام»، ويرون أن هذا الحديث لا يعبر عن نظرية طبية، وإنما يعبر عن البيئة البدوية في القرن السابع الميلادي؛ فهو مجرد دواء يناسب بيئتهم وزمانهم، لكنه لا يتناسب مع ما توصل إليه العلم الحديث.
وجه إبطال الشبهة:
أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن مكونات الحبة السوداء قادرة على علاج العديد من الأمراض المختلفة، بالإضافة إلى أن الأبحاث العديدة المعتمدة أثبتت فاعليتها في تقوية جهاز المناعة لجسم الإنسان وإصلاحه، هذا الجهاز الذي يملك تقديم الشفاء لكل الأمراض، وهذا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين جعل كلمة “داء” على العموم، بالإضافة إلى تطابق هذه الدراسات تمام المطابقة مع تنكير النبي صلى الله عليه وسلم لكلمة “شفاء”؛ حيث تتفاوت درجات الشفاء تبعًا لحالة جهاز المناعة، ونوع المرض وأسبابه ومراحله، لكن في النهاية يتحقق نوع من الشفاء لكل داء يصيب الإنسان بعد تقوية جهاز المناعة.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
مكونات الحبة السوداء:
لقد تم التعرف على مكونات الحبة السوداء، ومنها العديد من المكونات النشطة والفعالة المعزولة بعدة طرق حديثة، واتضح أنه من الممكن اعتبار الحبة السوداء مصدرًا جيدًا للغذاء المتوازن، وذلك لمحتواها العالي من البروتين 20%، الكربوهيدرات 34% والدهون تتراوح نسبتها من 32 إلى 40%، بالإضافة إلى كونها مصدرًا للمعادن والأملاح؛ مثل الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والحديد والفوسفور.
وعلى الرغم من أن غالبية المعادن تتواجد بكميات ضئيلة 1,8: 3.7% إلا أنها تعمل كمساعدات إنزيمية مهمة لمختلف الوظائف الإنزيمية، أما المحتويات الأخرى للحبة التي عرفت وتمت دراستها بدقة لأهميتها الحيوية فهي الزيت الثابت (Fixedoil)، الزيت الطيار أو العطري (VolataileOrEssentialOil)، قلويدات (Alkaloids)، صابونيات ((Saponins، وغيرها([2]).
التركيب الكيميائي للحبة السوداء:
تحتوي بذرة الحبة السوداء على 1,4% من وزنها الجاف على غليكوزيد سام (الميلانتين غليكوزيد سام إذا أعطي بمفرده وفاق المقدار الدوائي) هو الميلانتين (melantin) وعلى غليكوزيد مر بنسبة 0,5: 1,5% هو النيغللين (nigellin).
كما تحتوي على زيت عطري إيتري بنسبة 1,4%، وهو زيت أصفر اللون ذو رائحة حادة؛ لاحتوائه على التربين، ويتحصل على هذا الزيت الإيتري بواسطة التقطير ببخار الماء، كما تحتوي البذور على زيت دسم بنسبة 30,8: 44,2%.
أما الأوراق فتحتوي وقت الإزهار على 1: 2,2 جم في كل 100 جم من وزنها جافة من الفيتامين (ث)، أما الأزهار فتحتوي على كمية عالية جدًّا من الفيتامين (ث)، تبلغ حسب بعض الدراسات 1259 ملجم في كل 100 جم من الأزهار.
ويجب أن نعلم أن الميلانتين يوجد في أجزاء العشبة كلها وهو شبه قلوي سام، حتى لذوات الدم الحار، وهو سُمّ قوي للأسماك يسبب انحلال الدم عندها.
أما الحبة الدمشقية فتحتوي بذورها على زيت (إيتري) خاص يدخل في صناعة العطورات، لونه أصفر وذو فلورة سماوية شديدة، وتبلغ نسبته فيها 0,5: 0,37% من وزنها، كما تحتوي البذور على نسبة من الفيتامين (E) الذي يكون منحلاًّ في الزيت الدسم الموجود في البذور، وفي أوراقها نسبة من الفيتامين (ث)، هذه النسبة تصل حتى 430 ملجم في 100 جم من الأزهار([3]).
الاستخدامات الطبية والنشاطات الحيوية للحبة السوداء:
استُخدمت الحبة السوداء بكثرة في الطب الشعبي لعلاج أمراض الجهاز التنفسي والدوري،وللاضطرابات المعوية في جميع البلدان الإسلامية من المغرب إلى باكستان، وقد بدأت الاستخدامات الطبية للحبة السوداء في الظهور وبشكل واسع منذ عام 1960م، وازدهرت في الثمانينيات والتسعينيات وحتى الألفية الثالثة، وجاءت هذه الاستخدامات لتؤكد مفعول هذه الحبة وأهمية مكوناتها.
وقد أوضحت الدراسات المختلفة الآثار الطبية العلاجية الواضحة لمفعول الحبة السوداء التي عُرفت بتعدد أنشطتها الحيوية؛ فقد وُجد أن لها نشاطًا مضادًّا للأورام والسرطانات، ومضادًّا أيضًا للحساسية والالتهابات والميكروبات والطفيليات، ومضادًّا لأمراض الجهاز البولي التناسلي، ومضادًّا لارتفاع الضغط والسكر في الدم، والانقباضات، وأمراض الجهاز البولي التناسلي، وكذلك للإجهاض والسموم والروماتيزم، وهذه الحبة لها نشاط فعال مضاد للأكسدة ومحفِّز قوي للجهاز المناعي.
وقد أكدت العديد من الدراسات أن الحبة السوداء ومستخلصاتها آمنة وعديمة السمية على الأعضاء المختلفة لجسم الإنسان أو الحيوان([4]).
وأشارت الأبحاث إلى أهمية الحبة السوداء في علاج كثير من الأمراض الجلدية مثل الجرب، والإكزيما، وحَبّ الشباب، والثعلبة، والقولون، وضعف الشهية للطعام، والدوسنتاريا الأميبية، والديدان الشريطية، وهناك أمراض العيون التي تفيد في علاجها الحبة السوداء؛ حيث يدهن بزيت الحبة السوداء الصدغان بجوار العينين والجفنين قبل النوم، مع شرب قطرات من زيت الحبة السوداء.
كما تبين جدوى تناول الحبة السوداء في علاج ارتفاع ضغط الدم وزيادة نسبة الكوليسترول في الدم.
وأكدت الأبحاث العلمية أيضًا على فائدة الحبة السوداء في علاج أمراض الجهاز البولي والتناسلي، ولا سيما علاج الضعف الجنسي عند الرجال، واضطراب الطمث عند المرأة، وكذلك في علاج أمراض الجهاز التنفسي؛ مثل نزلات البرد ونوبات الربو، كما تفيد الحبةالسوداء عند تناولها كمسحوق، أو بعد أن تُغلى في الماء وتُحلى بعسل النحل([5]).
وفي بريطانيا نُشرت دراسة في مجلة(plantamedica) عام 1996م ذكر فيها الدكتور هوتون خصائص زيت الحبة السوداء الطيار المضادة لآلام المفاصل والروماتيزم، وقد تبين أن زيت الحبة السوداء يحتوي على نوعين من الزيوت، هما: الزيت الطيار بنسبة 0,45%، والزيت الثابت بنسبة 33%.
وفي لندن قامت الباحثة العربية ريما أنس مصطفى في مخابر جامعة كينج بلندن، تحت إشراف أساتذة بريطانيين- بدراسة واسعة على حبة البركة، أثبتت تلك الدراسة وجود خواص مضادة للجراثيم في زيت الحبة السوداء الطيار.
وفي إحدى المجلات العالمية (Annals) نُشرت دراسة أثبتت دور الحبة السوداء في أمراض الحساسية.
وفي مجلة (InternationalJournal) نُشرت أيضًا دراسة تبين خلاصة الحبة السوداء وقدرتها على خفض سكر الدم عند الأرنب([6]).
وقد ذكر الدكتور حسان شمسي باشا- استشاري أمراض القلب- في بحثه القيم “أسرار الحبة السوداء تتجلى في الطب الحديث” أكثر من عشرين دراسة علمية نُشرت في مجلات طبية عالمية، تثبت كل دراسة من هذه الدراسات قدرة هذه الحبة على علاج مرض معين، وذلك لمن يريد الاستزادة من هذه الدراسات والأبحاث العلمية.
الحبة السوداء وتقوية جهاز المناعة:
أجرى الدكتور أحمد القاضي وزملاؤه بالولايات المتحدة الأمريكية بحثًا عن تأثير الحبة السوداء على جهاز المناعة في الإنسان، وقد أُجري البحث في دراستين، وكانت نتائج الدراسة الأولى زيادة في نسبة الخلايا الليمفاوية التائية المساعدة (Th) إلى الخلايا الكابحة (Ts) بنسبة 55%، وزيادة متوسطة في نشاط خلايا القاتل الطبيعي (Kellercells) بنسبة 30%، وقد أعيدت الدارسة مرة أخرى على مجموعة ثانية من المتطوعين؛ وذلك لوقوع معظم المتطوعين في الدراسة الأولى تحت ضغوط شخصية ومالية مؤثرة، وضغوط متعلقة بالعمل خلال فترة الدراسة؛ وذلك لتفادي عامل الضغوط (الإجهاد) على جهاز المناعة.
وقد أجريت الدراسة الثانية على ثمانية عشر متطوعًا ممن تبدو عليهم أمارات الصحة، وقد قُسِّم المتطوعون إلى مجموعتين؛ مجموعة تناولت الحبة السوداء بواقع جرام واحد مرتين يوميًّا، ومجموعة ضابطة تناولت الفحم المنشط بدلاً منها لمدة أربعة أسابيع، وقد غُلِّفت عبوات بذور الحبة السوداء في كبسولات متشابهة تمامًا مع عبوات الفحم، وثبت من خلال هذا البحث أن للحبة السوداء أثرًا مقويًا لوظائف المناعة؛ حيث ازدادت نسبة الخلايا الليمفاوية التائية المساعدة إلى الخلايا التائية الكابحة إلى 72% في المتوسط([7]).
وقد جاءت نتائج بعض الدراسات الحديثة مؤكدة لنتائج أبحاث القاضي، منها:
نشرت مجلة المناعة الدوائية في عدد أغسطس 1995م بحثًا حول تأثير الحبة السوداء على الخلايا الليمفاوية المدمرة للخلايا السرطانية الإنسانية في الخارج على عدة مطفرات، وعلى نشاط البلعمة لخلايا الدم البيضاء متعددة النواة، وقد أثبت البحث تأثيرًا منشطًا لمستخلص الحبة السوداء على استجابة الخلايا الليمفاوية لأنواع معينة من الخلايا السرطانية، كما أثبت البحث أيضًا أن مستخلص الحبة السوداء يزيد من إنتاج بعض الوسائط المناعية “أنترليوكين 3” من الخلايا الليمفاوية البشرية، عندما زُرعت مع الخلايا السرطانية السابقة نفسها بدون إضافة أي منشطات أخرى.
كما أثبت البحث أيضًا أن الحبة السوداء تزيد من إفراز أنترليوكين نوع 1ـ بيتا؛ مما يعني أن لها تأثيرًا في تنشيط خلايا البلعمة.
كما نشرت مجلة المناعة الدوائية في عدد سبتمبر 2000م بحثًا عن التأثيرالوقائي لزيت الحبة السوداء ضد الإصابة (cytomegalovirus) بالفيروس المضخم للخلايا في الفئران؛ حيث اختُبر زيت الحبة السوداء كمضاد للفيروسات، وقيست المناعة المكتسبة أثناء الفترة المبكرة من الإصابة بالفيروس، وذلك بتحديد خلايا القاتل الطبيعي والخلايا البلعمية الكبيرة وعملية البلعمة، وبعد إعطاء زيت الحبة السوداء للفئران وُجد تثبيط واضح لمعدلات نمو الفيروس في الكبد والطحال بعد ثلاثة أيام من الإصابة، كما ازدادت معدلات الأجسام المضادة في الـمصل، ومع أنه انخفض كل من عدد ونشاط خلايا القاتل الطبيعي في اليوم الثالث من الإصابة، إلا أنه حدثت زيادة في أعداد الخلايا المساعدة التائية، وفي اليوم العاشر مع الإصابة لم يمكن تحديد أي معدل لوجود الفيروس في الكبد والطحال، بينما وُجد بوضوح في مجموعة التحكم.
وأظهرت هذه النتائج أن زيت الحبة السوداء له خاصية مضادة للفيروسات المضخمة للخلايا، والتي قيست من خلال ازدياد وظيفة الخلايا الليمفاوية التائية المساعدة
(Tcells (+) CD4) وعددها، وزيادة الخلايا البلعمية الكبيرة، وتنشيط عملية البلعمة، وزيادة إنتاج الإنترفيرون (نوع جاما) في المصل.
نشرت مجلة السرطان الأوربية في عدد أكتوبر 1999م بحثًا عن تأثير مركب الثيموكينون على سرطان المعدة في الفئران، وقد أثبت البحث أن وجود الزيوت الطيارة في بذور الحبة السوداء يُعد عاملا ًكيميائيًّا قويًّا واقيًا ضد السرطان في المعدة، وقد عزا هذا لأن لها تأثيرًا مضادًّا للأكسدة والالتهابات.
كما نشرت مجلة أبحاث مضادات السرطان في عدد مايو 1998م بحثًا عن مستخلصات الحبة السوداء كمضاد للأورام السرطانية، وأثبت البحث أن مركبات الثيموكينون والدايثيموكنيون لها تأثير مدمر على أنواع عديدة من الخلايا السرطانية البشرية.
نشرت أيضًا مجلة الأثنو الدوائية في عدد أبريل عام 2000م بحثًا تطبيقيًّا آخر عن التأثيرات السمية والمناعية للمستخلص الإيثانولي من بذور الحبة السوداء، وثبت أن له تأثيرًا سميًّا قويًّا على بعض الخلايا السرطانية وتأثيرًا قويًّا ومنشطًا للمناعة الخلوية.
ونشرت المجلة نفسها في عدد نوفمبر 1999م بحثًا عن تأثير الثيموكينون على متلازمة فانكوني ونشاط الخلايا السرطانية في الفئران، وأثبت البحث أن هذا المركب الموجود في الحبة السوداء له نشاط واضح مضاد للأورام.
ونشرت مجلة النباتات الطبية في عدد فبراير 1995م بحثًا عن تأثير زيت الحبة السوداء الثابت ومركب الثيموكينون على كرات الدم البيضاء، والأكسدة الفوقية للدهن في الأغشية المبطنة، وثبت من خلال هذا البحث صحة الاستخدام الشعبي للحبة السوداء ومنتجاتها في علاج الروماتيزم والأمراض الالتهابية ذات العلاقة.
كما ثبت أيضًا أن لمركب النبحيلون تأثيرًا متوسطًا مثبطًا لإفراز الهستامين من الخلايا البلازمية في الدراسة التي نشرتها مجلة الحساسية في عدد مارس 1992م.
ونشرت مجلة السرطان في عدد مارس 1992م بحثًا عن الخواص المضادة للأورامفي بذور الحبة السوداء، وأُجري البحث على خلايا سرطانية مسببة للاستسقاء، وقد توقف نمو هذه الأورام تمامًا داخل حيوانات التجارب بواسطة المواد الفعالة في بذور الحبة السوداء، ويُعتقد- لحد كبير- أن مستوى التأثير وصل للحمض النووي دنا.
كما نشرت مجلة الأثنو الدوائية في عدد فبراير 2002م بحثًا عن تأثير زيت الحبة السوداء على تليف الكبد الذي يحدث نتيجة الإصابة بالبلهارسيا الـمعوية فيالفئران، وأثبت البحث أن لهذا الزيت تأثيرًا مضادًّا لتدمير الخلايا الكبدية نتيجة الإصابة بديدان البلهارسيا، وقد تحسنت إنزيمات الكبد تحسنًا ملحوظًا، وانكمشت بؤر الإصابة ببيوض الديدان في الكبد انكماشًا كبيرًا، مما يعني أنه يمكن أن يكون لزيت الحبة السوداء دور في التحكم ضد التغيرات التي تحدثها الإصابة بديدان البلهارسيا المعوية، وذكر الباحثون أن هذا التحسن يمكن أن يُعزى جزئيًّا إلى التحسن في جهاز مناعة العائل، وإلى التأثير المضاد للأكسدة في هذا الزيت([8]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشار إليه الحديث النبوي الشريف:
لقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام»([9])، والسام: الموت.
ومع وجود هذا الحديث الشريف إلا أن الحبة السوداء لم تنل من الاهتمام مثلما نالت خلال الأعوام القليلة الماضية، فقد كانت هناك دراسات قليلة تُنشر من حين إلى آخر، إلا أنه في الأعوام القليلة الماضية نُشرت عشرات الدراسات العلمية في المجلات العالمية الموثقة، ورغم أن معظمها أُجري على الحيوانات إلا أن هذا الكم من الدراسات المنشورة من الشرق والغرب، والتنوع العجيب في فوائد الحبة السوداء- أمر يثير الاهتمام حقًّا، ويلفت النظر إلى التأمل في الحديث السابق الذكر.
من أقوال شراح الحديث:
إن هذه الحبة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم هي “الشونيز” بلغة فارس، وهي “الكمون الأسود” في السودان، وتُسمى “الكمون الهندي”، وتُعرف في بلاد الشام ومصر باسم “حبة البركة” أو “الحبة السوداء” كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد انتبه شراح الأحاديث للأثر الطبي في هذا الحديث الطيب، وهو حديث “الحبة السوداء”؛ فعددوا منافعها، وذكروا محاسنها، ونبهوا إلى النتائج المبهرة التي تحققت جراء تناول هذه الحبة المباركة.
يقول الإمام النووي في شرحه صحيح مسلم عند تعرضه لهذا الحديث: “وذكر الأطباء في منفعة الحبة السوداء التي هي الشونيز أشياء كثيرة، وخواص عجيبة، يصدقها قوله صلى الله عليه وسلم فيها؛ فذكر جالينوس أنها تُحِلُّ النَّفْخ، وتُقِلُّ ديدان البطن إذا أُكل أو وُضع على البطن، وتنفي الزكام إذا قـُلي وصُرَّ في خِرْقة وشُمَّ، وتزيل العلة التي تقشر منها الجلد، وتقلع الثآليل المتعلِّقة والمنكَّسة والخِيلان، وتُدِرُّ الطَّمْث المنحبس إذا كان انحباسه من أخلاط غليظة لزجة، وينفع الصداع إذا طُلي به الجبين، وتَقلع البُثور والجَرَب، وتحلِّل الأورام البلغمية إذا تُضُمِّد به مع الخل، وتنفع من الماء العارض في العين إذا استُعط به مسحوقًا بدُهن الأرَلْيا، وتنفع من انتصاب النفس، ويُتمضمَض به من وجع الأسنان، وتُدِرُّ البول واللبن، وتنفع من نهشة الرَّتيلا، وإذا بُخِّر به طرد الهوام، قال القاضي: وقال غير جالينوس؛ خاصيته إذهاب حُمَّى البلغم والسوداء، وتقتل حَبَّ القَرْع، وإذا عُلِّق في عنق المزكوم نفعه، وينفع من حمى الرَّبع. قال: ولا يبعد منفعة الحار من أدواء حارة بخواص فيها، فقد نجد ذلك في أدوية كثيرة، فيكون الشونيز منها لعموم الحديث، ويكون استعماله أحيانًا منفردًا، وأحيانًا مركبًا. قال القاضي: وفي جملة هذه الأحاديث ما حواه من علوم الدين والدنيا، وصحة علم الطب، وجواز التطبب في الجملة، واستحبابه بالأمور المذكورة”([10]).
ويقول المناوي: “عليكم بهذه الحبة السوداء؛ أي: الزموا استعمالها بأكل أو غيره، فإن فيها شفاء من كل داء”([11]).
وقال الحافظ ابن حجر: “ويُؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة شفاء من كل داء أنها لا تُستعمل في كل داء صرفًا، بل ربما استُعملت مفردة، وربما استُعملت مركبة، وربما استُعملت مسحوقة وغير مسحوقة، وربما استُعملت أكلاً وشربًا وسعوطًا وضمادًا وغير ذلك”([12]).
وقد تبين من شرح الأحاديث ولفظها أن الاستعمال المسبق والمداومة عليه قبل حدوث المرض، بالإضافة إلى الاستعانة بها بعد حدوثه من أفضل طرق التداوي بالحبة السوداء، وأنها بذلك- ولا ريب- تدفع عن الجسم كل مرض بلا استثناء، وذلك بمشيئة الله؛ إن شاء صرفه، وإن شاء أوجب حصوله([13]).
استخدام علماء المسلمين للحبة السوداء في علاج الأمراض:
برع العديد من المسلمين في وصف الحبة السوداء وذكر منافعها في أمهات الكتب، وذلك أمثال ابن سينا في كتابه “القانون في الطب”، وابن قيم الجوزية في كتابه “الطب النبوي”، وأبي بكر الرازي في كتابه “الحاوي الكبير”، وابن النفيس في كتابه “الموجز في الطب”، وابن البيطار في كتابه “الجامع لمفردات الأدوية والأغذية”، وغيرهم الكثير.
ووُصفت بأنها مسكِّن جيد ونافع لضيق التنفس ولأوجاع الصدر والسعال، ولعلاج حصوات الكُلَى والمثانة، وللإسهال والقولون، وطاردة للريح، ومفيدة لإدرار البول واللبن، وللغثيان والزكام والحمى والبواسير، ولعلاج آلام الأسنان والصمم وتضميد البثور والجرب المتقرح، وللبُهاق والبرص والثآليل والخيلان والفالج- الشلل النصفي- وللأورام الـمزمنة والصلبة، ولقتل ديدان البطن، إلى غير ذلك([14]).
لقد تلقى المسلمون أحاديث الحبة السوداء بالقبول، واختلف العلماء في شرحها؛ فمن قائل: إن عموم الشفاء لكل الأمراض، والذي يُفهم من ظاهر الأحاديث ليس مرادًا، وإنما المراد أن فيها شفاء لبعض الأمراض، فهو من قبيل العام الذي يُراد منه الخصوص، ومن قائل: إن الأصل حمل العام على عمومه ما لم تكن هناك قرينة قوية صارفة؛ ولذلك رجحوا وجود خاصية الشفاء بها لكل الأمراض، وأثبتت الأبحاث الحديثة أن جهاز المناعة يملك تقديم العلاج الدقيق المتخصص لكل داء يمكن أن يصيب الجسم، من خلال تنشيط المناعة النوعية متمثلة في الخلايا الليمفاوية المنتجة للأجسام المضادة، والخلايا القاتلة المفصلة والمخصصة لكل داء، وأن للحبة السوداء تأثيرًا منشطًا ومقويًا لهذه المناعة، فيمكن بذلك أن يكون في الحبة السوداء شفاء من كل داء؛وبالتالي يمكن حمل ظاهر النصوص على عمومها.
وهذا هو الصحيح؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن في الحبة السوداء شفاء لكل داء، ووردت كلمة “شفاء” في صيغ الأحاديث كلها غير معرَّفة بالألف واللام، وجاءت في سياق الإثبات؛ فهي لذلك نكرة تعم في الغالب، وبالتالي يمكن أن نقول: إن في الحبة السوداء نسبة من الشفاء في كل داء.
وقد ثبت من خلال وصف جهاز المناعة أنه النظام الوحيد والفريد الذي يمتلك السلاح المتخصص للقضاء على كل داء؛ إذ تقوم الخلايا البلعمية ـ بعد التهام الجراثيم الغازية وهضمها- بعرض قطع البكتيريا المتحللة “المستضد” (Antgenic) على سطحها، ثم تلتصق بالخلايا الليمفاوية لتعريفها على التركيب الدقيق للميكروب، فتحث كلاًّ من الخلايا البائية (B) والخلايا التائية ( T) لإنتاج الأجسام المضادة، أو خلايا ( T) المتخصصة والخاصة بهذا المستضد الذي حفَّز إنتاجهما.
ويمتلك جدار الخلايا البائية حوالي 100 ألف جزيء من الأجسام المضادة، والذي يتفاعل بخصوصية عالية مع النوع الخاص الذي سببه المستضد عند الميكروب، وكذلك في الخلايا التائية؛ حيث تكون المستقبِلات البروتينية السطحية الكائنة في جدار الخلية الليمفاوية والتي تُسمى “علامات الخلية” (T.cellmarkers) مشابهة تمامًا للأجسام المضادة، وتتحد الأجسام والخلايا التائية المتخصصة اتحادًا تامًّا مع المستضد للميكروب فتبطل عمله أو تدمره؛ وبالتالي فهذه المناعة هي مناعة متخصصة لكل كائن غريب يوجد داخل الجسم، فلكل داء دواؤه المناسب، وبما أنه لا توجد مادة مركبة أو بسيطة على وجه الأرض تملك خاصية المقدرة على التخلص من مسببات جميع الأمراض وشفائها حتى الآن- فيما نعلم- وتعمل عمل جهاز المناعة، فيمكننا القول بأنه الجهاز الوحيد الذي يملك تقديم شفاء من كل داء-على وجه الحقيقة واليقين- بما يحويه من نظام المناعة النوعية أو المكتسبة التيتمتلك إنشاء الأجسام المضادة، وتكوين سلاح الخلايا القاتلة والمحللة المتخصصة لكل كائن مسبب للمرض.
وهذا الجهاز هو مثل بقية الأجهزة ينتابه العطب والخلل والمرض، فقد يعمل بكامل طاقته وكفاءته أو بأقل حسب صحته وصحة مكوناته، فما دام هذا الجهاز سليمًا معافًى في الجسم يستطيع القضاء على كل داء، ويُطلق “الداء” إما على المرض أو على مسبِّب المرض.
وحيث إن هناك مواد خلقها الله سبحانه وتعالى تنشِّط هذا الجهاز وتقوِّيه، أو تعالج وتصلح ما فيه، فيمكن أن تُوصف بما يُوصف به هذا الجهاز نفسه، وبما أنه قد ثبت أن الحبة السوداء تنشِّط المناعة النوعية أو المكتسبة برفعها نسبة الخلايا المساعدةوالخلايا الكابحة وخلايا القاتل الطبيعي- وكلها خلايا ليمفاوية في غاية التخصص والدقة- لما يقرب من 75% في بحث القاضي، وبما أكدته الأبحاث المنشورة في الدوريات العلمية لهذه الحقيقة؛ حيث تحسنت الخلايا الليمفاوية المساعدة وخلايا البلعمة، وازداد مركب الإنترفيرون، وتحسنت المناعة الخلوية، وانعكس ذلك التحسن في جهاز المناعة على التأثير المدمر لمستخلص الحبة السوداء على الخلايا السرطانية وبعض الفيروسات، وتحسن آثار الإصابة بديدان البلهارسيا.
لذلك كله يمكن أن نقرر أن في الحبة السوداء شفاء من كل داء؛ لإصلاحها وتقويتها لجهاز المناعة، وهو الجهاز الذي فيه شفاء من كل داء، ويتعامل مع كل مسببات الأمراض، ويملك تقديم الشفاء الكامل أو بعضه لكل الأمراض، كما أن ورود كلمة “شفاء” في الأحاديث بصيغة النكرة يدعم هذا الاستنتاج؛ حيث تتفاوت درجات الشفاء تبعًا لحالة جهازالمناعة ونوع المرض وأسبابه ومراحله.
وبهذا يُفسر العموم الوارد في الحديث، وهكذا تجلت الحقيقة العلمية في هذه الأحاديث الشريفة، والتي ما كان لأحد من البشر أن يدركها، فضلاً عن أن يقولها ويحدِّث الناس بها منذ أربعة عشر قرنًا إلا نبي مرسل من الله، يتلقى معلوماته من العليم بأسرار خلقه، وصدق الله القائل: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم)([15]).
3) وجه الإعجاز:
إن ما أخبر به النبيصلى الله عليه وسلم عن علاج الحبة السوداء لجميع الأمراض، وأنها مادة فعالة في المحافظة على الجسم والدفاع عنه- لهو بحق إعجاز علمي فريد؛ إذ إنه لم يتضح دور الحبة السوداء في المناعة الطبيعية إلا عام 1986م عن طريق الأبحاث التي أجراها الدكتور القاضي وزملاؤه في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم توالت بعد ذلك الأبحاث في شتى الأقطار وفي مجالات عديدة حول هذا النبات، وهذه الأبحاث تثبت دور هذه الحبة السوداء في رفع المناعة الطبيعية للجسم؛ ومن ثم قدرة هذه المناعة على الشفاء من كل الأمراض.
(*) وهم الإعجاز العلمي، د. خالد منتصر، مرجع سابق. دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 2001م.
[1]. الحبة السوداء: نبات ينمو في حوض البحر المتوسط، يصل ارتفاعه إلى 50سم، والاسم العلمي له هو (SativaNigeria)، وينتمي لعائلة الشَّمَر والينسون، وتحتوي ثمرة النبات على كبسولة بداخلها بذور بيضاء ثلاثية الأبعاد، وسرعان ما تأخذ اللون الأسود عند تعرضها للهواء.
[2]. إعجاز الحبة السوداء في القضاء على البكتيريا المسببة للداء، د. محمد محمود شهيب ود. إيمان محمد حلواني، بحث منشور ضمن بحوث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، مرجع سابق، ج2، ص102.
[3]. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، يوسف الحاج أحمد، مرجع سابق، ص801، 802.
[4]. إعجاز الحبة السوداء في القضاء على البكتيريا المسببة للداء، د. محمد محمود شهيب و د. إيمان محمد حلواني، مرجع سابق، ج2، ص101، 102.
[5]. ثبت علميًّا، محمد كامل عبد الصمد، مرجع سابق، ج5، ص95، 96.
[6]. الموسوعة الشاملة في الطب البديل، د. أحمد مصطفى متولي، مرجع سابق، ص289، 290.
[7]. الحبة السوداء شفاء من كل داء، د. عبد الجواد الصاوي، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[8]. الحبة السوداء شفاء من كل داء، د. عبد الجواد الصاوي، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[9]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الحبة السوداء، (10/150)، رقم (5687). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: التداوي بالحبة السوداء، (8/ 3337)، رقم (5660).
[10]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ / 2001م، ج8، ص3339.
[11]. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، ج6، ص162.
[12]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، مرجع سابق، ج10، ص152.
[13]. إعجاز الحبة السوداء في القضاء على البكتيريا المسببة للداء، د. محمد محمود شهيب ود. إيمان محمد حلواني، مرجع سابق، ج2، ص100.
[14]. المرجع السابق، ص101.
[15]. الحبة السوداء شفاء من كل داء، د. عبد الجواد الصاوي، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
إنكار كَوْن الكَمْأة شفاء للعين
مضمون الشبهة:
ينفي الطاعنون الإشارة العلمية الواردة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الكَمْأة من المنِّ، وماؤها شفاء للعين»، زاعمين أن الطب الحديث لم يثبت شفاء الكَمْأة للعين، وأن كون الكمأة قد أثبتت نجاحًا في شفاء حالة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك لا يُعدّ دليلاً منطقيًّا لإثبات كونها دواء؛ لأن الأمر يحتاج إلى تحليل عناصرها، وتكرار التجارب على الحالات المريضة حتى تصير حقيقة علمية مؤكدة.
وجه إبطال الشبهة:
أثبتت التجارب والدراسات الطبية أن ماء الكمأة له فائدة كبيرة في علاج الأمراض التي تلحق بالعيون؛ فقد قام الدكتور المعتز بالله المرزوقي بإجراء تجارب على 86 طفلاً مصابًا بالتراكوما (الرمد الربيعي)، وكانت النتائج واضحة في أن هذا الماء منع حدوث التليّف في مرض التراكوما (التراخوما)، وكذلك أثبتت دراسة سعودية أن هذا الماء يعمل على توسيع الشرايين المغذية لشبكة العين مما يحسّن وظيفتها في استقبال الصورة.
بالإضافة إلى أن هناك باحثين روسيين استطاعوا استخلاص دواء من الكمأة لعلاج حالات قصر البصر، وهو دواء (نورفورت) بعد أن ثبت لهم أنها تقوي أنسجة العين وتنشطها، وهذه الأبحاث شاهد صدق على صحة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الكمأة من المنّ، وماؤها شفاء للعين».
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
الكمأة هي نوع من الدرنيات والجذور التي لا ورق لها ولا ساق، تخرج في الأرض، دون زرع، وتكثر أيام الخصب وكثرة المطر والرعد، وهو نبات يُنَقِّضُ الأرضَ فيخرج كما يَخرجالفُطْرُ،، وهو معروف من نبات الأرض، والعرب تسمِّيه جُدري الأرض، فسمّاه الشارع منّا؛ أي طعامًا بغير عمل كالمنّ الذي أُنزل على بني إسرائيل.
صورة لبعض قطع من الكمأة الصحراوية
أما التفسير العلمي الذي عُرف حتى الآن لتكوّن درنات الكمأة في الأرض، فهو أن البرق يضع تحت تصرّف الغلاف الجوي الطاقة اللازمة لتشكيل العديد من الأكاسيد والمركبات الغذائية (مركبات الأزوت)، ويعمل الرعد على ترسيب هذه المركبات، إما على صورة جافة بفعل الثقالة الأرضية (الجاذبية)، وإما على صورة محاليل مائية بفعل حبّات المطر، فتصل الطبقة السطحية للأرض بعد أن رفع الرعد من قدرتها على تخزين الماء والغذاء اللازمين لنمو فطر الكمأة وعائلة (جردة الكمأة)، ومن المحتمل أن يكون الدور الرئيسي للرعد في إرسال بعض الموجات الصوتية التي من شأنها أن تمزق أغلفة أنواع فطر الكمأة الكامنة، فتنشط بوجود الماء والتربة الرخوة، وتبدأ عملية (الفقع) إلى سطح التربة.
والكمأة توجد في الأرض من غير أن تُزرع، والعرب تسمّي الكمأة أيضًا نبات الرّعد؛ لأنها تكثر بكثرته ثم تنفطر عنها الأرض، وهي كثيرة بأرض العرب، وتوجد بالشام ومصر والعراق، وأجودها ما كانت أرضه رملية قليلة الماء، وهذا النبات ينمو تحت سطح الأرض على أعماق متفاوتة تصل ما بين 2 سم إلى 50 سم، ولا تظهر له أجزاء فوق سطح الأرض على الإطلاق، فلا ورق، ولا زهر، وهو نبات لا جذر له.
ولعل الأمطار المبكرة المصحوبة بالرعد، ثم الأمطار الربيعية الرعدية ضرورية لتأمين موسم جيد للكمأة على أن يرافق هذه الأمطار ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في طبقات الجو العليا ينجم عنها تمدّد في الغيوم يؤدي إلى احتكاك شديد ينتج عنه البرق والرعد وأمطار عاصفية، والرعد الذي هو شرارات كهربائية عنيفة ترفع درجة الحرارة حولها إلى ما يقرب من (3000) درجة مما يحول الآزوت الحر إلى حمض الآزوت، يتحول في التربة التي يصلها مع الأمطار إلى نترات تستفيد منه الكمأة؛ لأنها تحتاج إلى نوعية خاصة من الأسمدة الآزوتية.
المحتويات الكيميائية للكمأة:
تبيّن من تحليل الكمأة احتواؤها على البروتين بنسبة 9%، والمواد النشوية بنسبة 13%، ودهون بنسبة 1%؛ لهذا فهي ذو مردود حراري متواضع، وتحتوي على معادن مشابهة لتلك التي يحتويها جسم الإنسان مثل الفوسفور، والصوديوم، والكالسيوم، والبوتاسيوم، كما تحتوي على فيتامين (ب)، وهي غنية بهذا الفيتامين، كما تحتوي على كمية من النيتروجين بجانب الكربون، والأكسجين، والهيدروجين، وهذا ما يجعل تركيبها شبيهًا بتركيب اللحم، وطعم المطبوخ منها مثل طعم كُلَى الضأن.
أضف إلى هذا رائحة الكمأة المحبّبة للنفس وطعمه الأشهى، مما يغري الكثيرين بالإقبال عليه، كما أنه عندما تمّ تحليل الكمأة تبيّن أنها مصدر مهم للبروتينات من بين نباتات الصحراء، وأنها تتكون من 77% ماء، و 23 % مواد مختلفة، منها: 60 % هيدرات الكربون، 7% دهون، 4 % ألياف، 18% مواد بروتينية، 11% تبقى على هيئة رماد بعد الحرق، وقد تم التعرّف على سبعة عشر حمضًا من الأحماض الأمينية في بروتينات الكمأة([1]).
علاج الكمأة لأمراض العين في الدراسات الطبية الحديثة:
تعدّدت الدراسات والأبحاث والتجارب العلمية حول الكمأة ودورها في شفاء الأمراض التي تصيب العيون، وكانت نتائج كثير من هذه التجارب إيجابية؛ مما حدا بهم إلى استخلاص هذا الماء واستخدامه على هيئة قطرة لمعالجة بعض أمراض العين.
فقد كشفت الدراسات العلمية التي قام بها مجموعة من الباحثين الروس، عن أن الكمأة تقوّي- بالفعل- أنسجة العين وتنشّطها، خاصة الشبكية (ratine)، وهي الغشاء
الذي يغطّي العين من الخلف، وتوجد به الخلايا الحساسة للضوء، والذي تتكوّن الصورة عليه.
وقد استطاع العلماء الروس استخلاص دواء من الكمأة لعلاج حالات قصر البصر، وهو دواء نورفورت ((norfort، وما سبق كان من خلال استخدام الكمأة كغذاء.
أما من حيث استخدام ماء الكمأة ككحل للعين، فقد وُجد أن ماءها يجلي البصر ويقوّيه، كما أنه يقوي الجفون، ويقاوم تهيّج وتدميع العين إذا ما تمّ خلطه مع الإثمد (الكحل)([2]).
وقد أُجريت العديد من الدراسات والأبحاث على مرضى مصابين بالرمد الحبيبي أو التراخوما([3]) فاستُخدم ماء الكمأة في علاج نصف المرضى، واستُخدمت المضادات الحيوية في علاج النصف الآخر، فتبيّن أن ماء الكمأة قد أدّى إلى نقص شديد في تكوّن الخلايا الليمفاوية والألياف التي تنتج عن هذا الالتهاب، والتي تسبب العتامة في القرنية، بعكس الحالات الأخرى التي استُخدمت فيها المضادات الحيوية؛ فهو يقلّل من حدوث هذا التليّف في قرنية العين؛ وذلك بوقف نمو الخلايا المكونة للألياف، كما أنه في الوقت نفسه يقوم بمعادلة التأثير الكيميائي لسموم التراخوما، ويمنع النمو غير الطبيعي للخلايا الطلائية للملتحمة في العين، ويزيد من التغذية لهذه الخلايا عن طريق توسيع الشعيرات الدموية بالملتحمة؛ ولأن معظم مضاعفات الرمد الحبيبي تنتج عن عملية تليّف قرنية العين، فإن ماء الكمأة يمنع من حدوث هذه المضاعفات بإذن الله.
صورة لعين يظهر فيها أثر التراخوما بشكل واضح
وفي المؤتمر العالمي الأول عن الطب الإسلامي، والذي أقيم في الكويت عام 1980م، ألقى الدكتور المعتز بالله المرزوقي محاضرة عن نتائج معالجته لآفات عينية مختلفة بتقطير ماء الكمأة في العين، ولقد تمّ استخلاص العصارة المائية منها في مختبر فيلانوف بأوديسا، بالاتحاد السوفيتي بطريقة فيلاتون، ثم تمّ تجفيف السائل حتى يتمكن من الاحتفاظ به لفترة طويلة، وعند الاستعمال تمّ حلّ المسحوق في ماء مقطَّر ليصل إلى تركيز ماء الكمأة الطبيعي نفسه، وهو ماء بني اللون له رائحة نفاذة، ولقد عالج به حالات متقدمة من (التراخوما) فكانت النتائج إيجابية، حيث تم تشخيصه عند 86 طفلاً، تم تقسيمهم إلى مجموعتين؛ مجموعة عُولجت بالأدوية المعتادة، ومجموعة عُولجت بعدما أُضيف ماء الكمأة إلى تلك المعالجات؛ حيث تم تقطير ماء الكمأة في العين المصابة ثلاث مرات يوميًّا ولمدة شهر كامل، وكان الفرق واضحًا جدًّا بين المجموعتين؛ فالحالات التي عُولجت بالأدوية المعتادة ظهر فيها تليّف في ملتحمة الجفون، أما التي عُولجت بماء الكمأة المقطَّر عادت الملتحمة إلى وضعها السوي دون تليف الملتحمة([4]).
يقول الدكتور المرزوقي في نهاية تجاربه التي أجراها على 86 طفلاً مصابًا بالتراكوما: “ومما سبق يمكننا أن نستنتج نتيجة واضحة أن ماء الكمأة يمنع حدوث التليف في مرض التراكوما؛ وذلك عن طريق التدخل إلى حدّ كبير في تكوين الخلايا المكونة للألياف، وقد يكون ذلك نتيجة لمعادلة التأثير الكيميائي لسموم التراكوما والتقليل من زيادة التجمع الخلوي، وفي الوقت نفسه يؤدي إلى منع النمو غير الطبيعي للخلايا الطلائية للملتحمة، ويزيد من التغذية لهذه الخلايا عن طريق توسيع الشعيرات الدموية بالملتحمة، ولما كانت معظم مضاعفات الرمد الحبيبي نتيجة عملية التليف- كما أسلفنا- فإن ماء الكمأة يمنع من حدوث مضاعفات التراكوما أو الرمد الحبيبي”([5]).
وكانت الكمأة المستخدمة في هذه التجارب من الكويت، وقد تم تجفيف السائل وتحويله إلى مسحوق في معامل المصل واللقاح بوزارة الصحة بالقاهرة، واستمرت تجارب هذا العالم نحو عشر سنوات.
دراسة سعودية تؤكد النتائج السابقة:
دفعت تجارب الدكتور المرزوقي بعض الباحثين في جامعة الملك سعود بإجراء تجارب مماثلة على أرانب تجارب، وقد وجدوا تأثيرًا إيجابيًّا موسعًا للشرايين المغذية لشبكة العين عند الأرانب؛ مما قد يحسِّن بالتالي من وظيفتها في استقبال الصورة، كما أن هذا التأثير الإيجابي يرفع من كفاءة الأنسجة في مقاومة المرض والعدوى([6]).
وقد صدر كتاب للكمأة بعنوان (فطر الكمأة لعلاج أمراض العيون) للدكتور عبد المنعم فهيم، والدكتورة دينا محسن بركة، الأستاذين بكلية العلوم جامعة الزقازيق، وقد ذكر الكتاب أن هناك عدة تجارب أُجريت على فطر الكمأة واستخدامه في علاج أمراض العين، مؤكّدًا ثبات نجاح الكمأة في شفاء التراكوما “الرمد الحبيبي”.
ونصّ الكتاب على أن أغلب دول العالم تنبّهت إلى أهمية هذا الفطر، واعتبرته ثروة يجب الحفاظ عليها، وقد أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية عام 1978م منظّمة أسمتها (thenothAmericanTrufflingSociety)، وهي تهتم بكل ما يتعلق بالكمأة والفطريات الشبيهة بها([7]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه السنة النبوية:
بوَّب الإمام البخاري بابًا في صحيحه بعنوان “المن شفاء للعين”، روى فيه عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الكمأة من المنّ، وماؤها شفاء للعين»([8]).
وبوّب النووي أيضًا بابًا في صحيح مسلم بعنوان “باب: فضل الكمأة، ومداواة العين بها”، وقد روى فيه مسلم عن سعيد بن زيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الكمأة من المنّ، وماؤها شفاء للعين»([9])، وروى أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الكمأة من المنّ الذي أنزل الله تبارك وتعالى على بني إسرائيل، وماؤها شفاء للعين»([10]).
ورواه الترمذي في سننه عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العجوة من الجنة، وفيها شفاء من السم، والكمأة من المنّ، وماؤها شفاء للعين»([11])، وقد رواه كذلك كثير من أصحاب السنن والمسانيد بأسانيد قوية صحيحة.
ومن هذه الأحاديث التي ترقى إلى أعلى درجات الصحة من ناحية السند- حيث رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما- يتبيّن أن وصف الكمأة دواء في معالجة أمراض العيون أمر صريح غاية الصراحة، لا يحتمل أي تأويل أو تشكيك.
من أقوال شراح الأحاديث:
يقول الإمام النووي: “قوله صلى الله عليه وسلم: «وماؤها شفاء للعين»، قيل: هي نفس الماء مجرّدًا، وقيل: معناه: أن يُخلط ماؤها بدواء، ويعالج به العين، وقيل: إن كان لبرودة ما في العين من حرارة، فماؤها مجردًا شفاء، وإن كان لغير ذلك فمركّب مع غيره، والصحيح- بل الصواب- أن ماءها مجردًا شفاء للعين مطلقًا، فيُعصر ماؤها ويُجعل في العين منه، وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان قد عمِي وذهب بصره حقيقة، فكحَّل عينه بماء الكمأة مجردًا فشُفي وعاد إليه بصره، وهو الشيخ العدل الأيمن الكمال بن عبد الله الدمشقي صاحب صلاح ورواية للحديث، وكان استعماله لماء الكمأة اعتقادًا في الحديث وتبرّكًا به”([12]).
ويقول ابن القيم في فضل الكمأة: والاكتحال بها نافع من ظلمة البصر والرّمد الحار، وقد اعترف فضلاء الأطباء بأن ماءها يجلو العين، وممن ذكره المسيحي، وصاحب القانون (ابن سينا) وغيرهما.
وقال الغافقي: ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عُجن به الإثمد واكتحل به، ويقوي أجفانها، ويزيد الروح الباصرة قوة وحدّة، ويدفع عنها نزول النوازل.
ويرى بعض العلماء أن ماءها يخلط في الأدوية التي يعالج بها العين؛ لأنه يُستعمل وحده، وقيل: إنه يُستعمل بحتًا بعد شيّها، واستقطار مائها؛ لأن النار تلطفه وتنضجه، وتذيب فضلاته، ورطوبته المؤذية، وتبقي المنافع([13]).
ومما يُروى في استعمال المسلمين الأوائل للكمأة في العلاج ما ذكره الزرقاني من أن المتوكل أمير المؤمنين رَمِد، ولم يزدد باستعمال الأدوية إلا رمدًا، فطلب من أحمد بن حنبل إن كان يعرف حديثًا في ذلك، فذكر له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين»، فأرسل المتوكل إلى طبيبه يوحنا بن ماسويه وطلب منه أن يستخرج له ماء الكمأة، فأخذ الكمأة فقشّرها ثم سلقها فأنضجت أدنى النضج، ثم شقّها وأخرج ماءها بالميل فكحل به عين المتوكل فبرأت في الدمعة الثانية، فعجب ابن ماسويه وقال: أشهد أن صاحبكم كان حكيمًا؛ يعني النبي صلى الله عليه وسلم([14]).
ولـمّا كان المسلمون في العصور الأولى يستخدمون الكمأة في علاج العيون إيمانًا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وأنه طالما أخبر أن في مائها شفاء- وتأكدنا من صحة نسبة هذا الكلام إليه- فلا بد أن يكون في مائها شفاء بالفعل.
فإذا كان هذا حال المسلمين في العصور الأولى فإن ذلك راجع إلى انعدام الأجهزة والمعدات التي تثبت ذلك من خلال التجارب والمعامل، أما في العصر الحديث وقد توافرت جميع المعدات والآلات اللازمة للوصول إلى النتائج- فإن الأطباء قد عمدوا إلى الكمأة وفحصوا مكوناتها، وتبين لهم بالفعل أن ماءها فيه شفاء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
فكان قوله هذا سبقًا علميًّا وإعجازًا نبويًّا، تحدّى فيه الأطباء والباحثين، قبل أن تتطور العلوم ويكتشف الناس هذه الحقائق في العصر الذي تباهى الناس فيه بالعلم وركنوا إليه، وليتهم يجعلون منه طريقًا إلى الإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم.
وبالإضافة إلى كون الكمأة شفاء للعين كما جاء في الحديث النبوي وأثبت ذلك الطب الحديث، فإن لها فوائد أخرى مهمة يمكننا إجمالها فيما يلي:
توجد بها مواد فعالة تقاوم الإصابة السرطانية، وهو ما حفَّز الباحثين على محاولة تحديد هذه المواد واستخلاصها، وصنع عقاقير منها.
تحتوي الكمأة على مواد فعالة تعمل على خفض مستوى الكوليسترول بالدم؛ حيث أثبتت الملاحظة أن متناولي الكمأة تقلّ بينهم نسبة ارتفاع مستوى الكوليسترول عن غيرهم، والأمل قائم عند الباحثين في تحديد هذه المواد الفعالة.
كما تبيّن أن الكمأة تُستخدم كغذاء مقوٍّ في فترات النقاهة من المرض؛ فهي تساعد على اكتساب الحيوية من جديد، لاحتوائها على العديد من العناصر الغذائية المهمة، وخاصة الأحماض الأمينية التي تتواجد بها صورة كاملة تقريبًا، علاوة على فيتامين (ج).
كما ثبت أن الكمأة مفيدة جدًّا في علاج الأظافر الهشّة، وتشقّق الشفاه، ودهنية البشرة، كما تعالج ضعف الأوردة وبروزها (الدوالي)، ومشكلة فقر الدم، وتعويض فقد الدم الشهري.
ومن الطريف أيضًا أن صنّاع العطور الباريسية- غالية الثمن- استطاعوا الاستفادة بالرائحة الذكية للكمأة الأوربية وصنعوا منها بعض المنتجات التي تلقى الآن رواجًا بين النساء([15]).
3) وجه الإعجاز:
لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ماء الكمأة شفاء للعين فقال صلى الله عليه وسلم: «الكمأة من المنّ، وماؤها شفاء للعين»، وجاءت الأبحاث العلمية التي قام بها الباحثون الروسيون والسعوديون والمصريون وأكّدت أن ماء الكمأة يفيد- قطعًا- في علاج مرض التراكوما، بالإضافة إلى عدد من الأمراض الأخرى، فمن علّم المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الكمأة خاصة فيها شفاء للعين؟!
لقد ظهرت هذه الحقائق العلمية مكشوفة واضحة، وأخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم دون معامل ولا مختبرات ولا تحليلات، وإنما هو وحي من عند الله عز وجل الذي اصطفاه عن الخلق أجمعين.
(*) ضُحَى الإسلام، أحمد أمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط2، 2002م. السنة النبوية بين كيد الأعداء وجهل الأدعياء، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، القاهرة، ط1، 2007م.
[1]. الإعجاز العلمي في حديث: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين»، قسطاس إبراهيم النعيمي، بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jameateleman.org.
[2]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص703.
[3] . التراخوما: هو مرض يصيب الملتحمة بحبوب؛ ولذا يُسمَّى “التهاب الملتحمة الحبيبي”، ومن تأثيراته أيضًا حدوث زيادة غير طبيعية بالأوعية الدموية بالقرنية، وهو مرض مزمن يتميز بمرور فترات من الخمود وأخرى من النشاط والتزايد، ومضاعفات هذا المرض وخيمة شديدة إذا لم يُعالج بحسم وفي الوقت المناسب، وأخطرها حدوث ندب، أو تليف بالأنسجة المصابة، وهو ما يؤدي إلى أضرار مختلفة قد تصل إلى حدِّ فقد البصر، وحدوث انسداد بالقنوات الدمعية، وعتامة بالقرنية.
[4]. الإعجاز العلمي في حديث: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين»، قسطاس إبراهيم النعيمي، بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jameateleman.org.
[5]. الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين، د. المعتز المرزوقي، بحث منشور بموقع: الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[6]. انظر: موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص706.
[7]. فطر الكمأة لعلاج أمراض العيون، مقال منشور بموقع: الأهرام الرقمي www.ahramonline.org.
[8]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: المن شفاء للعين، (10/ 172)، رقم (5708).
[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: فضل الكمأة ومداواة العين بها، (7/ 3155)، رقم (5244).
[10]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: فضل الكمأة ومداواة العين بها، (7/ 3155)، رقم (5247).
[11]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الطب، باب: ما جاء في الكمأة والعجوة، (6/ 195)، رقم (2146). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2066).
[12]. شرح صحيح مسلم، النووي، مرجع سابق، ج7، ص3158.
[13]. الطب النبوي، ابن قيم الجوزية، مرجع سابق، ص235: 237 بتصرف.
[14]. الإعجاز العلمي في حديث: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين»، قسطاس إبراهيم النعيمي، بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jameateleman.org.
[15]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص706.
دعوى أن الحجامة عادة قديمة لا جدوى لها في الطب الحديث
مضمون الشبهة:
ينفي منكرو الطب البديل- ولا سيما الطب النبوي- أي فائدة للتداوي بالحجامة، والتي ورد الحث على التداوي بها في كثير من الأحاديث النبوية؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: «إن أمثل ما تداويتم به الحجامة»، ويرون أنها من الأمور التي عفا عليها الزمن، خاصة في هذا العصر الذي تقدم فيه الطب تقدمًا هائلاً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما تحدث عنها تحدث في حدود معارف زمانه، ولا علاقة لهذا بالوحي الإلهي في شيء، بل يضيف آخرون أنه لا يوجد بحث علمي معترف به من قِبل المؤسسات البحثية عن فوائد الحجامة، وليست هناك مجلة علمية تبنَّتْ هذا الدواء.
وجه إبطال الشبهة:
أثبتت الدراسات الحديثة جدوى الحجامة في شفاء الأمراض؛ حيث تعمل على إخراج شوائب الدورة الدموية خارج الجسم حتى تستفيد الأجهزة العضوية من ذلك، وثبتت فاعليتها الأكيدة في علاج مرضى الربو الشعبي والالتهاب الكبدي الفيروسي والروماتويد، وإعادة الضغط إلى حدوده الطبيعية، وارتفاع عدد الكرات البيضاء في الدم، وكذلك أثبتت فاعليتها في علاج الأمراض الجلدية، وأمراض العظام والعمود الفقري، وكذلك الوقاية من السرطان، وغير ذلك من الأمراض من خلال تقويتها الجهاز المناعي لجسم الإنسان.
أما دعواهم بأنه لا يوجد بحث علمي معترف به عن فوائد الحجامة في التداوي فهذا قول باطل؛ إذ كيف ذلك وعندنا أكثر من رسالة ماجستير في العلاج بالحجامة في كليتي الطب جامعتي الأزهر وعين شمس، وكذلك أبحاث العالمين الروسيين كونيايف وساليشيف، وقد نُشر ذلك في الموسوعة الطبية الكبرى في روسيا، وهناك الدراسة السورية التي قام بها خمسة عشر أستاذًا جامعيًّا بجامعة دمشق، بالإضافة إلى الكم الهائل من الأبحاث المنشورة باللغة الإنجليزية عنها في أشهر مواقع الأبحاث الطبية العالمية، وهو موقع (Pubmed)، وهذا الفتح الطبي الكبير في أبحاث الحجامة يبين الإعجاز الطبي في نصائح النبي صلى الله عليه وسلم، وإرشاده أمته إلى التداوي بالحجامة، ونهيه عن بعض الوسائل الأخرى.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
تتمثل طريقة العلاج بكئوس الهواء- الحجامة- في وضع كأس على جلد المريض وسحب الهواء منه بطرق مختلفة؛ لإحداث ضغط سلبي بداخل الكأس، وبسبب ازدياد الضغط الداخلي عن الخارجي يخرج الدم من الشعيرات الدموية الدقيقة مُحْدثًا ما يشبه الكدمة، وبذلك يخف احتقان المناطق الواقعة تحت موضع الكأس أو يزول، بالإضافة إلى حوادث انعكاسية أخرى تعمل على تسكين الألم وتخفيف الاحتقان، فإذا استُعمل الكأس دون تشريط الجلد بالمِشْرط فهذا ما يُعرف بـ “الحجامة الجافة”، أما إذا استُعمل الكأس بعد تشريط الجلد فهذا ما يُعرف بـ “العلاج بكئوس الهواء مع الإدماء” أو “الحجامة الدامية”([1]).
يقول الدكتور خالد بن عبد الرحمن- أستاذ الطب البديل بالولايات المتحدة الأمريكية- : الحجامة هي الطريقة الطبيعية المثلى لإخراج شوائب الدورة الدموية خارج الجسم حتى تستفيد الأجهزة العضوية من ذلك؛ فهي تزيد من فتح قنوات الطاقة المختلفة بالجسم؛ وبالتالي تؤثر في تحسين انتقال الإشارات الصحيحة بين أجزاء الجسم المختلفة.
والتحسن الناتج بعد الحجامة يرجع إلى خروج شوائب كرات الدم الحمراء من الجسم، وزيادة فاعلية كرات الدم البيضاء؛ وبالتالي تحسن جهاز المناعة الذي يؤثر بدوره على تحسن مقاومة الأمراض المرتبطة بجهاز المناعة؛ مثل الأمراض الروماتيزمية والروماتويد والأمراض الفيروسية.
ويقول الدكتور جبر الواقدي- اختصاصي أمراض الروماتيزم-: الحجامة هي عملية تنظيف وتطهير للجسم من السموم والدماء الزائدة، التي تعتبر من فضلات الدماء بداخل الجسم الذي يسعى للتخلص منها، والحجامة تقوم بتنبيه مراكز الإحساس وتحريك الدورة الدموية، وتنبيه جهاز المناعة، وتنشيط خلايا الكبد، وهي علاج مهم لأمراض القلب والسرطان والضعف الجنسي([2]).
صورة لرجل يحتجم
وقد أثبت العلم الحديث أن الحجامة قد تكون شفاء لبعض أمراض القلب والدم والكبد؛ ففي حالة شدة احتقان الرئتين نتيجة هبوط القلب، وعندما تفشل جميع الوسائل العلاجية من مُدِرّات البول، وربط الأيدي والقدمين؛ لتقليل اندفاع الدم إلى القلب، ففي هذه الحالة قد يكون إخراج الدم بفصده عاملاً جوهريًّا مهمًّا لسرعة شفاء هبوط القلب.
كما أن الارتفاع المفاجئ لضغط الدم المصحوب بشبه غيبوبة، وفقد التمييز للزمان والمكان، أو المصاحب للغيبوبة نتيجة تأثير هذا الارتفاع الشديد المفاجئ لضغط الدم- قد يكون إخراج الدم بفصده علاجًا لمثل هذه الحالة.
كما أن بعض أمراض الكبد- مثل التليف الكبدي- لا يوجد لها علاج ناجع سوى إخراج الدم بفصده، فضلاً عن بعض أمراض الدم التي تتميز بكثرة كرات الدم الحمراء، وزيادة نسبة الهيموجلوبين في الدم، تلك التي تتطلب إخراج الدم بفصده؛ حيث يكون هو العلاج المناسب لمثل هذه الحالات؛ منعًا لحدوث مضاعفات جديدة.
ومما هو جدير بالذكر أن زيادة كرات الدم الحمراء قد تكون نتيجة للحرارة الشديدة؛ بما لها من تأثير واضح في زيادة إفرازات الغدد الدرقية، مما ينتج عنها زيادة عدد كرات الدم الحمراء، وإخراج الدم بفصده هو العلاج المناسب لمثل هذه الحالات([3]).
وقد ثبت بالتجربة أن الحجامة تعيد للجسم حيويته، وتقوي مناعته، وتحفظ توازنه، وقد أُجريت عدة أبحاث حديثة بغرض الكشف عن الآثار العلاجية المتعددة للحجامة- وهي كثيرة جدًّا- نأتي هنا بأهمها فقط، ونركز على الأبحاث المعتمدة من قِبل هيئات علمية عالمية:
أولاً: بحث للبروفيسور الفرنسي كانتيل:
وقد أثبت فيه أثر الحجامة في زيادة مادة الإنترفيرون، والتي تمتاز بمفعولها القوي ضد الفيروسات؛ مما يفيد في علاج الالتهاب الكبدي الفيروسي وغيره.
ثانيًا: دراسة لفريق مكون من خمسة عشر أستاذًا جامعيًّا:
أُجريت في جامعة دمشق أكبر دراسة علمية منهجية على الحجامة، وذلك عام 2001م، اشترك فيها فريق مكون من أربعة أساتذة جامعيين في الصيدلة والتحاليل الطبية، وأحد عشر أستاذًا جامعيًّا في تخصصات الجراحة والقلب والأورام والعيون والأنف والأذن، وقد تم إجراء الدراسة على 300 حالة مرضية لرصد أثر الحجامة في علاجهم، وبتحليل النتائج تبين أن الحجامة أدت إلى:
إعادة الضغط إلى حدوده الطبيعية؛ أي إنها خفضت الضغط المرتفع، ورفعت الضغط المنخفض.
انخفاض سرعة تخثر الدم إلى الحدود الطبيعية؛ مما يقي من الجلطات، واعتدال تعداد كرات الدم الحمراء.
هبوط خضاب الدم إلى الحدود الطبيعية في حالات احمرار الدم، وصعود خضاب الدم إلى الحدود الطبيعية في حالات انخفاضه، مما يدل على نشاط الجسم ونمو قدرته على نقل الأكسجين بواسطة كريات فتية سليمة.
ارتفاع عدد الكرات البيضاء في 52 % من الحالات إلى الحدود الطبيعية، وارتفاع عدد تكتل الكرات في الأمراض الرئوية في 4٫7 % من الحالات؛ مما يفسر الشفاء السريع لمرض الروماتيزم والالتهابات المزمنة بعد الحجامة.
علاج العديد من الأمراض الجلدية؛ مثل الثعلبة والبهاق- البرص- والصدفية وغيرها.
علاج العديد من أمراض العظام والعمود الفقري؛ مثل خشونة الغضاريف والمفاصل الطرفية ومرض النقرس.
علاج أمراض المخ والأعصاب؛ مثل الشلل النصفي والصداع- وخاصة الصداع الدموي- وضمور المخ والتخلف العقلي والصرع.
علاج كثير من أمراض ضغط الدم المرتفع والسكر والسرطان والروماتويد والذئبة الحمراء والوقاية منها([4]).
ثالثًا: أول رسالة جامعية عن أثر الحجامة على مرضى الروماتويد:
نُوقشت بكلية الطب جامعة الأزهر أول رسالة جامعية عن “تأثير العلاج بكئوس الهواء مع الإدماء على كل من مستقبلات إنترلوكين والخلايا الطبيعية القاتلة في مرضى الروماتويد”، والمقدمة من الطبيبة صهباء محمد أحمد بندق، والتي حصلت بها على درجة الماجستير في الميكروبيولوجي “علم الأحياء الدقيقة”، وقد ناقشت اللجنة الباحثة في رسالتها وقررت أن مضمونها جيد.
وقد توصلت إلى نتائج جديدة يمكن تطبيقها عمليًّا، واستخدمت عددًا وافيًا من المراجع، وعلى هذا الأساس فإن الرسالة ترقى بالقبول توطئة للحصول على درجة الماجستير في الميكروبيولوجي، وبعد نقاش علمي دقيق أعلنت اللجنة بالإجماع قبول الرسالة بتقدير ممتاز، وأوصت لجنة المناقشة بفتح الباب للمزيد من الأبحاث المتعلقة بالحجامة، ودراسة فكرة إدخال مقررات الطب التكميلي التي وافقت على إدخالها العديد من كليات الطب الغربية التي أقرتها منظمة الصحة العالمية؛ وذلك لتعريف طلبة الطب بوسائل جديدة متممة لمعرفتهم الطبية السابقة بهدف تحقيق المعرفة الطبية الشاملة، وتنمية التثقيف الطبي، وتوفير فرص أكبر للشفاء والتعامل مع الأمراض.
وقد أُجريت هذه الرسالة على خمسين مريضًا من قسم الروماتيزم والطب الطبيعي والتأهيل بمستشفى الحسين الجامعي، وقد تم تشخيصهم كمرضى روماتويد مفصلي طبقًا لمواصفات الجمعية الأمريكية للروماتويد (ARC)، تراوحت أعمارهم بين 25 و 60 سنة، واشتملت الرسالة أيضًا على مجموعة ضابطة من عشرة أشخاص من الأصحاء.
صورة توضح التشوهات المفصلية في مريض الروماتويد
وتوصلت هذه الدراسة المهمة إلى ما يلي:
تفوق العلاج المزدوج تفوقًا ملحوظًا على العلاج الدوائي بمفرده، شمل جميع المؤشرات الإكلينيكية والمعملية لنشاط المرض.
العلاج بالحجامة ليس مجرد طريقة فعالة لتسكين الألم فحسب, بل أثبت أيضًا فعاليته في إحداث تأثير تنظيمي على عناصر الجهاز المناعي الخلوية.
العلاج بالحجامة يدعم تكاثر الخلايا القاتلة الطبيعيةNKcells؛ مما يعني استنفار القدرة المناعية وتحفيزها لتلك الخلايا المحبطة عادة في مرضى الروماتويد، وهو ما يعزز دفاعات الجسم الطبيعية ضد العدوى بأنواعها، والتحولات السرطانية التي يزداد تعرض مرضى الروماتويد لها بسبب تعاطيهم الأدوية المثبطة للمناعة.
ثبت إحصائيًّا وجود انخفاض كبير في معامل الروماتويد، وهذا قد يكون ذا قيمة إيجابية في تجنب مضاعفات الروماتويد غير المفصلية الخطيرة التي يسببها ارتفاع معامل الروماتويد.
أظهر العلاج بالحجامة تأثيرًا تنظيميًّا على نشاط الخلايا التائية، ممثَّـلاً في انخفاض معدلات تركيز مستقبِلات إنترلوكين الذائبة (SIL-2R) بفارق إحصائي واضح في مجموعة العلاج المزدوج التي أُضيف إلى علاجها جلسات الحجامة.
وفي الختام أوصت الباحثة بما يلي:
أن العلاج بالحجامة طريقة فعالة واقتصادية وبسيطة تساعد في السيطرة على نشاط الروماتويد المفصلي.
أن الحجامة ليست بديلاً عن العلاج الدوائي لمرضى الروماتويد، لكن تُستخدم كعلاج مساند أو مكمل لعلاج الروماتويد الدوائي.
توصي الدراسة بمزيد من البحث للتعرف على الآثار الفسيولوجية للعلاج بالحجامة، والآليات التي يعمل بها هذا العلاج، وإمكانية الاستفادة من تأثيره على الأمراض المختلفة.
يمكن استخدام معدل تركيز مستقبِلات إنترلوكين الدائبة كمؤشر لتحديد نشاط مرض الروماتويد، كما يمكن متابعة تطور المرض ومراقبته واستجابة المريض للعلاج بواسطته([5]).
رابعًا: رسالة ماجستير عن أثر الحجامة في علاج الربو الشعبي:
وهذه رسالة ماجستير نوقشت بجامعة عين شمس عن أثر الحجامة في علاج الربو الشعبي، قام بها الدكتور محمد السيد عبد الجواد، وكان الهدف من هذه الدراسة هو تقييم فاعلية العلاج بالحجامة الرطبة في علاج الربو الشعبي.
وقد شملت الدراسة خمسين مريضًا من مرضى الربو الشعبي الذين تم اختيارهم من عيادة الربو الخارجية في مستشفى صدر الجيزة، وتم تشخيص الربو الشعبي لدى هؤلاء طبقًا للقواعد من قِبل المبادرة العالمية للربو الشعبي لعام 2006م.
وقد توصلت الدراسة إلى أن الحجامة الرطبة:
أسلوب علاجي بسيط وآمن، وغير مكلف ماديًّا.
لها دور علاجي مساعد بجانب العلاج التقليدي في علاج مرضى الربو الشعبي؛ حيث إنها تحسِّن أعراض الربو الشعبي بصورة ملحوظة، خاصة الليلية منها، وتقلِّل من استخدام الأدوية المعالجة، وتقلِّل من مرات تفاقم المرض، وتحسِّن وظائف التنفس، وتلعب دورًا مضادًّا للالتهابات الشعبية في مرضى الربو الشعبي عن طريق تقليل نسبة الإيزينوفيلز وبروتين (ECP) في الدم.
تعمل كمصفاة عن طريق التخلص من المواد الضارة للجسم، والاحتفاظ بالمواد النافعة له؛ كحفاظها على الصفائح الدموية النافعة للجسم داخله وإخراج القليل منها، وإخراج المواد الضارة؛ كالزيادة في خلايا الإيزينوفيل وبروتين (ECP) كبعض المسبِّبين لأعراض مرض الربو.
وأوصت الدراسة بمزيد من البحث على نطاق أوسع؛ لتقييم مدى فاعلية العلاج بالحجامة الرطبة في علاج الربو الشعبي والأمراض الأخرى وآلية عملها([6]).
خامسًا: دراسة مشتركة بين جامعة عين شمس وجامعة الملك عبد العزيز:
وهذه الدراسة قام بها مجموعة من أساتذة الجامعات، وهم: الدكتور سعد عبد الله الصاعدي، والدكتور منصور عطية الحازمي، وهما بجامعة الملك عبد العزيز، والدكتور محمود إسماعيل حسن، والدكتور محمد حمدي بحر، وهما بجامعة عين شمس، وكانت هذه الدراسة لدراسة البيولوجيا الجزيئية للحجامة في مرضى الالتهاب الكبدي الفيروسي المزمن (C)، وأثبتت الإفادة الكبيرة التي تحققها الحجامة في علاج مرضى فيرس (C)؛ إذ كان من نتائجها ما يلي:
تحسن ملحوظ في وظائف الكبد.
تخليص الجسم من المواد السامة؛ مثل البولينا والكرياتينين.
تخليص الجسم من عنصر الحديد الزائد؛ والذي يؤدي إلى تفاقم الالتهابات الكبدية، وربما يؤدي إلى التحول السرطاني في هؤلاء المرضى.
زيادة عدد كرات الدم البيضاء والخلايا المناعية الليمفاوية، مما يدل على تنشيط الجهاز المناعي.
قامت الحجامة بدور المرشح الذي يمنع فقدان الصفائح الدموية في دم الحجامة ويحتفظ بها في الجسم، خاصة أن هذه الخلايا تتناقص بصورة ملحوظة في هؤلاء المرضى الثرومبوسيتوبينيا؛ مما يؤدي لزيادة السيولة في دم هؤلاء المرضى.
تخليص الجسم من محفِّزات الأكسدة التي تؤدي إلى الالتهابات المزمنة وتليف الكبد وتحوله إلى سرطان الكبد.
حدوث تناقص ذي دلالة إحصائية عالية في مستويات الأدينوزين أحادي الفوسفات الحلقي، وهذا إذا وُجد في الجسم بكثرة يؤدي لتكاثر الفيروس وانتشار العدوى بطريقة مذهلة، لكن تم التخلص منه- إلى حد كبير جدًّا- بعمل الحجامة؛ وبالتالي تقلص تكاثر الفيروس.
زيادة نشاط الجهاز المناعي نتيجة زيادة محفزاته وهي: الإنترليوكين ـ 1ـ بيتا، والإنترفيرون جاما، بينما تناقص الإنترليوكين- 10 الذي يؤدي لتثبيط الجهاز المناعي؛ مما يدل على زيادة الخلايا المناعية المساعدة، والتي تسمىT H1cells، والتي تفرز العوامل المنشطة للجهاز المناعي.
أما بالنسبة لـPCRفقد تحول حوالي 8% من المرضى إلى الحالة السلبية، وتناقصت كمية الفيروس في حوالي 35% منهم.
ولذا فإن الباحثين يوصون بالآتي:
إجراء الدراسة على أعداد كبيرة من مرضى الالتهاب الفيروسي (C) في مراحل مرضية ومستويات اجتماعية مختلفة.
التركيز على دراسة التركيب التشريحي ووظائف الصفائح الدموية، وذلك باستخدام أحدث تقنيات الهندسة الوراثية والبيولوجيا الجزيئية([7]).
سادسًا: بحث للعالمين الروسيين كونيايف وساليشيف:
ذكرت الموسوعة الطبية الكبرى الصادرة باللغة الروسية أن كونيايف وساليشيف قد أكدا التأثير الواضح للحجامة أو الفصادة على العضوية، وأن الطرح المقصود لكمية كبيرة من الدم في زمن قصير يؤدي إلى نقص كمية الدم الجائل؛ مما يؤدي إلى انخفاض الضغط الدموي الشرياني والشعري إلى حد ما، خاصة الضغط الوريدي، مما يملك تأثيرات إيجابية حالة وجود فرط توتر وريدي بسبب قصور البطين الأيمن، وأن عودة الدم الجائل إلى حجمه الطبيعي يتم بسرعة عقب الحجامة بسبب تميه الدم؛ حيث تزيد نسبة الماء فيه أكثر من 15% من الحدود الطبيعية.
ومن تأثيراتها أيضًا نقص لزوجة الدم وزيادة زمن تخثره، وهذه تغيرات مرحلية تتعلق بخصوصيات المرض الأصلي؛ فمثلاً عند المصابين باحمرار الدم فإن قابلية تخثر الدم تزداد بعد الفصد.
وذكر الباحثان أن الحجامة والفصد مثيران قويان لارتكاسات العضوية الدفاعية، كما أن ما يستدعيانه من إعادة لتوزيع بعض العناصر في العضوية- كالماء والشوارد والعناصر المكونة للدم- تترافق مع زيادة نشاط ميكانيكية التنظيم العام والموضعي لدينامية الدم؛ مما يؤهب لتراجع الاضطرابات الدموية، وهذا يفسر ـ في العديد من الحالات ـ تحسن الحالة العامة للمريض وزوال الآلام في الرأس.
ويلخص المؤلفان الاستطبابات الحديثة للحجامة أو الفصد فيما يلي:
قصور البطين الأيمن المترافق بارتفاع الضغط الوريدي.
القصور الحاد في البطين الأيسر.
حالة الارتعاج (Eclampsia) الحاصلة في التهاب الكُلْيَة أو الحمل.
الانسمامات المزمنة التي طال فيها وجود السم في الدم.
فرط الكريات الحمراء([8]).
سادسًا: دراسات للدكتور أمير صالح:
قام الدكتور أمير صالح- أستاذ بكلية الطب جامعة شيكاغو، والحاصل على البورد الأمريكي في العلاج الطبيعي، وعضو الجمعية الأمريكية للطب البديل- بدراسات عديدة عن الحجامة، من أهمها أنه خصص بحثًا من أبحاثه السبعة اللازمة للحصول على الدكتوراه عن الحجامة، ومن خلال دراساته التي دارت حولها وُجد أنها أصبحت الآن تنتشر انتشارًا كبيرًا في أوربا عمومًا، وأمريكا خاصة؛ حيث أصبح التأمين الصحي في أمريكا يدفع أموالاً للطبيب الذي يمارس العلاج بالطب الشرقي- بما فيه الحجامة- وذلك لأن تكلفة العلاج بها أقل كثيرًا من التداوي في المستشفيات العامة، وقد اعترفت منظمة الصحة العالمية بالحجامة كأحد أنواع العلاجات البديلة؛ حيث وُجد أن هذا النوع من العلاج يعالج 34 مرضًا.
وقد جاء هذا الاعتراف من قِبل المنظمة بعد أن أصبحت الحجامة تُدرس في كليات الطب الغربية والعديد من البلدان؛ كروسيا وألمانيا وإنجلترا والصين والهند وإندونيسيا وماليزيا، وأُلِّفت فيها كتب أمريكية كثيرة([9]).
ولكن ما الآلية أو الكيفية التي تعمل بها الحجامة؟!
يجيب الدكتور أمير صالح عن هذا السؤال قائلاً: إنها تعمل من خلال أربع آليات:
أولها: إثارة مناطق الألم وتنبيهها.
ثانيها: تنبيه المناطق العصبية التي لها اتصال بالجلد، أو بمعنى آخر الوصلات العصبية المشتركة مع الجلد في مراكز واحدة، وهناك أمراض معينة يتم التنبيه من أجلها في أسفل الظهر؛ حيث يكون الجلد مشتركًا مع الأعضاء الداخلية في أماكن حسية عصبية واحدة.
ثالثها: استخدام ردود الفعل (reflexology)؛ حيث يتم التنبيه في أماكن معينة في الجلد، فيُحْدِث ذلك ردود فعل في الأعضاء الداخلية؛ مثل تنبيه الغدد وتنبيه إفرازات الجهاز الهضمي.
ورابعها: اعتمادها على خريطة الإبر الصينية (مراكز الطاقة)([10]).
الفوائد الطبية للحجامة:
تسليك الشرايين والأوردة الدقيقة والكبيرة وتنشيط الدورة الدموية؛ وذلك لأن حوالي 70% من الأمراضسببها عدم وصول الدم الكافي للعضو بانتظام.
تسليكالعقد والأوردة الليمفاوية، وخاصة في القدم، وهي منتشرة في كل أجزاء الجسم، فيمكنها تخليص الجسم أولاً بأول من الأخلاط ورواسب الدواء.
تنشيط أماكن ردود الفعل بالجسم للأجهزة الداخلية له، فيزيد انتباه المخ للعضو المصاب، ويعطي أوامره المناسبة لأجهزة الجسم باتخاذ اللازم.
تسليكمسارات الطاقة التي تعمل على زيادة حيوية الجسم، وتلك التي اكتشفها أهلالصين واليابان وغيرهم منذ أكثر من 5000 سنة.
5.امتصاص الأخلاط والسموم وآثار الأدوية من الجسم، والتي تتواجد في تجمعات دموية بين الجلد والعضلات، والتي تُسمى “منطقة الفاشية”، وأماكن أخرى بالجسم؛ مثل مرضالنقرس، وفيه يتم إخراجبللورات حمض البوليك من بين المفاصل مع تجمع دموي بسيط عن طريق الخربشة الخفيفة على الجلد.
عمل تجمعات دموية في بعض الأماكن التي تحتاج إلى زيادة في الدم، أو بها قصور في الدورة الدموية.
7.تقوية المناعة العامة في الجسم، وذلك بإثارة غدد المناعة، خاصة في عظمة القص (غددالسايموس)، ولها مركز في الظهر على الفقرة الرابعة الصدرية.
تنظيمالهرمونات، وخاصة في الفقرة السابعة من الفقرات العنقية.
9.العمل على موائمة الناحية النفسية، وذلك في الفقرة السابعة من الفقرات العنقية، والفقرة الخامسة من الفقرات القَطَنية، وعقدة المرارة على طرف اللوح اليمين، والتي تنظمالجهاز السمبساوي والباراسمبساوي، وهو المسئول عن الغضب والحزن والاكتئابوالانفعالات والقسوة والهدوء واللامبالاة، فتتحسن حالة المريض نفسيا فتساعد في تأثير الأدوية واستجابة الجسم للعقاقير الطبية، فيسهل على الطبيب سرعةشفاء المريض.
تنشيط أجهزة المخ: الحركة، الكلام، السمع، الإدراك، الذاكرة.
تنشيط الغدد، وخاصة الغدة النخامية.
رفع الضغط عن الأعصاب، والذي يأتي أحيانًا بسبب احتقان الأوعية الدموية وتضخمها، فيضغطعلى الأعصاب، وخاصة في الرأس فيسبب الصداع.
إزالة بعض التجمعات والأخلاط وأسباب الألم غير المعروف مصدرها، والتي احتار فيها الطب الحديث، وبسببها تم إنشاء مستشفيات (painclinic)، وخاصة في فرنسا.
عملية امتصاص التجمعات الدموية لخارج الجسم تقوم بإخراج مادة البروستاجلاندين، والتي تخرج من الخلية المصابة عند انفجارها وتشعر الجسم بالألم، وهذا هو السر في اختفاء كثير منالآلام بعد الحجامة مباشرة.
الحجامة تزيد نسبة الكورتيزون في الدم، ومن أسرار الكورتيزون القدرة على اختفاء الألم، وذلك من خلال السيطرة على الخلية وعدم انفجارها، فلا تخرج منها مادة البروستاجلاندين فيختفي الألم مباشرة؛ لذلك يسمون الكورتيزون بـ “الساحر الطبي”، ولكن عدم انفجار الخلايا المصابة مخالف لطبيعية الجسم، فيأتي بأضرار جانبية كثيرة، فالحجامة تخلِّص الجسم من النفايات دون الأضرار التي في حالة عدم التخلص منها تحدث أمراض أخطر.
الحجامة تمتص الأحماض الزائدة في الجسم، والتي تسبب زيادة في كريات الدم الحمراء؛ وبالتالي تزيد كثافة الدم، فيؤدي إلى قصور في الدورة الدموية، فلا يصل الدم إلى الخلايا بانتظام.
يتبين من أبحاث الدكتورة ماجدة عامر أن الحجامة:
تزيد من نسبة الكورتيزون الطبيعي فيالدم.
تثير المواد المضادة للأكسدة وتحفزها.
تقلِّل نسبة الكوليسترول الضارLDLفي الدم، وترفع نسبة الكوليسترول النافع (HDL) فيه.
تقلل نسبة البولينا في الدم.
ترفع نسبة المورفين الطبيعيEndorphins في الجسم.
وهناك فوائد كثيرة لا نستطيع أن نحصرها الآن([11]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الأحاديث النبوية:
إن العلاج بالحجامة طريقة معروفة، وكانت ضمن طب الحضارة الإسلامية، والتي خصها ابن سينا وابن النفيس والرازي في مراجعهم، ويمكن لمن يريد التأكد الرجوع إلى كتبهم التي اعترف بعلمها العلماء المنصفون على اختلاف أديانهم ومشاربهم، بل جعلوا كتبهم ضمن المراجع التي يُعتد بها وترجموها إلى لغاتهم.
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم هذه الوسيلة العلاجية وحث عليها؛ حتى أصبحت سنة من سننه الشريفة، فقد وردت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تؤكد أن الحجامة شفاء؛ منها:
عن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري»([12]) ([13]).
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه عاد المقنع ثم قال: «لا أبرح حتى يحتجم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن فيه شفاء»([14]).
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شربة عسل، أو شرطة مـِحْجَم، أو لَذْعَة من نار، وما أحب أن أكتوي»([15]).
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة مـِحْجَم، وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي»([16]).
من الدلالات اللغوية:
الحجم في اللغة: المص، يقال: حجم الصبي ثدي أمه إذا مصَّه، والحجّام: المصّاص لفم المحجمة، والمحجم والمحجمة: ما يُحتجم به، سواء كانت الآلة التي يُحجم بها- أي يمص الدم بها- أو الآلة التي تجمع فيها دم الحجامة أو مشرط الحجامة([17]).
من أقوال شراح الأحاديث:
“قال الخطابي: انتظم هذا الحديث على جملة ما يُتداوى به الناس، وذلك أن الحجم يستفرغ الدم، وهو أعظم الأخلاط، والحجم أنجعها شفاء عند هيجان الدم، وأما العسل فهو مسهِّل للأخلاط البلغمية، ويدخل في المعجونات ليحفظ على تلك الأدوية قواها ويخرجها من البدن، وأما الكي فإنما يُستعمل في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادته إلا به؛ ولهذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم ثم نهى عنه، وإنما كرهه لـما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم، قال ابن حجر: ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم الحصر في الثلاثة، فإن الشفاء قد يكون في غيرها، وإنما نبَّه بها على أصول العلاج”([18]).
وعليه، فلم تنص الأحاديث على أن الحجامة علاج لكل الأمراض- كما يظن بعض الناس- وإنما هي إحدى الوسائل العلاجية التي قد يتفرد العلاج بها في بعض الأمراض، أو تكون مصاحبة للعلاج بوسائل أخرى في بعضها الآخر، وأنه لا ينبغي أن يقوم بإجرائها إلا الخبراء.
وقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة العلاج بالحجامة من بين الوسائل العلاجية المنتشرة في بيئته، وحث عليها وطبقها على نفسه، ونهى عن ممارسة بعض الوسائل الأخرى، وما اختاره وحث عليه ومدحه ثبت بالدليل العلمي فوائده؛ فقد ثبت الشفاء المتحقق بالحجامة بالأبحاث العديدة، وبإنشاء المراكز الطبية التي تعالج بالحجامة، وبالكليات الجامعية التي تدرسها وتمنح الشهادات العلمية فيها في معظم دول العالم المتقدم.
لقد أصَّل نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم هذه الخيارات بين وسائل الشفاء التي ذكرها، ووضع هذه الأسس والقواعد العلاجية في زمن كان الاعتقاد السائد فيه أن الأمراض تسببها الأرواح الشريرة والشياطين والنجوم، وكانوا يطلبون لها العلاج بالشعوذة والخرافات، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم كل الممارسات العلاجية المبنية على هذه الاعتقادات الخاطئة، فنهى صلى الله عليه وسلم عن التطير والتمائم والسحر، فقال: «إن الرُّقَى والتمائم والتِّوَلَة([19]) شِرْك»([20])، وقال أيضًا: «من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم»([21]).
يقول الدكتور علي محمد مطاوع- عميد كلية طب الأزهر وأستاذ الأشعة والأورام- عن الحجامة: إنها كانت مدونة ومنتشرة بمصر حتى عهد قريب، وإن لها أساسًا علميًّا، وهو أن الأحشاء الداخلية تشترك مع أجزاء معينة في جلد الإنسان في مكان دخول الأعصاب المغذية لها في النخاع الشوكي، وبمقتضى هذا الاشتراك فإن أي تنبيه للجلد في منطقة ما من الجسم يؤثر على الأحشاء الداخلية المقابلة لهذا الجزء من الجلد، وهي النظرية نفسها التي على أساسها تستخدم الإبر الصينية في علاج الأمراض، وبمعرفة خرائط توزيع الأعصاب على الجلد وعلى الأحشاء الداخلية يمكن معرفة أجزاء الجلد التي تعمل فيها الحجامة للحصول على الأثر المنشود([22]).
وما الإشكال في ذلك والحجامة نوعان: وقائية وعلاجية؛ أما الوقائية فمعروف وثابت علميًّا فائدة التبرع بالدم للمتبرع، وهو يتبرع بالدم الوريدي النقي في جسمه، فكيف بدم الحجامة وهو الدم المجتمع في الأنسجة؟! إضافة إلى هذا، فقد ثبت علميًّا أن الحجامة تنشط الدورة الدموية، بل تزيد مناعة الجسم، أما الحجامة العلاجية فقد ذكرنا بعض الأبحاث العلمية المتخصصة في ذلك.
ومن ثم، فإن دخول الحجامة في المجال الطبي حديثًا، وتحقيقها مثل هذه النجاحات الكثيرة يُعد معجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكم فتحت هذه الخدوش البسيطة على سطح الجسم آمالاً لكثير من مرضى هذا العصر، وتظهر المعجزة أكثر عندما نعرف أن الطب الحديث قد أثبت أن الحجامة ليس لها أعراض جانبية كالكي بالنار وغيره؛ ولذا فضلها النبي صلى الله عليه وسلم.
أما قول المدَّعين: إنه لا يوجد بحث علمي معترف به يثبت أن الحجامة شفاء، ولا توجد مجلة علمية معترف بها في العالم تبنَّت الحجامة كعلاج- فهذا قول باطل وتدليس ظاهر يراد به التشويش على طلاب الحقيقة، والتعتيم على سنة نبوية أثبت العالم كله فائدتها وأهميتها.
والدليل على بطلان هذا القول كثرة الأبحاث العلمية- لا سيما الأبحاث الجامعية- التي أكدت أهمية الحجامة، والتي سبق ذكر بعضها، ويمكننا التذكير بأسماء بعض هذه الأبحاث؛ حتى يتبين جهالة هذا القول وبطلانه، فمن هذه الأبحاث:
الدراسة السورية التي أُجريت في جامعة دمشق، وكان فريقها مكونًا من خمسة عشر أستاذًا جامعيًّا.
الدراسة السعودية المصرية التي قام بها مجموعة من الأساتذة الجامعيين، والتي أثبتت أهمية الحجامة في علاج مرضى الالتهاب الكبدي الفيروسي المزمن(C).
رسالة الماجستير التي نوقشت بكلية الطب جامعة الأزهر عن “تأثير العلاج بكئوس الهواء مع الإدماء على كل من مستقبلات إنترلوكين والخلايا الطبيعية القاتلة في مرضى الروماتويد”، والمقدمة من الباحثة صهباء محمد أحمد بندق.
رسالة الماجستير التي نوقشت بكلية الطب جامعة عين شمس عن “أثر الحجامة في علاج الربو الشعبي”، والمقدمة من الباحث محمد السيد عبد الجواد.
بحوث العالـمين الروسيين كونيايف وساليشيف، وقد نشرت ذلك الموسوعة الطبية الكبرى الصادرة باللغة الروسية، وهي موسوعة طبية عالمية.
رسالة ماجستير بكلية الطب جامعة المنصورة أثبتت أثر الحجامة في علاج آلام الظهر وفاعليتها مقارنة بالأدوية الكيميائية.
وبالإضافة إلى ما ذكرناه من أبحاث يذكر الدكتور أحمد حلمي صالح- اختصاصي الطب الرياضي والحجامة الرياضية، وصاحب كتاب “الجامع في علم الحجامة”- ردًّا على هذا الادعاء: أننا لو قمنا بالدخول على موقع (pubmed) بالشبكة العنكبوتية، وهو موقع للأبحاث العلمية في المجال الطبي، وكتبنا مصطلح الحجامة بالإنجليزية وهو (Cuppingtherapy) لرأينا كمًّا هائلاً من الأبحاث العلمية في مجال الحجامة بشتى طرقها من مختلف الدول والجامعات([23]).
فهل أمر فيه مثل هذا الكم من الأبحاث من مختلف دول العالم ـ وأغلبها أبحاث أقيمت داخل الجامعات، وحصل أصحابها بها على درجات علمية- نقول عنه: لا يوجد فيه بحث علمي واحد معترف به؟! وإن لم يكن هذا الأمر هو المعترف به فما هو المعترف به؟! وإن لم تكن هذه الجهات التي قبلت أبحاث الحجامة جهات علمية فماذا تكون الجهات العلمية إذًا؟! وكيف لا يكون فيها بحث علمي معترف به وهي تُدرس الآن في أغلب الجامعات الأوربية، ويحصل المتمرسون فيها على شهادات معتمدة لممارستها في عياداتهم؟!
3) وجه الإعجاز:
لقد تطابق الطب الحديث تمام المطابقة مع أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في كون الحجامة شفاء؛ حيث أخبر صلى الله عليه وسلم أنها شفاء، بل فضَّلها على غيرها من وسائل العلاج، ونهى عن وسائل أخرى، ثم جاء الطب حديثًا وأثبت أن عملية الحجامة تعالج كثيرًا من الأمراض، يأتي على رأسها الالتهاب الكبدي الفيروسي المزمن (C) والروماتويد والربو الشعبي، إلى غير ذلك.
ومما يبين الإعجاز النبوي في إرشاده صلى الله عليه وسلم إلى هذه الوسيلة أنها حظيت الآن بدراسات مستقلة عديدة، ومنحت في دراسة فوائدها أعلى الشهادات العلمية، بل أصبحت تُدرس في جامعات الدول الأكثر تقدمًا في العلوم الطبية، أليس في إرشاده صلى الله عليه وسلم إلى هذه الوسيلة ونهيه عن غيرها ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى؟!
(*) وهم الإعجاز العلمي، د. خالد منتصر، مرجع سابق. الحجامة فولكلور وليست طبًّا، د. خالد منتصر، مقال منشور بجريدة المصري اليوم، الأربعاء 5 مايو 2010م.
[1]. قبسات علمية من القرآن والسنة، د. دلاور محمد صابر، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص219.
[2]. الحجامة سنة منسية وفوائد جلية، مجلة الأسرة، العدد (127)، نقلًا عن: موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص782، 783.
[3]. الطب النبوي في علاج مرضى الجهاز الهضمي والكبد، د. علي مؤنس، نقلًا عن: موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص782.
[4]. الحجامة سنة منسية وفوائد جلية، مجلة الأسرة، العدد (127)، نقلًا عن: موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص785.
[5]. انظر: أول رسالة جامعية عن أثر الحجامة على مرضى الروماتويد، مصطفى الشيمي، بحث منشور بمجلة الإعجاز العلمي، مرجع سابق، العدد (22)، رمضان 1426هـ، ص14: 21.
[6]. انظر: أثر الحجامة في علاج الربو الشعبي، د. محمد السيد عبد الجواد، بحث بمجلة الإعجاز العلمي، مرجع سابق، العدد (36)، جمادى الأولى 1431هـ، ص46: 52.
[7]. انظر: دراسة البيولوجيا الجزيئية للحجامة في مرضى الالتهاب الكبدي الفيروسي المزمن (C)، بحث منشور بمجلة الإعجاز العلمي، مرجع سابق، العدد (27)، جمادى الأولى 1428هـ، ص28: 37. وانظر أيضًا: موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[8]. التداوي بالحجامة، بحث منشور بموقع: الدليل إلى الطب البديل www.khayam.com.
[9]. الحجامة كاسات الشفاء، د. أمير صالح، مقال منشور بموقع: الدكتور أمير صالح www.amir-saleh.com.
[10]. التداوي بالحجامة، بحث منشور بموقع: الدليل إلى الطب البديل www.khayma.com.
[11]. التداوي بالحجامة وكيف تصبح حجامًا، عبد الغني العريني، دار هداية الإسلام، مصر، 2005م، ص11: 13.
[12]. القسط البحري: عود يُتداوَى به.
[13]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الحجامة من الداء، (10/ 159)، رقم (5696).
[14]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الحجامة من الداء، (10/ 159)، رقم (5697).
[15]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الحجامة من الشقيقة والصداع، (10/ 162)، رقم (5702).
[16]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الشفاء في ثلاث، (10/ 143)، رقم (5680).
[17]. لسان العرب، مادة: حجم.
[18]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، مرجع سابق، ج10، ص145.
[19]. التِّولة: شيء يصنعه النساء يتحببن به إلى أزواجهن.
[20]. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: الرُّقَى والتمائم، رقم (6090). وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (3457).
[21]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة، (2/ 429)، رقم (9532). وقال عنه شعيب الأرنؤوط: حسن رجاله ثقات رجال الصحيح.
[22]. دراسة البيولوجيا الجزيئية للحجامة في مرضى الالتهاب الكبدي الفيروسي المزمن (C)، بحث منشور بمجلة الإعجاز العلمي، مرجع سابق، العدد (27)، ص28.
[23]. تحدٍّ لخالد منتصر فيما يخص الطب النبوي وخصوصًا الحجامة، أحمد حلمي صالح، مقال منشور بمنتدى: شباب نهضة www.shbabnahda.com.
الزعم أن حديث الحمَّى يتنافى مع المعارفالطبية الحديثة
مضمونالشبهة:
يزعم المغالطون أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحمَّىمن فيح جهنم فأبردوها بالماء» يتنافى مع المعارف الطبية التي استطاعت التوصل إلىأسباب الحمَّى، كما أن وصف علاج الحمَّى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم يتناسبمع سمات التفكير البدائي، ولا يتناسب مع تفكير إنسان يعيش في عصر العلم والتقدم.
وجه إبطالالشبهة:
أثبت الطب الحديث أن الحمَّى هي ارتفاع درجة حرارةالجسم، ورغم أن للحمى أسبابًا كثيرة، إلا أنها في النهاية تكون بسبب مواد رافعةللحرارة تؤثر على منطقة المهاد، وأن العلاج يكون بخفض درجة الحرارة، وذلك عن طريقمخفِّضات الحرارة، كالماء والإسبرين والكينين؛ لذا كان استعمال الماء البارد هوالواسطة العلاجية الأولى، التي يحث الإطباء على اللجوء إليها سريعًا عند الإصابةبالحمى، وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400 عام.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
أثبت العلم الحديث أن تشخيص الحمى يكون بارتفاع في درجةحرارة الجسم بالقياس الفموي (C 37)، معاعتبار الفروق الطبيعية لكثير منا، وتتراوح في 95% منهم
بين 36.3: 37.1 في الفترة الصباحية، بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة بالمخ، وثبات
درجة الحرارة في معدلاتها الطبيعية محكوم بمركز ما تحت المهاد (Hypothalamus)،
الذي يحتوي على مراكز التحكم الحراري (Thermoregulatory control Center a thermostate).
وتحتوي هذه المنطقة من المخ على خلايا عصبية تستشعر درجةحرارة الدم؛ ففي حالة انخفاض درجة حرارة الدم ترسل إشارات إلى العضلات تسبب توترًاعصبيًّا وارتفاعًا في درجة الحرارة، وإشارات إلى الأوعية الدموية بالجلد فتسببانقباضها وانتصاب الشعر والقشعريرة، ويحول ذلك دون فقدان الحرارة من الجسم إلىأقصى درجة، ويحدث العكس عند ارتفاع درجة الحرارة، فترتخي العضلات وجدران الأوعيةالسطحية، مما يترتب عليه فقدان الحرارة من الجسم؛ أي إن الترموستات الحراري مضبوطضبطًا ربانيًّا على نظم درجة الحرارة عند (37 cه).
وتحدث الحمى في حالة حدوث عدوان على جسم الإنسان، سواءعن طريق خلايا بكتيرية أو سرطانية أو فيروسات أو فطريات أو أي جروح أو أمراضداخلية؛ حيث تلتف البلاعم والخلايا المناعية حول المكان المصاب أو العضو المريض،وتتفاعل مع تلك الأجسام الغريبة، وتتولد عن هذه المعارك الشرسة مواد تُسمى”بيروجينات” (Pyrogens).
والجدير بالذكر أن المكان المصاب عند حدوث العدوان تنبعثمنه إشارات ونبضات عصبية إلى سائر مراكز الجسم وأعضائه المختلفة، وذلك على مستوىالمراكز الرئيسة في الجسم، وهو الاستنفار العام الذي يُسمى بـ “الاستجابةالعصبية الغددية الصموية” (Neuro Endocimal Respones)، وأول هذه المراكز هو المخ (الرئيس).
وتتابع تفاعلات الأيض الاستقلابي في الجسم كله (Metabolic changes)، وتتداخل وتتوافق وتتكامل الوظائف الكلوية والكبدية والرئتين والجهازالدوري والجهاز المناعي الذي يعنينا في هذا البحث بصفة خاصة، والذي ثبت في السنواتالأخيرة المعدودة مشاركاته اللامحدودة على المستوى العضوي والمستوى الخلوي للجسدكله، ما من شأنه شحن كل مقدرات الجسد وطاقاته من شتى الاتجاهات لإسعاف الجزءالمصاب، وعلى قدر حاجته تمامًا؛ أي إن التداعي الجسدي بالاستنفار المناعي والعضويوحدوث الحمى يكون بمعايير منضبطة وغاية في الدقة.
وعندما تصل البيروجينات عن طريق الدم إلى المخ- حيثترموستات الحرارة تحت المهاد- يتأثر بها المركز، وتتغير درجة ضبط الحرارة إلى درجةأعلى من ذلك وفقًا لدرجة التفاعلات الأيضية الخلوية وتركيز البيروجينات كنتيجةللمعارك الدائرة بين الجهاز المناعي، مع اختلاف قدرات هذا الجهاز من شخص لآخر وقوةالأجسام المعادية، وترتفع درجة حرارة الاستقلاب الأيضي في الخلايا، وترتفع نسبةالأدرينالين في الأنسجة، خاصة السطحية، وكذلك الجهاز الدوري بتأثير زيادة إفرازالثيروكسين والثريونين من الغدة الدرقية؛ استجابة لزيادة إفراز منشط الغدة الدرقية.
وبارتفاع درجة حرارة الجسم يستمر استنفار كافة الأجهزةوالأعضاء بصورة متتابعة، وذلك في خدمة العضو الذي تم الاعتداء عليه والموضع الذيتنبعث منه إشارات الاستغاثة، ويمكن تصوير هذه الأحداث بمصداقية الطب الحديث بمايأتي:
Call uponeach other.
Threaten tofall.
Even collaps(due to the catabolic events)([1]).
ويعرف الألماني بلز الحمى فيقول: هي عبارة عن انفعال عاميطرأ على الوظائف الحيوية، يضاف إليه سرعة غير طبيعية لبعض أعمال الجسد، وسرعة غيرعادية للنبض، وزيادة للحرارة الغريزية، واضطراب للمجموع العصبي والهضمي.
والحمى في حقيقتها ليست مرضًا قائمًا بنفسه، بل هي نتيجةمجهود عظيم يبذله الجسم ليتخلص بسببه من مرض، ويرجع التوازن الجسدي لحالته الأولى،ومن أعراضها: ارتفاع درجة الحرارة، فقد تبلغ 42 درجة بدلاً من 37، ويزداد النبض من60 أو 70 إلى 120 وقد يزيد عن ذلك, ويشعر المصاب بحرارة وقشعريرة متعاقبتين، ويضافإلى هذا العطش, وفقد الشهية, وجفاف الجلد, وقلة عرقه, وألم في الرأس، وتعكر فيالبول, وشعور بالضجر, فيشعر المريض بأنه تعب متكسر الأعضاء كئيب, وقد يعتريه هذيانأحيانًا([2]).
ورغمأن للحمى أسبابًا كثيرة، إلا أنها في النهاية تكون بسبب مواد رافعةللحرارة تؤثر على منطقة تحت المهاد، وتحدث الرعشة وتقلص العضلات، فتزيد من ارتفاعالحرارة، ومن أشهر أسبابها: ضربة الشمس والملاريا والأنفلونزا ونوبات البرد والحمىالتيفية والمالطية وغيرها، والمعالجة بالكمادات الباردة والماء المثلج نوع مهم منالعلاج للأعراض ذاتها، وإذا كانت الأدوية النوعية المضادة للحميات الإنتانية لم تُكتشفإلا في القرن التاسع عشر، وكذلك مخفضات الحرارة، كالأسبرين والكينين، فقد كاناستعمال الماء البارد هو الواسطة العلاجية الأولى([3]).
وقد تؤدي الإصابة بالحمى إلى هياج شديد، ثم هبوط عاموغيبوبة تكون سببًا في الوفاة؛ ولذا كان لزامًا تخفيض هذه الحرارة المشتعلة بالجسمفورًا حتى ينتظم مركز تنظيم الحرارة بالمخ، وليس لذلك وسيلة إلا وضع المريض في ماءأو عمل كمادات من الماء البارد والثلج؛ حيث إنه إذا انخفضت شدة هذه الحرارة عادالجسم كحالته الطبيعية بعد أن ينتظم مركز تنظيم الحرارة بالمخ([4]).
ومسألة التبريد أدركها الطب الحديث، وعرف أن علاج مريضالحمى يكون بتخفيض حرارته، فعمل الطب الحديث على تصنيع الأسبرين والكينين وغيرهامن الأدوية الحديثة؛ إذ توجد ثلاث مجموعات من الأدوية التي يمكن أن تسهم في خفض درجة الحرارة، وهي:
الكورتيزونات.
المسكنات (NSAIDS).
Acetaminophen)) Paracetamol.
ورغم أن تأثير الكورتيزونات كخافض للحرارة، إلا إننا لانستخدمه؛ لأعراضه الجانبية، وخاصة أنه يضعف المناعة، ولأن الأغلب أنها من إصابةعدوى، فلا يُنصح باستخدامها.
وينصح الأطباء باستخدام المسكنات (NSAIDS) أو الأسبرين؛ لأنهما أقوى تأثيرًا على درجة حرارة الجسم، مثل أسبرينديكلوفيناك صوديوم، إيبوبروفين، وأشهر الأدوية المستخدمة للكبار فولتارين، بروفين،وللأطفال دولفن، بروفين.
أما الأسبرين فيزيد الحذر مع الأطفال؛ وذلك لتأثيرهالجانبي، ويكون الخيار الأفضل حينذاك هو الباراسيتامول؛ لأنه آمن وفعال مقارنةبباقي خافضات الحرارة([5]).
ومن هذا يتبين أن العلم الحديث قد كشف أن التبريد بالماءيفيد في معالجة كل الحميات الإنتانية، وأول ما ينصح به الطبيب اليوم هو عملالكمادات بالماء البارد على رأس المحموم.
وقد أكد الدكتور صادق علي عبد العال- استشاري صحةالأطفال بجامعة القاهرة ومستشار وزير الصحة- على أن من يتولى طفلاً ارتفعت درجةحرارة جسمه فجأة أن يتوخى الحذر في سرعة استخدام مخفضات الحرارة, مشيرًا إلى أنهناك عدة خطوات طبية لا بد أن تتخذها الأم لخفض حرارة الطفل قبل التفكير فياستخدام مخفضات الحرارة.
وأول هذه الخطوات التخفف قليلاً في ملبس الطفل، وفتحمنافذ الغرفة وتهويتها بشرط ألا يقع سرير الطفل في تيار هواء بالغرفة, فضلاً عنضرورة تناول الطفل للأعشاب الطبيعية، مثل الكراوية والينسون أو حتى المياه.
وأوصى هذا الطبيب بضرورة غسل وجه الطفل وأطراف جسمه-الذراعين والأرجل- بالماء الفاتر، وذلك بمعدل كل نصف ساعة، بالإضافة إلى غسلالرأس بالكامل بالماء الفاتر بمعدل كل ساعة؛ وذلك حتى تتحاشى الارتفاع العاليلدرجة حرارة رأس الطفل، وما يعقبه من تشنجات عصبية وتشنجات حرارية، ويجب عدمالاستحمام بالكامل؛ خوفًا من الإصابة بالالتهاب الرئوي([6]).
ويذهب الدكتور حكمت فريحات- اختصاصي في الطب العام- إلىفائدة استخدام الماء في علاج الحمى، فيقول بعد النصح بالذهاب إلى الطبيب:”لكن بانتظار الوصول إلى الطبيب, وخاصة في المناطق النائية التي يصعب فيهاالوصول إلى الطبيب بسهولة، فإن على الأم أن تعمل بسرعة فائقة على مكافحة ارتفاعدرجة حرارة جسم طفلها, وتعمل على خفضها للوقاية من حدوث المضاعفات, فيجب عدمالسماح للسخونة بالاستمرار لأكثر من بضع دقائق، وإلا أحدثت أضرارًا للمخ, و يلاحظ الجميعأن الإنسان البالغ والكبير عندما يُصاب بالسخونة يظهر عليه الخراف أو ما يُعرف بـ”الهتورة والتخريف”، فما بالكم بالطفل الصغير؟ وأفضل طريقة لمكافحةالسخونة وخفض درجة حرارة الجسم المرتفعة هي استخدام الماء البارد على جميع الجسم،وخاصة البطن والرأس, وهي المستخدمة في المستشفيات الجامعية”([7]).
هذا وإن لتبريد الحمى بالماء طرقًا عديدة، نذكر منها:
اللف بالكمادات الباردة: كالمناشف وقطع القماش المبللةبالماء البارد؛ حيث تُلف أجزاء من البدن، كالجبهة والرأس والأطراف، أو يُلف البدنكله، وتُستعمل هذه الطريقة لخفض حرارة المحمومين المصابين بحمى ضربة الشمس أوالحمى التيفودية وغيرها, وخاصة عند ارتفاع درجة الحرارة الشديدة أو المترافقةبهذيانات، ويُكرر اللف مرة كل 3: 4 ساعات، ولا يجوز تطبيق اللف الكامل عندالمصابين بآفة قلبية أو رئوية، بل يُكتفى بالكمادات الموضعية الباردة للتخفيف منشدة الحرارة.
الحمام البارد: اقترح براند حمامًا بدرجة 15: 20 للمصابين بالحمى التيفودية؛ فهو يخفض الحرارة،ويدر البول، وينشط الجسم, أما الحمامات الباردة بدرجة 20: 25 فتفيد العصبيين وبعض المحمومين, وخيره ما كانتدرجة حرارته من 25: 32 .
مغطس الماء البارد: وقد اقترحه (Savil) لتخفيض حرارةالمحموم بوضعه في مغطس ثلثه ماء بدرجته 32: 35 ، ثم يُزاد ماء بارد كل 5 دقائق حتىتصل درجة الماء إلى 15,5, ولا يُستعمل المغطس والحمام الباردان للمصابين بالبرداءوالنزلة الوافدة، ولا المصابين بآفة قلبية أو رئوية([8]).
2) التطابق بينالحقائق العلمية والحديث النبوي الشريف:
لقد نصح النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي بالماء لمنأصابته الحمى، فقال: «الحمى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء»([9])؛ أي إنالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الماء علاج لمن أصيب بالحمى، ثم خرج علينا أناسيزعمون أن هذا العلاج خاطئ، بل يدل على سمات التفكير البدائي، وبعيد كل البعد عنكلام الأنبياء المتعلق بالوحي الإلهي.
ولكن بالنظر إلى الاكتشافات الطبية الحديثة والدراسات الدائمة على معالجة الحمى يتبينأن الطب قد قرر أن استخدام الماء البارد غسلاً وعلى شكل كمادات يفيد في خفض درجةالحرارة للمصابين بالحمى، وعندما يُصاب الطفل باختلاج بسبب ارتفاع درجة حرارتهنقوم فورًا بوضعه في مغطس بارد لإنزال حرارته، ولا يجوز خفضها كثيرًا بالمغاطس، بلنتابع بالكمادات الباردة بعد المغاطس، وفي حال ضربة الشمس التي هي أكثر الحوادثمشاهدة في الحج يتم اتباع الأسلوب السابق نفسه، كما يمكن وضع قطع من الثلج على جسمالمريض في البداية، ويجري تمسيد الأطراف والجذع لتحسين الدوران الدموي في الجسم،كما يوصي الأطباءُ المرضى بعدم تناول الأسبرين بشكل عشوائي عند ارتفاع درجةحرارتهم، والاكتفاء بالكمادات الباردة في حال الارتفاع القليل للحرارة([10]).
وقد اعتنى العلماء بهذا الموضوع قديمًا وحديثًا، فمنهممن أفرده بكتاب،كالإمام ابن القيم، والحافظ المستغفري، ومنهم من ذكره في كتب الحديث الجامعة،كالإمامين البخاري والترمذي في جامعيهما، والإمام الحاكم في مستدركه، والإمامين أبيداود والنسائي في سننيهما، وغيرهم([11]).
وجاء في “شرح رياض الصالحين”: أن الحمى لهاأدوية علاجية، منها الماء البارد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الحمى منفيح جهنم، وأمرنا أن نطفئها بالماء البارد؛ ولهذا أقر الأطباء في الوقت الحاضر بأنأفضل علاج للحمى البرودة، حتى إنهم يجعلون الإنسان المصاب بالحمى حول المكيفاتالباردة التي لا تضرهم إلى أنيغطونه بخرقة مبلولة بالماء؛ لأن الحمى حرارة كما هو معروف، وهذا الماء يبردهاويطردها، وهو شيء أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أخبر به الرسول صلى اللهعليه وسلم فهو حق، المهم أن الإنسان يصبر ويحتسب على كل الأمراض لا يسبها([12]).
والحمى التي تصيب الإنسان بالحرارة في جسمه من فيح جهنمكما قال النبي صلى الله عليه وسلم، أما كيف وصل فيح جهنم إلى بدن الإنسان فإنالمعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم؛ تنبيهًا للنفوس على شدة حر النار، وأن هذهالحرارة الشديدة شبيهة بفيحها، وهو ما يصيب من قرُب منها من حرها كما قيل بذلك.
واعترض بعض الأطباء على هذا الحديث وقالوا: إن اغتسالالمحموم بالماء خطر يقربه من الهلاك؛ لأنه يجمع المسام ويحقن البخار ويعكس الحرارةإلى داخل الجسم، فيكون ذلك سببًا للتلف.
قال الخطابي: غلط بعض من يُنسب إلى العلم فانغمس فيالماء لما أصابته الحمى، فاحتقنت الحرارة في باطن بدنه، فأصابته علة صعبة كادتتهلكه، فلما خرج من علته قال قولاً سيئًا لا يحسن ذكره، وإنما أوقعه في ذلك جهلهبمعنى الحديث، والجواب أن هذا الإشكال صدر عن صدر مرتاب في صدق الخبر، فيقال لهأولاً: من أين حملت الأمر على الاغتسال وليس في الحديث الصحيح بيان الكيفية، فضلاًعن اختصاصها بالغسل، وإنما في الحديث الإرشاد إلى تبريد الحمى بالماء، فإن أظهرالوجود أو اقتضت صناعة الطب أن انغماس كل محموم في الماء أو صبه إياه على جميعبدنه يضره فليس هو المراد، وإنما قصد صلى الله عليه وسلم استعمال الماء على وجهينفع، فليبحث عن ذلك الوجه ليحصل الانتفاع به، وهو كما وقع في أمره العائنبالاغتسال وأطلق، وقد ظهر من الحديث الآخر أنه لم يرد مطلق الاغتسال، وإنما أرادالاغتسال على كيفية مخصوصة، وأَوْلَى ما يُحمل عليه كيفية تبريد الحمى ما صنعتهأسماء بنت الصديق، فإنها كانت ترش على بدن المحموم شيئًا من الماء بين يديه وثوبه،فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها، والصحابي- ولا سيما مثل أسماء التي هي ممنكان يلازم بيت النبي صلى الله عليه وسلم- أعلم بالمراد من غيرها([13]).
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الحمى من فيحجهنم، فأبردوها بالماء»؛ يعني: صبوا على المريض ماء يبرده، وهذا من أسباب الشفاءلمن أصيب بالحمى، وقد شهد الطب الحديث بذلك، فكان من جملة علاجات الحمى أنهميأمرون- أي الأطباء- المريض أن يتحمم بالماء، وكلما كان أبرد على وجه لا مضرة فيهفهو أحسن، وبذلك تزول الحمى بإذن الله([14]).
يقول الدكتور إبراهيم حسن الأعصر- إخصائي طب الأطفال-:إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمى من فيح جهنم، فأطفئوها بالماء» لهمغزى كبير في عالم الطب؛ حيث بيَّن الرسول الكريم فائدة الماء في علاج ارتفاع درجةالحرارة عند الأطفال والكبار معًا؛ لأن الأدوية المخفِّضة لدرجة الحرارة لا تعملإذا ارتفعت درجة الحرارة عن 38 درجة ونصف الدرجة؛ لأنها تحترق في الجسم بسرعة، كماأن هذه الأدوية تعمل على زيادة إفراز العرق، مما يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة منكلوريد الصوديوم من الجسم.
وأضاف د. الأعصر أن زيادة الأدوية المخفضة للحرارة قدتؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة وليس خفضها، بالإضافة إلى وجود موانع لدى بعض المرضىلاستخدام بعض هذه الأدوية، مثل أنيميا الفول؛ حيث لا يُعطى الأسبرين ومشتقاته.
أما الماء فهو العلاج السريع لخفض الحرارة في حالاتالتشنجات الحرارية وضربات الشمس، كما أن آلية عملها تتركز أساسًا على زيادةالرعشات في الجسم؛ مما يؤدي إلى فقد كميات كبيرة من الحرارة من الجسم، كما أنهاتقلل من إفراز العرق؛ مما يقلل من فقد ملح كلوريد الصوديوم من الجسم.
قال د. الأعصر: إن الماء أيضًا يعمل على توقف لـحظيللتنفس؛ مما يؤدي إلى أخذ شهيق عميق؛ وبالتالي دخول كمية كبيرة جدًّا من الهواءالرطب إلى الجهاز التنفسي لتلطيف درجة الحرارة، وأيضًا شرب الماء ودخوله إلى الجوفيرطب جوف الإنسان([15]).
وقال الدكتور محمود النسيمي في “الطب النبوي والعلمالحديث”: “إن الأدوية النوعية المضادة لعوامل الحميات الإنتانية لم تُعرفقبل القرن التاسع الميلادي، وأن مخفضات الحرارة الشهيرة في الطب الحديث، والتي اكتُشفتباكرًا- كالكينين والأسبرين- لم تنتشر في العالم قبل ذلك القرن؛ ولذا كان استعمالالماء لتبريد الحمى هو الواسطة الأولى، ولقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلىهذه الواسطة الفيزيائية لتلطيف الحميات…”.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «الحمى من فيح جهنم» هو شدةلهبها وانتشارها، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: «شدة الحر من فيح جهنم»([16])، وفيه وجهان:
أحدهما: أن ذلك أنموذج ورقيقة اشتُقت من جهنم؛ليستدل بها العباد عليها ويعتبروا بها، ثم إن الله سبحانه وتعالى قدَّر ظهورهابأسباب تقتضيها، كما أن الروح والفرح والسرور واللذة من نعيم الجنة أظهرها الله فيهذه الدار عبرة ودلالة، وقدَّر ظهورها بأسباب توجبها.
والثاني: أن يكون المراد التشبيه؛ فشبه شدة الحمىولهبها بفيح جهنم، وشبه شدة الحر به أيضًا؛ تنبيهًا للنفوس على شدة عذاب النار،وأن هذه الحرارة العظيمة مشبَّهة بفيحها، وهو: ما يصيب من قرب منها من حرها([17]).
3) وجه الإعجاز:
إن تبريد الجسم بالماء يفيد في معالجة كل الحمياتالإنتانية، وليس ذلك محصورًا في معالجة ضربة الشمس، وقد نصح النبي صلى الله عليهوسلم باستعمال الماء البارد للحمى؛ لينقص من حرارتها، ويقلل من تأثيرها، وليس هناكمخصص لنوع منها، وهذه النصيحة لا شك أنها من إعجازات النبوة، فنحن اليوم في القرنالعشرين، أليس أول ما ينصح به الطبيب اليوم عمل كمادات بالماء البارد على رأسالمحموم؟! وهو ما سبق به النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400 عام في إعجازنبوي فريد، فسبحان من أرسله وعلَّمه صلى الله عليه وسلم.
(*) وهم الإعجاز العلمي، د. خالد منتصر، مرجع سابق. موسوعة الإعجازالعلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق.
[1]. الإعجاز العلمي في الأحاديث التي ذكرت الحمى،بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jameataleman.org.
[2]. الحمى: أعراضها وعلاجها، مقال منشور بموقع: صحةوجمال www.sehawegamal.com.
[3]. الإعجاز العلمي في الأحاديث التي ذكرت الحمى،بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jameataleman.org.
[4]. انظر: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة www.ar.wikipedia.org.
[5]. ما أسباب الحمى لدى المرأة؟ مقال منشور بموقع:إجابات جوجل www.ejabat.google.com.
[6]. الأعشاب الطبيعية تقي طفلك من ارتفاع الحرارة،مقال منشور بموقع: طريق الأخبار www.sehha.akhbarway.com.
[7]. الحمى عند الأطفال، د. حكمت فريحات، مقال منشوربموقع: الطبي www.altibbi.com.
[8]. تبريد الحمى بالماء، د. محمد نزار الدقر، بحثمنشور بموقع: طب الإسلام من صحيح البخاري www.islamimedicine.com.
[9]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب،باب: الحمى من فيح جهنم، (10/ 184)، رقم (5725).
[10]. الإعجاز العلمي في السنة النبوية الصحيحة، محمدسامي محمد علي، دار طيبة، دمشق، ط1، 1430هـ/ 2009م، ص77.
[11]. دراسات في أحاديث الطب النبوي: علاج الحمىبالماء، مقال منشور بموقع: الجلسة الدعوية www.al-jalsa.com.
[12]. شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين،مرجع سابق، ص2049.
[13]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجرالعسقلاني، مرجع سابق، ج10، ص185، 186 بتصرف.
[14]. شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين،مرجع سابق، ص2235.
[15]. لماذا أوصت السنة النبوية باستخدام الماء لعلاجالحمى، مقال منشور بموقع: المحبة الثقافية www.ma7ba.ahlamontada.net.
[16]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: مواقيتالصلاة، باب: الإبراد بالظهر في شدة الحر، (2/ 20)، رقم (533).
[17]. تبريد الحمى بالماء، د. محمد نزار الدقر، بحثمنشور بموقع: طب الإسلام من صحيح البخاري www.islamimedicine.com.
إنكار الحقائق العلمية في حديث: «صلاح الجسد بصلاح القلب
مضمون الشبهة:
ينكر بعض الطاعنين الحقائق العلمية الواردة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «… ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، زاعمين أن القلب المذكور في الحديث ليس هو القلب العضوي المتعارف عليه حاليًّا، وإنما المقصود به الإرادة الإنسانية أو الروح.
وجه إبطال الشبهة:
لا شك أن القلب المذكور في الحديث هو القلب العضوي، المتعارف عليه، وليس المراد به الإرادة الإنسانية أو الروح كما يزعمون، دلَّ على هذا كلمة “مضغة” في الحديث، والتي تعني لغويًّا: قطعة لحم، قدر ما يُمضغ، وقد سُمِّي القلب بها؛ لأنه قطعة لحم من الجسد، كما أن حقيقة الروح مازالت خافية على العلم بكل إمكانياته؛ لأن الله سبحانه وتعالى احتفظ بعلمها، ومن ثم فقد أثبت الطب الحديث أن القلب هو المتحكِّم والمحرِّك لجميع خلايا الجسم وأعضائه؛ لأنه الذي يمدُّها بالأكسجين والغذاء والمعلومات الكافية، لذا فهي تابعة له، تنصلح بصلاحه، وتفسد بفساده، وهو ما أشار إليه الحديث النبوي الشريف، فأيُّ إعجازٍ هذا؟!
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
يُعتبر القلب مضخَّة عضلية توفِّر الضغوط اللازمة لدفع الدم إلى مختلف أجزاء الجسم لتغذيتها بكلٍّ من الأكسجين والمواد الغذائية, ومن أجل ذلكيستمر القلب في التضاغط والانبساط بطريقة دورية منتظمة تستمر طيلة حياة الفرد منَّا دون توقف؛ كي لا يتوقف تدفُّق الدم إلى مختلف خلايا الجسم فتموت، خاصة الخلايا شديدة الحساسية مثل خلايا المخ، وهي لا تتحمَّل توقف وصول الدم إليها للحظة واحدة؛ وذلك لحاجتها الشديدة إلى كلٍّ منالجلوكوز والأكسجين.
ويتكوَّن قلب الإنسان من أربع غرف، تفصلها أربعة نظم من نظم الصِّمامات الضابطة لحركة تدفق الدم من القلب وإليه دائمًا في اتجاه واحد، وهذه الغرف الأربع هي: الأُذَيْنَان الأيمن والأيسر، والبُطَيْنَان الأيمن والأيسر؛ والأذينان يتميزان بصغر الحجم وبجداررقيق نسبيًّا، ويتلقَّيان الدم من العروق الرئيسية في الجسم ليفرغان في البطيْنَيْن: الأيمن في الأيمن والأيسر في الأيسر، أما البطينان فهما أكبر حجمًا، وأسمكجدارًا، وأقوى عضلات.
وعندما ينبسط البطَيْنان ينخفض الضغط بداخل كلٍّ منهما،فيشجِّع ذلك على تدفق الدم من الأذينين إليهما، كما يساعد انقباض الأذينين على إفراغهما مما قد يتبقَّى فيهما من الدم، والبطينان الأيمن والأيسر هما عضلتانفائقتا القوة، وعندما ينقبضان فإنهما يدفعان الدم متدفقًا إلى جميع أجزاء الجسم عبر شبكة الشرايين والأوردة التي يُقدَّر مجموع أطوالها بآلاف الكيلو مترات.
والصماماتالفاصلةبين كل أذين وبطينه لا تسمح بتحرُّك الدم إلا فياتجاه واحد فقط، ولا تسمح بمروره في عكس هذا الاتجاه، وبالمثل توجد صمامات ضابطة لاتجاه تدفقالدم في كل من الشريان الأبهر(Aorta)، والشريان الرئويPulmonaryArtery، هذه الصمامات تُعرَف باسم “الصمامات الهلالية”(SemilunarValves)، والأبهر هو الشريان الرئيسي الذي يحمل الدم من البطين الأيسر إلى باقي أجزاء الجسم، بينما الشريان الرئوي يحمل الدم من البطين الأيمنإلي الرئتين،والصمامات الهلالية تمنع الدم في الحالتين من الرجوع إلى البطينين، ولكن إذا حدث أدنى خلل في عمل هذه الصمامات فإن كفاءة القلب كمضخَّة للدم تتأثر بذلك، وقد يصاب القلب في هذه الحالة بعدد من الأمراض التي منها تضخُّم حجم القلب...
ويتلقَّى النصف الأيمن من القلب الدمَ من مختلف أجزاء الجسم، ويضخُّه عبر الشرايين الرئوية إلى الرئتين لتبادل ما به من ثاني أكسيد الكربون مع أكسجين الهواء الداخل إلى الرئتين عن طريق التنفس، وتُسمَّى هذه الدورة باسم الدورة الرئوية (Pulmonarycirculation).
بينما الجزء الأيسر من القلب ـ وهو الأكبر والأقوى ـيتلقى الدم المـُؤكسَد من الرئتين ويدفع به إلى باقي الجسم عبر الشريان الأبهر، وتعرفهذه الدورة باسم الدورة المجموعية (Systemiccirculation)، ودورة الدم هذه مسئولة عن تبادل الغازات والمواد الغذائية والنفايات في كل أجزاء الجسم ماعداالرئتين([1]).
رسم تخطيطي يوضِّح أن القلب مضخة الدورة الدموية
ومن ثم فإن القلب هو المحرِّك الذي لا يتعدَّى حجمه حجم قبضة اليد، ولا يتجاوز وزنه ثلث كيلو جرام، وهو المحرِّك الذي يغذِّي أكثر من ثلاث مئة تريليون خلية في جسم الإنسان([2]).
صورة توضِّح دورة القلب الفعال في الجسم
ومن ناحية أخرى فقد أثبت العلم الحديث أن للقلب وظيفة أخرى حيوية، وهي تخزين المعلومات، وهذا ما توصَّل إليه الدكتور PaulPearsall”” في مؤلفه “شفيرة القلب” (theheartcode)؛ حيث يقول:إن القلب يحسُّ ويشعر ويتذكَّر، ويرسل ذبذبات تمكِّنه من التفاهم مع القلوب الأخرى، ويساعد على تنظيم مناعة الجسم، ويحتوي على معلومات يرسلها إلى كل أنحاء الجسم مع كل نبضة من نبضاته([3]).
وقد ثبت بالتجربة أن أحد الأعراض الناتجة عن العمليات الجراحية بالقلب هو فقد شيءمن الذاكرة، ولذلك استنتج العلماء أن القلب هو مستودع الذكريات.
والخلاياالعصبية التي اكتُشفت مؤخرًا في القلب تشابه تمامًا نظائرها في المخ، وبذلك أثارأطباء القلب السؤال الآتي:
هل للقلب القدرة على التفكير والشعور والعاطفة والانفعال وتخزينالمعلومات القريبة والبعيدة في ذاكرة تشبه ذاكرة المخ؟
وجاءت إجابة أطباء القلب بكلٍّ من جامعة بيل الأمريكية ومعهد هارتمان بولاية كاليفورنيا YaleUniversityandHartmanInstituteCaliforniaبأن القلب جهاز فائق التعقيد، وأنمن صور هذا التعقيد وجود جهاز عصبي معقد بالقلب يشبه المخ تمامًا، له ذاكرة قصيرة وطويلة الأمد، وقد اتَّضح ذلك بجلاء عند نقل قلب من إنسان إلى إنسان آخر، فيأخذ القلبالمنقول معه من الذكريات والمواهب، والعواطف والمشاعر، والهوايات والسجاياوالتفصيلات الخاصة بالشخص الذي أُخذ منه القلب، والتي تبدو غريبة كل الغرابة عن صفاتالشخص الذي تمَّ نقل القلب إليه([4]).
القلب مركز مهم للمشاعر والتعقل
صورة توضح الخلايا العصبية داخل القلب
وقد أجرى معهد رياضيات القلب العديد من التجارب أثبت من خلالها عدة حقائق، منها أن القلب يبثُّ مجالًا كهربائيًّا هو الأقوى بين أعضاء الجسم؛ لذلك فمن المحتمل أن يسيطر على عمل الجسم بالكامل([5]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشار إليه الحديث الشريف:
لقد أثار الطاعنون شبهتهم قائلين: إن القلب المذكور في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «… ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»([6]) ـ ليس هو الجزء العضوي المتعارف عليه، بل المقصود به الإرادة الإنسانية أو الروح.
ولا شك أن هذا الكلام عارٍ تمامًا عن الصحة؛ يتضح ذلك جليًّا من خلال أقوال شُرَّاح الحديث والعلماء.
يقول ابن الجوزي: “سُمِّي القلب قلبًا؛ لتقلُّبه في الأمور، وقيل: بل لأنه خالص ما
في البدن، وخالص كل شيء قلبُه، والقلب أمير البدن، ومتى صلح الأمير صلحت الرعية”([7]).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية معلِّقًا على الحديث: “فمن صلح قلبه صلح جسده قطعًا بخلاف العكس”([8]).
وقال ابن حجر العسقلاني: “خُصَّ القلب بذلك لأنه أمير البدن، وبصلاح الأمير تصلح الرعية، وبفساده تفسد”([9]).
وتأكيدًا لما سبق يقول القاري: “القلب ملك مُطاع ورئيس مُتَّبع، والأعضاء كلها تَبَعٌ له؛ فإذا صلح المتبوع صلح التبع، وإذا استقام الملك استقامت الرعية، ويبيَّن ذلك الحديث، فالتحقيق في هذا المقام أن بين القلب والأعضاء تعلُّقًا عجيبًا وتأثيرًا غريبًا؛ بحيث إنه يسري مخالفة كلٍّ إلى الآخر، وإن كان القلب مدار الأمر إليه؛ ألا ترى أن تبرير الظواهر يؤثِّر في الباطن وكذا العكس”([10]).
وهذا ما توصَّل إليه العلم حديثًا؛ يقول الدكتور زغلول النجار: “في هذا الحديث الشَّريف لمحة من لمحات الإعجاز العلمي؛ إذ إن أيَّ مرض يصيب القلب فيفسده؛ يؤثِّر على سائر الجسد فيفسد؛ وذلك لأنَّ القلب يقومبضخِّ الدَّم غير النَّقي (غير المؤكسد) من البُطين الأيمن إلى الرئتين حيث يُنقَّى بأكسدته، ويعود الدَّم المؤكسد النَّقي من الرِّئتين إلى البطين الأيسر الذي يضخُّه إلىكلِّ أجزاء الجسم، فيُمدُّ تريليونات الخلايا المكوِّنة لجسم الإنسان بغاز الأكسجين والغذاء، وإذا اضطربت هذه الوظيفة أو اختلَّت وفسدت وصل هذا الفساد إلى سائر خلاياالجسد.
ويعجب القارئ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يصف هذه الحقيقة بدقة فائقة… وهي حقيقة طبيةلم يدركها علم الإنسان المكتسب حتى قام ابن النَّفيس باكتشاف الدَّورة الدَّموية الصغرى في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، وظلَّت فكرته مطمورة منسية لأكثر من ثلاثة قرون، حين حاول بعض الغربيِّين نسبتها لأنفسهم، فأحيوها وطوَّروها وأضافوا إليها، وأصبح من الثابت علميًّا أن القلب إذا صلح استقامتالدورة الدَّموية وصلح الجسد كله، وإذا فسد القلب فسد الجسد كله”([11]).
هذا عن وظيفة القلب من الناحية المادية الملموسة، فماذا عن الناحية المعنوية؟
يقول الدكتور النابلسي: “القلب هو الجانب المدرَك من الإنسان، وهو المخاطَب والمطالَب والمعاتَب، وهو محلُّ العلم والتقوى، والإخلاص والذكرى، والحب والبغض، والوساوس والخطرات، وهو موضع الإيمان والكفر، والإنابة والإصرار، والطمأنينة والاضطراب”([12]).
وقد توصَّل إلى هذا الطب الحديث عندما أثبت أن بداخل القلب خلايا عصبية يبلغ عددها أكثر من أربعين ألف خلية، وهذه الخلايا مسئولة عن التفكير، وعن توجيه الدماغ، ولها دور كبير في التحكُّم بكل الجسد([13]).
الخلايا العصبية للقلب
و بهذا “تتضح لمحة من لمحات الإعجاز العلمي في هذا الحديث النبوي الشَّريف إذا أُخذ على جانبه المادي العضويالملموس، وإذا أُخذ على جانبه المعنوي الروحاني الغيبي، فإننا نجده صحيحًا دقيقًا شاملًا؛ فالقلب بمدلوله المادي هو قوام حياة الجسد، إذا صلح صلح الجسد كله، وإذافسد فسد الجسد كله، والقلب بمدلوله المعنوي قوام العواطف، والعقائد، والمفاهيم والأفكار، وركائز الأخلاق ، وضوابط السلوك، فإذا صلح صلحت كل هذه الزوايا، وبصلاحها ينصلح الجسد كله”([14]).
ومن خلال ما سبق يتبيَّن أن القلب المذكور في الحديث هو القلب العضوي، تلك العضلة الكمثرية الشكل الموجودة في القفص الصدري، وليس المقصود به الإرادة الإنسانية أو الروح كما يدَّعون؛ وقد دلَّ على هذا تعبيره صلى الله عليه وسلم عن القلب بـ “المضغة”، وهي تعني في اللغة: قطعة من اللحم قدر ما يُمضغ، وسُمِّي القلب بها؛ لأنه قطعة لحم من الجسد([15])، فهل الإرادة الإنسانية أو الروح تُعَدُّ مضغة؟! لا شك أن العلم الحديث ـ على الرغم من تطوره ـ لا يزال يقف عاجزًا أمام معرفة حقيقة الروح ومكان وجودها في جسم الإنسان؛ بسبب نقص المعلومات لديه، ولكن الخالق سبحانه وتعالى حسم هذه القضية في كتابه الخالد؛ فقال سبحانه وتعالى: )ويسألونك عن الروحِ قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا (85)( (الإسراء).
وبعد كل ما سبق نتساءل: من علم هذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ذلك غير الله الخالق؟! ومن كان يستطيع في الجزيرة العربية أن يلمَّ بالدورة الدموية في جسم الإنسان، ودور القلب فيها وفي غيرها قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان، لو لم يكن مصدر ذلك وحي السماء؟! ومن الذي يضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخوض في مثل هذه الأمور الغيبية في زمانه، لو لم يكن واثقًا من صحة المعلومة الـمُوحَى بها إليه، وواثقًا من مصدرها؟!
3) وجه الإعجاز:
لقد أثبت الطب الحديث أن القلب هو المسئول عن إمداد جميع خلايا الجسم بالأكسجين والغذاء من خلال الأوردة والشرايين، كما أن له وظيفة أخرى حيوية، وهي تخزين المعلومات؛ لإرسالها إلى جميع خلايا الجسم، مع كل نبضة من نبضاته، ومن ثم فالقلب هو المتحكِّم في جميع أنحاء الجسم صلاحًا وفسادًا، وقد أشار إلى هذه الحقائق العلمية النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، فقال: «… ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
(*) موقع: مدونة وَهْم الأديان www.wahame.blogspot.com.
[1]. من آيات الإعجاز العلمي: الإنسان من الميلاد إلى البعث في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص400: 403. انظر: موسوعة جسم الإنسان: القلب والدم، بيران فارد، المركز العالمي للموسوعات، دار إلياس العصرية، القاهرة، 1987م، ص8: 13. موسوعة جسم الإنسان، أليكس دور خوف، دار الفكر، القاهرة، ط1، 1993م، ص13: 17.
[2]. أسرار القلب والروح، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيلwww.kaheel7.com.
[3]. أسرار القلب والروح، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيلwww.kaheel7.com.
[4]. من آيات الإعجاز العلمي: الإنسان من الميلاد إلى البعث في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص388، 389.
[5]. أسرار القلب والروح، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيلwww.kaheel7.com.
[6]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الإيمان، باب: فضل من استبرأ لدينه، (1/153)، رقم (52). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساقاة، باب: أخذ الحلال وترك الشبهات، (6/ 2476)، رقم (4017).
[7]. كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن، الرياض، 1418هـ/ 1997م، ج1، ص441.
[8]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، القاهرة، ط3، 1426هـ/ 2005م، ج7، ص9.
[9]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، مرجع سابق، ج1، ص156.
[10]. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، الملا علي القاري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1422هـ/ 2001م، ج4، ص198.
[11]. الإعجاز العلمي في السنة النبوية، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص104، 105.
[12]. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: آيات الله في الإنسان، د. محمد راتب النابلسي، مرجع سابق، ص253.
[13]. أسرار القلب والروح، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيلwww.kaheel7.com.
[14]. الإعجاز العلمي في السنة النبوية، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص107.
[15]. لسان العرب، مادة: مضغ.
الطعن في حديث تحديد جنس الجنين في اليوم الثاني والأربعي
مضمون الشبهة:
يزعم منكرو الإعجاز العلمي في القرآن والسنة أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكًا فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك…» يتعارض مع ما أثبته علماء الوراثة في العصر الحديث من أن جنس الجنين ـ ذكرًا أو أنثى ـ يتحدد منذ اللحظة الأولى التي يلتقي فيها الحيوان المنوي بالبييضة.
وجه إبطال الشبهة:
يتحدد جنس الجنين منذ لحظة التقاء الحيوان المنوي بالبييضة حين تلقيحه إياها، ولكن يظل الجنين غير محدد الملامح، ولا يأخذ صورته الآدمية، ومن ثم لا تبدو عليه أية علامة تحدد جنسه حتى اليوم الثاني والأربعين من التلقيح؛ حيث يأتي الملك فيسأل ربه عن جنسه، فيخبره الله ليكتبه عنده، ثم تبدأ ملامح الآدمية في الظهور، ومنها الأعضاء التناسلية الخارجية التي تبدأ في الظهور منذ ذلك اليوم.
فالحديث يخبر عن عدم معرفة الملك جنس الجنين في ذلك الوقت، ولم يخبر الحديث من قريب أو بعيد أن جنس الجنين لم يحدد حتى ذلك اليوم؛ ومن ثم فلا تعارض بين هذا الحديث وما اكتشفه العلم الحديث من كون تحديد جنس الجنين يكون في اللحظة الأولى من عمره.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
إن الأعضاء التناسلية الخارجية للجنين تكون متشابهة بين الذكور والإناث في بادئ الأمر، ولا يمكن التفريق بينهما إلا بعد اليوم الثاني والأربعين من تلقيح الحيوان المنوي للبويضة.
يقول كريم نجيب الأغر: الأعضاء التناسلية الخارجية تكون متماثلة إلى نهاية الأسبوع التاسع مع أن الغدتين التناسليتين للجنين قد بدأتا في التميز داخل بطن الجنين ابتداء من الأسبوع السابع تحت تأثير الصبغي (صy)، ومن ثم يبدأ التميز البطيء للذكورة أو الأنوثة الخارجية تدريجيًّا إلى أن يتحقق نهائيًّا في الأسبوع الثاني عشر، وذلك بعد أن تكتمل الصورة الآدمية للجنين ويتخلق العظام واللحم، ويتكون الجلد.
وتفصيل ذلك أن البدايات الأولية للأعضاء التناسلية الخارجية تكون متشابهة في بادئ الأمر بين الذكور والإناث، وتبدأ بالتطور قبل اليوم الثاني والأربعين في الأسبوع الرابع، إلا أن الحديبة التناسلية والانتفاخ الشفري العجزي، والطيات البولية التناسلية المنشئة للخواص الجنسية المميزة، لا تظهر إلا في الأسبوع التاسع، ومن ثم يبدأ التميز البطيء.
والدليل الإضافي على أن تميز الشكل الخارجي للأعضاء التناسلية للجنين يأتي زمنيًّا بعد تميز الجلد، هو: أن الأعضاء التناسلية الخارجية تتكون من نتوءات في الجلد.
نرى في هذه الرسومات تطور الأعضاء التناسلية للذكر والأنثى، ونرى في الرسمين (A,B) كيف أن عضو الجنين ـ ذكرًا كان أو أنثى ـ يتبع خط التطور نفسه، ويكون متماثلًا من الأسبوع الرابع إلى الأسبوع السابع على النحو الذي جاء في الرسمين (A,B)، وتبدأ الأعضاء تتمايز ابتداء من الأسبوع التاسع، والرسومات (D,F,H) تمثل تطور الجهاز التناسلي الأنثوي في الأسابيع (9 ـ 11 ـ 12) على التوالي، والرسومات (C,E,G) تمثل تطور الجهاز التناسلي الذكري في الأسابيع (9 ـ 11 ـ 12) على التوالي، فنرى باختصار كيف أن قضيب الرجل يحافظ على طوله وتكبر حشفته، بينما ترتفع قاعدته عن كيس الصفن، كذلك فإن الفتحة البولية تلتحم وتصعد، أما عند الأنثى فإن الحشفة تتحجم لتصبح فيما بعد البظر، كذلك فإن طول القطيب يقصر ويحافظ على مكان قاعدته (ملتقى الشفرين الخلفيين)، وأما الفتحة البولية فتنزل إلى الأسفل وتتألف منها الفتحة البولية للأنثى وغشاء البكارة
ومن المعروف أن جنس الجنين يتحدد حين يلتقي الحيوان المنوي بالبويضة، لكن هناك احتمال أن تتطور الأعضاء التناسلية الخارجية للجنين في وضع مغاير لوضع جنس الجنين الوراثي الذي قدر في مرحلة النطفة، فقد يتحدد جنس الجنين الوراثي أنه ذكر، وتتطور أعضاؤه التناسلية الخارجية كأنثى، وقد يتحدد جنس الجنين الوراثي أنه أنثى، وتتطور أعضاؤه التناسلية الخارجية كذكر، وهناك عدة أسباب علمية لهذا الانحراف، فالحاصل أن التاريخ الجنسي للإنسان يتبع ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: هي المرحلة الخلوية؛ حيث تحدد صفات الخلايا الجنسية، هل هي ذكرية أم أنثوية؟ تبعًا لطبيعة الحيوان المنوي الذي سيخصب البويضة؛ هل هو حامل لشارة الذكورة (y)، أم لشارة الأنوثة (x) فإذا كان حاملًا لشارة الذكورة (y) أصبحت الخلايا ذكرية، وإذا كان حاملًا لإشارة الأنوثة (x) أصبحت الخلايا الجنسية خلايا جنسية أنثوية.
المرحلة الثانية: وتتبع المرحلة الأولى مرحلة التمايز الجنسي للأعضاء الداخلية.
ففي البداية تتماثل أجنة الجنسين، ويكون الجنين واحد الهيئة في الجنسين بمرحلة تعرف بمرحلة عدم التمايز (Indifferent stage)، وتوجد في الجنين أعضاء أولية، بهيئة قناتين في كل جنب من تجويف البطن في مقدمة كتلة الظهر، ينشأ منها الأعضاء الجنسية للنوعين، ففي حال كان الجنين يحمل خلايا جنسية ذكرية تتطور أعضاء جنسية داخلية ذكرية تحت تأثير مورِّث (gene) ذات صفات سائدة (Dominant) يقبع على طرف الذراع القصير للصبغية الجنسية السائدة المميزة للذكور(y ) في منطقة تسمى منطقة تحديد الجنس (chromosome: Srysex Determining Region of y )، ويحتوي على توجيهات وراثية تحددذكورة الأعضاء التناسلية الداخلية؛ فتتكون عندئذٍ من (قناة
وولف wolffian Duct) الأعضاء الجنسية الداخلية في الذكور، وتشمل: الحويصلات المنوية (Seminal Vesicles)والبربخ (Epididymis)والوعاء الناقل (VasDeference), والخصية (Testis)، وإذا كانت الخلايا الجنسية أنثوية تتكون من قناة مولر (Mullerian Duct)الأعضاء الجنسية الداخلية في الإناث، وتشمل الرحم، وقناتيه، وعنقه، والمنطقة أعلى المهبل، ولا تتمايز الأعضاء الجنسية الداخلية إلا في الأسبوع السابع.
الغدتان التناسليتان
صورة توضح تطور الأعضاء التناسلية الداخلية للجنين
المرحلة الثالثة: هي مرحلة تمايز الأعضاء التناسلية الخارجية إلى أعضاء تناسلية أنثوية أو أعضاء تناسلية ذكرية، ويبدأ هذا التمايز في نهاية الأسبوع التاسع، وينتهي في الأسبوع الثاني عشر.
إن تمايز الأعضاء التناسلية قد ابتدأ قبل هذه المرحلة (أي المرحلة الثالثة) وهو الآن في طور التفصيل؛ أي إن التمايز الجنسي قد ابتدأ في المرحلة الثانية كتطور تحضيري خفي، لم تظهر تفصيلاته للناظر، وها هو الآن يظهر بالتفصيل.
وفي الثدييات على وجه العموم، وعند الإنسان على وجه الخصوص إذا لم تظهر خصية وتفرز هرمونات الذكورة كهرمون التستسترون (testosterone) وهرمون أندروستنديون (Androstenedion)، والهرمون المثبط لقناة مولر (Anti-MullerianHormone: AMH)، تتكون أعضاء تناسلية خارجية أنثوية تلقائيًّا (Default Pathway)، وتضمر قناة وولف، وينتج المبيض هرمون الأنوثة الأستروجين (Estrogen)، ومهمته تكميل قناة مولر، والخصائص الأنثوية الثانوية؛ كنضوج الثدي عند البلوغ.
وليس ذلك السبب الوحيد لكي تتطور أعضاء تناسلية خارجية أنثوية، بل هناك أسباب أخرى تحول دون تمايز الأعضاء التناسلية الخارجية إلى أعضاء تناسلية ذكرية، مثل عدم تفاعل هرمون الذكورة التستسترونtestosteroneجيدًا في الجسم، فيخلق لدى الجنين الذكر وراثيًّا أعضاء تناسلية أنثوية.
ومن تلك الأسباب عدم تأثر الأعضاء التناسلية للجنين لوجود هرمون الذكورة ولديها مناعة لمفعوله؛ وقد يكون ذلك لعيب في نظام الجنين الاستقبالي للهرمون (Androgen Receptor Mechanism) الذي لا يسمح له بالتعرف على الهرمون الذكري والتفاعل معه حتى تسير الأعضاء التناسلية إلى شكل الذكورة، وقد يكون ذلك عائدًا لنقص في إنزيم ريدوكتاز (Reductase 55) اللازم لتحويل هرمون التستسترون (testosterone) إلى مادة دي هايدرو تستسترون (testosteroneDY- Hydro -) تلك المادة الأساسية لتحويل الأعضاء التناسلية الخارجية من الأنوثة إلى الذكورة.
ومن تلك الأسباب أيضا نقص هرمون التستسترون لدى الجنين الذكر وراثيًّا؛ وذلك لأن الأعضاء التناسلية للجنين غير قادرة على إنتاج هرمون التستسترون، لعدم تجاوب الخصية لدى الجنين مع هرمون أل أتش (LH) اللازم لوظيفة الخصية الحيوية لتمكينها من إنتاج هرمون التستسترون الذكري، فتسير الأعضاء التناسلية في خطها المرسوم عند عدم وجود التستسترون؛ ولذلك تتجه إلى تكوين أعضاء تناسلية أنثوية خارجية كالمهبل، رغم وجود الخصية مختبئة في الشفرين أو في القناة الإربية (Inguinal Canal).
وقد ينقص الجنين الذكر وراثيًّا هرمون الأم آي أس (Mullerian Inhibitingsubstance: mis) الذي يقمع تطور الأنابيب التي سينشأ منها الرحم (Paramesonephric Ducts)؛ مما يؤدي إلى جنين يحمل علامات الذكورة خارجيًّا بالإضافة إلى رحم وقنوات فالوب.
كما أن هناك احتمالًا أن يحصل العكس؛ أي أن يكون الجنين أنثى وراثيًّا، حاملًا صبغيات (س س xx)، ولكن تتخلّق لديه أعضاء ذكرية، وذلك لأن الغدة الكظرية (Suprarenal Gland) (فوق الكلية) تفرز في بعض الحالات هرمون الذكورة، فتتراكم لديه، ويتجه خط سير الأعضاء نحو الذكورة، وينمو البظر نموًّا كبيرًا لدرجة أنه يصبح مشابهًا للقضيب، ويلتحم الشفران الكبيران مما يجعلهما يشبهان كيس الصفن ـ أي الكيس الذي يحوي الخصيتين ـ ويحتفظ الجنين مع هذا بالرحم والمبيض([1]).
إن الحقيقة العلمية الثابتة التي توصل إليها العلم الحديث هي أن تشكيل الأعضاء التناسلية الخارجية (الفرج) في الجنين، والتي بها يتم التمييز بين الذكر والأنثى، لا يبدأ إلا بعد الليلة الثانية والأربعين، حيث إنه في هذه الليلة تبدأ الصورة الآدمية للجنين بالظهور، وقبلها لا تكون معالم الآدمية واضحة؛ يقول البروفيسور “جولي سمسن”: “وعند نهاية الأسبوع السادس وقبل اليوم الثاني والأربعين لا تكون صورة الوجه واضحة أو شبيهة بصورة وجه الإنسان”([2]).
يقول حمدي عبد الله الصعيدي: أثبت العلم الحديث أن الخصية أو المبيض تنمو من الحدبة التناسلية في منطقة بين الصلب (العمود الفقري) والترائب (الأضلاع)، ثم تنزل تدريجيًّا إلى الحوض ابتداء من الأسبوع العاشر للحمل حتى تصل إلى الحوض في الشهر السابع، ثم تواصل الخصية نزولها في الشهر التاسع إلى كيس الصفن خارج الجسم.
وقد تبين أن الأطباء لا يمكنهم معرفة الجنين إلا بعد مضي أربعة أشهر على
الأقل عندما يمكن أن تغرز إبرة لسحب نقطة من السائل الأمنيوسي لفحص خلايا الجنين، هل تحمل شارة الذكورة (Y) أو تحمل شارة الأنوثة (X).
أما في الجنين ذاته فإنه لا يمكن تمييزه ـ ولو نزل سقطًا وشُرِّح تشريحًا كاملًا ـ حتى نهاية الأسبوع السادس الرحمي؛ فغدد التناسل، وهي: الخصية (في الذكر) والمبيض (في الأنثى) تتشابهان تمامًا في هذه المرحلة المبكرة من النمو، ولا يمكن التمييز بينهما.
وفي بداية الأسبوع السابع تبدأ الخصية بالنمو قبل المبيض ويظهر فيها نسيج خاص، كما أنها تلف بغلالة بيضاء تدعى “اللفافة البيضاء”، ويصعب التفريق بين الذكر (Male) والأنثى (Female)، من حيث الأعضاء التناسلية الظاهرة (External sexualorgans)، حتى بداية الشهر الرابع من الحمل، وعندها يمكن التمييز بينهما.
أما بداية تكون هذه الأعضاء فتبدأ في الأسبوع الرحمي السادس (42 يومًا) وتستمر في النمو، ولكن التمييز لا يظهر إلا في بداية الشهر الرابع.
وإذا كان من الثابت علميًّا أن جنس المولود يتحدد في اللحظة الأولى التي يلتقي فيها الحيوان المنوي بالبويضة، إلا أن التكوين والتصوير الجنسي يتحدد ـ كما سبق بيانه ـ في خلال الأسبوع السادس؛ أي: بعد مرور اثنتين وأربعين ليلة([3]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشار إليه الحديث الشريف:
روى الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكًا فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك…»([4]).
وهذا الحديث قد أشار إلى حقائق علمية مهمة لم يكتشفها العلماء إلا في العصر الحديث بعد اكتشاف الأجهزة التي يمكن من خلالها مراقبة الجنين ومتابعة تطوراته في رحم الأم.
حيث أخبر الحديث الشريف أنه لا تظهر ملامح الذكورة أو الأنوثة على الجنين إلا بعد اليوم الثاني والأربعين، عندها فقط تبدأ الأعضاء التناسلية في الظهور، ويمكن التفرقة بين الذكر والأنثى، لذلك يسأل الملك الموكل بالرحم المولى سبحانه وتعالى عن نوع الجنين فيخبره الله سبحانه وتعالى، ثم تبدأ الأعضاء التناسلية الخارجية في التشكيل.
وقد أثبت العلم الحديث أن الجنين لا يمكن تمييزه ـ ولو نزل سقطًا وشرح تشريحًا كاملًا ـ حتى نهاية الأسبوع السادس الرحمي؛ فغدد التناسل؛ وهي: الخصية (في الذكر)، والمبيض (في الأنثى) تتشابهان تمامًا في هذه المرحلة المبكرة من النمو، ولا يمكن التمييز بينهما.
ويبدأ تكون هذه الأعضاء في الأسبوع السادس (42 يومًا) وتستمر في النمو، ولكن التمييز لا يظهر إلا في بداية الشهر الرابع.
لذلك قد يتساءل القارئ: لماذا يأتي الملك ليميز جنس الجنين، وقد تقدر جنسه في فترة إخصاب البويضة؛ وفقا للآية: )من نطفة خلقه فقدره (19)((عبس)؟
والجواب: إن هناك احتمالًا أن تتطور الأعضاء التناسلية الخارجية لجنس الجنين في وضع مغاير لوضع جنس الجنين الوراثي الذي قدر في مرحلة النطفة؛ فقد يتحدد جنس الجنين الوراثي أنه ذكر، وتتطور أعضاؤه التناسلية الخارجية كأنثى، وقد يتحدد جنس الجنين الوراثي أنه أنثى، وتتطور أعضاؤه التناسلية الخارجية كذكر، وهذا الحديث يلقي الضوء على الظاهرة، وهي أن جنس الجنين الوراثي (Geneticsex) قد يختلف عن جنس الجنين التشريحي (PHENOTYPIC SEX) ([5]).
وقد عرفنا الأسباب العلمية لهذا الانحراف، وذلك في الحقائق العلمية التي ذكرناها؛ وهذا يؤكد أن سؤال الملك في ذلك الوقت بالتحديد عن الإذكار والإيناث مع العلم بأن تقدير جنس الجنين قد حصل في وقت الإخصاب ـ يدل على معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم ـ من خلال الوحي ـ بما يجري في جسم الجنين من تأثير الهرمون على التخلق الخارجي للأعضاء، وهذه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن مفهوم ظاهرة التوازن الهرموني لم يكن معروفًا إلا بعد اكتشاف التأثير الهرموني المخالف عما يجري لما قدرته الصبغيات ـ بإذن الله ـ وهذا لم يعرف أبدًا في العصور الغابرة، وإنما عرف في الآونة الأخيرة (في القرن العشرين)، وذلك بعد اكتشاف تقدير جنس الجنين من قبل الصبغيات، وبعد اكتشاف الهرمونات في تكوين الأعضاء التناسلية الخارجية([6]).
إن الحديث الشريف يدل دلالة واضحة على أن الأعضاء التناسلية الخارجية لا تظهر في الجنين إلا في هذا اليوم؛ فالبدايات الأولية للأعضاء التناسلية الخارجية تكون متشابهة في بادئ الأمر بين الذكور والإناث،وتبدأبالتطورقبلاليوم الثاني والأربعين ـ في الأسبوع الرابع ـ إلا أن الحديبة التناسلية، والانتفاخ الشفري العجزي، والطيات البولية التناسلية، المنشئة للخواص الجنسية المميزة، لا تظهر إلا في الأسبوع التاسع (أي بعد الليلة الثانية والأربعين)، كما أنه لا يمكن التفريق بين الأعضاء التناسلية الخارجية المذكرة والمؤنثة إلا بعد الأسبوع الثاني عشر؛ يقول البروفيسور “برساد”: وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم كل هذه التطورات التي وصفت فيما تقدم، ومواعيدها في الحديث الذي رواه مسلم عن حذيفة. وذكر نص الحديث ثم قال: “فهذا الحديث الشريف يوضح أهمية اليوم الثاني والأربعين في حياة الجنين داخل الرحم، كما يبين التطورات الدقيقة التي تظهر بعد هذا اليوم”([7]).
إن الحديث يشير إلى تطور الأعضاء التناسلية الخارجية الذي يظهر في الأسبوع الثاني عشر، لا إلى تحديد الجنس التقديري الجيني الذي يتحدد مع عملية الإخصاب في مرحلة النطفة؛ حيث أشار القرآن الكريم إلى هذا في قوله سبحانه وتعالى: )وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى (45) من نطفة إذا تمنى (46)((النجم).
وإذا تأملت في الحديث الشريف وجدت أن سؤال الملك يتعلق بتحديد الأعضاء التناسلية الخارجية التي يفرق الناس بها بين الذكر والأنثى، وهذه لا تخلق إلا في الأسبوع الثاني عشر؛ أي بعد أن يأخذ الجنين صورته الآدمية .
أما قيام هذه الأجهزة بوظائفها فإنه يكون في مرحلة تالية؛ فخلق الأجهزة وإيجادها يسبق تهيئتها للقيام بوظائفها المتخصصة([8]).
يقول الدكتور السباعي حماد: لماذا يسأل الملك عن الجنس؟ يبدو أنه لا يعرف أن الجنس قد سبق وأن تحدد بنوع الحيمن، والملك عنده كل الحق، فهذه مسألة تحتاج إلى تقنيات معقدة لكشفها، وعنده الحق أيضًا في سؤاله؛ إذ لا يمكن في اليوم الثاني والأربعين التفريق بين الذكر والأنثى لا داخليًّا ولا خارجيًّا من الناحية التركيبية، فكل جنين به زوجان من التراكيب الداخلية أنبوبية الشكل، واحد منهما مصيره إلى الجهاز الذكري، والآخر مصيره إلى الجهاز الأنثوي، والمظهر الخارجي واحد.
يكون الوجه على شكل قطع أو أوصال لا تلبث أن تلتحم في الأسبوع السابع، وكذلك الجنس الذي لا يمكن تمييزه ظاهريًّا عند اليوم الثاني والأربعين يبدأ في التمايز بعد هذا اليوم (بعد زيارة الملك).
وبعد سؤال الملك لله سبحانه وتعالى وكتابته ما أمره به في الأيام التالية تنمو قناة وتتراجع قناة، وتتميز الأعضاء الجنسية الخارجية تابعة للأنبوب الذي تطور داخليًّا؛ فإما قضيب وصفن، وإما بظر ومهبل، ويمكن للفاحص أن يفرق بين الجنسين فقط بعد زيارة الملك([9]).
وفي النهاية فإنه لا تعارض بين هذا الحديث الشريف وبين ما أثبته علماء الوراثة في العصر الحديث من أن جنس الجنين يتحدد حين يلتقي الحيوان المنوي بالبييضة؛ إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في حديثه أن جنس الجنين يتحدد في هذا اليوم، وإنما ذكر أن الملك يسأل الله سبحانه وتعالى عن جنسه، وذلك لعدم علمه بنوعه؛ حيث إن أعضاءه الخارجية لم تكن قد ظهرت بعد، وليس فيه ما يميز جنسه، وقد أثبت العلم الحديث أن الجنين يظل حتى اليوم الثاني والأربعين ليس به من الأعضاء التناسلية الخارجية شيء.
3) وجه الإعجاز:
إن الجنين قبل اليوم الثاني والأربعين لا تبدو عليه ملامح الآدمية، ولا يوجد به أعضاء مميزة لجنسه؛ فلم يخلق السمع أو البصر أو العظم أو الجسم بعد، ولم يخلق له أي من الأعضاء التناسلية في هذا الوقت، وإن كان قد حدد جنسه منذ تلقيح الحيوان المنوي للبويضة، لذلك لا يعرف الملك جنسه فيسأل المولى سبحانه وتعالى فيخبره عن الجنس، فتبدأ أعضاؤه التناسلية الخارجية منذ هذه اللحظة في التشكيل. بالإضافة إلى أن هناك احتمالًا أن تتطور هذه الأعضاء التناسلية الخارجية للجنين في وضع مغاير لوضع جنس الجنين الوراثي الذي قدر في مرحلة النطفة؛ لذلك يتأكد التحديد في ذلك الوقت الذي تبدأ الأعضاء التناسلية الخارجية بعده مباشرة في الظهور.
(*) الرد على شبهات علمية في الحديث النبوي حول تكوين الجنين، مقال منشور بموقع: أتباع المرسلين www.ebnmaryam.com. إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، كريم نجيب الأغر، مرجع سابق.
[1]. إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، كريم نجيب الأغر، مرجع سابق، ص363: 369.
[2]. بيِّنات الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، عبد المجيد الزنداني، دار الإيمان، الإسكندرية، 2006م، ص175.
[3]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، القاهرة، ط1، 2007م، ص283، 284 بتصرف.
[4]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، (9/3759)، رقم (6602).
[5]. إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، كريم نجيب الأغر، مرجع سابق، ص366 بتصرف.
[6]. المرجع السابق، ص371 بتصرف.
[7]. بيِّنات الرسول سبحانه وتعالى ومعجزاته، عبد المجيد الزنداني، مرجع سابق، ص179.
[8]. آيات الإعجاز العلمي من وحي الكتاب والسنة، عبد الرحمن سعد صبي الدين، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، ص250، 251.
[9]. تأملات طبية إسلامية، د. السباعي حماد، كتاب الجمهورية، نوفمبر 2002م، ص24، 25.
التفصيل:
الطعن في الإعجاز العلمي لحديث ولوغ الكلب في الآنية
مضمون الشبهة:
يسخر بعض الطاعنين من إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى ضرورة غسل الآنية التي ولغ فيها الكلب سبع مرات على أن تكون إحداهن بالتراب، ونص الحديث هو: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب».
ويتساءلون: ما الذي يميز لعاب الكلب عن بقية السباع والحيوانات حتى يُخص بهذا الإرشاد؟ ولماذا اختص التراب ضمن المرات السبع لغسل الآنية؟ أليس هناك سوى التراب ما يتميز بالقدرة على غسل الآنية وتنظيفها؟!
وجه إبطال الشبهة:
لقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن هناك أكثر من خمسين مرضًا ينقله الكلب للإنسان، أخطرها مرض الكلب (Rabies)، الذي يؤدي في معظم حالاته إلى وفاة الإنسان المصاب، وغيره الكثير من الأمراض والديدان التي تنتقل عن طريق لعاب الكلب وأنفه، كما أثبتت دراسات أخرى فاعلية مادة التراب في القضاء على الجراثيم الضارة، بل يُعد من أفضل مواد التعقيم ضد بعض الجراثيم، ومن هذا نفهم مدى الإعجاز العلمي لإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى غسل الإناء الذي يلغ فيه الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
الكلب (Dog) من الثدييات المشيمية آكلة اللحم التي تتبع رتبة خاصة من رتب طائفة الثدييات (ClassMammalia) تُعرف باسم رتبة آكلة اللحم (اللواحم)، واسمها العلمي (CanisFamiligiaris).
وتضم ثدييات من آكلة اللحوم؛ مثل: الكلب والذئب والثعلب وابن آوى والقط والنمر والأسد والدب والفقمة (عجلالبحر) وحيوانالفظ، وإن كان بعضها- مثل الدببة- تأكل الخضراوات أيضًا.
وتُقسم رتبة الثدييات آكلة اللحم إلى عدد من الفصائل:
فصيلة الكلاب وأشباهها.
فصيلة الدِّبَبة وأشباهها.
فصيلة القطط وأشباهها.
فصيلة الضِّباع وأشباهها.
فصيلة الراكون وأشباهه.
وتتميز الثدييات المشيمية آكلة اللحم بأحجامها الكبيرة نسبيًّا, وبعضلاتها المفتولة القوية, وبتحوُّر أسنانها لتناسب طبيعة الغذاء الذي تعيش عليه, وأغلبه اللحوم والغضاريف والعظام؛ لذلك تخصصت أسنانها في القطع والتمزيق, وبالقدرة على الإمساك بالفريسة وحملها إلى مسافاتبعيدة, فالقواطع الأمامية تقطع, والأنياب تمزق, وكذلك المخالب القوية تمسك بالفريسة وتعين على تمزيقها, وهي في مجموعها حيوانات لها القدرة على الجريالسريع([1]).
هذا، ويُعد الكلب من أوائل الحيوانات التي استطاع الإنسان استئناسها؛ إذ يرجع أقدم أثر للكلاب المستأنسة على سطح الأرض إلى 12,000 إلى 14,000 سنة مضت حين بدأ الإنسان استئناسها.
الأمراض التي ينقلها الكلب للإنسان:
كثير من الناس في عصرنا هذا- لا سيما في العالم الغربي ومن يقلدهم في بلاد أخرى- يقتنون الكلاب للزينة فقط، ويحملونها ويداعبونها ويزينونها، ويعتنون بمظهرها وغذائها؛ جهلاً منهم بما تنقله الكلاب من أمراض عديدة للإنسان.
ولقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن الأمراض التي تنقلها الكلاب للإنسان تصل إلى نحو خمسين مرضًا، أخطرها مرض الكلب (Rabies)، ويسببه فيروس يحمله الكلب في لعابه، وسنفصل فيه القول فيما بعد.
وينقل الكلب للإنسان أمراضًا أخرى مثل:
مرض دودة الكلب الشريطية (EchinococcusGranulosus):
تعيش هذه الدودة في أمعاء الكلب، وتخرج بويضاتها من برازه، ولما كان الكلب يلعق مؤخرته بفمه، فإن بويضات تلك الدودة تتعلق بفم الكلب المصاب، والإنسان الذي يحمل الكلب المصاب بين يديه، أو يحتفظ به داخل بيته، ويصل الكلب بالتالي إلى آنية طعام الإنسان، كل هذه الوسائل تؤدي إلى أن تصل بويضات تلك الدودة إلى فم الإنسان، ومن الفم إلى الأمعاء، وفي الاثنا عشر تفقس البويضة وتخرج منها يرقة نشطة، تخترق جدار الأمعاء لتصل إلى الوريد البابي فتصل إلى الكبد، ومنها إلى أعضاء جسم الإنسان المختلفة، وتسبب العدوى للإنسان بتلك الدودة من الكلب أكياسًا في أماكن شتى من جسمه، وأكثرها في كبد الإنسان في 63% من الحالات، وفي الرئتين في 2% من الحالات، وفي العظام في 3% من الحالات، وفي المخ في 1% من الحالات، وفي الطحال في 3% من الحالات، وفي الكلى في 2% من الحالات.
ومن هذا نجد أن تلك الأكياس أو الحويصلات توجد في الكبد والرئتين في الإنسان، وتلك الأكياس تسبب أخطارًا للجسم، ولا بد من استئصال تلك الحويصلات جراحيًّا، وتصل العدوى من الكلب المصاب إلى الإنسان عن طريق مداعبة الكلب المصاب، أو ملامسة فمه ووصول بويضات الدودة إلى فم الإنسان، كما أن العدوى تحدث للإنسان عن طريق تناول خضروات ملوثة ببراز الكلب المصاب.
ديدان الكلب الشريطية الأكثر شيوعًا في الكلاب
مرض النزف اليرقانيLeptospirosis(Weil,sDiscase):
توجد أنواع كثيرة من هذا المرض؛ منها نوع لا ينتقل إلا عن طريق الكلاب، ويسببه طفيل يسمى LeptospiraCanicola، ويعيش في دم المريض، وينتقل من الكلب المصاب إلى الإنسان الذي يعايشه داخل المنزل ويحمله بيديه، والعدوى تكون عن طريق البول، ومن طبع الكلب أن يتبول في كل ركن من أركان المنزل، وقد يلوث أواني طعام الإنسان المقيم بالمنزل نفسه، وقد يخترق طفيل المرض الموجود في بول الكلب جلد الإنسان ويصل إلى دمه، فيُصاب الإنسان بهذا المرض الذي قد يسبب له الوفاة.
الدودة الشريطية الكلبيةDiplydiumCaninum:
توجد تلك الدودة في أمعاء الكلب المصاب؛ لذلك تخرج بويضاتها في برازه، وتنتقل بالتالي إلى هواة حمل الكلاب ومداعبتها ومعايشتها داخل المنزل فيُصابون بهذه الدودة، وما تسببه من أعراض مرضية.
داء الديدان القوسيةToxaCaraCanris:
توجد هذه الدودة في أمعاء الكلب المصاب، وتخرج بويضاتها في برازه، فإذا كان الكلب يعيش داخل المنزل، فإن بويضات تلك الديدان ستصل إلى أوعية طعام الإنسان بطريقة أو بأخرى، ومنها إلى طعام الإنسان؛ فيُصاب الإنسان بهذه الديدان القوسية التي تنتقل من مكان إلى مكان في جسمه، مسببة الكثير من المتاعب الصحية، ومنها أمراض الحساسية، والربو الشعبي، وتضخم كل من الكبد والطحال في بعض الحالات، وقد يصاب أي عضو آخر في جسم الإنسان.
داء اليرقات الجلديةCutaneousLarvaMigrans:
يسبب هذا المرض كلب مصاب بديدان الإنكلستوما الكلبية، وتخرج البويضات في براز الكلب المصاب، وإذا كان معايشًا للإنسان داخل المنزل أو ملامسًا له فإن بويضات تلك الديدان تصل إلى فم الإنسان بطريقة أو بأخرى، وتفقس في أمعائه، وتخرج منها يرقات، وقد تخترق تلك اليرقات جلد الإنسان، وتسبب له متاعب كثيرة في الجلد، وأمراضًا كثيرة أخرى([2]).
صورة توضح أماكن تواجد بعض الطفيليات الخارجية والداخلية عند الكلب
مرض الحويصلات المائية:
يسبب هذا المرض طفيليٌّ خطير يتعايش مع الكلب، يُدعى(EchinococcusGranulosus)، وهذا الطفيلي يمكن أن يصيب أي عضو من أعضاء البدن، وبخاصة الأعضاء الحيوية؛ كالكبد والطحال والرئتين والكليتين والقلب والعظام والجهاز العصبي والعين، وكثيرًا ما تدفع هذه الحويصلات الجراح للقيام بعمليات جراحية ظنًّا منه بأنها أورام سرطانية، وإذا ما انفجرت هذه الحويصلات أثناء الجراحة كان لانفجارها في الجسم ردود فعل عنيفة، وتولدت منها حساسية مفرطة أو شرى حاد (UrticariaAcute) ينتهي بحدوث صدمة في جهاز الدوران، وهذه الصدمة قد تودي بحياة المريض([3]).
مرض سعار الكلب (Rabies):
هذا المرض هو أخطر الأمراض التي ينقلها الكلب المصاب إلى الإنسان، يسببه فيروس يوجد في لعاب الكلب المريض، وينتقل المرض إلى الإنسان السليم بواسطة عضة كلب مريض، وقد ينتقل المرض من الكلب المصاب إلى الإنسان السليم حتى بدون عضة، وذلك إذا لمس لعاب الكلب المصاب جرحًا أو خدشًا في جسم الإنسان الذي يحمله، من هذا نفهم أن ملامسة الكلاب، وكثرة الاختلاط بها، وحملها وتدليلها من أسباب العدوى بهذا المرض، فضلاً عن عشرات الأمراض الأخرى.
وهذا المرض في الكلاب يُسمى علميًّا “مرض الكلب” (Rabies)، أما إذا انتقل إلى الإنسان ومرض به الإنسان صار المرض باسم آخر، هو مرض الخوف من الماء (Hydrophobia)؛ ذلك لأن المريض إذا شاهد الماء يُصاب بتقلصات عضلية شديدة في عضلات الجسم، وخاصة بالبلعوم، فيحدث له ذعر شديد، وتمتد فترة الحضانة لأكثر من شهر، وتعتمد على كمية الفيروسات التي تدخل الجسم، وعلى مكان العضة ودرجة قربها من الرأس، فكلما كان مكان العضة قريبًا من الرأس كلما كانت فترة الحضانة أكثر.
ومن أعراض هذا المرض “الخوف من الماء”:
فقدان الشهية للطعام.
صداع وغثيان وقيء.
ألم بمكان العضة لم يكن موجودًا من قبل.
يصير الإنسان سريع الإثارة للمؤثرات الخارجية، من ضوء ولمس وصوت؛ فتتوتر عضلات الجسم كلها.
يزداد إفراز اللعاب كما يفعل الكلب المريض.
الخوف من منظر الماء، ويصاحب ذلك تقلصات عضلية بالجسم كله عمومًا، وبعضلات البلعوم خصوصًا، وبعد هذه المرحلة يدخل المريض في مرحلة أخرى يحدث فيها فقدان للصوت، وضعف عضلي عام يصل إلى الشلل، وىظل المريض هكذا حتى يموت([4]).
كلب مصاب بداء الكلب ((Rabies
8.ومن الطفيليات التي تنقلها الكلاب للإنسان أيضًا ديدان طفيلية:
، تُعرف باسم (توكسوكارا كانيس)، وهي كما يقول الدكتور الإسمعلاوي المهاجر: تسبب فقدان البصر والعمى للإنسان، ولاحظ الدكتور إيان رايت- إخصائي الطب البيطري في سومر سيت- بعد فحص 60 كلبًا، أنربع الحيوانات تحمل بيوض تلك الدودة في فرائسها؛ حيث اكتشف وجود 180 بويضة في الجرام الواحد من شعرها، وهي كمية أعلى بكثير مما هو موجود في عينات التربة، كما حمل ربعها الآخر 71 بويضة تحتوي على أجنة نامية، وكانت ثلاثة منها ناضجة تكفي لإصابة البشر.
وأوضح الخبراء في تقريرهم الذي نشرته صحيفة ديلي ميرور البريطانية، أن بويضات هذه الدودة لزجة جدًّا، ويبلغ طولها مليمترًا واحدًا، ويمكن أنتنتقل بسهولة عند ملامسة الكلاب أو مداعبتها، لتنمو وتترعرع في المنطقة الواقعة خلف العين، وللوقاية من ذلك ينصح الأطباء بغسل اليدين جيدًا قبل تناول الطعام وبعد مداعبة الكلاب، خصوصًا بعد أن قدرت الإحصاءات ظهور 10 آلاف إصابة بتلك الديدان في الولايات المتحدة سنويًّا، يقع معظمها بين الأطفال([5]).
مرض الغدة الليمفاوية:
هو مرض ناتج عن خدوش تحدثها أظافر الكلب في يد الطفل، وعادة ما تكون هذه الأظافر ملوَّثة بالبكتيريا، فعندما يخدش الظفر يد الطفل تدخل البكتيريا عبر السائل أو الدم في اليد، وتبقى في فترة حضانة تصل إلى ما بين أسبوع إلى عشرة أيام، بعدها يبدأ الجرح في الالتهاب؛ حيث يُصاب الطفل بحمى وقُشَعْريرة، وقد تسوء الحالة إذا كان الطفل يعاني من أي نوع من أنواع الحساسية مما يؤدي إلى وفاته، أو في أحسن الحالات فإن الالتهاب الناجم عن تلك البكتيريا يصل إلى الأعصاب والكبد.
وفي تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية أشارت إلى أن نحو 8 ملايين شخص في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية يُصابون سنويًّا بمرض التسمم الغذائي؛ بسبب التلوث الذي تنقله لهم الكلاب، وذلك من خلال ألسنتها، أو ملامسة الإنسان لها ولشعرها، أو من خلال برازها، أو من خلال رشح من أنوفها وفمها.
وقالت المنظمة: إن نحو 3 ملايين طفل في الغرب يعانون من أمراض الأنف بسبب استنشاقهم للغبار الموجود على فروة الكلاب، ويصبح الأمر أكثر خطورة عندما يُصاب الكلب بالجرب أو بالقُراد، وعندها فإن جميع أهل البيت سيعانون من هذه الأمراض الجلدية الـمُعْدِية، هذا بالإضافة إلى الأمراض الجلدية الأخرى التي تنقلها الكلاب للإنسان خاصة الأطفال، ومن هذه الأمراض مرض القوبياء، وهو مرض مُعْدٍ، وعادة ما يصيب هذا المرض جلدة الرأس؛ حيث يقوم بإتلاف بُصَيْلات الشعر([6]).
وغير هذا من الأمراض التي تنقلها الكلاب للإنسان كثير، هذا ولم يكن الناس قديمًا على علم بالأضرار الصحية التي تسببها الكلاب للإنسان، إلى أن تنبَّه الناس إلى ذلك حديثًا؛ ففي بريطانيا ستة ملايين كلب يربيها الناس ويقتنونها داخل منازلهم، فماذا كانت النتيجة؟
تقول بعض الدراسات الإحصائية:
تخرج هذه الكلاب كل يوم مليون كيلو جرام من البراز في حجرات المنازل، فضلاً عن مئة ألف لتر من البول يوميًّا في حجرات المنازل أيضًا، ولنا أن نتصور كم من النجاسة والقذارة يصيبان المنازل هناك من جراء الإمساك بالكلاب داخل المنازل!
تسبب الكلاب داخل البيوت في بريطانيا وحدها أمراضًا لمئتي ألف إنسان كل عام، من الأمراض التي تُصاب بها الكلاب وتنقلها إلى الإنسان، وهي نحو خمسين مرضًا كما ذكرنا من قبل.
أظهرت تلك الدراسة أن خمس مئة مليون جنيه إسترليني تُصرف كل عام لأجل تربية تلك الكلاب وإطعامها والعناية بها.
وأخيرًا ارتفعت أصوات تطالب بإعدام الكلاب التي لا أصحاب لها، وفي الصين أمرت الحكومة المركزية بمنع اقتناء الكلاب في المدن الكبيرة، وجرى إعدام الكلاب فيها؛ وذلك محافظة على الصحة العامة، ووقاية من أضرار الكلاب على صحة الإنسان([7]).
الأسرار العلمية في مادة التراب:
ينظر الناس إلى التراب على أنه مادة وسخة، فماذا وجد العلماء حديثًا عن تراب الأرض، وهل سنغير نظرتنا إلى هذه المادة العجيبة؟
إذا أخذت حفنة من التراب بحجم ملعقة الشاي فإنك تجد فيها عددًا من الكائنات الحية أكبر من عدد سكان الأرض، فالتراب عبارة عن مادة حية تدب فيها الحياة مع أننا لا نراها، ولكن العلماء يقولون: إن التراب ضروري جدًّا لكثير من الكائنات على وجه الأرض، ولولا التراب لم يكن للحياة أن تنشأ أصلاً على وجه هذه الأرض.
والتراب أهم مادة بعد الماء للحياة على الأرض، وهذا التراب جاء أصلاً من بقايا الصخور المتكسرة، وتشكل على ملايين السنين، وفي حفنة من التراب هناك مئات الملايين من أنواع الكائنات الحية، ومن المكونات الأساسية لهذه الكائنات وجود بكتيريا وحيدة الخلية مختصة بالتهام أوراق النبات والجذور الميتة، وهناك بكتيريا أخرى تعيش على الجذور، فتأخذ الآزوت من الهواء وتعطيه للنبات، كذلك نرى في التراب بعض الديدان التي تعيش على البقايا الميتة.
خصائص التراب:
أفضل مادة معقَّمة موجودة في الطبيعة!
التراب يضمن إزالة الجراثيم التي تعجز عن إزالتها كل المواد الكيميائية.
التراب أفضل وسيلة لتنظيف الماء!
التراب هو المادة الطبيعية التي يُنقى بها الماء.
هناك أكثر من عشرة آلاف نوع من أنواع التربة في أوربا فقط.
إن أفخر أنواع الصحون والأواني الصينية مصنوعة من التراب!
التراب هو المادة التي لا تتجدد مع الزمن.
الفراغات الموجودة بين حبات التراب هي 50 % من حجمه.
إن معظم المضادات الحيوية التي نستخدمها لعلاج الأمراض مستخرجة من الكائنات المجهرية في التربة.
التراب مادة ممتازة لتنظيف مسامات الجلد.
التربة تختزن 10% من إشعاعات غاز الكربون (CO2) في العالم، ويحوي كل هكتار من الأرض الزراعية عدة أطنان من الكائنات الحية الدقيقة، ولا يمكن للحياة أن تستمر بالشكل الذي نراه أمامنا لولا هذه الأحياء، هذه الكائنات المجهرية مهمة جدًّا في إنتاج المواد المغذية للنبات، وإنتاج المواد المعقمة لجذور النباتات، والحبوب الموجودة داخل التربة.
حقائق جديدة عن التراب:
في دراسة جديدة يقول العلماء فيها: إن الطين وبخاصة طين البراكين يمكن أن يزيل أكثر الجراثيم مقاومة؛ ولذلك هم يفكرون اليوم بتصنيع مضاد حيوي قاتل للجراثيم العنيدة، مستخرج من بعض أنواع الطين.
فبعد تجارب طويلة في المختبرات وجدوا أن الطين يستطيع إزالة مستعمرة كاملة من الجراثيم خلال 24 ساعة، ثم وضعت هذه المستعمرة نفسها من دون طين فتكاثرت 45 ضعفًا.
ومنذ سنوات اكتشفت الطبيبة الفرنسية (LineBrunetdeCourse) خصائص شفائية في الطين الفرنسي الأخضر، واستعملته كمضاد حيوي للعلاج في ساحل العاج وكينيا، وقد وصفت منظمة الصحة العالمية النتائج التي حصلت عليها بالرائعة.
ثم جاءت الدكتورة ليندا وليامز لتؤكد أن في الطين أكثر من مادة مطهرة؛ حيث تقوم هذه المواد بكبح نشاط الجراثيم؛ ومن ثم إضعافها والقضاء عليها في النهاية.
يقول الدكتور (Haydel) أحد علماء الأحياء الدقيقة: الآن يمكننا أن نجد علاقة بين علم الأرض والخلايا الحية، فقبل سنة فقط كنت أنظر إلى التراب على أنه مادة وسخة، ولكنني اليوم أنظر إليه كمادة مطهرة!
وقد وجد باحثون أن بعض أنواع التربة الموجودة في جنوب أفريقيا تعيش فيها بكتيريا تنتج مضادات حيوية تستطيع قتل الجراثيم التي تعجز عن قتلها المضادات العادية، هذا الاكتشاف نشرته مجلة العالم الجديد عام 2006م، ويقول الباحث (JunWang) في مختبرات (MerckResearch) في نيوجرسي، والذي قدم هذا الاكتشاف: لقد ظهرت فرصة جديدة الآن من أجل إنتاج مضادات حيوية من التراب([8]).
هذا وقد ثبت علميًّا أن التراب يحتوي على مادتين قاتلتين للجراثيم، هما (تتراكسلين) ومادة (التتاراليت)، وهاتان المادتان تُستعملان فيعمليات التعقيم ضد بعض الجراثيم.
وقدتوقع بعض الأطباء الباحثين أن يجدوا في تراب المقابر جراثيم معينة بسبب جثث الموتى، لكن التجارب والتحاليل أظهرت أن التراب عنصر فعال في قتل الجراثيم، وهذا ما أعلنه مجموعة من الأطباء بقولهم: قام العلماء في العصر الحديث بتحليل تراب المقابر ليعرفوا ما فيه من الجراثيم، وكانوا يتوقعون أن يجدوا فيه كثيرًا من الجراثيم الضارة؛ وذلك لأن كثيرًا من البشر يموتون بالأمراض الإنتانية الجرثومية، ولكنهم لم يجدوا في التراب أثرًا لتلك الجراثيم الضارة المؤذية؛ فاستنتجوا من ذلك أن للتراب خاصية قتل الجراثيم الضارة، ولولا ذلك لانتشر خطرها واستفحل أمرها([9]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية والأحاديث النبوية:
لقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه إلى اجتناب الكلاب، ونهى عن اقتنائها داخل البيوت؛ حتى لا تشارك الإنسان مسكنه ومطعمه ومشربه، وذلك وقاية للإنسان من الأمراض العديدة التي تنقلها إلى الإنسان، وهذا لا يعني حض النبي صلى الله عليه وسلم على كراهية الكلاب أو تعذيبها، فالإسلام دين الرحمة العامة، وإنما وضع النبي صلى الله عليه وسلم شروطًا لاقتناء الكلاب، وهي أن يكون الكلبُ المقتَنَى كلبَ صيد أو حراسة، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «من اقتنى كلبًا إلا كلبًا ضاريًا لصيد أو كلب ماشية، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان»([10]).
كما حث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على وجوب غسل الآنية التي يلغ فيها الكلاب سبع مرات تكون إحداهن بالتراب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب»([11]).
وولوغ الكلب معناه وضع أنفه في الإناء، وشربه بطرف لسانه، وغسله سبع مرات إحداهن بالتراب إمعانًا في تطهيره؛ لإزالة ما يكون قد علق فيه من لعاب الكلب وأنفه وفمه من أنواع لا تُحصى من الجراثيم الضارة، التي يمكن أن تنتقل إلى الإنسان.
هذه الحقائق المذهلة التي أشار إليها الحديث الشريف، والتي جاء العلم الحديث بعد تطور وسائله وأكدها- لم يكن الناس قديمًا يعرفون عنها شيئًا، فلم يكونوا على علم بالأضرار الصحية التي تسببها الكلاب للإنسان، وهذا يجيب عما أثاره الطاعنون عن اختصاص الكلاب بهذا الإرشاد النبوي دون سائر الأنواع الأخرى والسباع، ولعل فيما أثبته العلماء من فاعلية مادة التراب في القضاء على الجراثيم الضارة، بل وفي استخدامها كمادة معقمة ضد بعض الجراثيم ما يجيب عن تساؤلهم الآخر حول الحكمة من اختصاص التراب ضمن المرات السبع لغسل الآنية؛ حيث تندمج جزيئات التراب مع الجراثيم التي يتركها الكلب في لعابه، كما يندمج الصابون مع المواد الدهنية فيزيلها.
كل ذلك يوضح مدى التطابق بين ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، وبين ما توصل إليه العلم الحديث.
3) وجه الإعجاز:
لقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة خطورة مشاركة الكلب للإنسان مسكنه ومطعمه ومشربه؛ حيث أثبتت تلك الدراسات أن هناك أكثر من خمسين مرضًا ينقلها الكلب للإنسان، أخطرها مرض الكلب (Rabies)، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الديدان كدودة الكلب الشريطية، وكذلك العديد من الأمراض كمرض الحويصلات المائية، ومرض الغدة الليمفاوية وغير ذلك كثير.
كما أثبت العلم الحديث أيضًا أن التراب أفضل مادة معقمة في الطبيعة؛ حيث أثبتت الدراسات أنه يحتوي على مادتين قاتلتين للجراثيم، هما مادتا (التتراكسلين) و (التتاراليت)، وهما يُستعملان في عمليات التعقيم ضد بعض الجراثيم، ولما كان فيروس الكلب دقيقًا متناهيًا في الصغر، فهذا يعطيه فرصة للتعلق بجدار الإناء والالتصاق به؛ فلا يكفي الماء وحده للقضاء عليه، ولا بد من استخدام التراب في تنظيف الإناء.
إن الحقائق العلمية المذهلة التي أشار إليها الحديث الشريف بخصوص أضرار الكلب على الإنسان، ووجوب غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب- لتؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينطق من تلقاء نفسه، فلا بيئته ولا زمانه يمكنانه من اكتشاف تلك الحقائق، ولكنه وحي السماء الذي لا ينطق عن الهوى، ) إن هو إلا وحي يوحى(4) علمه شديد القوى(5)( (النجم).
(*) موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، القاهرة، ط1، 2007م.
[1]. من آيات الإعجاز العلمي: الحيوان في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص348، 349 بتصرف.
[2]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج7، ص131، 132 بتصرف.
[3]. الموسوعة الطبية الفقهية، د. أحمد محمد كنعان، دار النفائس، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، ص803.
[4]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج7، ص132.
[5]. آيات الإعجاز العلمي من وحي الكتاب والسنة، عبد الرحمن سعد صبي الدين، مرجع سابق، ص298.
[6]. الكلب يحمل للإنسان شرورًا وأخطارًا، مقال منشور بمنتدى: شباب التوحيد www.twheed.com.
[7]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج7، ص133.
[8]. الإعجاز العلمي في أسرار التراب، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
[9]. آيات الإعجاز العلمي من وحي الكتاب والسنة، عبد الرحمن سعد صبي الدين، مرجع سابق، ص297.
[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الذبائح والصيد، باب: من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيد أو ماشية، (9/523)، رقم (5481).
[11]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب، (2/ 816)، رقم (639).
استنكار أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الغراب (*)
مضمون الشبهة:
يستنكر الطاعنون أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل طائر الغراب الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: «خمس فواسق يُقْتَلْنَ في الحَرَم: الفأرة والعقرب والحُدَيَّا والغراب والكلب العقور».
ويرون أن الغراب من الطيور المفيدة للإنسان؛ إذ يتغذى على الجيف والآفات والحشرات الضارة، مما يساعد على نظافة البيئة، فلماذا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله؟!
وجه إبطال الشبهة:
لقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن الغربان تُعد مصدرًا لإصابة الإنسان بكثير من الأمراض الفيروسية والبكتيرية والطفيلية الخطيرة، مثل: مرض الالتهاب الدماغي والعمود الفقري، ومرض أنفلونزا الطيور، بالإضافة إلى إضرار الغراب بالثروة الحيوانية، عن طريق نقله العديد من الأمراض إلى غيره من الحيوانات، فضلاً عن التعدي عليها، وتغذيه على أفراخ وبيض الطيور الأخرى، وإضراره بالثروة الزراعية عن طريق إتلافه للحبوب والمحاصيل، بما يؤكد حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في أمره بقتل هذا الطائر الخطير والحد من انتشاره.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
الغراب (Crow) طائر أسود اللون، خشن الصوت، يأكل الخضراوات واللحوم، وإن كان ميله لأكل اللحوم أكبر، ويعرف العلماء اليوم من أنواع الغراب أكثر من خمسة وثلاثين نوعًا تنتشر في مختلف بيئات الأرض، وهو يتبع جنس (Corvus)وعائلة(Corvidae).
- أنواع الغربان:
الغربان من الطيور المعروفة في كثير من أصقاع العالم، وتتعدد أنواع الغربان وأشكالها وفصائلها، وإن غلب عليها اللون الأسود، ومن أنواع الغربان نذكر الآتي على سبيل المثال لا الحصر:
غراب العقعق العسيري (Magpie):
وهو يمثل السلالة العربية للعقعق من أقارب الغربان، أسود الرأس وأعلى الصدر والجناحين والظهر، أما أسفل الصدر والبطن فبيضاء اللون، وكذلك الريشة الكتفية، طائر كبير الحجم، قوي المنقار والأقدام، طويل الذنب، مشوب بلونين أزرق وأخضر معدني.
الغراب العسيري
- الغراب النوحي (غراب إربي):
طائر أسود مع لمعة مزرقة، يوجد في جزر الكناري وسواحل شمال أفريقيا حتى جمهورية مصر العربية، تضع الأنثى من ثلاث إلى سبع بيضات زرقاء مخضرة، وهو مثل نظيره السابق يغشى الصحاري المفتوحة ومناطق المرتفعات.
الغراب النوحي
- الغراب مروحي الذيل (fantailedraven:
وهو الذي يُطلق عليه أيضًا اسم “غراب البَيْن”، وهو طائر أسود اللون مع لمعة بنية مزرقة، ويتواجد بمناطق التلال والمرتفعات الصخرية في جنوبي شرق أفريقيا في السودان وإريتريا والحبشة والصومال وشمال كينيا، وجنوب الساحل الغربي للبحر الأحمر، وجبال الحجاز على طول الساحل الشرقي للبحر الأحمر من عدن إلى شبه جزيرة سيناء، وفلسطين والأردن ومنخفض البحر الميت.
- غراب المنازل الهندي housecrow)):
طائر نحيل، صغير الحجم، يبلغ طوله نحو 40 سم، أسود الوجه والحلق والظهر والجناحين والذيل، ورمادي اللون في منطقة البطن، يعيش في القرى والمدن ومناطق المزارع.
- الغراب الأزرق (سلالة البحر المتوسط):
أصغر قليلاً من طيور السلالة الأوربية، وأفتح منها لونًا، طول الجسم نحو 43 سم، مقيم في منطقة البلقان وجزر سردينيا وكورسيكا، ويوجد في منطقة الشام (سوريا وفلسطين) ومصر.
- غراب القيظ (السلالة الغربية) rook)):
لون ريشه أسود مشوب بلمعة بنفسجية أرجوانية مزرقة اللون، الوجه في الطيور البالغة عارٍ عن الريش مبيض اللون، وله بقعة رمادية واضحة عن قاعدة المنقار، طول الجسم 45 سم، يقيم ويتوالد في وسط أوربا والجزر البريطانية، ويهاجر شتاء إلى جنوب أوربا وحوض البحر الأبيض المتوسط، وأحيانًا إلى شمال أفريقيا، يعيش في مناطق المزارع؛ حيث يوجد في أسراب، ونادرًا ما يُرى منفردًا، يتغذى على الثمار والحبوب والحشرات والديدان.
- غراب الزرع (السلالة الشرقية) jakdaw)):
طائر صغير الحجم، يبلغ طول جسمه 33 سم، طائر مهاجر من شرق أوربا إلى كشمير وتركستان، يزور مصر وفلسطين شتاء، يهتز أثناء سيره، ويقع على ظهر الغنم ليلتقط ما عليها من حشرات.
- الغراب الأعصم (غراب الصرود أحمر المنقار والساقين):
وهو متوسط الحجم يبلغ طول جسمه حوالي 40 سم، أسود اللون مع لمعة أرجوانية أو بنفسجية مزرقة، منقاره وأرجله حمراء، مقيم في جنوب أوربا وآسيا الصغرى، ومنه سلالة تعيش في لبنان وجزيرة كريت([1]).
- أضرار الغراب التي كشفها العلم الحديث:
أثبت العلماء أن الطيور الجارحة ومنها الغراب تُعد مصدرًا لإصابة الإنسان بكثير من الأمراض الفيروسية والبكتيرية والطفيلية، وطريقة نقل هذه الأمراض تختلف حسب نوعية المرض؛ إما عن طريق الفضلات التي تحتوي على الميكروبات المسببة للأمراض، والتي تتحول إلى مسحوق ينقله الهواء، وإما عن طريق الرذاذ من الفم، وإما عن طريق تلوث الماء والغذاء بالفضلات المحتوية على الميكروبات التي تنقلها بعض الحشرات مثل الصراصير والذباب، وإما عن
طريق الدم بواسطة البعوض والقراد، وسوف نتناول بعض هذه الأمراض التي تصيب الغراب وتنتقل إلى الإنسان.
أولاً: الأمراض الفيروسية:
من الأمراض الخطيرة التي يتسبب في نقلها الغراب مرض الالتهاب الدماغي والعمود الفقري (Encephalomylitis) الذي يسببه فيروس من مجموعة (Arboviruses)، ويختلف اسمه حسب المنطقة المنتشر بها، فهو ينتشر في
كثير من بلدان العالم ويُدعى (Eastern equine encephalomyelitis ;saint louis encephalomyelitis and westernequineencephalomyelitis).
وينتقل هذا الفيروس من الطيور وخصوصًا الغراب إلى الخيول والإنسان عن طريق البعوض، وتذكر بعض الدراسات أنه قد ينتقل عن طريق الملامسة أو رذاذ الفم، أو من تناثر البراز، ولكن مغزى طريقة النقل لم تدرك حتى الآن، وقد يسبب هذا المرض الموت للإنسان والخيول، ويُصاب به الأطفال والكبار على حد سواء، ويكون حادًّا إذا كانت هناك شكوى من مشاكل صحية أخرى، ونسبة النجاة لا تتعدى أربعين في المئة عند الخضوع للعلاج الطبي، ويترك آثارًا في الحالة العقلية والجسدية حتى لمن يُكتب له الشفاء، ومن الجدير بالذكر أن هذا الفيروس انتشر بصورة وبائية في الولايات المتحدة الأمريكية من عام 1999م حتى عام 2001م، وتم حصر أعداد كثيرة من الغربان الميتة (حوالي 17,339)، وبالكشف عن سبب الموت وُجد هذا الفيروس في كل أنسجة جسم الغربان، واتخذت كثافة موت الغربان دلالة لحصر خطورة هذا المرض في الإنسان، وتم تعليق لافتات تشير إلى ضرورة الاهتمام بالصحة، والاحتياج إلى الوقاية والحد من انتشار الإصابة.
أنفلونزا الطيور:
من الأمراض الفيروسية التي تنتقل من الطيور إلى البشر مرض أنفلونزا الطيور، والذي يسببه فيروس أنفلونزا (أ) (Influenz A viruses)، والسلالة التي تهدد البشر هي (H5N1,H7N7)، وقد تمكن فريق من الباحثين من اكتشاف هذا المرض في الطيور المهاجرة.
ثانيًا: الأمراض البكتيرية:
من الأمراض البكتيرية التي تصيب الغراب، والذي تسببه بكتيريا (Chlamydiapsittaci)، وتنقل إلى الإنسان عن طريق التعرض لإفرازات الطائر، أو استنشاق رذاذ الهواء المحمل ببراز الطائر، وتصيب الإنسان بالالتهاب الرئوي، والتهاب عضلة القلب والتهاب الدماغ، كما يصاب بميكروب Campylobacterjejuni))، ويُصاب به الإنسان؛ نتيجة تلوث الغذاء والماء ببراز الطائر، وهو يسبب إسهالاً وحمى وآلامًا شديدة بالبطن، ولقد لُوحظ في عدن سنة 1991م أن الغراب كان سببًا في انتشار الميكروبات المسببة للإسهال، وبالكشف عنها وجد أنها تشمل مجموعة (Enterobacteriaceqe)، والتي تضم كل من ميكروب (السالمونيلا والشيجلا والبروتيس)، ومجموعة (Vibrionacaea)، ومجموعة (Pseudomonae)، ولقد وُجد أيضًا من البكتيريا التي يُصاب بها الغراب (Spirochetes Burgdroferi Brorreliq)، والتي تنتقل إلى الإنسان عن طريق القراد، وتسبب مرضًا يُسمى DiseaseLyme (نسبة لمدينة لايم الأمريكية حيث اكتُشف لأول مرة)، ويسبب هذا المرض نتوءات صغيرة على الجلد، وحمى ورعشة وغثيانًا واحتقانًا بالحلق والقيء، كما يسبب صداعًا حادًّا، وتضخم عضلة القلب، وتقلصًا بالرقبة، وآلامًا بمفصل الركبة، وتورمًا وآلامًا بالمفاصل الأخرى، وأمراضًا انحلالية بالعضلات.
كما يساعد الغراب على نقل ميكروب (MycobacteriumAvium)، وهو واحد من (Nontuberculosismycobacteriuminfection)، وينتقل إلى الإنسان وخصوصًا الأطفال عن طريق تلوث الماء والغذاء بالفضلات المحتوية على الميكروب، أو استنشاق رذاذ الهواء المحتوي على الميكروب، وعندما يتواجد مع Mycobacterium intracellulare))يُسمى (A viumcomplexmycobasterium)، وهذا يصيب الإنسان بتضخم في الغدد الليمفاوية بالرقبة مع اعتلال وسقم، ويصيب الأطفال بالتهاب رئوي حاد، وفقدان في الوزن، وضعف وصفراء.
ويُصاب الغراب بميكروب السالمونيلا (salmonella spp)، والذي ينتقل إلى الإنسان عن طريق تلوث المياه والمأكولات ببراز وبول الطائر، ويسبب مرض التيفود، وأعراض هذا المرض هي: رشح وزكام مع صداع، وألم في الحلق وحرارة، وتباطؤ في النبض، وقد يحدث تقيؤ أو إسهال أو إمساك ورجفة في الجسم، وهذيان وضعف وفقدان وزن وجفاف.
ثالثًا: الأمراض الطفيلية:
من الطفيليات التي تصيب الغراب الجيارديا (GiardiaLambliacysts)، والهيمنوليبسHymenolepNana))، وتنتقل إلى الإنسان عن طريق تلوث الغذاء وماء الشرب بالطَّوْر الـمُعْدي للطفيل، وتصيب الإنسان بالإسهال.
ويُصاب الغراب أيضًا بالتوكسوبلازما التي تسببها (Toxoplasmagondii)، وتنتقل للإنسان عن طريق تلوث الغذاء بالطور الـمُعدي، الذي تنقله الحشرات عند تغذيتها على فضلات الحيوانات المصابة، ومن الجدير بالذكر أنه قد انتقلت العدوى إلى قطط سليمة تم تغذيتها على أعضاء غراب مصابة، وأعراض هذا المرض غير واضحة في الإنسان إلا عندما تضعف مناعته (خاصة الذي أُجري له زرع أحد الأعضاء أو المصاب بالإيدز)، فتكون على هيئة ارتفاع في درجة الحرارة، وإصابة الغدد الليمفاوية مما قد يوحي بالإصابة بالأنفلونزا، وينتقل هذا المرض إلى الجنين عن طريق المشيمة، وقد يؤدي إلى الوفاة أو تشوهات كاستسقاء الدماغ، وزيادة السائل المحيط بالمخ، كما يحدث تغيرات في الشبكية قد تؤدي إلى العمى، وكذلك التخلف العقلي والصرع.
رابعًا: الأمراض الفطرية:
من الأمراض الفطرية التي يُصاب بها الغراب نوع من الخمائر المغلفة التي تُسمى Crptococcusneoformans))، والتي تخرج مع براز الغراب، وتنقلها الحشرات إلى غذاء الإنسان، فيُصاب بها الإنسان، خصوصًا عندما تضعف مناعته؛ كالمصابين بالإيدز، أو الذي أُجري له زرع أعضاء، أو الذي يتناول دواء يسبب نقص المناعة، وأعراض هذا المرض هي: صداع، والتهاب السحايا، واختلال في الحالة العقلية، واضطراب في الأعصاب الخارجة من الدماغ، وإغماء وقيء.
- إيذاء الغراب للحيوانات:
وأخيرًا يتسبب الغراب في انتقال كثير من الأمراض المعدية إلى الحيوانات؛ مما يؤثر على الثروة الحيوانية، منها: مرض النيوكسل الذي يسببه فيروس (Newcastlevirous)، ومرض الجدري الذي يسببه فيروس (Fowlpoxvirous)، ومرض الكوليرا ويسببه بكتيريا Pasteurallamultocida))، ومرض الملاريا ويسببه طفيل (Plasmodium reticulum)، ومرض الفلاريا ويسببه طفيل Chandlerella quiscali))، ومرض الكوكسيديا وتسببه الحويصلة الجرثومية لهذا الطفيل وتُسمى: (Isospora corviae)، ومرض السركوستوزيس ويسببه طفيل Sarcocystis spp))([2]).
ومن ناحية أخرى فإن الكثير من الغربان يقتنص بيض أفراخ الطيور الأخرى، بما في ذلك الدجاج الصغير، ويعتبر حراس الغابات أبا زريق والعقعق طيورًا مؤذية يجب إبادتها([3]).
غراب يعتدي على بيض الطيور الأخرى
- مضار أخرى للغربان:
طيور الغربان مضرة بالفلاح؛ لأنها تتغذى على المحاصيل الزراعية من حبوب وثمار وتتلفها.
صورة توضح إضرار الغراب بالزروع
والغربان تضر كثيرًا بالحيوانات التي بظهورها جروح، فهي تقع على ظهور الإبل التي بها جروح وتنقرها وتهتكها، وتأكل منها حتى تنزف منها الدماء، كما تقع الغربان على ظهر الحمير التي بها جروح، وتنقر تلك الجروح وتهتكها، وتأكل منها حتى تسيل الدماء([4]).
غراب يقف فوق أحد الحيوانات
- من جرائم الغراب الحديثة:
توفي عجوز أسترالي يبلغ من العمر 74 سنة بأحد مستشفيات ملبورن بعد أن نقره الغراب في عينه، وكان ذلك في مدينة ميلدورا بولاية فيكتوريا.
وذكرت وكالة أنباء إيه إيه بي الأسترالية أن الطائر انقض في وقت لاحق على سائح كوري يبلغ من العمر 27 سنة، وألحق بعينه جروحًا خطيرة استدعت دخوله المستشفى.
ونصح مسئول الحياة البرية الذي قتل الطائر رميًا بالرصاص سكان ميلدورا بارتداء خوذات رأس واقية، ويُفضل أن تكون مزودة بعيون غير حقيقية لإخافة الطيور المهاجمة.
وتزداد الغربان شراسة في فصل الربيع، وتنقض على من تعتقد أنهم قد يهاجمون أفراخها.
- غراب شرس يهاجم أسرة:
تناقلت وكالات الأنباء هذا الحدث، ونقله موقع الجزيرة على شبكة المعلومات العنكبوتية (الإنترنت)، فقالت: تحدث كل يوم في العالم أمور عجيبة لا نستطيع أن نجد لها تفسيرًا، مثلاً حدث في قرية ألمانية أمر عجيب؛ حيث هاجم غراب امرأة وطفلة مرات عديدة، واحتار القرويون فيما يفعلون إزاء ذلك، فدعوا رجال الشرطة لحل المشكلة، ولكن بسبب سرعة الغراب، فشل رجال الشرطة بعد محاولات كثيرة في اصطياده، ثم خطرت لهم فكرة جميلة، وهي وضع حبات القط الصناعية اللذيذة الجاهزة في سائل خمر قوي ليأكلها الغراب، ومع أن هذا الغراب ذكي ولكن الإنسان أذكى منه بالطبع، لم يمض وقت طويل حتى طار الغراب الشره إلى المكان الذي تنتشر فيه حبات القط المغمورة بالخمر القوي وأكلها بلهفة، وبعد فترة وجيزة سقط الغراب السكران على الأرض نائمًا وأمسك به رجال الشرطة بسهولة، وحملوا هذا الغراب الذكي إلى مركز حماية الحيوانات المحلي([5]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية والحديث الشريف:
لقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف إلى ضرورة قتل طائر الغراب، وعده من الفواسق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خمس فواسق يُقتلن في الحَرَم: الفأرة والعقرب والحُدَيَّا والغراب والكلب العقور»([6]).
قال النووي: “وقال مالك: المعنى فيهن كونهن مؤذيات، فكل مُؤْذٍ يجوز للمُحْرِم قتله، وما لا فلا، ثم يقول: وأما تسمية هذه المذكورات فواسق فصحيحة جارية على وفق اللغة، وأصل الفسق في كلام العرب: الخروج، وسُمِّي الرجل الفاسق لخروجه عن أمر الله سبحانه وتعالى وطاعته، فسُمِّيت هذه فواسق لخروجها بالإيذاء والإفساد عن طريق معظم الدواب، وقيل: لخروجها عن حكم الحيوان في تحريم قتله في الحرم والإحرام”([7]).
إذًا فالحديث يشير إلى ضرورة القضاء على الغربان والحد من انتشارها؛ لوقاية الإنسان شرها وأذاها وأضرارها الخطيرة، وهذا ما أكده العلم حديثًا؛ حيث أثبتت دراسات العلماء أن الغربان تُعد مصدرًا لإصابة الإنسان بكثير من الأمراض الفيروسية والبكتيرية والطفيلية العديدة، بالإضافة إلى خطورتها على الثروة الزراعية والحيوانية، عن طريق إتلافها الحبوب والزروع، ونقلها كثيرًا من الأمراض إلى الحيوانات، وتعديها عليها.
وهكذا يتضح مدى التطابق بين ما توصل إليه العلم وما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
أما ما زعمه هؤلاء من وجود فوائد كثيرة للغراب؛ مثل أكل الجيف، والآفات والحشرات- فزعم مردود؛ لأن هذه الفوائد لا تعادل بحال من الأحوال الأضرار الكثيرة والأمراض العديدة التي ينقلها هذا الطائر للإنسان والحيوان وغيره من الطيور، مما يشكل تهديدًا خطيرًا على حياة الإنسان والحيوان، فضلاً عن وجود طيور أخرى تقوم بتنظيف البيئة من الجيف والحشرات الضارة؛ مثل الصقور وأبي قردان وغيرهما من الطيور التي ليس لها أضرار على الإنسان والبيئة.
3) وجه الإعجاز:
لقد أثبتت الدراسات العلمية أن طائر الغراب يتسبب في انتقال العديد من الأمراض المعدية للإنسان؛ منها أمراض فيروسية؛ كمرض الالتهاب الدماغي والعمود الفقري، ومنها أمراض بكتيرية؛ مثل الالتهاب الرئوي والتهاب عضلة القلب، ومنها أمراض طفيلية؛ مثل طفيل الجيارديا والهيموليبس، ومنها أمراض فطرية؛ كنوع من الخمائر المغلفة التي تُسمى (Crotococcus)، والتي تخرج مع براز الغراب، وتنقلها الحشرات إلى غذاء الإنسان فيُصاب بها، كما أثبتت تلك الدراسات أن الغراب مُؤْذٍ للحيوانات؛ إذ يتسبب في انتقال كثير من الأمراض المعدية إلى الحيوانات، فضلاً عن إضرار الغراب بالثروة الزراعية عن طريق إتلاف المحاصيل والحبوب.
كل هذه الأضرار التي يسببها الغراب للإنسان والحيوان والبيئة تفسر لنا سر أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل طائر الغراب في الحِلّ والحَرَم، مما يُعد إعجازًا علميًّا يدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وصدق ما يخبر به.
(*) منتدى: الملحدين العرب www.el7ad.com.
[1]. ماذا تعرف عن الغراب، منتدى: وادي العرب www.wadilarab.com.
[2]. اقتلوا هذا الفاسق، د. سميحة علي مراد و د. هدى محمد لطفي، بحث منشور بمجلة الإعجاز العلمي، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، السعودية، العدد (21)، جمادى الأولى 1426هـ، ص53: 55.
[3]. الغراب في القرآن، مقال منشور بموقع: www.almothafar.freehostia.com.
[4]. ماذا تعرف عن الغراب؟ مقال منشور بمنتدى: وادي العرب www.wadilarab.com.
[5]. اقتلوا هذا الفاسق، د. سميحة علي مراد و د. هدى محمد لطفي، مرجع سابق، ص53.
[6]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: بدء الخلق، باب: خمس من الدواب فواسق يُقتلن في الحرم، (6/ 408، 409)، رقم (3314). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: ما يُندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، (5/ 1878)، رقم (3818).
[7]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، ج5، ص1881.
استنكار أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الوَزَغ
مضمون الشبهة:
يستنكر بعض الواهمين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ، الذي جاء في الحديث الذي رواه الشيخان في صحيحيهما عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن أم شريك أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الوزغ.
وفي الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن أم شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ، وقال: «كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام».
وفي رواية عند الإمام مسلم: «من قتل وزغةً في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة لدون الأولى، وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية».
ويتساءلون: ما ذنب هذا الحيوان الصغير حتى يبيده المسلم إبادة كاملة؟! مع العلم بأنه ليس مؤذيًا، ولا يقبل أن يكون الدافع لذلك كونه كان ينفخ النار على إبراهيم عليه السلام؛ فلا يُعقل أن يؤثر ذلك الحيوان الضعيف في نار عظيمة كهذه، حتى تؤدي إلى حرق نبي الله إبراهيم عليه السلام.
ولو سلَّمنا بذلك فمن الظلم البين أن نأخذ بجريرة تلك الحيوانات وقتئذ جنسًا كاملاً على مر العصور والأزمان.
ويتعجب هؤلاء من تلك الروايات، ساخرين من ذلك التقسيم الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم جزاء لمن قتل وزغةً في أول ضربة أو في الثانية أو في الثالثة.
وهم يرون أن أمرًا كقتل الوزغ لا يدخل مطلقًا في مهمة الأنبياء، بل مهمتهم- في نظرهم- تقتصر على إيضاح العلاقة بين العبد وربه، ولا دخل للأوزاغ في ذلك.
وجه إبطال الشبهة:
إن الأحاديث التي جاء فيها الأمر بقتل الوزغ صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مطعن فيها أو إشكال، أما ما أثاره هؤلاء المشككون حول تلك الأحاديث من افتراءات فباطل مردود كالآتي:
لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الأوزاغ، وسمَّى الوزغ فويسقًا؛ لأنه خرج عن خلق معظم الحيوانات بزيادة الضر والأذية؛ فأُلحق بالخمس الفواسق التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها في الحِلّ والحَرَم، والوزغ حيوان مؤذٍ يضر الناس في معاشهم وطعامهم، كما أثبت ذلك العلم الحديث.
كون الأوزاغ كانت تنفخ النار على إبراهيم عليه السلام ليس هو السبب الأصيل للأمر بقتلها، بقدر ما في ذلك من بيان لخبث جنس الأوزاغ ودناءة طبعها، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا بالبحث عن الأوزاغ وتتبعها لقتلها! بل الأمر محمول على ما إذا تكاثرت في مكان ما بحيث تتسبب في ضرر بالغ.
اختلاف الأجر في قتل الأوزاغ حسب الضربة الأولى أو الثانية أو الثالثة لا غرابة فيه؛ فهو معلل؛ إما لأن المسلم حين قتل أحسن، فيندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم:«… فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة»، أو يكون معللاً بالمبادرة إلى الخير والمسارعة فيه، فيندرج تحت قوله تعالى: )فاستبقوا الخيرات( (البقرة/ ١٤٨).
لم يقل أحد من العلماء: إن مهمة الأنبياء تقتصر على إيضاح العلاقة بين العبد وربه؛ فإنه بجانب ذلك فقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم بشريعة تتسم بالشمول لكل زمان ومكان، ولكل كبيرة وصغيرة، تنتظم بها شئون العباد ومعايشهم، ومن أهم أهداف الشريعة الإسلامية تحقيق المصلحة للناس ورفع الضرر عنهم، والأوزاغ جنس من الكائنات التي تتسبب في ضرر الناس وأذيتهم، فوجب قتلها؛ عملاً بالقاعدة الفقهية (الضرر يُزال).
التفصيل:
لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث بقتل الأوزاغ وحث على ذلك، وقد جاء ذلك في الصحيحين من حديث سعيد بن المسيب عن أم شريك «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ»([1]). وزاد البخاري: «كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام».
ورُوي أيضًا عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للوزغ:«الفويسق»([2]).
وروى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة لدون الأولى، وإن قتلها فيالضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية»([3]).
والأمر بقتل الوزغ ورد أيضًا في كتب السنة الأخرى عن أكثر من راوٍ بأسانيد صحيحة؛ فقد جاء في سنن ابن ماجه، وسنن الترمذي، وصحيح ابن حبان وغيرها من كتب السنن والمسانيد.
وعلى ذلك، فهذا الأمر ثابت صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لإيراد الشيخين- البخاري ومسلم- له في صحيحيهما، ومن المعلوم الثابت أن الأمة قد أجمعت على صحة ما جاء فيهما.
يقول الإمام النووي: “أجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين، ووجوب العمل بأحاديثهما”([4]).
وقال في مقدمة شرحه لصحيح مسلم: “فإن أخبار الآحاد التي في غيرهما يجب العمل بها إذا صحت أسانيدها ولا تفيد إلا الظن، فكذا الصحيحان، وإنما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحًا لا يحتاج إلى النظر فيه، بل يجب العمل به مطلقًا، وما كان في غيرهما لا يُعمل به حتى يُنظر وتُوجد فيه شروط الصحيح”([5]).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن”([6]).
وقال الإمام الشوكاني: “ولا حاجة لنا في الكلام على رجال إسناده؛ فقد أجمع أهل هذا الشأن أن أحاديث الصحيحين أو أحدهما، كلها من المعلوم صدقه بالمقبول المجمع على ثبوته، وعند هذه الإجماعات تندفع كل شبهة، ويزول كل تشكيك، وقد دفع أكابر الأئمة من تعرض للكلام على شيء مما فيهما، وردوه أبلغ رد، وبينوا صحته أكمل بيان، فالكلام على إسناده بعد هذا لا يأتي بفائدة يُعتد بها، فكل رواته قد جازوا القنطرة، وارتفع عنهم القيل والقال، وصاروا أكبر من أن يُتكلم فيهم بكلام، أو يتناولهم طعن طاعن، أو توهين موهن”([7]).
وقال الشوكاني أيضًا في “تحفة الذاكرين”: “واعلم أن ما كان من أحاديث هذا الكتاب في أحد الصحيحين فقد أسفر فيه صبح الصحة لكل ذي عينين؛ لأنه قد قطع عرق النزاع ما صح من الإجماع على تلقي جميع الطوائف الإسلامية لما فيهما بالقبول، وهذه رتبة فوق رتبة التصحيح عند جميع أهل المعقول والمنقول، على أنهما قد جمعا في كتابيهما من أعلى أنواع الصحيح ما اقتدى به وبرجاله من تصدى بعدهما للتصحيح”([8]).
وقد شكك بعض المغرضين في تلك الأحاديث التي تأمر بقتل الوزغ، وتحث على المبادرة في ذلك، وأوردوا شبهات وإشكالات في متونها؛ في محاولة منهم للتشكيك في الأحاديث الصحيحة الثابتة.
والمؤمن الصادق ينبغي له أن يسلم بكل ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة، وإذا سأل عن حكم فإنما يسأل عن حكمته ليطمئن قلبه، لا اعتراضًا عليه، قال الله سبحانه وتعالى:)وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسولهأمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينًا (36)( (الأحزاب).
أما تلك الإشكالات فسنوردها واحدًا تلو الآخر مع بيان زيفها وبطلانها:
قالوا: إنه ليس لهذه الحيوانات ذنب حتى نستأصلها جميعًا؛ فهي ليست مؤذية أو سامة.
وهذا كلام عارٍ عن الصحة، ويتبين ذلك من تعريف العرب للوزغ، جاء في “عون المعبود”: “وفي النهاية: الوَزَغ جمع وَزَغَة بالتحريك، وهي التي يقال لها: سامّ أبرص، وجمعها أوزاغ ووزغان. وسماه فويسقًا؛ لأن الفسق الخروج، وهن خرجن عن خلق معظم الحشرات بزيادة الضرر، وتصغيره للتعظيم أو للتحقير؛ لأنه مُلْحَق بالخمس- أي الفواسق الخمسة- التي تُقتل في الحِلّ والحَرَم”([9]).
ومع ذلك فالحديث أسماه “فويسقًا” لا سامًّا كما وصف الكلب والغراب والفأرة والحدأة، فالفسق المقصود به هو الخروج عن حد النفع، والضرر لا يقتصر على نوع واحد، فالأضرار تختلف عن بعضها، فهناك:
o أضرار ناتجة عن الرؤية؛ كرؤية العناكب والصراصير والخنافس.
o أضرار ناتجة عن السمع؛ كعُواء الكلاب والذئاب ونهيق الحمار.
o أضرار ناتجة عن اللمس؛ كالنحل أو الزنابير أو قنديلالبحر.
o أضرار ناتجة عن الشـم؛ كحيوان الظربان الذي يصدر رائحةكريهة.
o أضرار ناتجة عن التذوق؛ كتذوق السم أو طعام مسموم.
والضرر أيضًا قد يكون ناتجًا عن فرد واحد من الحيوان؛ كالثعبان أو العقرب مثلاً، فهو لا يحتاج قطيعًا كاملاً لإحداث الضرر، وإنما الفرد الواحدمنه شديد الأذى.
أو أن الضرر ناشئ عن اجتماع الأفراد معًا؛ كما في النمل أو الجراد أو العصافير نفسها؛ حيث يتسبب القطيع أو السرب منها بإهلاك المحاصيل الكاملة.
أما بالنسبة لضررالوزغ فمعلوم أنه يسبب الاشمئزاز والقُشَعْريرة، كما يسبب النفورلـمُشاهِدِه، وهو يسبب الرعب عند سماع صوته، خصوصًا عند الأطفالليلاً.
ويعتمد غذاء البرص أساسًا على الحشرات، التي تعتبر بدورها عاملاً مهمًّا لانتقال الأمراض وانتشارها؛ لذلك وجبالتحذير منه خشية ما قد يعلق به من جراثيم وميكروبات.
والوزغ حيوان ليلي، يسكن في النهار بالاختباء في الشقوق ونحوها؛ لذلك قد تجده مختبئًا في أماكن الطعام، كما قد يضع بيضه في تلك الأطعمة([10]).
وزغة سامة تستقر داخل كوب من العصير أو غيره
يؤكد هذا بحث علمي رصين للدكتور أحمد كمال الدين عبد الجواد عن الوزغ، ذكر فيه أن الأوزاغ موطن للعديد من الأمراض، ومنها:
أولاً. الأمراض البكتيريةBacterialdiseases :
تحمل الأوزاغ بكتيريا السالمونيلا Salmonella؛ حيث إنها لا تتأثر بها، ولكنها تنقلها إلى العوائل الأخرى.
ثانيًا. الأمراض المعويـةGastrointestinaldiseases :
تحتوي الأوزاغ العديد من الطفيليات الـمُمرضة، وأكثر هذه الطفيليات شيوعًا هو طفيل الكريبتوسبوريديم Cryptosporidium، وعندما تأتي هذه الطفيليات إلى الأوزاغ تظهر عليها بعض الأعراض، مثل: كثرة الترجيع أو التقيؤ لا إراديًّا، سيولة البراز، لطخات من البراز حول المكان المحيط به، فقدان الشهية، وغير ذلك من الأعراض، أيضًا يأتي إليها الديدان الدبوسية Entrobiusvermicularis؛ حيث تشاهد بيوض هذه الديدان في البراز، ومن المعروف أن الدودة الدبوسية مُعدية؛ ولذلك من السهل أن تنتقل من الأوزاغ إلى غيرها من العوائل.
ثالثًا. الأمراض التنفسيةRespiratorydiseases :
تأتي أمراض الجهاز التنفسي من أشياء عديدة، منها نوع من أنواع الطفيليات يُسمى البنتاستوميدا Pentastomida، والمعروفة بعد تطورها بالديدان اللسانية، والتي تصيب الجهاز التنفسي للأوزاغ، وذلك بتآكل الأنسجة الداخلية للجهاز التنفسي، والبطانات الداخلية للجيوب الأنفية.
وقد دعم البحث بالعديد من المؤتمرات والهيئات البحثية العالمية التي اهتمت بهذا الأمر، ومنها:
o وكالة حماية الصحة ببريطانيا.
o علماء الأحياء بجامعة براون.
o الجمعية البيئية الأمريكية.
o الاتحاد الأفريقي لعلم الأوبئة والصحة العامة.
o أكاديمية الطب البيطري والعلوم الصيدلية في الجمهورية التشيكية.
o المعهد البرازيلي للبيئة والموارد الطبيعية([11]).
أما الإشكال الثاني الذي أوردوه فهو استنكارهم ما ورد في رواية البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وقال: «كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام»، ووجه استنكارهم أنه لا يُعقل- في نظرهم- أن يكون سبب أمر النبي بقتل الوزغ هو كونها كانت تنفخ النار على إبراهيم عليه السلام؛ فهذا حيوان صغير ضعيف لا يؤثر في النار.
وللرد على هذه الفِرْية نورد قول الإمام البيضاوي رحمه الله: “قوله: «كان ينفخ على إبراهيم»: بيان لخبث هذا النوع وفساده، وأنه بلغ في ذلك مبلغًا استعمله الشيطان فحمله على أن ينفخ في النار التي أُلقي فيها الخليل وسعى في اشتعالها، وهو في الجملة من ذوات السموم المؤذية”([12]).
وتفصيل رواية الإمام البخاري ما أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح عن سائبة مولى الفاكه بن المغيرة: «أنها دخلت على عائشة فرأت في بيتها رمحًا موضوعًا، فقالت: يا أم المؤمنين، ما تصنعين بهذا؟ قالت: نقتل به هذه الأوزاغ؛فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا: أن إبراهيم لما أُلقي في النار لم تكن في الأرض دابة إلا أطفأت النار، غير الوزغ، فإنها كانت تنفخ عليه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله»([13]).
والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بيَّن هذه القصة لبيان خبث طبعه، ودناءة جِبِلِّته، وإنما السبب في الأمر بقتله هو كونه مؤذيًا، وإلا فالظاهر أن ما فعلته وزغات عهد إبراهيم عليه السلام لا يعاقب به وزغات هذا الزمان.
فالسبب الأصلي في الأمر بقتله هو إيذاؤه واعتداؤه، ومن جملة ذلك ما فعل أبناء جنسه لسيدنا إبراهيم عليه السلام ([14]).
وللرد على قولهم: كيف يُعقل أن تكون نفخة البرص ذات أهمية وتأثير على نار عظيمة كهذه! نقول: إن الحديث لم يذكر أنها أدت إلى إشعالها، وإنما ذكر منها فعل النفخ ذاته، والذي يُعتبر رمزًا للعداوة؛ فإن إبليس لما أُمر بالسجود لآدم عليه السلام لم يكن لسجوده قيمة بقدر ما كان تعبيرًا عن الطاعة، والأمر هنا كذلك؛ فنفخة الوزغ ليس لها قيمة في إشعال النار، بقدر ما فيها من خبث جنس الأوزاغ ودناءة طبعها.
قالوا: حتى إذا سلمنا بأن سبب قتلها أنها نفخت النار على إبراهيم، فلماذا إذًا نقتل ذريتها جميعًا على فعل لم تفعله؟!
وهذا ادعاء باطل؛ لأن السبب كما أوضحنا هو ما تحدثه من أضرار؛ حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها عند رؤيتها، لا بالبحث عنها والسعي وراءها للأخذ بالثأر.
وإذا كان الأمر كذلك فلنا أن نتساءل: لماذا تُعاقب الحية على جريمتها هي ونسلها كما جاء في (سفر التكوين): “فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين، وترابًا تأكلين كل أيام حياتك. وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه” (التكوين 3: 14، 15).
وزيادة في البيان: لو قلنا لعائلة: اقتلوا الصراصير والذباب، هل يعني ذلك أننا نطلب منهم البحث عن أي ذبابة أو صرصور في أي مكان وزمان ثم قتله؟! بالطبع لا، ولكن لحالة خاصة أنها تكاثرت بمنزل ما فسببت أضرارًا في هذا الموضع، الشيء نفسه في الوزغ، ليس قول النبي صلى الله عليه وسلم يعني: ابحثوا عن الوزغ أينما كان واقتلوه، ولكن فقط عند تكاثره في مكان ما، ومعلوم أن جميعنا قد استعمل مبيدات لقتل الذباب والصراصير.
وإننا لنعجب عندما نرى أناسًا يفزعون حينما يرون عنكبوتًا أو فأرًا أو ذبابة أو بعوضة… إلخ، فلا يترددون في قتلها دون تفكير، أما عند الوزغ فإنهم يتوقفون ويدافعون عنه لا لسبب إلا لأن الذي أمر بقتله هو محمد صلى الله عليه وسلم.
يتعجب هؤلاء من بعض الروايات التي جاء فيها أن ثواب من يقتل وزغة في أول ضربة فله مئة حسنة، وفي الضربة الثانية يكن له أقل من ذلك من الحسنات، وفي الضربة الثالثة أقل من ثواب الضربة الثانية، ويسخرون من ذلك التقسيم.
وللرد على ذلك نورد ما ذكره صاحب “عون المعبود”، قال: “قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه: الضربة الأولى معلَّل إما لأنه حين قتل أحسن، فيندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة»([15])، أو يكون معلَّلاً بالمبادرة إلى الخير، فيندرج في قوله سبحانه وتعالى:)فاستبقوا الخيرات((البقرة/ ١٤٨)، وعلى كلا التعليلين تكون الحية أولى بذلك والعقرب لعظم مفسدتهما”.
وقال في موضع آخر: “الأجر في التكاليف على قدر النصب إذا اتحد النوع احترازًا عن اختلافه كالتصدق بكل مال الإنسان، وشذَّ عن هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم في الوزغة:«مَنْ قتلها في المرة الأولى فله مئةحسنة، ومن قتلها في الثانية فله سبعون حسنة»، فقد صار كلما كثرت المشقة قل الأجر، والسبب في ذلك أن الأجر إنما هو مترتِّب على تفاوت المصالح لا على تفاوت المشاقّ؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يطلب من عباده المشقة والعناء، وإنما طلب جلب المصالح ودفع المفاسد، وإنما قال: أفضل العبادة أحمزها؛ أي: أشقها، وأجرك على قدر نصبك؛ لأن الفعل إذا لم يكن شاقًّا كان حظ النفس فيه كثيرًا فيقل الإخلاص، فإذا كثرت المشقة كان ذلك دليلاً على أنه جُعل خالصًا لله عز وجل، فالثواب في الحقيقة مرتَّب على مراتب الإخلاص لا على مراتب المشقة”([16]).
قالوا: إن أمرًا كهذا- قتل الأوزاغ- لا يدخل مطلقًا في مهمة الأنبياء، بل إن مهمتهم- حسب رأيهم- تقتصر على إيضاح العلاقة بين العبد وربه.
وهذا كلام عارٍ عن أي دليل، ولا يثبت أمام المناقشة والجدل؛ فالشريعة الإسلامية قد جاءت عامة شاملة لكل جوانب الحياة، فبجانب بيان النبي صلى الله عليه وسلم للناس علاقتهم بربهم عز وجل وإخلاصهم العبادة له سبحانه وتعالى، فقد بيَّن لهم وفصَّل كل الأمور التي تشغلهم في شئون حياتهم ومعاشهم من معاملات وعبادات وغيرها، والشرع المطهر قد اعتنى أيما اعتناء بتحقيق المصلحة للناس ورفع الضرر عنهم، وقد استنبط الفقهاء من الشريعة الإسلامية قواعد فقهية جديرة- حال تطبيقها- بأن تنتشل البشرية من الظلمة الظلماء إلى نور الهداية والحضارة الحقة، والأمر بقتل الوزغ يدخل تحت قاعدة فقهية من تلك القواعد، وهي قاعدة “الضرر يُزال”، ونرى أنه من المفيد هنا أن نتطرق لهذه القاعدة بكلمة مختصرة.
إذا وقع على شخص من شخص آخر ضرر لم يحتمله، ورفع أمره للقاضي، وجب على القاضي أن يحكم بإزالة الضرر، ووجب على الحاكم تنفيذ ما حكم به القاضي؛ تحقيقًا للعدل والأمن بين الناس، فلا ضرر ولا ضرار.
وعلى المتضرر أن يطلب من الذي تسبب له في الضرر إزالة الضرر بالطرق السلمية، وما أكثرها، فإن عجز رفع الأمر لأولي الأمر؛ فإن معالجة المشكلات بالطرق السلمية أيسر وأقرب للتقوى، وأبقى لدوام العشرة والإخاء.
وعلى المشاهدين الذين يشاهدون الضرر أن يتعاونوا مع المتضرر لإزالة الضرر عنه بالحسنى؛ عملاً بقوله سبحانه وتعالى: )وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب(2)((المائدة).
فإزالة الضرر واجبة، والطريق إلى ذلك إما أن يكون بالطرق السلمية، وهو الأَوْلَى، أو برفع الأمر إلى القاضي، وهذا عند فشل الطريقة الأولى.
وهذه القاعدة يُبنى عليها كثير من أبواب الفقه، وتندرج تحتها كثير من المسائل الفرعية، وهي مكمِّلة لقاعدة أخرى، هي قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»([17])، فكأنه قيل: ماذا نفعل لو وقع الضرر؟ فقيل: “الضرر يزال”([18]).
ودليل القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، ووجه الاستدلال منه أن هذا الحديث قد ورد بنفي الضرر مطلقًا، فيجب إزالته بعد وقوعه.
الخلاصة:
أحاديث الأمر بقتل الوزغ صحيحة في أعلى درجات الصحة؛ فقد رواها الشيخان في صحيحيهما، وكذا رواها أصحاب السنن والمسانيد بأسانيد صحيحة.
الحكمة من قتل الوزغ تكمن في وصف النبي صلى الله عليه وسلم له بالفويسق؛ حيث إنه قد فسق؛ أي: خرج عن خلق معظم الحيوانات بزيادة الضرر والأذية.
أثبت العلم الحديث- بما لا يدع مجالاً للشك- أن الأوزاغ تنقل العديد من الأمراض والطفيليات إلى الإنسان، من أشهرها مرض السالمونيلا.
الوزغ جنس خبيث ودنيء الطبع، تبين ذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه أن الوزغ كانت تنفخ النار على إبراهيم عليه السلام دون غيرها من جميع الحيوانات.
من قتل وزغة في الضربة الثالثة له من الأجر أقل ممن قتلها في الضربة الثانية، ومن قتلها في الضربة الثانية فله من الأجر أقل ممن قتلها في الضربة الأولى، كما أوضحت ذلك الروايات الصحيحة، وذلك معلَّل إما لأن المسلم حين قتل أحسن، فيندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم:«… فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة»، أو يكون معللاً بالمبادرة إلى الخير والمسارعة فيه، فيندرج تحت قوله تعالى: )فاستبقوا الخيرات((البقرة:148)، وفي كل خير.
جلب المصالح ودرء المفاسد قاعدة عظيمة جاءت الشريعة الإسلامية لتطبيقها في شتى مجالات الحياة كبيرها وصغيرها، وقتل الحيوانات والحشرات داخل تحت هذه القاعدة؛ وهو ملحق بالخمس الفواسق التي تُقتل في الحِلّ والحَرَم.
(*) قناة الحياة، برنامج: سؤال جريء، الحلقة رقم (159). موقع: الأقباط الأحرار www.freecopts.net.
[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأنبياء، باب: قوله تعالى: )وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً(125) ( (النساء) ، (1/ 448)، رقم (3359). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: استحباب قتل الوزغ، (8/ 3371)، رقم (5734).
[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: بدء الخلق، باب: خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال، (6/ 404)، رقم (3306). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: استحباب قتل الوزغ، (8/ 3371)، رقم (5737).
[3]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: استحباب قتل الوزغ، (8/ 3371، 3372)، رقم (5738).
[4]. تهذيب الأسماء واللغات، النووي، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، ص100.
[5]. المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1392هـ، ج1، ص20.
[6]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، 1426هـ/ 2005م، ج18، ص74.
[7]. قطر الولي على حديث الولي، الشوكاني، تحقيق: إبراهيم إبراهيم هلال، دار الكتب الحديثة، القاهرة، ص230، 231.
[8]. تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين، الشوكاني، دار القلم، بيروت، 1984م، ص3.
[9]. عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، ج14، ص115.
[10]. ردًّا على: لماذا جعل الإسلام البرص عدوًّا له؟ مقال منشور بموقع: ابن مريم www.ebnmaryam.com.
[11].انظر: الإعجاز العلمي في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الوزغ، د. أحمد كمال الدين عبد الجواد، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.
[12]. فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ/ 1994م، ج2، ص76.
[13]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الصيد، باب: قتل الوزغ، (2/ 1076)، رقم (3231). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (3231).
[14]. انظر: فتوى برقم (538) منشورة بموقع: الشيخ محمد عبد الغفار الشريف www.drasherif.net.
[15]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة، (7/ 3029)، رقم (4965).
[16]. عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، مرجع سابق، ج14، ص116.
[17]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الأحكام، باب: من بنى في حقه ما يضرُّ بجاره، (2/ 2340)، رقم (2340). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (2340).
[18]. القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، د. محمد بكر إسماعيل، دار المنار، القاهرة، ص99 بتصرف.