الكتب
الكون والإنسان في التصور الإسلامي
إنه الإنسان
لماذا نحن هنا؟
الوجود رسالة توحيد
فن التأمل
السؤال الحائر
المرئيات

أشرس مواجهة بين ملحد أمريكي عبقري وأشهر شيخ في العالم !

رحلة عائد إلى الفطرة

هل الإنسان مخير أم مسير؟

هل الكون عبثي أم دليل على خالق حكيم؟

لم نُخلَق عبثًا ..

ماذا تخبرنا الطبيعة عن وظيفة الإنسان؟

لماذا يجب أن يكون لحياتك معنى؟

سؤال الهُوية: من أنا؟

لماذا خلقت؟

ما الحكمة من وجود الإنسان ؟

مختار أم مجبور ؟؟

كيف يجيب الملحد عندما تسأله عن الغاية من حياته ؟

لماذا خلق الله الكافر

لماذا خلقنا الله؟

لماذا لم يستشرني الله قبل خلقي؟

لماذا ينبغي أن نعبد الله؟

لماذا نعبد الله؟!

هل يتعارض علم الله المسبق مع حرية إرادة الإنسان

كيف تؤثر إرادة الله في إرادة العبد

كيف تكون إرادة الإنسان إرادة حرة مع وجود الإرادة الإلهية ؟

لماذا خلقنا الله ؟ لعبادته ؟

حرية الإرادة في ميزان الإلحاد

ما هو أصلك؟ ومن أين أتيت؟

ما الغاية من وجود الكون ؟

لماذا خلقنا الله د.ذاكر نايك
المقالات
كيف نجمع بين إرادة الله الشاملة، وإرادة المخلوق؟
الحمدُ للهِ ذو الكمال المُطلق، خالِق المُكلفينَ بعقولٍ مُدرِكة، من عزّت ذاتهُ عن الإحاطة وعلمه مُحيط، والصلاة على النبيِّ الأكرم، وآله وصحبه وسلَّم، أما بعد:
فإن مسألةً كمسألة الجمع بين إرادة الله الشاملة وإرادة المخلوق، من أهم المسائل التي كَثُر فيها اعتراض المتشككين إذ قالوا: كيف نجمع بين إرادة من شَمِلت قُدرته كل شيء ولا يخرج عن مشيئته شيء، وبين إرادة المخلوق؟ وإذا كانت إرادته شاملة ولا يخرج مخلوق عنها، فكيف يصح بناءً على ذلك أن يكلف الإنسان بالتكاليف الشرعيَّة ويُقرر عليها الجزاء والعقاب؟
وحقيقةً، فإن مثل هذا (التعارض الظاهر) قد أوهم كثيراً منهم أن الجواب لا يخرج عن اثنين:
أولاً: إما أن العبد مجبورٌ على أفعاله، إذ لا يُمكن أن يخرجَ عما اقتضتهُ مشيئة الله عليه، فسيكون عقابه بذلك منافياً للعدل.
ثانياً: أن يكون العبد حُرًا في أفعاله، فيُمكنه بذلك الخروجُ عما اقتضته مشيئةُ الله، فينسبُ بذلك العجز له -عز شأنه-.
والحق أن كلا الجوابين فاسد؛ لاستلزامهما سوء التصور لصفاته -عز وجل- ما بينَ نسبة للظلم وأخرى بالعجز، ونحنُ نعلم أن أحقيتهُ تعالى بصفات الكمال تُقِره بداهة العقول؛ إذ كُل صفة كمال قد تثبُت للمخلوق، فالخالق أولى بإثباتها له؛ لكونهِ -عزَّ شأنهُ- خالقًا قديمًا واجبًا، والمخلوق مُحدَثٌ مُمكن [١]، فمن كان مخلوقاً مُفتقراً فإنه سيكون تابعاً لمن خلقه، وهذا هو الأصلُ لا مِراءَ فيه -عقلاً وبداهة-، فكيف نجمعُ بناءً على ذلك بين الإرادتين (الإلهيَّة والإنسانيَّة) بما يضمنُ سلامة الاعتقاد لله -عزَّ شأنه- بكمال الصفات، وللمخلوق بحقيقة الإرادة؟
وهذا ما سنتناولهُ بالتحليل في مقالتنا هذه بإذن الله.
وقبل ذلك، لابُد أن نقف ابتداءً على منطلقاتٍ أساسية، تُعتبر بمثابة (الأصول) التي ينبغي استحضارها عند قراءة جواب المسألة [٢] :
الأوَّل: تمام علم الله وقُدرته وتدبيره -عزَّ شأنه- لكل ما هو موجود؛ إذ تعتبر صفةً لصيقةً بذاتهِ لا يمكن انفصال ألوهيته عنها؛ لكونه المصدر الأوَّل والأساس لكل حدثٍ يجري في الكون؛ بحُكم خلقه له، وأفعال العباد -بذلك- لا تخرجُ عن هذه الكُلية؛ لأن ما ثبت للأصل ثبت للفرع، وما ثبت للجُزء ثبت لكل الأجزاء المُشابهة له.
الثاني: غيبية علمِ الله ومشيئته؛ إذ يُعتبران سرًّا من الأسرار الإلهيَّة بعيدة الأغوار، مُستحيلة الإدراك والإحاطة لمخلوقٍ أبداً؛ لكونها مملوكةً أساساً لهذا الخالق الواهب، فلا يصح في العقل أن يُحدِّد الإنسان فيها شيئاً البتَّة؛ لانطوائها على الغيب الذي لا يملك له علماً.
الثالث: مبدأ السببية، فكل شيءٍ في الوجود قد ربطه الخالق -عزَّ شأنه- بأسبابٍ خاصةٍ به لا يتحصل علم شيءٍ إلاَّ بها؛ إذ جرت سُنة الله تعالى الكونيَّة على الترابط السببي بين أحداث الكون دون استثناء، فكما أن أحداث الدنيا تجري بأسبابٍ معلومة محددة، فكذلك بالنسبة لأحداث الآخرة، لا تحصل إلا بأسبابٍ معلومةٍ محددة، فكل مصيرٍ لابد وأن ينطوي مسبقاً على أسباب راجعة لفعل الإنسان؛ لتتعلق به المثوبة أو العقوبة.
الرابع: إرادة الإنسان الحُرة، وهذا شعورٌ صادقٌ ومحسوسٌ عند كلِ نفسٍ عاقلة، تعلم الفرق بين ما يكون منه اضطراراً كنبض القلب وارتعاش البدنِ، أو السقوط من علو، وما يكون اختياراً كالأكل والشرب والبيع والشراء وما شابه ذلك، لذلك جاءت النصوص الشرعية مُدركة لعلم الإنسان بهذه الحقيقة، فحددت التكاليف وأرست القواعد بناءً عليها.
الخامس: عدلُ الجزاء المُقرر للإنسان (خيراً أم شرًّا)، فإذا كان مُدركاً متعقِّلاً لحقيقة كونهِ حُر الإرادة، فإن ما ينطوي على ذلك من أفعالٍ تصدر برغبته الخاصة سيُحاسَب عليها حساباً عادلاً، أما ما خرجَ عن قصدهِ ورغبتهِ -جهلاً أو نسياناً أو خطأً- فذلك مما قد وسعهُ عفو الرحمنِ وغُفرانه.
السادس: إقامة الحُجة، فعلى كون الإنسان حُر الإرادة، إلا أن الهداية الإلهيَّة العامة (هداية البيان والدلالة والإرشاد) ثابتة ومُستقرة لكل العالمين، قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (الشورى: ٥٢)، وقال عزَّ شأنه:﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ (النساء: ١٦٥)، فقد أنار لهم الطريق وأبان الحق وأوضحَ الحجة، فأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأقام الأدلة؛ ليُرشد النَّاس إلى الهداية، ويُميزها عن سبيل الغواية.
هذا أبرز ما يتعلَّق بأصول المسألة، ولا يخرجُ القارئ لها عن حالين:
١. إما أن يُدركها إدراكاً يتجلى به غموض المسألة، ويُبين لعقله فساد تصور ظُلم الله للعباد بتكليفهم مالا يطيقون.
٢. وإما أن يعجز عن تصور ذلك؛ لقصر عقله، فهذا قد أوجب على نفسه التسليم والخضوع للكمال الإلهي؛ لكونها مسألة عقلية بدهية لا تُعارَض، فكما أن الإنسان قد يُسلمُ لكثيرٍ من القضايا التي يراها مُلغزة، فتسليمه للذي خلقه وميزه بالإدراكِ أولى: “حملاً للمتشابه على المُحكم، وقياساً للأمر الغامض على الواضح الجلي، فهذا نهجُ العقلاءِ وسبيلهم في النَّظر والاستدلال والبناء للآراء والمواقف” [٣] .
أما فيما يتعلق بتفصيل الجواب عن مسألة (الإرادتين: الإلهيَّة والإنسانيَّة)، فسنقف -ابتداءً- على تعريف موجز بمعناها، لنحسن عرض الجواب المُباشر بإذن الله: فباستقراء عام لآيات القرآن، نجد أن الإرادة الإلهية تنقسم في حقيقتها إلى نوعين: إرادة كونيَّة قدريَّة، وإرادة دينية شرعيَّة [٤].
– أما الإرادة الكونيَّة القدريَّة (الشَّاملة): فهي ما تقع على جميع المخلوقات دون استثناءٍ كما أراد الله -عزَّ شأنه- لها، فلا يخرجُ مخلوق عن مُقتضاها ولزومه بها، ككونه -سُبحانه-: ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ (البروج: ١٦)، وكونه إن أراد أن يُهلك من في الأرضِ أو يُبدِّل حالهم لفعل: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلكَ قَرْيَةً آمَرْنَا مُتْرَفِيها﴾ (الإسراء: ١٦)، وقوله: ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ (الأنعام:١٢٥)، وقوله: ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ (البقرة:٢٥٣)، فهي إرادةٌ يشترك في وجوب وقوعها ولزومها كل مخلوقٍ وموجود [٥] .
– أما الإرادة الدِّينية الشرعيَّة: فهي مالا يستلزم فيها وقوع المُراد، مثل قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: ١٨٥)، وقوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (النساء:٢٦، ٢٨)، فإرادته هنا إرادة رضا ومحبة، تتعلق بكل ما يأمر به عباده المُكلَّفين ممن أوهبهم (حُرية الإرادة) في الطاعة أو المعصية، وفي الفعل أو التَرك، فقد أمرهم بالتوحيد وإخلاص العبادة له، ولا يستلزم من ذلك لزوم وقوعها عليهم؛ بل يرجع إلى فِعل المأمور واختياره [٦] .
هذا بالنسبة لمعنى الإرادة الإلهيَّة، والتي نلخص فيها أن إرادة الله الكونية لابد فيها من وقوع ما أراده؛ لتحقيق معنى الألوهيَّة في كونه (مُطلق) الصفات، من: القُدرة، والسُلطة، والمشيئة، أما إرادته الشرعية والتي تتضمن (المحبة والرضا) فلا يستلزم بها وقوع المُراد، إنما أرجع -عز شأنه- وقوعها إلى فِعل الإنسان نفسه؛ لما ملكه من (حريَّة الإرادة والاختيار) والتي عليها يكون ثوابه وعقابه في الاتباع من دونه.
أما بالنسبة لإرادة المخلوق: فهي إرادة حُرة محدودة لا تستقلُ عن إرادة ومشيئة وقُدرة الله –عزَّ شأنه-، بمعنى أنها ترجع في مُلكيَّتها -أصلاً- إلى واهبها، فإن شاءَ أبقاها وإن شاء نزعها، وقد وهبها للمكلفين (من الإنس والجن)؛ لغايةٍ كُبرى تتمثل في عبادتهِ وإخلاص العمل له، وتحقيق الخلافة في الأرض وإعمارها: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: ٥٦)، ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: ٣٠)، ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (هود: ٦١)، فهي إرادةٌ حُرة تستلزم إثابة الله للمُحسن فيها أو عقاب المُسيء: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (الزلزلة:٧-٨).
- التصور الوسطي لمعنى الإرادتين:
مما سبق، نجد أن أصل الإشكال هو في مشيئته -عزَّ شأنه- الشاملة، ولعل السؤال الأبرز هو: ما حدود دخول الإنسان حُرِّ الإرادة فيها؟ وهل يمنع ذلك (تمامَ استقلاليته)؟
والجوابُ الحق فيها هو (التوسُّط)، بمعنى: أن نُقر للهِ ما قد أقره للإنسان من وجود الإرادة الحُرَّة: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (الكهف: ٢٩) وإقرارهِ للجزاء عليها: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ (الكهف:٢٩)، وفي ذات الوقت نُقر قدرة الرحمن على نزعها إن شاء وإثباتها إن شاء كذلك: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (التكوير:٢٩)، وفي هذا الجواب تمييزٌ بين أمرين:
١. الأصل: في كونه -عزَّ شأنه- مُطلق الفِعل والإرادة، إن شاءَ وهَب وإن شاء منع: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ (فاطر: ٤٤).
٢. التابع: في كون الإنسان لا يخرج عن هذه المشيئة إن شاء -صاحبها سُبحانه- تخييره أو إجباره: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس: ٩٩).
كيف نعالج هذا التصور الوسطي لمسألة الجمع بين الإرادتين؟
بتفصيل المسألة، نجد أن مشيئة الإنسان ثابتة ومقررة بإثبات خالقها لها، وأن محدوديتها ترجع إلى كونها “مخلوقة” أصلاً لله، ومن لوازم ألوهيته -عزَّ شأنه- أن يكون مطلقاً في صفاته، وما دونه مما خلق لا يخرجُ عن قُدرته، ولا ينسب له عجزٌ أو سهوٌ أو غفلة فيما يتعلق بهم، وما تدبيرهُ لبعض الأمور التي تخرجُ غالباً عن تدبير البشر إلا ضماناً لسلامة الكون واستمراريته، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة: ٢٥١)[٧]، وقد ذكر سبحانه فضله عليهم هنا؛ لأن الأصل في هذا أن التدافع الناجم عن الإرادة الحُرة مُتعارضٌ بين طرفي (الخير، والشر)، فجعل الله في تدافعهما وإذنه بذلك بينهما ضماناً لاستمرارية الأرض التي أُعِدت كدار امتحانٍ لأهلها، فلا تفنى بشرٍ مُطلق (كحال الكفار) إلاَّ بأمر الله الذي خلقها: ﴿حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ (آل عمران: ١٧٩).
وفي الاعتقاد الوسطي نجد أن الأصل هو كفالة الله للإنسان حُرية الاختيار التام لطريق الهُدى أو الضلال، وبناءً على ذلك يُيَسر له سُبحانه (لوازم) هذا الطريق (كما سبق من ذِكر التدافع)، فهو يهدي هداية عامة ويقيم الحُجة، ثم يكون اختيار الإنسان حُرًا بحيث يتحمل معه نتائجه؛ لإقامة العدل في الحسابِ فيه، فإن عَلِم أن في هذا الإنسان خيراً هداهُ هداية خاصَّة، وإن علم فيه شرًّا أتاهُ ممَّا يستحق، قال سُبحانه: ﴿وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ (آل عمران: ١٤٥)، وقوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ (محمد: ١٧)، هذا فيما يتعلَّق بـ (المشيئة الشرعيَّة)، وما عدا ذلك من (المشيئة الكونيَّة) فإنه محدود القُدرة حتى يأذن الله بالتدبير فيه: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (التكوير: ٢٩) سواءً فيما يتعلقُ بالإنسان خاصة أو بالكون ككُل، فحُريته وما يلزم منها وإن كانت هبة منه -عزَّ شأنه-، إلا أنها لا تُوازي في حقيقتها صفاتَ خالقها أو تُعارضها في شيءٍ مُطلقًا؛ بل تدور في فلكٍ بإذن الله وتدبيره لما يراهُ أصوبَ وأحكم.
بناءً على ذلك يكون الردُّ على ما صدَّرنا من فرضية المتشكِّكين، بأن غاية خلق الإنسان التي جُعل فيها خليفة في الأرض تُحتِّم عليه أن يكون حُرَّ المشيئة فيها، وهذا أمر يُدركه العاقل في قرارة نفسه، ويعلم أن إضافة فعله لخالقه سُبحانه هو باعتبار مشيئته وقُدرته -أي: أنَّ الله شاء أن يجعل له مشيئة ولفعلهِ وجوداً، ولو أراد لنزعها منه-، وأن إضافتها إليه -أي: إلى العبد نفسه- إضافة فاعلٍ لها حقيقة [٨]: ﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ (فصلت: ٤٦)، يقول ابن تيمية -رحمه الله-: “الأعمال والأقوال والطاعات والمعاصي من العبد، بمعنى أنها قائمة به، وحاصلة بمشيئته وقدرته، وهو المتصف بها المتحرك بها، الذي يعود حكمها عليه” [٩].
وبذلك يتبيَّن -تلخيصاً لما سبق- أن الانحرافَ الواقعَ في هذه المسألة كان نتيجة الجمعِ بإطلاق أو التفريق بإطلاق[١٠]، والأصوب أن يُجمع بينهما في (الثبوت والإيجاد) ويُفرَّق في (المحدوديَّة والإطلاق)، فمشيئةُ الله وإرادته مُطلقة؛ لعلَّة الأزليَّة فيه، بينما مشيئة الإنسان وإرادته محدودة بما وهبَ ذلك المُطلِق وأذِنَ به -عزَّ شأنه-؛ لعلَّة الإمكان فيه، فلا يستقل المخلوق بها استقلالاً يظن به عجزَ الله عن مدافعته، ولا يُجبر إجباراً يظن به أنهُ مظلومٌ في مصيرهِ الأخروي، لما سبقَ بيانه من أدلة.
هذا، وأسألُ الله أن يُنير بالحقِّ البصائِر، ويثبِّتنا بالقول الثَّابت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة.
[١] القديم الواجب هو ما استحال عليه العدم أزلاً وأبداً وبالتالي فإن كمال الصفات فيه ثابتة ومُطلقة، بخلاف المخلوق الذي يجوز عليه الوجود والعدم بأمر ومشيئة خالقه، وبالتالي فصفاتهُ تابعة وناقصة، وللاستزادة: الرجوع إلى كتاب الأدلة العقلية النقلية، لد. سعود العريفي
[٢] مُستفاد بتصرُّف من كتاب: ظاهرة نقد الدِّين في الفكر الغربي الحديث، د. سلطان العميري، ص ٨١.
[٣] بتصرُّف من كتاب: ظاهرة نقد الدِّين في الفكر الغربي الحديث، د. سلطان العميري، ص ٨٧ .
[٤] انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية -رحمه الله-، ١١/٢٦٦.
[٥] راجع: مجموع فتاوى ابن تيمية، ١١/266، وكتاب: شفاء العليل للإمام ابن القيم الجوزية -رحمه الله-، ١/ ١١١.
[٦] . راجع: شرح العقيدة الطحاوية؛ لابن أبي العز الحنفي -رحمه الله-، ١/٦٦-٦٨ .
[٧] معنى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) للشيخ: محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: https://www.youtube.com/watch?v=Jxqd868vwy8.
[٨] راجع: الرسائل والمسائل العقدية المنسوبة إلى الإمام الشافعي -رحمه الله-، مهنا سالم، ٥٠٧.
[٩] . راجع: منهاج السنة النبويَّة، لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، ٣/١٤٦.
[١٠] وقد يدخل في الأسباب ضعف الاعتقاد بكمال صفات الله عز وجل كالعدل وما شابه، وفي هذا يُنصح بالرجوع إلى كتاب الأدلة العقليَّة النقليَّة على أصول الاعتقاد، لد. سعود العريفي، في الفصل الثالث بعنوان: أدلة الكمال والتنزيه، كذلك: رسالتَيّ “آثار المثل الأعلى، وحقيقة المثل الأعلى”، لد. عيسى بن عبد الله السعدي.
لماذَا يحاسبُنَا اللهُ ولا يتركنَا أحرارًا!
الحمدُ للهِ تعالى وحدَهُ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على مَن لا نَبِيَّ بعدَهُ.
في ظلِّ آياتِ الوعيدِ للعصاةِ والكفارِ؛ يتساءلُ البعضُ عن وجودِ حرّيّةِ الاختيارِ عندَ الإنسانِ التي يزعُمُ وجودَها المؤمنونَ، فيقولُ المتسائلُ: إنْ كُنتُ مُتَوَعَّداً بعقابٍ بعدَ الفعلِ، فأينَ حرّيّتِي في الاختيارِ التي تزعمُونَهَا؟
وحقيقةً قدْ يكونُ كافياً تسليطُ الضوءِ على ضبطِ المفهومِ وتبيِينِ مرادِ المؤمنِ، ولكنَّ خلفَ هذا التساؤُلِ مسائِلُ أخرى قد يَحْسُنُ الإشارةُ إليهَا، ولذلكَ سيكونُ تناولُ الجوابِ دائراً حولَ ثلاثةِ محاورَ:
١- مفهومُ حرّيّةِ الإرادةِ.
2- حرّيّةٌ متوهّمَةٌ، وغيابُ المعيارِ.
3- مقتضَى العدلِ والحكمةِ.
معَ العلمِ أنَّ عامّةَ الكلامِ سيكونُ موجّهَاً أساساً للمؤمنِ بربّهِ المستشكِلِ هذا السؤالَ؛ فمنْ لا يؤمِنُ يكونُ الحديثُ معهُ في غيرِ ذلكَ منَ الأصولِ أولَى.
أولاً: مفهومُ حرّيّةِ الإرادةِ:
وهنا سيظْهَرُ الخَلْطُ بينَ مفهومِ حرّيَّةِ الإرادةِ الذي يقصِدُهُ المؤمنُ؛ وحرّيّةِ الاختيارِ التي يتساءلُ عنهَا المعترضُ، فمفهومُ حرّيّةِ الإرادةِ يُرَادُ بهِ القدرةُ على الاختيارِ بينَ الخيرِ والشرِّ..
قالَ تعالَى: {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [سورة المدثر]، وقالَ جلَّ وعلا: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف].
فإنَّ القدرةَ على الاختيارِ بينَ الطاعةِ والمعصيةِ أو بينَ الإيمانِ والكفرِ؛ هوَ ممَّا يستطيعُهُ الإنسانُ بما وهبهُ اللهُ من تلكَ القدرةِ، والناسُ يعرفونَ من أنفسهِمْ حرّيّتَهُمْ تلكَ وهمْ مُقبِلُونَ على أيِّ فعلٍ، وتلكَ القدرةُ ليستْ عندَ جميعِ الخلقِ، فالملائكةُ قالَ اللهُ عنهم: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [سورة التحريم].
وأمّا ما يقصدهُ المستشكلُ هوَ أنْ يفعلَ الإنسانُ ما يريدُ دونَ الخوفِ منَ العاقبةِ. وهذا في الحقيقةِ مفهومٌ يستندُ إلى ثقافةٍ ليبرَالَيَةٍ لا يقصدُهُ المؤمنُ، ولا ينبغِي لهُ أنْ يقصدَهُ أو يقولَ بهِ لا سيمَا حينَ يتحدّثُ عن أفعالِ الإلهِ سبحانهُ، وَسَيَتَبَيَّنُ بإذنِ اللهِ في النقاطِ التاليةِ لماذَا لا ينبغِي ذلكَ؟
ثانياً: غيابُ المعيارِ وحريّةٌ مُتَوَهَّمَةٌ:
إنَّ اللهَ هوَ خالقُ كلِّ شيءٍ، ومنْ ثمَّ فهوَ أعلمُ بمَا يصلحُ الناسَ، وهوَ أعلمُ وأحكمُ من جميعِ خلقهِ، وبالتالي فلا ينبغِي تحكيمُ أفكارِ وفلسفاتِ النّاسِ على الوجودِ كلِّهِ وذلكَ كقولِ: ينبغِي للإنسانِ أنْ يكونَ حراً حريّةً مطلقةً بلا خوفٍ من عاقبةٍ..
هذا الكلامُ يجعلُ أهواءَ الناسِ مكانَ ربِّ الناسِ، ومعاذَ اللهِ أنْ يكونَ هذا أبداً؛ فلا بدَّ أنْ يُستَمَدَّ المعيارُ الذي نزنُ بهِ الأمورَ منْ وحيِ خالقِ النّاسِ؛ فمنْ خلقَ الناسَ أعلمُ بما يصلحهُمْ..
قالَ تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [سورة الملك].
ومَنْ تأمَّلَ حالَ الناسَ سيعلمُ أنَّ الحريّةَ المطلقةَ وَهْمٌ، وإنَّ كلَّ مجتمعٍ يضعُ معاييرَ وضوابطَ يعاقِبُ بهَا مَنْ خالَفَهُم حتى في أكثرِ البلادِ التِي تطبِّقُ مبدأَ حريَّةِ الفردِ كما في المفهومِ الليبرالِيِّ..
فهلْ يمتنِعُ حرقُ علمِ دولةٍ وأنتَ فيهَا ولكنْ يحقُّ أنْ لا تعبدَ ربّكَ وأنتَ في كونِهِ؟
هل يمتنعُ مخالفةُ قانونِ دولةٍ أو لائحةِ شركةٍ تعملُ بها ولكنْ لا يحقُّ لخالقِكَ أنْ يُشَرِّعَ لكَ ما تنضبطُ بهِ حياتُكَ؟
هل يحقُّ للدولِ عقابُ من خالفَ القوانينَ ثمَّ يتعجّبُ متعجّبٌ من الجزاءِ الأُخْرَوِيِّ؟
إنَّ هذهِ التأملاتِ الواقعيةَ اليومَ ليستْ هيَ المعيارَ الرئيسَ لعقيدةِ ضرورةِ الجزاءِ والحسابِ الأخرويِّ، وليسَ حالُ الدولِ المعاصرةِ اليومَ هوَ الإلهامُ العقليُّ والوحيُ القلبيُّ لنَا، ولكنْ هذهِ إضاءاتٌ لمنْ يرَى ضرورةَ الالتزامِ بقوانينِ البشرِ ثمَّ يستكبرُ عن قانونِ ربِّ البشرِ وأحكمِ الحاكمينَ.
ثالثاً: مقتضَى العدلِ والحكمةِ:
إنَّ كلَّ ذرَّاتِ الكونِ وزوايَا الآفاقِ وأطيافِ اختلافِ النّاسِ والبشرِ، تنطقُ صباحَ مساءَ أنَّنَا لم نكنْ هنَا عبثاً، وإنَّ الخالقَ المُتَّصِفَ بالكمالِ المطلقِ والمنزَّهَ عنِ النقصِ العليمَ الحكيمَ؛ قدْ وضعنَا هَا هُنَا لغايةٍ لا لغفلةٍ وانغماسٍ في الأهواءِ.
يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [سورة المؤمنون]، وقالَ سبحانَهُ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)} [سورة ص].
إنَّ القدرةَ على الاختيارِ تَقْتَضِي حساباً، والنّاسُ بينَ تقيٍّ وفاجرٍ، وبينَ مصلحٍ ومفسدٍ، ولا يستوِي هذا وذاكَ في ميزانِ العدلِ، وليستِ المساواةُ من الحكمةِ، والظلمُ وضعُ الشيءِ في غيرِ موضعهِ، ومنْ ثمَّ كانَ العقلُ موافقاً لما في النقلِ منْ منطقيّةِ وجودِ اليومِ الآخرِ، وموافقةِ ذلكَ لحكمةِ وعدلِ اللهِ، وإلَّا لأفلتَ الظالمُ بفعلهِ، ولضاعَ حقُّ المظلومِ إلى الأبدِ، وقدْ قالَ جلَّ وعلَا: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ} [سورة الأنبياء].
خاتمةٌ:
..وموجزُ القولِ في ذلكَ السؤالِ أنَّ حريّةَ الإرادةِ هيَ القدرةُ على الاختيارِ، وليستْ هيَ حريّةُ الاختيارِ بلا خوفٍ من عاقبةٍ، وعلى الإنسانِ أن يدركَ قَدْرَهُ وأنّهُ مخلوقٌ عبدٌ لربِّهِ مالكِ الملكِ، وإنَّ الذِي يخضَعُ لنُظُمٍ يضعهَا النّاسُ لا ينبغِي لهُ التعجُّبُ من وجودِ تشريعٍ يحاسبُهُ عليهِ ربُّ الناسِ، وإنَّ الحسابَ هوَ مقتضىً لعدلِ وحكمةِ اللهِ الذي لمْ يخلقهُم عبثاً ولا يتركهُم سدىً، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ الرّحمنِ الرّحيمِ، مالكِ يومِ الدينِ.
لماذا يَطلبُ اللهُ منَ البشَرِ عبادتَهُ؟
يقولُ قائِلٌ: لماذا يَطلبُ اللهُ منَ البشَرِ عبادتَهُ؟
ولا يَخرجُ السّائلُ عنْ أنْ يكونَ مُلحِدًا أوْ مُؤمِنًا. أمّا الملحِدُ فيَرُدُّ لإثباتِ وجودِ اللهِ وكمالِهِ -سُبحانَهُ وتعالى- ثمَّ ننتَقلُ معَهُ إلى حيثُ نبدَأُ معَ مؤمنٍ يَسألُ ذلكَ السؤالَ:
– أنْسَنَةُ الإلهِ والطّلبُ لحاجةٍ:
يقعُ السّائلُ -عندَ طَرحِهِ ذلكَ السؤالَ- في مُغالطةٍ واضحةٍ وهيَ تُمثِّلُ أفعالَ البشرِ وقياسَ أفعالِ اللهِ عليها، وذلكَ بلا شكٍّ خلَلٌ واضحٌ.
فقدْ نتَّفقُ أنَّ غالِبَ طلَبِ البشرِ لا يكونُ إلا لحاجةٍ، وذلكَ طبيعيٌّ إذْ نحنُ مخلوقاتٌ مُفتقِرةٌ، بِنا حاجةٌ، لكنَّ الخالقَ هو الغنيُّ، لا يحتاجُ لأحدٍ مِنْ خلقِهِ، بل يمتَنِعُ احتياجُهُ لأحدِهِم عقلًا إذْ هوَ خالِقُ الخلقِ فهوَ في تمامِ كمالِهِ وغِناهُ أزلًا مِنْ قبلِ أنْ يكونوا.
وهلِ البشَرُ فعلًا لا يَطلبونَ إلا لحاجةٍ؟
الواقعُ يخبِرُنا خِلافَ ذلكَ، فقدْ تَطلُبُ الأمُّ مِن صغيرِها فتْحَ فاهْ لتُطعمَهُ وهوَ المحتاجُ لا هيَ، أوْ يطلبُ مُحسنٌ مِن سائلٍ مدَّ يَديهِ ليُحسِنَ إليهِ والسائِلُ هوَ المحتاجُ، وقد يَطلبُ الأبُ منْ صغيرِهِ أن يحتَرمَهُ، والأبُ في غنىً عنْ صغيرِهِ، لكنَّ دافعَ الطّلبِ هُنا هو استِحقاقُ الأبِ للاحترامِ وحبُّ الأبِ لابنِهِ وحرصُهِ على مصلحَتِهِ.
فإنْ كانَ كلُّ ذلكَ يمكِنُ تصوّرُهُ في حقِّ المَخلوقِ القاصِرِ، فبداهةً ما يُتصوَّرُ في حقِّ اللهِ أعظَمُ.
أمّا اللهُ فهوَ الغنيُّ -سبحانهُ- وكلُّ خلقِهِ إليهِ مُفتقِرٌ، لا يفعَلُ إلا لحكمَةٍ، علِمَها الإنسانُ أو جَهِلَ.
وبذلكَ نكونُ قد فكَكْنا الارتِباطَ بينَ طلَبِ العبادةِ واحتياجِ اللهِ -سبحانهُ وتعالى- لَها.
– أإلٰهٌ معَ اللهِ؟
نتحدّثُ هُنا عنِ الإنسانِ الذي أصابَهُ الكِبْرُ، فظنَّ في نفسِهِ قدرةً تامّةً على الإحاطةِ بأفعالِ خالقِهِ.
السّؤالُ عن طلَبِ العبادةِ مُرتَبطٌ ارتِباطًا وَثيقًا بالحِكمَةِ، فاللهُ سبحانَهُ وتعالى لا يفعَلُ إلّا لحكمَةٍ.
والحِكمةُ مُرتبِطةٌ بالعِلمِ، ولا شكَّ أنَّ إدراكَ الإنسانِ لحكمَةِ قَرينِهِ من بَني البشَرِ لا تتّسِعُ إلا بقَدْرِ إحاطتِهِ بعِلمِهِ. فأنا لا أُدرِكُ الحِكمَةَ مِن وَصفِ الطّبيبِ دواءً مُعيَّنًا، إلا إنْ علِمتُ تَشخيصَهُ وفِعلَ ذلكَ الدّواءِ في الجِسمِ. وكذا الأمرُ في كلِّ أحوالِ الإنسانِ: عاجزٌ عنْ إدراكِ حِكمةِ ما لمْ يُحِطْ بهِ عِلمًا. فإدراكُنا للحِكمَةِ يكونُ على قدْرِ عِلمِنا بتفاصيلِها.
ويَلِحُّ سؤالٌ هُنا: هل يَستطيعُ الإنسانُ الإحاطةَ التامّةَ بالحكمَةِ مِن أفعالِ خالِقهِ؟
والحقُّ أنَّ الجوابَ واضحٌ، لمْ يَدْعُ الإنسانَ للمجادلَةِ فيهِ إلّا غرورُهُ الشّديدُ، فمُذْ وضَعَ الإنسانُ نفسَهُ في المركزِ وجعَلَ -بُهتانًا وزُورًا- كلَّ شيءٍ يدورُ مِنْ حَولِهِ، وقدْ أعمى الغرورُ بصيرَتَهُ، فظَنَّ الإنسانُ أنّهُ يَملكُ مِنَ العلمِ ما هوَ للهِ، والصّوابُ أنَّ البَونَ شاسِعٌ والهُوَّةَ عَميقةٌ عميقة. بلْ لا مقارَنَةَ تَنعقِدُ ولا بَونَ ولا هُوّةَ تتَّسعُ.
تخيّلْ معِي لو أنَّ إنسانًا أرادَ أن يُحيطَ بجميعِ علومِ أهلِ الأرضِ، أيَقدِرُ؟
فما بالُكَ بعِلمِ اللهِ سبحانَهُ، وكلُّ علومِ أهلِ الأرضِ ليسَتْ شيئًا فيهِ!
ولِيتّضِحَ المثالُ فقِسْ قدرَتَكَ إلى قُدرةِ اللهِ سبحانهُ وتعالى، أنتَ العاجِزُ عنْ أنْ ترفَعَ حِمْلًا بسيطًا، وربُّكَ الذي يمسِكُ السماواتِ والأرضَ أنْ تَزولا!
قدرَتُكَ إلى قُدرَتِهِ، كعِلمِكَ إلى عِلمهِ، وحِكمَتِكَ إلى حكمتِهِ.
إنَّ الإنسانَ حينَ يَتناسى كُلَّ ذلكَ ويطلُبُ الحكمَةَ التّامّةَ مِن أمْرِ اللهِ لهُ بعبادَتِهِ، فإنّهُ يجعلُ مِنْ نفسِهِ إلٰهًا معَ اللهِ، لهُ مِنَ العلمِ ما لَهُ، يقدِرُ على الإحاطَةِ بعلمِهِ ومَعرفَةِ كُلِّ حكمَةٍ مِن فِعلِهِ. وأنَّى للمسكينِ ذلكَ!
– وهلِ العبادةُ واجِبةٌ عليّ؟
فإنْ كانَ اللهُ لا يَطلُبُ عَبادتَنا لحاجَتِهِ إليها، فلِماذا هيَ مفروضَةٌ عليَّ إذَن؟
يسألُ الإنسانُ ذلكَ مُتناسِيًا موقِعَهُ منَ الكونِ، مُتَلبِّسًا ببعضِ الغرورِ.
أنتَ يا أخي مَخلوقٌ للهِ مِن عدَمٍ، كنتَ بعدَ أنْ لمْ تكُنْ، وذلكَ وحدَهُ يقتَضِي أنْ تكونَ عبدًا للهِ، مُفتقِرًا إليهِ في معرفةِ أدِقِّ أمورِكَ، طائِعًا لهُ فيما أمرَكَ، مجتَنِبًا ما نهاكَ.
عبادتُكَ للهِ هيَ مُقتَضى خالِقيَّتِهِ وكمالِهِ -سبحانهُ وتعالى- ومُقتضَى مخلوقِيَّتِكَ لهُ وحاجَتِكَ إليهِ.
لذا فكلُّ المَخلوقاتِ تَعبدُ ربَّها “وإنْ مِنْ شيءٍ إلّا يُسبِّحُ بِحَمْدِهِ” فتلكَ المَخلوقاتُ كلُّها تُدرِكُ استحقاقَ ربِّها للعبادَةِ، غيرَ أنَّ الإنسانَ مِنْ بينِها هوَ مَنْ يَعقِلُ ويَختارُ، فأصابَهُ الغرورُ وأعْماهُ الكِبْرُ.
لا تظُنّنَّ أنكَ نَشازٌ عن ذلكَ التّناغُمِ الكونِيِّ الجميلِ -ربٌ يَخلُقُ ويُنعِمُ ويَرزُقُ، ومخلوقاتٌ تَعبدُ وتُطيعُ- بل أنتَ مخلوقٌ كغيرِكَ، غيرَ أنَّ اللهَ تَكرَّمَ عليكَ ووهبَكَ مشيئةً وحُرّيَّةَ اختيارٍ، وتلكَ نِعمةٌ يَختبرُكَ اللهُ بها. أتكونُ النِّعمةُ إذنْ سببًا لجَحْدِ المُنعِمِ؟
– ما أوجُهُ الحِكمَةِ إذنْ؟
البحثُ في أوجُهِ الحكمةِ متَّسعٌ، بحرٌ لا يدرِكُ الإنسانُ شطَّهُ، ومهما عَبَّ الإنسانُ مِنهُ عبَّا فما فاتَهُ أوسَعُ.
ونحنُ إذْ نُعدِّدُ بعضَ أَوجُهِ الحكمَةِ، فلا نتوَهّمُ الإحاطَةَ بها، ولا نَعدُّها مِعيارًا للعبادةِ متى غابَ أبَيْنا، إنّما ننطَلقُ في تلكَ السّبيلِ مُسَلِّمينَ للهِ بكمالِ حكمَتِهِ وعلمِهِ، مُتوَاضعينَ لهُ، مُقِرّينَ بقِصَرِ عقولِنا وعَجزِها عنِ الإحاطةِ، مُستعينينَ بهِ ليُعلِّمَنا ما يُهدِّئُ من فَورةِ تَساؤلاتِنا، ويُطَمئِنُ قلوبَنا، ويكونُ عونًا لنا على عملٍ يُرضِيهِ عنّا.
فنقولُ أنَّ اللهَ هوَ المُستحِقُّ للعبادةِ بكلِّ أشكالِها وأسمى أنواعِها، قَسرًا واختيارًا، وكما تبَدَّتْ عظمَتُهُ في عبادةِ المخلوقاتِ لهُ جَبرًا، فقدْ تَبَدَّتْ في عبادَتِهم لهُ اختِيارًا.
وبعبادةِ المخلوقاتِ ربَّها تتَّضِحُ آثارُ أسماءِ اللهِ وصفاتِهِ، فهوَ الغفورُ يَغفرُ لمَنْ أخطَأَ ويَعفو عمَّنْ أنابَ، وكذَا يُعاقِبُ مَن أساءَ وجاوزَ وبَغى. وتلكَ آثارُ صِفاتِ اللهِ تَبدَّتْ في خلقِهِ، فلا نقولُ أنَّ ذلكَ سببٌ لكمالِهِ، إنّما هوَ مُقتَضى كمالِهِ سُبحانهُ وتعالى عُلوًّا كبيرًا.
وعبادةُ اللهِ اختيارًا تكريمٌ للإنسانِ ونِعمَةٌ منَ اللهِ ومِنةٌ، إذ هيَ طريقُهُ إلى الجنةِ ونَعيمِها الأبَديِّ.
وبعبادةِ اللهِ يرتاحُ الإنسانُ ويَطمئنُّ ويهدَأُ قلبُهُ، يَعرِفُ موقِعَهُ منَ الحياةِ ودَورَهُ فيها، يُدرِكُ أنهُ مخلوقٌ لهدَفٍ أسمى مِنْ نِزاعاتٍ دُنيويَّةٍ غَثَّةٍ، وأنَّ لهُ ربًّا لا يَتركُهُ همَلًا بلْ يَهدِيهِ ويُرشِدُهُ كلَّ خطوَةٍ في حياتِهِ يَخطوها مُهتدِيًا بوَحيٍ من ربِّهِ، يقودُ سَيرَهُ، فلا يَضِلُّ أو يَشقى ولا هوَ يَقعُ في تِيهٍ وفراغٍ رُوحيٍّ مُضْنٍ كالذي نراهُ.
– أهُوَ جِدُّ عَسيرٍ؟
هُنا نتَحدّثُ عنِ الإنسانِ الذي يَجهلُ نفسَهُ وواقعَهُ؛
إنسانٌ يَظنُّ العبادةَ حِملًا ثقيلًا يَنوءُ بهِ ويُضنيهِ حِمْلُهُ.
والحقُّ أنَّ اللهَ لطيفٌ رحيمٌ ييَسِّرُ على عبادهِ، يَقبَلُ منهُم يَسيرَ العمَلِ ما خَلُصَ لوجهِهِ. جعَلَ الحسنَةَ بعشْرِ أمثالِها ويَزيدُ، والسّيِّئةَ بمِثلِها. يغفِرُ لمَنْ تابَ ويَعفو عمَّن أنابَ، يقبَلُ توبةَ عبدِهِ ويفرَحُ بها. أرسلَ الرّسُلَ فوَضَعوا لنا سبيلًا قوِيمًا، نتَّبِعُهُ فنَنجو.
لمْ يَتركِ الإنسانَ مُستكشفَ طريقِهِ في الدّنيا بلْ أنارَ لهُ ودلَّهُ على الطّريقِ، وأعطاهُ جوَابًا عن كُلِّ أسئلةِ اختِبارِهِ.
ثمَّ بعدَ كُلِّ ذلكَ، فهوَ لا يكلّفُ نفسًا إلّا وُسعَها ولا يُحاسِبُ الإنسانَ على ما خرجَ عنِ اختيارِهِ. فأينَ العُسْرُ في كلِّ ذلكَ اليُسرِ!
وأينَ صعوبةُ التّكاليفِ -ولا يخلو تَكليفٌ مِنْ بعضِ صُعوبةٍ إذْ تلكَ طَبيعتُها- التي لا تَهونُ أمامَ كلِّ ذلكَ اللُّطْفِ الإلهيِّ!
هلْ يَهلَكُ بعدَ كلِّ ذلكَ إلّا مَن قادَ -نحوَ الهلاكِ- نفسَهُ بنَفسِهِ؟
مِن رحمَةِ اللهِ أنْ جعَلَ طريقَ النّجاةِ بَيِّنًا ميَسَّرًا، لا يحتاجُ طاقاتٍ جبّارةً ولا قدُراتٍ غيَر طبيعيةٍ، يُحسِنُهُ كلُّ مَنْ صدَقَ وَجَدَّ. أمّا مَنْ تكبّرَ وأعرضَ فلا يُغني عنهُ ذلكَ مِنَ اللهِ شيئًا.
– خِتامًا: مَن يحتاجُ مَن؟
يقولُ الشّيخُ فريد الأنصاريُّ: ذلكَ أنَّ كلمةَ (إلٰهٍ) في أصلِ الاستعمالِ اللُّغَويِّ كلمةٌ قلبيّةٌ وِجدانيَّةٍ، أعني أنَّها لفظٌ منَ الألفاظِ الدّالّةِ على أحوالِ القلبِ كالحُبِّ، والبُغضِ، والفرحِ، والحُزنِ، والأسى، والشَّوقِ، والرَّغبَةِ، والرَّهبةِ… إلخ، أصلُها قَولُ العربِ “أَلِهَ الفَصيلُ يألَه ألَهًا” إذا ناحَ شَوقًا إلى أمّهِ. والفُصيلُ=ابنُ النّاقةِ إذا فُطِمَ وفُصِلَ عنِ الرَّضاعِ، يُحبَسُ في الخيمةِ، وتُتْرَكُ أمُّهُ في المَرعى، حتّى إذا طالَ بهِ الحالُ ذكرَ أمّهُ وأخذَهُ الشَّوقُ والحنينُ إليها -وهوَ آنَئذٍ حديثُ عهدٍ بالفِطامِ- فناحَ وأرْغَى رُغاءً أشبَهَ ما يكونُ بالبُكاءِ! فيقولونَ “أَلِهَ الفصيلُ” فأمّهُ إذنْ ههُنا هيَ إلٰهُهُ بالمعنى اللُّغَوِيِّ أي: ما يَشوقُهُ.”
أنتَ يا صاحِبي بحاجةٍ إلى رَبِّكَ، فكما لا تَستغني عنهُ في رِزقِكَ ومُعافاتِكَ، لا غِنى لكَ عنهُ في تَشوُّقِكَ وتوَجُّهِك.
دعْ عنكَ عباءةَ الغُرورِ تلكَ، وضَعْ عنكَ رِداءَ الجدَلِ، وتدثَّرْ بدِثارِ التّواضُعِ، وعُدْ لربِّكَ الرحيمِ الوَدودِ.
يا صاحِبي ليسَتِ القضيّةُ ترَفًا فِكرِيًّا، ولا مسألةً عقليّةً جامِدةً نتداوَلُها فيفرَحُ أحَدُنا بانتصارِهِ، ولا يُحالِفُ الآخرَ حظًّا، إنّما هوَ إيمانٌ وعمَلٌ، جنّةٌ أو نارٌ. فدَعْ عنكَ بريقَ كِبْرِكَ إنّهُ خدَّاعٌ، سائلٌ، زائِلٌ، أجوَفُ. وعُدْ إلى ربِّكَ الحَيِّ الواحدِ الأحَدِ الصّمَد.
لماذا نعمل إذا كان كل شيء مكتوبا؟
صحيح أن كل شيء نعمله مكتوب حتى قبل آدم عليه السلام، لكن الإشكال الذي يقع عند الكثيرين هو فهمهم لمعنى كلمة “مكتوب”.
إذا قلنا إن أعمال البشر مكتوبة فهذا لا يعني أنها محددة لنا سلفا بحيث أننا لا نملك إلا تنفيذها بدون إرادة حرة. وإلا لو قلنا بذلك فإنه يلزم منه أن الحساب والثواب والعقاب كلها لا معنى لها ما دمنا لا نملك الإرادة.
الحاصل هو أن كل ما نؤمن به وما نقوله ونعمله إنما هو بإرادتنا الحرة الكاملة التي نحاسب عليها، وأنها مكتوبة بناء على ذلك، أي أن أعمالنا المكتوبة مسجلة حسب علم الله المسبق بما ستؤول إليه إرادتنا واختيارنا.
لك أن تتخيل هذا العلم المسبق وكأنه تسجيل مفصل لما عملناه، ولكن بدلا من أن يكون التسجيل بعد قيامنا بالعمل كما يفعل الملكين الموكولين بكتابة ما نعمله وما نقوله، وكما يفعل المؤرخون عند كتابتهم التاريخ، فكأنه تسجيل سابق لأعمالنا وأقوالنا لأن علم الله سبحانه علم مطلق لا يقيده الزمن.
مثال لتقريب الصورة، ولله المثل الأعلى: لو أنني سجلت المسار ونقاط التوقف لقطار خلال الـ 24 ساعة القادمة، فهل يعني هذا أنني أجبرت سائقه على شيء؟ أنا فقط علمت هذه الأحداث المتوقعة مستقبلا فسجلتها، مع أن السائق يمكنه مخالفة توقعاتي، فهذا مثال ينطبق علي أنا، لكن الله سبحانه وتعالى يعلم الغيب علما مطلقا، فلا يمكن أن يخرج شيء عما كتبه الله بعلمه.
بقي نقطة مهمة، وهي السؤال:
هل يمكن أن تخرج مشيئة المخلوق عن مشيئة الخالق؟
بالطبع لا.. فالآية تقول: “وما تشاؤون إلا أن يشاء الله”، والمعنى هنا هو أن جميع الخيارات التي يشاؤها المخلوق هي داخلة في مشيئة الله، فالمخلوق يمارس مشيئته التي شاء الله أن يهبه إياها بحسب إرادته الحرة التي وهبها الله له أيضا. أي أن مشيئة المخلوق وحريته في الاختيار والإرادة لم يحصل عليها من قبل نفسه وإنما وهبها الله له بمشيئته سبحانه.