الكتب
فاضحة الملحدين وناصحة الموحدين (1)
حقيقة المثل الأعلى وآثاره
البراهين العقلية على وحدانية الرب ووجوه كماله
فاضحة الملحدين وناصحة الموحدين (2)
الإلحاد في أسماء الله تعالى
معنى الربوبية وأدلتها وأحكامها وإبطال الإلحاد فيها
المرئيات
كيف تسجد الشمس تحت العرش؟
مفهوم إله الفجوات المعرفية
الرد على نفي شحرور لعلم الله الأزلي
شحرور ينسب إلى الله أنه سمح للرجل أن يتخذ صديقة من النساء
لماذا يستحق الله عبادتنا؟
إذا كان الله غنيًا، فلماذا يأمرنا بالعبادة ؟
لماذا لا يستجيب الله دعائي؟
كيف نعلم أنّ الخالق واحد؟
كيف رحمة للعالمين مع الغلظة والشدة ؟!
كيف رحمة للعالمين وأكثرهم كافرون ؟!
ماذا لو دعوت الله ولم يستجب لي ؟
هل يتعارض علم الله المطلق مع قدرته المطلقة
جواب شبهة حول علم الله الأزلي
هل يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يقدر على حملها ؟
لماذا خالق واحد وليس اثنين؟
إذا كان القدر مكتوبًا فكيف يتغير بالدعاء؟
لماذا لا يسأل الله عما يفعل ؟
لماذا ينبغي ان نشكر الله ؟
المقالات
هل خلق بشر مكلفين يسلتزم نقص الخالق ؟!
تقوم حقيقة هذا الاعتراض على أن خلق الله للناس لا يمكن أن يكون كمالا؛ لأنه إن خلقهم لحاجة إليهم: إما أنه محتاج لعبادتهم، أو محتاج لمساعدتهم، أو غير ذلك من أنواع الاحتياجات، فهو ناقص، وإن كان خلقهم لغير حاجة فهو عبث، والعبث نقص، فالإله في خلقه للإنسان لا ينفصل عن النقص أبدا.
وإن قيل: إنه خلقهم لحكمة لا يعلمها إلا هو، فهذا يدل على أن الأديان قائمة على أمور لا تُفهم، وهذا يدل على مناقضتها للعقل والمنطق كما يقولون.
وهذا الاعتراض مبني على مغالطات عقلية، واستنتاجات خاطئة، واختزالات متكلفة لا دليل عليها، وبيان ما فيه من بطلان وفساد يتبين بالأمور التالية:
1- هذا الاعتراض قائم على مغالطة عقلية ظاهرة وهي المقابلة بين الاحتياج والعبث، فإذا انتفى الاحتياج في فعل ما فهو عبث، وإذا وجد الاحتياج انتفى العبث وهذا تصور خاطئ؛
– فالعبث لا يقابل بالاحتياح بل يقابل بالحكمة، والحكمة مختلفة كل الاختلاف عن الاحتياج. فالطبيب الغني الذي يعالج الفقراء لا يكون بحاجة إليهم ولا يريد منهم شيئا وإنما لأنه يريد أن يقدم للفقراء النفع والخير. والله خلق الخلق وأمرهم بعبادته ليس لأنه محتاج إليهم بل لأن له حكما أخرى تجعل خلقه لهم محمودا وأمره إياهم بالعبادة كمالا.
2-إذا ثبت أن العبث لا يقابل الاحتياج، وإنما يقابله الحكمة، فإن العقل الضروري يدل على أن الله لم يخلق الكون إلا لحكمة ولم يكن الخلق لمجرد العبث، فالكون بما فيه من اتقان ودقة وصرامة موضوع لغاية محددة وحكمة، والإنسان من أشد مكونات الكون إتقانا وإحكامان فظهور الحكمة في خلقه أجلى وأبين.
3- إذا ثبت أن الله لم يخلق الناس إلا لحكمة فإنه لا يلزم أن نعلم كل التفاصيل المتعلقة بحكمة الله. وإنما يمكن أن نعلم بعضها فقط. وعدم العلم ليس علما بالعدم، فعدم العلم بحكمة الشيء لا يعني أن الشيء لا حكمة له أو لا فاعل له، فعدم علمنا بكل التفاصيل المتعلقة بالحكمة من خلق البشر، لا يقتضي بنفسه نسبة النقص إلى الله.
4-إذا ثبت أن خلق الله للناس وأمره إياهم بالعبادة ليس لأجل الاحتياج إليهم، وإنما لحكم عديدة، وثبت أن البشر لا يمكنهم أن يتعرفوا على جميع كمالات الله وحكمه. وغاية ما يمكنهم التعرف عليه بعض تلك الكمالات والحكم، وسنقتصر على ونوعين منها:
أ- تحقيق الكرامة الإنسانية: فخص الله الإنسان بالعقل والتفكر وحرية الإرادة والاختيار وأعلى منزلته وجعله مختلفا عن سائر أنواع الحيوانات في حياته، وأمره بالعبادة الاختيارية، فلولا أمر الإنسان بالطاعة لكان سائر المخلوقات أفضل منه لكونها مجبولة على الخضوع لله. فالمحافظون على عبادة الله يتنعمون بالنعيم الابدي في الجنة. ونحن لا ننكر أن البعض من الجنس البشري جزاؤهم الخلود في النار ولكن بسبب اعمالهم.
ب- ظهور لوازم الربوبية في الكون، وجبروت الله وملكوته وتحقق آثار كمالاته كلها. ومنها ظهور أسماء الله القهرية فمن أسمائه المنتقم والقهار. ولو كان الخلق على نفس الصلاح لم تظهر هذه الآثار، وأيضا ظهور آثار أسمائه المتضمنة لمعاني العفو والرحمة.
فإن قيل: بل تلك الحكم تدل على أن الله محتاج إلى الخلق في إظهار كمالاته، فلولا وجود الخلق لما ظهرت تلك الآثار:
نقول إن هذا غير صحيح؛ فنحن لا نقول إن كمال الله ناقص حتى تتحقق آثاره في الوجود. فلو لم تتحقق كان باقيا على النقص، وإنما نقول إن تحقق تلك الآثار لازم ضروري لكماله سبحانه وربوبيته، فتحقق آثار أسمائه نتيجة لكماله تعالى وليس سببا لها، فهناك فرق بين أن نقول إن وجود المخلوقات سبب في كمال الله وبين أن نقول إن وجودها نتيجة لكمال الله.
5- الاعتراض الذي أورده الرازي أن التكليف انما جاء لتحصيل مصلحة خاصة بالإنسان؛ فهذه مغالطة منطقية؛ فقد ظهر من الكلام أن التكليف جزء جوهري من نظام الكون جملة: تتعلق به آثار في طبيعة المفاضلة بين الأجناس وطبيعة علاقة الإنسان بالكون والأنواع الحيوانية الاخرى وطبيعة علاقة الانسان بالله وبكماله وربوبيته للكون، وهو مبني أيضا على أنه يمكن لجنس الإنسان أن ينفصل عن التعبد لله والخضوع له وأنه يمكن له ألا يكون عابدا لله في حياته، وكل ذلك مناف لطبيعة الإنسان وكونه مخلوقا ضعيفا مربوبا لله تعالى.
لماذا خلقنا الله؟ ولماذا لم يأخذ رأينا قبل أن يخلقنا؟
هذا السؤال بشقيه من الأسئلة التي تثير الشبهة عند البعض نظرا لبنية السؤال نفسه.
لماذا خلقنا الله إذا كان غنيا عنا؟
أما مسألة غنى الله عن خلقه فهي من المسائل الثابتة نصا وعقلا، فالله سبحانه يقول في سورة الذاريات: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)”، وقال في الآية 6 من سورة العنكبوت: “… إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ”. وهذا المعنى متكرر في نصوص القرآن والسنة. وأما عقلا فإن من الثابت عقلا أن خالق الكمال يتصف بصفات الكمال المطلق، ومن صفات الكمال المطلق أن تنتفي حاجته لسواه، إذ أن افتقاره لغيره صفة نقص يتنزه عنها سبحانه.
فيبقى السؤال (لماذا خلقنا الله؟).. وهذا السؤال له شقين: شق يخصنا نحن، لكي نعرف ما هي وظيفتنا ودورنا الذي خلقنا الله لنقوم به في هذه الحياة، وشق يتعلق بالخالق نفسه.
وما يخصنا نحن فجوابه واضح، وهو أن الله خلقنا وكلفنا بعبادته، ولكنه جعلنا في دار اختبار ومنحنا الإرادة الحرة لنقرر نحن: هل نسعى إلى الفوز أم إلى الخسارة. والأمر واضح في نصوص كثيرة منها ما تقدم.
وأما ما يخص الخالق سبحانه في إرادة خلق البشر وجعلهم في هذا النسق من الاختبار والموت والبعث والحياة الأخروية، وهم جزء بسيط جدا من الخلق، فهو شأنه سبحانه وليس شأن غيره من الملائكة أو البشر أو غيرهم، وقد سأل الملائكة ربهم هذا السؤال عندما خلق آدم فأجابهم الله جوابا نهائيا واضحا، حيث يقول سبحانه في سورة البقرة: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)”.
فالجواب (إني أعلم ما لا تعلمون) يوضح أمورا عدة: أن الحكمة من خلق الإنسان تخصه سبحانه، وأن الأمر برمته من شأن الله ولا علاقة للمخلوقات به، فهو “فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ” وهو “لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ”، وأن سبب خلق البشر علم من علم الله لا يعلمه الملائكة، وما دام الأمر يتعلق بعلم الله المطلق فهو أعلم بالحكمة منه، ولا يَعلمها أحد من خلقه إلا بإذنه.
فإذا علمنا أن للأمر جانبين فيما يتعلق بخلق الإنسان: أحدهما يخص الإنسان، وهو موضح في القرآن بنصوص صريحة، وهو تحقيق العبادة لله من أجل الفوز بالجنة، والجانب الآخر يخص الخالق سبحانه، وهو الحكمة من الخلق، فيجب أن نعلم أن الحكمة من شأنه وحده وليست من شأن أحد من خلقه، وعلمنا محدود قاصر بينما علمه كامل مطلق، فلا يصح أن نعتبر معرفة حكمة الله من الخلق حقا من حقوقنا التي نطالب بها، وبالتالي لا يكون حجبها ظلم لنا..
لماذا لم يأخذ الله رأينا قبل أن يخلقنا؟
هذا السؤال من أعجب الأسئلة! وهو يدل على أن الشبهة إذا استحكمت في العقول طمست التفكير المنطقي فيها!
المسألة هنا مسألة وجود وعدم.. كيف يستشيرك ربك قبل أن توجد؟
لاحظ الخلل في السؤال.. إذا استشارك ربك عن خلقك فأنت موجود، فلا استشارة لأحد إذا لم يكن موجودا.. وإذا استشارك فأنت الآن مخلوق، فكيف يستشيرك إن كنت تريده أن يخلقك أم لا؟
الطريف في السؤال هو كيف يطمس الله على عقل الملحد الذي يطرحه بهذا الشكل! هذا السؤال أعتبره من دلائل الإعجاز حيث قال في سورة الأعراف: “سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)”.
ظلم أم عدل أم رحمة وكرم؟
عندما ينعم عليك الله بفرصة الحياة الأبدية في نعيم لا نهائي في جنة فيها ما لا أذن سمعت ولا عين رأت ولا خطر على قلب بشر.. ويمنحك الإرادة الحرة لتقرر بنفسك فتختارها أو تختار العذاب، فأي ظلم في هذا؟
وعندما يخبرك الله بما ينتظرك ويعطيك خارطة الطريق بوضوح تام لكي تصل إلى هذا النعيم ولكي تتجنب العذاب، فأي ظلم في هذا؟
وعندما يرغّبك بشتى الوسائل والطرق لسلوك طريق الجنة ويحذرك مرارا وتكرارا من سلوك طريق النار، فأي ظلم في هذا؟
وعندما يقص عليك الله قصص أصحاب الجنة وكيف فازوا بها وقصص أصحاب النار وكيف باؤوا بعذابها لكي تعتبر وتتعلم.. بل إنه يروي لك حوارات أهل الجنة وحوارات أهل النار التي ستدور بينهم لتفهم الدرس جيدا.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يعطيك الله على الحسنة عشر حسنات، وعلى السيئة سيئة واحدة، ويخبرك بذلك لكي تبادر إلى الحسنات، فأي ظلم في هذا؟
وعندما يخبرك الله أنك إذا أتبعت السيئة الحسنة فإنها تمحوها، فأنت تكسب عشر حسنات وتمحى عنك السيئة.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يخبرك أن التوبة تجبّ ما قبلها فيكون التائب من الذنب كمن لا ذنب له.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يجعل الله الدال على الخير كفاعله.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يجعل الله الحصول على الحسنات يسيرا جدا، فيمكنك بالاستغفار والتسبيح والأذكار أن تحصل على حسنات عظيمة وتتخلص من ذنوبك بلا مشقة.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يجعل لك على كل حرف من القرآن عشر حسنات.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يعطيك الله الثواب لمجرد النية في عمل الخير ولو لم تتمكن منه، ولا يحاسبك على نية الشر إذا لم تفعله.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يعدك الله بأنك إذا بادرت إلى الخير فإنه سيزيد من هدايتك ويوفقك وييسر لك سبل الخير.. فأي ظلم في هذا؟
الخلاصة
هي أن الله لم يعاملنا بعدله فقط، بل إنه عاملنا برحمته وكرمه وإحسانه.
زعم منافاة العدل الإلهي لمغفرة ذنوب الصائمين
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المشككين أن الفضل الذي رتبه الإسلام على صوم رمضان من غفران للذنوب والخطايا ينافي ما هو معروف من عدله – عز وجل – وهو العدل الذي تجلى في النصرانية التي تقر أن المسيح عذب وصلب من أجل ذلك الغفران، لا أنه صام ليلة خيرا من ألف شهر، فإن هذا ونحوه – في زعمهم – مما لا يستحق ذلك الجزاء، بل يوشك أن يكون فتحا لباب المعصية والجرأة عليها.
وجوه إبطال الشبهة:
1) لا بد من مكفرات للذنوب؛ حتى لا يغلق باب التوبة فيقنط العبد من رحمة ربه، وتزداد الشرور ويعم الفساد.
2) تكفير الذنوب – الكبائر والصغائر – مقيد بشروط لا بد من تحققها.
3) العقل يقبل غفران الذنوب بالاستغفار والصوم والتوبة ونحوها في الإسلام، بينما يرفض عقيدة الفداء من أجل الخلاص.
التفصيل:
أولا. أثر تكفير الذنوب في إخلاص العبادة لله:
إن فتح باب التوبة أمام الإنسان له مقصد عظيم من قبل الخالق تعالى، فقد شرعها – أي: التوبة – لعباده؛ حتى لا يتوجهوا لغيره ولا يتعلقوا إلا به، ولا يقنطوا من رحمته، كما أنها تعمل على الحد من انتشار الشرور والآثام وشيوع الفساد في الأرض، فالإنسان متى علم أن ذنبه لن يغفر أبدا، وأن باب التوبة موصد أمامه، وأنه بذلك إلى الهلاك صائر لا محالة، فإنه سيقنط وييأس من الرحمة؛ ويؤدي به ذلك إلى التمادي في الشر والفساد، فأيهما أفضل عقلا: أن يقع الإنسان في الذنب مرة واحدة ثم يجد باب التوبة أمامه مفتوحا فيتوب ويكفر عن ذنبه، أم أن يجد باب التوبة موصدا ولا مخرج له فيتمادى في الشرور؛ لأنه يئس من غفرانه وغسله ومحوه عنه، وبذلك ينتشر الفساد في الأرض وتعم الشرور؛ فمن قتل نفسا سوف يستمر في ذلك فيقتل مائة نفس، ومن سرق مرة سوف يستمر في السرقة ويسرق آلاف المرات، ومن تعدى وظلم الآخرين سوف يستمر في عداونه وظلمه.. وما إلى ذلك من ضروب الفساد بسبب القنوط واليأس من المغفرة والرحمة.
نقول: إن الصوم مكفر من بين مكفرات الذنوب الكثيرة، فالذنوب أمراض متنوعة، والأمراض تحتاج إلى أدوية متنوعة، بل إننا نجد المرض الواحد يحتاج إلى أدوية متنوعة، وإذا نظرنا نظرة إجمالية إلى مكفرات الذنوب الكثيرة التي جاءت في ديننا الحنيف وجدناها في جملتها تقود العبد إلى هجر المعاصى؛ ومن هنا نفهم كيف تأتي هذه المكفرات ماحية للذنوب.
وصوم رمضان ليس مجرد جوع وعطش، بل تراه يتمثل في تقوى الصائم لربه، واستشعاره وهو صائم أنه يمتثل أمر الله تعالى ونهيه، وبالتالي فالامتثال والطاعة لا يتجزءان، وقد جاء في الحديث: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش»[1].
وتشريع الصوم محاط بزواجر عن الأخطاء وترغيب في الخيرات، بحيث لو امتثلها الصائم كان نموذجا طبا للطهر والنقاء، فيكون خاليا من الخطايا؛ فثبت بذلك أن الصوم بحق من بين مكفرات الخطايا، وهذا هو عين عدل الله وفضله وإحسانه.
على أن التكفير عن الخطايا والذنوب ليس قصرا على باب الصوم وحده؛ فقد رتب الله – عز وجل – على بعض الذنوب مكفرات حتى يتهيأ للمذنب غفران ذنبه والعودة إلى الله – عز وجل – وأمثلة ذلك:
- ما رتبه على المظاهر[2]من عتق الرقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. هذا ما ورد في قوله تعالى: )والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير (3) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم (4)( (المجادلة).
- ما رتبه لقبوله توبة قاتل النفس المؤمنة خطا من كفارة الصيام ودفع الدية[3]، قال تعالى: )وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما (92)((النساء).
- ما رتبه لتوبة قاذف المحصنات المؤمنات الغافلات، قال تعالى: )والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون (4)((النور).
- ما رتبه لتوبة الزاني في قوله تعالى: )الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين (2)((النور).
إلى غير ذلك من أنواع الكفارات التي جعل المولى – عز وجل – فيها مخرجا لعباده؛ ليتوبوا إليه ويرجعوا، ولا يتمادوا في الباطل والغي، وهذا محض تفضل من الله تعالى وعدل منه سبحانه.
ثانيا. الكبائر من الذنوب لا يغفرها إلا التوبة منها بشروطها:
وهنا تأتي الإجابة عن السؤال: هل مجرد الصوم يؤدي إلى الخلاص وغفران الخطايا؟ وهل يتنافى ذلك مع عدل الله ورحمته؟
فنقول: إن الصيام والصلاة والحج والزكاة وكل أعمال الطاعات وفعل القربات من صيام النوافل وقيام الليل ومساعدة المساكين والمحتاجين وغيرها – كل ذلك يكفر ذنوبا كثيرة عن الإنسان، لكن هناك الذنوب الكبائر التي لا يكفرها ولا يغفرها إلا التوبة إلى الله تعالى بشروطها، وهى: الإقلاع عن الذنب، والندم على ارتكابه – وهو حزن القلب كلما تذكره وبغض المعصية – والعزم الأكيد على عدم العودة إليه، ورد الحقوق أو المظالم لأهلها فلا يدعي إنسان أنه تاب من هذا الجرم وهو مستمر عليه، وغير نادم على فعله السابق، وإلا فلا تقبل توبته؛ لأن عزمه على عدم الرجوع إليه ضعيف، كما لا تقبل التوبة من إنسان لم يرد المظالم والحقوق لأهلها، فكيف يدعي أنه تاب وهو متعد ظالم لغيره.
وهذه الكبائر مثل: القتل، الزنا، الربا، السرقة، وعقوق الوالدين وغيرها، كلها شرور عظيمة ومفاسد فادحة، إذا انتشرت في المجتمع أهلكته ودمرته؛ لذلك لا بد من الانتهاء عنها حتى تغفر الذنوب، والقيام بكفارة كل ذنب على جدة، كما هو مفصل لدى الفقهاء والعلماء في الشريعة، وهذا ما يوضحه الحديث الصحيح«الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر»[4].
فالشروط التي ينبغي توافرها حتى يكفرالصيام والصلاة وغيرهما الذنوب هو اجتناب الكبائر، وكذلك التوبة منها إن وقع فيها، والتوبة منها بشروطها الخاصة كل ذنب له توبته. فمثلا: لا ينتظر إنسان أن يغفر له صيام رمضان ذنوبه وهو متعد وظالم للآخرين، فلا بد حتى يغفر له أن يرجع عن ذلك بل ويرد المظالم لأهلها.
ثالثا. موقف العقل من تكفير الذنوب في الإسلام وعقيدة الفداء النصرانية:
في العقيدة الإسلامية إذا ارتكب الإنساني ذنبا فهو الذي يتحمله ويتحمل مسئولية نفسه ولا يتحمله عنه غيره: )كل نفس بما كسبت رهينة( (المدثر: 38). والقانون العام في الإسلام وهو كذلك قانون العدل الإلهي: )ألا تزر وازرة وزر أخرى (38) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39) وأن سعيه سوف يرى (40) ثم يجزاه الجزاء الأوفى (41)( (النجم)، فعلى الإنسان الذي اقترف ذنبا أو خطيئة أن يتوب منها ويكفر عنها حتى تغفر له؛ فلا يتحمل أحد عنه ذنوبه، وإنما المسئولية والمساءلة تقع على عاتق صاحبها، وعليه هو – لا غيره – أن يتخلص ويتطهر من ذنوبه بتحمله وقيامه وحده بالسبل والوسائل التي تخلصه، وكل هذا يقبله العقل ويستسيغه، بل إن الفلاسفة – في طائفة عظيمة منهم – يقولون: الإنسان حر وحريته تستلزم مسئوليته عن قراره وهو معنى يشبه أن يكون متفقا عليه والعقول السليمة، وهو الذي أقره الإسلام في جلاء وحسم، أما التجسد والخلاص عن طريق صلب المسيح – عليه السلام – والإيمان به في العقيدة المسيحية التي يتغنى بها هؤلاء، فأين هو من عدل الله وقداسته؟ وأين العدل الإلهي في أن تتحمل البشرية خطيئة لم ترتكبها ويولد كل إنسان مخطئا بدون أن يرتكب شيئا؟ أم من العدل الإلهي أن يصلب أو يقتل واحد ليغفر للناس جميعا ذنب لم يرتكبوه؟ إنها معادلة متناقضة تتحير العقول في فهمها، بل لا تستطيع أن تقبلها أبدا؛ مما يضطر الإنسان إلى رفضها رفضا قطعيا.
وهل من قداسة الله تعالى التي تعني تنزهه عن الشبيه والمماثل أن يتجسد في شخص إنسان؟ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، فهذه الأسطورة أسطورة ابن الله الفادي أو المخلص لأبناء آدم من خطيئة أبيهم، هذه المقولة غير المعقولة لا تصلح أساسا للتعامل البشرى؛ إذ إنها تنفي المسئولية الشخصية فكيف ارتضاها الله سبحانه لكي تكون سنته في التعامل مع البشر؟
وإذا افترضنا أن واحدا من البشر ذهب إلى المحكمة متلبسا بجريمة قتل، يده ملوثة بالدم وثبتت إدانته من كل وجه، أيحق له أو لمحاميه أن يدافع قائلا: أنا قتلت، ولكن زيدا من الناس سيتحمل عني هذه المسئولية فحاكموه هو؟
فإذا كان هذا لا يجوز في عرف ومنطق البشر، فكيف به يصح أمام عدالة الله القائل: )ألا تزر وازرة وزر أخرى (38) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)( (النجم).
والتوراة التي توجد بين يدي القوم تؤكد ذلك قائلة: “لا يقتل الآباء عن الأولاد ولايقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطئه يقتل”؛ وبناء عليه فقضية فداء المسيح – المدعو إلها سنة 325م – للبشرية قضية كاذبة خاطئة لا يرضى بها الواقع ولا يقبلها العقل السليم، بل رفضها الدين الصحيح (الإسلام) [5].
الخلاصة:
- لا بد من مكفرات الذنوب حتى لا يغلق باب التوبة في وجه الناس فيقنطوا من رحمة الله وييئسوا منه، ويؤدي بهم ذلك إلى التمادي في الذنوب، فتزداد الشرور ويعم الفساد.
- الكبائر من الذنوب لا يكفرها إلا التوبة بشروطها، وهى: الإقلاع عنها، والندم عليها والعزم على عدم الرجوع إليها، ورد المظالم لأهلها، كما أن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة من الكبائر، كما روى: لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار.
- العقل يستسيغ طريقة الإسلام في تكفير الذنوب، وهي أن يتحمل الإنسان جريرته، وعليه وحده كفارتها حتى تغفر ذنوبه، بينما لا يقبل العقل السليم عقيدة الفداء في المسيحية والتي تقوم على منظومة متناقضة لا عدل فيها ولارحمة، وهي أن يولد الإنسان مخطئا ويتحمل جرما لم يرتكبه، ثم يقتل أفضل الناس وأبرهم؛ ليغفر للناس خطأ لم يرتكبوه، إن العقول السليمة حينما تسمع ذلك تضطر إلى أن ترفضه بل أن تستهجنه.
(*) هل القرآن معصوم؟ موقع إسلاميات، عبد الله عبد الفادي. www. islmmevat. com
[1]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (8843)، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصيام، باب نفي ثواب الصوم عن الممسك عن الطعام والشراب (1997)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3490).
[2]. المظاهر: من: ظاهر الرجل امرأته يظاهرها ظهارا، والظهار هو: تشبيه الرجل زوجته أو جزءا سائغا منها أو جزءا يعبر به عنها بامرأة محرمة عليه تحريما مؤبدا أو بجزء منها يحرم عليه النظر إليه؛ كالظهر والبطن والفخذ.. إلخ.
[3]. الدية لغة: مصدر ودي القاتل القتيل يديه دية إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس، واصطلاحا: هي مال يجب بقتل آدمي حر عوضا عن دمه.
[4]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر (574).
[5]. المسيحية بين التوحيد والتثليث وموقف الإسلام منها، د. عبد المنعم فؤاد، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1422هـ/ 2002م، ص185.
ملحد: هل يقدر الله أن يخلق صخرة لا يمكنه حملها؟
حالة بائسة!
المقصود بالحالة البائسة هنا هي حالة الملحد الذي يطرح هذا السؤال؛ فهو أصلا لا يؤمن بوجود الله، وفي الوقت نفسه يطرح سؤالا عن صفات الله! تخيل نفسك وأنت وحيد أبويك ومع ذلك تسأل الناس عن صفات أخيك الذي لم يوجد أصلا.. هذه الحالة البائسة التي تخيلتها هي حالة الملحد الذي يسأل عن صفاتٍ لا يؤمن بوجود الموصوف بها!
الأسئلة الخاطئة
كل سؤال يبنى على فرضية غير صحيحة فهو سؤال خاطئ، وإذا كان السؤال خاطئا فإن الجواب عليه يكون خاطئا أيضا، لأن الجواب هو اعتراف بأن السؤال مبني على فرضية صحيحة.
والمثال الشهير على السؤال الخاطئ هو:
- هل توقفت عن ضرب زوجتك؟
فإن كنت لم تضرب زوجتك وأجبت “نعم” فأنت مخطئ لأن جوابك يدل على أنك كنت تضربها، وإن أجبت “لا” فجوابك أيضا خاطئ..
سؤال خاطئ آخر:
- هل أقلعت عن تعاطي المخدرات؟
أيضا هنا تكون الإجابة خاطئة (على افتراض أنه موجه لشخص لم يتعاط المخدرات) لأن السؤال مبني على فرضية خاطئة، سواء كان الجواب بنعم أو بلا.
قد تأخذ الأسئلة الخاطئة شكلا آخر..
- أيهما أكثر برودة، فصل الشتاء أم ألاسكا؟
هنا تكون المقارنة بين عنصرين لا تماثل بينهما، وهما الزمان والمكان، وعلى ذلك فإن الجواب على السؤال يكون غير منطقي.
ومن الأسئلة التي كان الفلاسفة يتندرون بها على أرباب الكنيسة وأنهم يشغلون أنفسهم فيما لا طائل منه قولهم:
- كم عدد الملائكة الذين يمكنهم الوقوف على رأس دبوس.
بالطبع لا هؤلاء الفلاسفة ولا رجال الكنيسة يدركون أن الملائكة عليهم السلام مكرمون عن هذا الابتذال، ولكن يمكنك ملاحظة الإشكال في السؤال من خلال التداخل بين المادي وغير المادي.
أسئلة الملحد
على هذا المنوال ينسج الملاحدة بعض الأسئلة، ولا شك أنهم يسعون بجانب التلبيس والتدليس على المسلم إلى محاولة إصابته بصدمة نفسية لمجرد إثارة فكرة أن الله لا يقدر، في حين أن المسلم يعيش منذ صغره على أن قدرة الله مطلقة. ولهذا تجد أن بعض المسلمين البسطاء الذين تقع أعينهم على مثل هذه الأسئلة ينسحبون فورا أو يهاجمون قائلها بالسباب والشتائم، بينما الحقيقة هي أن تلك الأسئلة أصلا خاطئة ومتناقضة مع نفسها.
وسوف نعرض أمثلة على تلك الأسئلة الخاطئة والرد عليها:
هل يقدر الله أن يخلق صخرة لا يمكنه حملها؟
يوجه الملحد هذا السؤال على اعتبار أن المسلم يؤمن بأن الله قدير (له القدرة المطلقة).. ولأن له قدرة مطلقة فيفترض أنه يقدر على خلق صخرة عظيمة الحجم لدرجة أنه لا يقدر على حملها! (تعالى الله سبحانه)
لاحظ التناقض هنا: نفس السؤال يفترض وجود القدرة المطلقة وعكسها في نفس الوقت.. وهذا تناقض صريح.
ولكي نعيد السؤال إلى صيغة بسيطة ومباشرة: هل الله مطلق القدرة وغير مطلق القدرة؟
بالطبع من لديه أبجديات المنطق سيعلم أن الصفتين المتناقضتين لا تجتمعان في ذات واحدة أبدا.. هذا من المحالات المنطقية. فلا يمكنني مثلا أن أقول إن فلانا ذكي وغبي في نفس الوقت، أو أن تلك التفاحة فوق الطاولة وتحت الطاولة في الوقت نفسه.
وباختصار، إذا كان الله مطلق القدرة فإن أي فرضية تتعارض مع قدرته المطلقة تسقط وتعتبر ممتنعة الحدوث، ويكون السؤال عنها مغالطة منطقية.
هل يستطيع الله أن يوجد مثلثا بأربعة أضلاع؟
المغالطة هنا في هذا المثلث المعدوم، فالمثلث ذو الأربعة أضلاع هو مثلث معدوم لا يمكن وجوده، والعدم مناقض للوجود، فلا يمكن للشيء أن يكون معدوما وموجودا في الوقت نفسه، ولهذا فإن من يطرح السؤال يرتكب الخطأ الذي ذكرناه وهو الجمع بين صفتين متناقضتين للشيء نفسه، وهذا ممتنع.
لذا فإن الإشكالية ليست في قدرة الله وإنما في البنية المنطقية للسؤال الذي بني على جمع صفتين متناقضتين: الوجود والعدم، وكأن المعدوم يمكن أن يوجد وهو معدوم أصلا.
هنا أمثلة أخرى لبعض هذه الأسئلة:
- هل يقدر الله على خلق إله مثله؟
القدرة المطلقة تناقض وجود منافس بقدرة مطلقة.
- هل يقدر الله أن يقتل نفسه؟
القدرة المطلقة صفة كمال والفناء صفة نقص تناقضها، فيمتنع الجمع بينهما.
- هل يقدر الله أن يظلم؟
العدل المطلق صفة كمال والظلم صفة نقص تناقضها، فيمتنع الجمع بينهما.
إما مدلس أو جاهل
وهكذا يركز الملحد في هذه الأمثلة كلها على أمر واحد، وهو الإيمان الراسخ عند المسلم بقدرة الله المطلقة، ولكنه لا يطرح سؤاله إلا باستخدام المغالطة المنطقية التي تجعل سؤاله بلا قيمة، سعيا منه لإحداث صدمة عند المسلم لمجرد تخيله محدودية قدرة الله سبحانه، بينما الصحيح هو أن مثل هذا السؤال يضع الملحد البائس في إحدى حالتين: إما أنه مدلس أو جاهل لا يعلم أن سؤاله مضروب منطقيا.
أدعو فلا يستجاب لي!
يقول: أدعو الله كثيرا ولكن لا يستجاب لي.. والمسلمون يدعون على اليهود المحتلين منذ سنين عديدة ولكنهم لا زالوا هناك..
كيف نفهم الاستجابة؟
يخطئ من يظن أن الاستجابة هي فقط وقوع ما طلبه المسلم في الدعاء، وإنما الصحيح هو أن الاستجابة ثلاثة أنواع: إما أن يقع ما دعى به المسلم، وإما أن تكون دعوته ثوابا له في الآخرة، وإما أن يصرف الله عنه من السوء مثلها.
ففهم الاستجابة على أنها فقط تحقيق الطلب المذكور في الدعاء هو فهم سطحي، إذ أنه أحيانا يستحيل وقوع المطلوب في الدعاء نظرا لوجود التناقض، فمثلا قد يدعو مسلمان دعائين متناقضين؛ كأن يطلب كل منهما تملك الشيء نفسه، والأمثلة كثيرة على التناقض في الأدعية، وهنا لا يمكن أن يتحقق لكليهما ما طلباه، وإنما بالتأكيد يستجاب لكل منهما بأحد وجوه الاستجابة المذكورة.
الحكمة الخفية
من ناحية أخرى فإن المسلم يدعو بما يريده مجتهدا، ولكن علمه وحكمته قاصرة ونسبية وليست كعلم الله المطلق وحكمته الكاملة البالغة، فالله يقدر له الخير وإن كان خلافا لما طلبه في دعائه ويستجيب له بوجه آخر من وجوه الاستجابة.
ولو أن الملحد الذي يطرح هذا السؤال يقرأ ويطلع على النصوص لعلم أن الجواب موجود ويعرفه أكثر المسلمين، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ الله بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا” قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: “الله أَكْثَرُ.” رواه أحمد، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (حسن صحيح).
الحجة العاطفية
دعنا الآن نسير على الفهم القاصر الذي يقيد الإجابة بتحقق المطلوب.. فلا يصح أن ينكر وجود الله بسبب حجة جمعت إلى كونها عاطفية أنها حجة شخصية غير موضوعية! كيف ذلك؟
أما كونها عاطفية، فلأنها انفعال عقابي وليست تأسيسًا عقلانيا لنفي وجود رب العالمين؛ أنت دعوت الله ولم يستجب لك، لقد رفضك- على هذا الافتراض- فما دخل هذا بوجوده؟ لو أثبتت الأدلة العقلانية وجوده، فاستجابته لدعائك وعدم استجابته ليس شيئًا مؤثرًا في قضية وجوده، أليس كذلك؟
أما كونها شخصية، فلأنها ببساطة يمكن الرد عليها كالتالي: “وأنا دعوتُ الله تعالى وكم استجاب لي!” فهل هذا كفيل بإنهاء المسألة؟ لقد قلتَ إنك دعوتَه ولم يستجب، وأنا دعوتُه فاستجاب، وكما هو معلوم فإن “المثبت مقدّم على النافي” وهنا ينتهي الأمر. لقد دعوتُه وتيقنتُ تمامًا أنه موجود- لو كانت حجتك تلك صحيحة! تأمل هذه القصة الواقعية ثم عد لإكمال القراءة.
فأعيذك بالله الحق، أن تؤسس إيمانك أو عدم إيمانك على حجة عاطفية لا تثبت للمنطق العقلاني، ثم هي تجربة شخصية لا يسلم لك فيها كثير ممن استجاب الله دعائهم!
حقيقة الابتلاء
تعرف الطفل الصغير عندما يصيبه الهلع من ذكر شكة الحقنة؟ لماذا يصيبه هذا الهلع؟ لأنه ببساطة لا يفهم ثنائية الصحة والمرض، والراحة والألم، إنه يفكر في “الآن” و “هنا”.. بالنسبة له، ملامسة الحقنة لجلده هي أقسى ألم من الممكن تذوقه لطفل صغير!
مرارة الدواء الذي تعطيه له أمه باستمرار تمثل له حالة من الألم غير المبرر ولا المفهوم! لماذا يفعلون بي هذا؟ لماذا يعذبونني كل هذا العذاب؟ أهلي أشرار سيئون! هذا هو ما ينحصر فيه تفكيره وقتها!
لكن الأمر لا يقتصر على الأطفال عندما يتعلق الأمر بالله، نحن تمامًا لا نفهم ثنائية الألم والراحة أيضًا إذا ما تعلق الأمر بالبلاء! نكفر بالله فور أن يصيبنا قدر مؤلم من أقداره! كالطفل الصغير ينكر فضل والديه يوم أن يمسكاه للطبيب ليعطيه الحقنة! أو يضعان له الدواء شديد المرارة في فمه الصغير!
لكن الفارق هو أن الطفل ينمو ليفهم أن للمرض ألما أشد من ألم الدواء، ويفهم أن الصحة ليست شيئًا مسلمًا به، بل الإنسان يمرض عادة وهو أضعف من أن يظل صحيحًا طول الوقت، ولذا يتجرع مرارة الدواء وقلبه بارد بها، بل يطلبه، ويبذل فيه أمواله! لقد بدأ يفهم!
لكننا لا نفهم أحيانًا، ونصر أن الله ابتلانا ليعذبنا، وفي الحكمة: “يا مسكين! ما ابتلاك ليعذبك، ولكن ليهذبك!” نفهم ثنائية المرض والصحة تمامًا، ولكن لا نفهم ثنائية البلاء والثواب! ننظر تحت أعيننا، حرفيًا “هنا” و”الآن”، نريد كل شيء هنا، في الحياة الدنيا، والله يقول: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب! هناك حيث لا ميزان إلا الأعمال، تجد كفة سيئاتك تطيش! فتسأل، فيقال لك: ابتليت بكذا فصبرت! تعبت في حياتك فجوزيت! فرحة كاملة في دار الخلود! ولكنكم تستعجلون!
وفي الحديث “ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ.”.
لو فهمنا حقًا ثنائية البلاء والثواب، لكنّا أكثر صبرًا كما نصبر على الدواء، ولكنا أكثر قربًا من الله الذي يهبنا كل هذه الحسنات بشيء لم نطلبه، بل فقط ابتلينا به رغمًا عنّا! ولكن: “بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى”. ما أحمق الإنسان!
كيف يضل من يشاء ويهدي من يشاء؟
عندما نريد أن نتعرف على مفهوم الهداية والإضلال في القرآن الكريم فيجب أن نستعرض الآيات والسياقات التي وردت فيها، وعندما نستعرضها فإننا سنخرج بفهم واضح خال من الاضطراب. فالهداية في القرآن على أربعة أنواع كما ذكر ابن القيم رحمه الله، وسنركز هنا على النوع الثالث.
1. الهداية العامة
وهذه الهداية العامة وهبها الله لكل نفس لتهدي إلى ما يصلح شأنها ومعاشها، وفطرها على جلب النافع ودفع الضار. قال تعالى: “الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى” (الأعلى 2-3)، وقال تعالى: “قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى” (طه 50). وبهذه الهداية اهتدت الأزواج من الكائنات إلى التزاوج والتكاثر ورعاية الصغار، واهتدى الصغار إلى التقام الثدي والتماس الغذاء. ومظاهر هذه الهداية كثيرة جدا.
2. هداية الدلالة والإرشاد
وهذه الهداية هي وظيفة الرسل والكتب المنزلة، وهي إيضاح سبيل الفلاح وسبيل الهلاك للناس. قال الله تعالى: “وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ” (البلد 10)، وهي الهداية المقصودة في قوله تعالى: “وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” (فصلت 17)، فالهداية هنا دلالة إرشاد وليست دلالة توفيق (كما سنرى)، إذ لو كانت دلالة توفيق لما استحبوا العمى على الهدى.
والله تعالى لم يمنع هذه الهداية عن أحد من خلقه، بل إنه منع العذاب على من لم تتحقق فيه فقال سبحانه: “…وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا” (الإسراء 15)
3. هداية التوفيق والمعونة
موضع الإشكال عادة عند طرح الشبهة هو عدم فهم هذا النوع من الهداية. والمقصود بها هو زيادة الهدى والبصيرة إلى الحق، والأمثلة على ذلك عديدة، منها قوله تعالى: “وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى…” (مريم 76)، وقوله تعالى: “…إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى” (الكهف 13)، فهذا النوع من الهدى له شرط، وهو مبادرة الإنسان إلى الهدى، قال تعالى: “يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ…” (المائدة 15)، وقال: “… وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ” (الرعد 27).
ومثل ذلك الإضلال، فالله لا يضل من اختار الهدى أو سعى إلى الحق، وإنما يضل من اختار الضلال والفسوق والعصيان، قال الله تعالى: “…وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ” (البقرة 26)، وقال: “…وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ…” (إبراهيم 27)، وقال: “…كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ” (غافر 34)، وقال: “…كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ” (غافر 74)، وقال تعالى: “سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا، ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ” (الأعراف 146).
فالهداية والإضلال هنا ليس فيهما ظلم لأحد، تعالى الله عن الظلم علوا كبيرا، وإنما الهداية نوع من الثواب على اختيار الهدى، والإضلال عقاب لمن اختار الضلال أصلا.
وأما قوله تعالى: “وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” (التكوير 29) ففيه ملمح مهم، وهو أن المشيئة الحرة في اختيار الضلال والهدى ليست إلا هبة من الله، فالله سبحانه وهب العبد هذه المشيئة ليختار اختيارا حرا بين الهدى والضلال. فلا يظن المرء أن هذه المشيئة الحرة هي من قبل نفسه وجوديا، وإنما هي مشيئة حرة ولكنها هبة من الله، أي أن العبد إذا شاء بمشيئته الحرة فإن مشيئته الحرة أوجدتها مشيئة الله سبحانه، فلا يملك أن يشاء العبد بلا مشيئة الله له أن يشاء.
وسوف نفهم الأمر بوضوح أكثر عند المقارنة بين البشر والملائكة، فالملائكة ليست لهم مشيئة اختيار الضلال أو العصيان، ولا يستطيع أحد من الملائكة أن يعصي الله، لأن الله لم يهبه هذه المشيئة الحرة في اختيار الضلال والعصيان كما وهبها للبشر.
4. الهداية إلى الجنة والنار
فالمسلم الذي اختار الهداية في الحياة الدنيا، فزاده الله هدى، سيهديه الله إلى الجنة يوم القيامة: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ” (يونس 9). وأما الظلمة فتكون هدايتهم إلى الجحيم: “احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ” (الصافات 22-23)
هكذا تكون النصوص المتعلقة بالهداية والإضلال متكاملة وواضحة المعنى. فالسياقات القرآنية ومراجعة ورود الألفاظ في الآيات يساعد كثيرا على فهم المعنى القرآني واستيعابه.
لماذا يأتي لفظ الجلالة “الله” بصيغة المذكر؟
الله سبحانه ليس له جنس، وإنما الذكر والأنثى جنسان يختصان بالمخلوقات الحية، جعلهما الله لضرورة التكاثر، والله سبحانه وتعالى ليس كمثل مخلوقاته.
قال تعالى في الآية 11 من سورة الشورى مؤكدا أن وجود الأزواج (الذكر والأنثى) خاص بحق المخلوقات فقط: “فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.”
التذكير والتأنيث ضرورة لغوية
من خصائص اللغة العربية في التعبير عن الأسماء أن تعطيها صفة التذكير والتأنيث عند الحديث عنها، وليس هناك صيغة ثالثة محايدة كاللغة الألمانية مثلا. فأي اسم مهما كان نوعه لابد أن يعامل إما معاملة المذكر أو المؤنث، سواء كان عاقلا أو غير عاقل، وسواء كان اسم علم كزيد وعلي أو اسم جنس كتلميذ وشجرة. ولهذا يلزم التذكير والتأنيث حتى لو لم يوجد الجنس (كالنباتات والجمادات).
فلا يمكن بأية حال من الأحوال معاملة أية لفظة دالة على كائن إلا باستخدام التذكير أو التأنيث.
التذكير هو الافتراضي
والعرب يجعلون المذكر هو الافتراضي إذا شمل الكلام الجنسين، فمثلا حديث: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) يشمل المسلمين والمسلمات.
والعرب أيضا يستخدمون اللفظ المذكر المنصرف للأنثى حصرا إذا لم يوجد لبس في الفهم لدى المستمع، كألفاظ: حامل وناهد وكاعب وناشز وطالق، فهنا يرتفع اللبس في دلالتها بين التذكير والتأنيث لأنها لا تصف إلا المرأة، وبالتالي تعود للأصل اللغوي وهو التذكير.
فالمسألة لغوية بحتة تتعلق بأسلوب العرب في استخدام اللغة، وليس من الضرورة وجود رابط حتمي بين صيغة الجنس في اللفظة وجنس المدلول، فالأسد مثلا يسمى “قسورة”، والرجل يسمى “معاوية” و”جهينة”، والمرأة “صباح”.
وكون الأصل في اللغة هو التذكير لا يعني سوى العرف، ولا معنى للاعتراض بتهمة الذكورية، فهذا اصطلاح جرت عليه الناس، ولو قلنا بتهمة الذكورية فإن البديل الوحيد هو التأنيث وبالتالي يمكن الاعتراض على التأنيث أيضا بتهمة الأنثوية.
وصف لفظ الجلالة “الله”
إن وصف لفظ الجلالة “الله” بصيغة التذكير لا يعني انتقاص المؤنث، وإنما جرى ذلك على ألسنة العرب وغيرهم، ونزل القرآن بهذه الصيغة (التذكير)، فلا تصح مخالفة النص القرآني واستخدام صيغة التأنيث فيها، وهذا لا يصح لغويا أيضا؛ فمن يقول مثلا: “إن القلم التي اشتريتها غالية”، سيصدم المستمع ويثير الضحك، رغم أن القلم ليس ذكرا ولا أنثى.
ماذا عن “الشيطان”؟
لماذا لا تجد أحدا من داعمي الحركة النسوية على سبيل المثال يعترض على التذكير في استخدام لفظة “الشيطان” أو “إبليس” بينما يعترض على التذكير في لفظ الجلالة “الله”؟ لماذا لا يعتبر هذا أيضا من قبيل النزعة اللغوية الذكورية؟ وماذا لو كانت لفظة “الشيطان” مؤنثة؟
لو كانت هناك نزعة لغوية ذكورية ضد الأنثى لكان كثير من الألفاظ المعبرة عن الشر ألفاظا مؤنثة.. بل إن كثيرا من الألفاظ الإيجابية الجميلة مثل “الهداية” و”الرحمة” و”والاستقامة” و”الحكمة” تأتي بصيغة المؤنث، وكثيرا من الألفاظ السلبية مثل “الانحراف” و”التزييف” و”الضلال” و”الباطل” و”الجنوح” و”الفساد” هي ألفاظ مذكرة.
منطقية الاعتراض
إن من يعترض على استخدام ثنائية “المذكر والمؤنث” في اللغة، وبالتالي على استخدام لفظة مذكرة أو لفظة مؤنثة، هو كمن يعترض على استخدام اللغة الثنائية في برمجة تطبيقات الحواسيب والأجهزة الذكية! فليس هناك وجه مقبول للاعتراض أصلا على أمر تعارف الناس عليه من باب الاصطلاح اللغوي وجرت العادة على قبوله، خصوصا وأنك أمام خيارين لا ثالث لهما.
جذور المشكلة
تكمن جذور المشكلة في تشبيه الخالق، فالجاهل بعقيدة الإسلام يظن أن الخالق يمكن تصوره ذهنيا كما تجري عادة الناس في تصور كل كائن عند التفكير فيه، وبالتالي يرتبط الجنس من حيث الذكورة والأنوثة بالصورة الذهنية عند الحديث عن الخالق جل وعلا، ومعلوم أن كل تعطيل لصفات الخالق جاء تبعا للتشبيه.
ولهذا جاء التنبيه في الآية التي بدأنا بها موضوعنا بأن الله ليس كمثله شيء، فهو مفارق لمخلوقاته، ولا يصح أن يحصل له صورة في أذهاننا، فنحن نعقله سبحانه ولا نتصوره حتى وإن خضع التعبير عنه للضرورة اللغوية.
كيف يغضب الله وهو يعلم الغيب؟
إذا كان الله يعلم منذ الأزل بوقوع المعاصي فكيف يغضب إذا وقعت؟
هذا السؤال يطرحه الملحد على المسلم، وقد يلتبس الأمر على بعض المسلمين.
مصدر الإشكال
مصدر الإشكال في هذه الشبهة وفي شبهات أخرى تتعلق بصفات الله تعالى هو استحضار الصفات الإلهية في الخيال.. وكأن صفات الخالق هي نفسها صفات المخلوق. والصحيح أن ذات الخالق لا ندركها، وصفاته لا نعرفها إلا من الوحي، والله سبحانه يقول في الوحي: “ليس كمثله شيء وهو السميع البصير”.
فلا يصح أن نتخيل صفاته كما نتخيل صفات البشر، بل إن كل ما نتخيله من الصفات فصفات الله خلافها، وإنما نحن نعقل تلك الصفات كما وصف الله بها نفسه أو وصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، ونتوقف عند كيفيتها.
غضب الله وغضب البشر
ولكي نعرف صفة الغضب التي يتصف بها الله عز وجل فسوف نستعرض الآيات التي وردت فيها الإشارة إلى غضب الله ونلاحظ أمرا مهما، وهو أن غضب الله نوع من أنواع العقاب يقع على من يستحقه وليس كغضب البشر الذي يقع في أنفسهم فيؤلمهم ويزعجهم، ولهذا فهو صفة كمال في حق الله وصفة نقص في حق البشر.
“… وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون”
“بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين”
“ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من الله”
“ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما”
“قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه… الآية”
“قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان… الآية”
“إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين”
“ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير”
“من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم”
“كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى”
“والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين”
“والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد”
“ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا”
“ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون”
“يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور”
ثم لاحظ وصف الغضب عند الناس في القرآن، فهو هنا حالة انفعالية يستحسن التخلص منها:
“والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون”
وتأمل في هذه الآية مقارنة واضحة بين غضب الإنسان (موسى) وغضب الله تعالى، الأول صفة نقص بشري مزعجة، والآخر صفة كمال تحل عقوبة بالعصاة:
“فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي”
لم لا يغضب الله قبل المعصية؟
إذا عرفنا أن غضب الله إنما هو عقوبة تقع على مستحقيها، فإن من غير المناسب أن نتساءل: لم لا يغضب الله قبل وقوع المعصية إذا كان يعلم أنها ستقع.. إذ كيف تأتي العقوبة قبل ارتكاب الجرم؟
وكما ذكرنا آنفا، فالإشكال الأساسي يكمن في الاعتقاد أن كيفية الغضب عند الله هي نفسها الكيفية التي يغضب بها البشر، وهذا خطأ فادح يقع فيه الكثيرون عند الحديث عن صفات الله تعالى.. فيجب أن نستحضر دائما في أذهاننا أنه “ليس كمثله شيء”، ويجب أيضا أن نلاحظ نفي التشبيه المضاعف هنا: (الكاف) و (مثل)، فلا تشابه أبدا بين صفات الخالق وصفات المخلوق إلا من ناحية كونها موجودة.
لماذا خلقنا الله؟ ولماذا لم يأخذ رأينا قبل أن يخلقنا؟
هذا السؤال بشقيه من الأسئلة التي تثير الشبهة عند البعض نظرا لبنية السؤال نفسه.
لماذا خلقنا الله إذا كان غنيا عنا؟
أما مسألة غنى الله عن خلقه فهي من المسائل الثابتة نصا وعقلا، فالله سبحانه يقول في سورة الذاريات: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)”، وقال في الآية 6 من سورة العنكبوت: “… إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ”. وهذا المعنى متكرر في نصوص القرآن والسنة. وأما عقلا فإن من الثابت عقلا أن خالق الكمال يتصف بصفات الكمال المطلق، ومن صفات الكمال المطلق أن تنتفي حاجته لسواه، إذ أن افتقاره لغيره صفة نقص يتنزه عنها سبحانه.
فيبقى السؤال (لماذا خلقنا الله؟).. وهذا السؤال له شقين: شق يخصنا نحن، لكي نعرف ما هي وظيفتنا ودورنا الذي خلقنا الله لنقوم به في هذه الحياة، وشق يتعلق بالخالق نفسه.
وما يخصنا نحن فجوابه واضح، وهو أن الله خلقنا وكلفنا بعبادته، ولكنه جعلنا في دار اختبار ومنحنا الإرادة الحرة لنقرر نحن: هل نسعى إلى الفوز أم إلى الخسارة. والأمر واضح في نصوص كثيرة منها ما تقدم.
وأما ما يخص الخالق سبحانه في إرادة خلق البشر وجعلهم في هذا النسق من الاختبار والموت والبعث والحياة الأخروية، وهم جزء بسيط جدا من الخلق، فهو شأنه سبحانه وليس شأن غيره من الملائكة أو البشر أو غيرهم، وقد سأل الملائكة ربهم هذا السؤال عندما خلق آدم فأجابهم الله جوابا نهائيا واضحا، حيث يقول سبحانه في سورة البقرة: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)”.
فالجواب (إني أعلم ما لا تعلمون) يوضح أمورا عدة: أن الحكمة من خلق الإنسان تخصه سبحانه، وأن الأمر برمته من شأن الله ولا علاقة للمخلوقات به، فهو “فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ” وهو “لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ”، وأن سبب خلق البشر علم من علم الله لا يعلمه الملائكة، وما دام الأمر يتعلق بعلم الله المطلق فهو أعلم بالحكمة منه، ولا يَعلمها أحد من خلقه إلا بإذنه.
فإذا علمنا أن للأمر جانبين فيما يتعلق بخلق الإنسان: أحدهما يخص الإنسان، وهو موضح في القرآن بنصوص صريحة، وهو تحقيق العبادة لله من أجل الفوز بالجنة، والجانب الآخر يخص الخالق سبحانه، وهو الحكمة من الخلق، فيجب أن نعلم أن الحكمة من شأنه وحده وليست من شأن أحد من خلقه، وعلمنا محدود قاصر بينما علمه كامل مطلق، فلا يصح أن نعتبر معرفة حكمة الله من الخلق حقا من حقوقنا التي نطالب بها، وبالتالي لا يكون حجبها ظلم لنا..
لماذا لم يأخذ الله رأينا قبل أن يخلقنا؟
هذا السؤال من أعجب الأسئلة! وهو يدل على أن الشبهة إذا استحكمت في العقول طمست التفكير المنطقي فيها!
المسألة هنا مسألة وجود وعدم.. كيف يستشيرك ربك قبل أن توجد؟
لاحظ الخلل في السؤال.. إذا استشارك ربك عن خلقك فأنت موجود، فلا استشارة لأحد إذا لم يكن موجودا.. وإذا استشارك فأنت الآن مخلوق، فكيف يستشيرك إن كنت تريده أن يخلقك أم لا؟
الطريف في السؤال هو كيف يطمس الله على عقل الملحد الذي يطرحه بهذا الشكل! هذا السؤال أعتبره من دلائل الإعجاز حيث قال في سورة الأعراف: “سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)”.
ظلم أم عدل أم رحمة وكرم؟
عندما ينعم عليك الله بفرصة الحياة الأبدية في نعيم لا نهائي في جنة فيها ما لا أذن سمعت ولا عين رأت ولا خطر على قلب بشر.. ويمنحك الإرادة الحرة لتقرر بنفسك فتختارها أو تختار العذاب، فأي ظلم في هذا؟
وعندما يخبرك الله بما ينتظرك ويعطيك خارطة الطريق بوضوح تام لكي تصل إلى هذا النعيم ولكي تتجنب العذاب، فأي ظلم في هذا؟
وعندما يرغّبك بشتى الوسائل والطرق لسلوك طريق الجنة ويحذرك مرارا وتكرارا من سلوك طريق النار، فأي ظلم في هذا؟
وعندما يقص عليك الله قصص أصحاب الجنة وكيف فازوا بها وقصص أصحاب النار وكيف باؤوا بعذابها لكي تعتبر وتتعلم.. بل إنه يروي لك حوارات أهل الجنة وحوارات أهل النار التي ستدور بينهم لتفهم الدرس جيدا.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يعطيك الله على الحسنة عشر حسنات، وعلى السيئة سيئة واحدة، ويخبرك بذلك لكي تبادر إلى الحسنات، فأي ظلم في هذا؟
وعندما يخبرك الله أنك إذا أتبعت السيئة الحسنة فإنها تمحوها، فأنت تكسب عشر حسنات وتمحى عنك السيئة.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يخبرك أن التوبة تجبّ ما قبلها فيكون التائب من الذنب كمن لا ذنب له.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يجعل الله الدال على الخير كفاعله.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يجعل الله الحصول على الحسنات يسيرا جدا، فيمكنك بالاستغفار والتسبيح والأذكار أن تحصل على حسنات عظيمة وتتخلص من ذنوبك بلا مشقة.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يجعل لك على كل حرف من القرآن عشر حسنات.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يعطيك الله الثواب لمجرد النية في عمل الخير ولو لم تتمكن منه، ولا يحاسبك على نية الشر إذا لم تفعله.. فأي ظلم في هذا؟
وعندما يعدك الله بأنك إذا بادرت إلى الخير فإنه سيزيد من هدايتك ويوفقك وييسر لك سبل الخير.. فأي ظلم في هذا؟
الخلاصة
هي أن الله لم يعاملنا بعدله فقط، بل إنه عاملنا برحمته وكرمه وإحسانه.
لماذا يعبأ الله بنا مع وجود هذا الكون العظيم؟
فرضية خاطئة
افتراض أن الله لم يرسل رسله أو يهتم بأحد من خلقه إلا نحن البشر هو افتراض لا يقوم على أساس سليم، فنحن لا نعلم عن العوالم الأخرى وعن وجودها. صحيح أن الله روى لنا قصة خلق آدم وسجود الملائكة وعصيان إبليس وسكنه الجنة مع زوجه ثم خروجهما.. الخ. لكن هل يعني هذا أنه لا يوجد إلا آدم وخلق آدم؟ أم أننا لا نعلم لعل الله لم يبلغنا إلا ما يهمنا؟ المؤكد هو أننا لا نعلم. القرآن أخبرنا عن وجود الجن وأنهم مكلفون، وأخبرنا أيضا أنه سبحانه “تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا” (الإسراء 44). فقصور إدراكنا لا يسمح لنا بإطلاق الأحكام في هذه المسألة.
لاحظ أن أول آية في سورة القاتحة تقول “الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” وصيغة العالمين ليست مثنى لنقول إن المقصود هو الإنس والجن مثلا، وإنما هي صيغة جمع غير محدد. قد يكون المقصود منها ثلاثة عوالم أو مائة أو ألف. الله أعلم.
لنفترض جدلا
حتى لو افترضنا جدلا أنه لا يوجد إلا نحن الذين وصلتنا الرسالة والوحي وقامت الدنيا والآخرة لنا فقط، فإن النظر للموضوع بمنظار الأحجام هو نظر خاطئ. فكما أن الكون عملاق جدا بالنسبة لنا وحجمنا ضئيل جدا بالنسبة للكون، فإننا أيضا عمالقة جدا بالنسبة لدقائق الخلق التي تم اكتشافها حتى الآن، وكل عدة سنوات يكتشف العلماء جزيئات من المادة صغيرة للغاية، لدرجة يصعب مقارنتها مع أجسامنا،
لاحظ أن الذرة لا يمكن رصدها أبدا لأن حجمها أصغر من موجة الضوء، فما بالك بالإلكترون والنيوترون الذي يعتبر حجمه بالنسبة للذرة ضئيل جدا، بل إن الإلكترون يسبح في فضاء فسيح جدا حول نواة الذرة.. ثم ما رأيك بالكوارك الذي يعتبر أصغر من الإلكترون كثيرا، وهناك عشرات الجسيمات أصغر من الكوارك أيضا.
كل هذه الأجسام البالغة الضآلة تم اكتشافها بقدراتنا المحدودة عن طريق رصد آثار تلك الجسيمات، فكيف لو كان الكوارك نفسه مثلا فيه عوالم كاملة لا ندركها؟ إذن فالمسألة نسبية. يمكنك اعتبارنا مخلوقات ضئيلة ويمكنك في نفس الوقت اعتبارنا مخلوقات عملاقة.. وفي الحالتين الأمر نسبي مع مخلوقات أخرى.
نحن بشر والحكم لله
ولذلك فإن شبهة الأهمية القائمة على الحجم هي شبهة خاطئة في الأصل حتى لو بدر لنا أنها صحيحة، فيجب أن لا نقيس أحكام الخالق سبحانه على تصوراتنا.. نحن مخلوقات محدودة، ومنذ وعينا وإدراكنا في هذه الحياة والمقارنات بيننا وبين المخلوقات الأخرى تشكل المكون الأساسي الحاسم في أحكامنا وتصوراتنا، بينما الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء.
الطعن في اختصاص الله عز وجل بإنزال المطر
مضمون الشبهة
يطعن بعض المغرضين في اختصاص الله عز وجل بإنزال المطر، ويستدلون على ذلك بأن الإنسان في العصر الحديث أصبح على علم تام بموعد سقوط المطر وأماكن نزوله، بل صار بإمكانه إسقاط المطر صناعيًّا، وبناء على ذلك فإن قوله سبحانه وتعالى:)إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث((لقمان: 34)، وقوله سبحانه وتعالى:)وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون (18)((المؤمنون) مخالفان لما توصل إليه العلم الحديث من حقائق.
وجها إبطال الشبهة:
1) أثبت العلم الحديث أن عملية إنزال المطر ـ بمراحلها المتعددة ـ خارجة عن قدرة البشر؛ فلا طاقة للبشر على العلم بوقت نزول المطر، ولا بمقداره، ولا بمكان نزوله على وجه اليقين، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى:(إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (34)((لقمان) فهي مما استأثر الله عز وجل بعلمه.
2) ثبت علميا أن عملية إنزال المطر ما هي إلا مرحلة في دورة طبيعية للماء الذي ينزله الله عز وجل بقدر، ثم يسكنه في الأرض، ويخرج بعضه الآخر إلى السطح لينتفع به الإنسان وكافة المخلوقات على الأرض، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون (18)((المؤمنون).
التفصيل:
أولا. عملية نزول المطر (الوقت، المقدار، المكان):
1) الحقائق العلمية:
ظلت كيفية تكون الأمطار لغزًا كبيرًا فترة طويلة من الزمن، ولم يكن من الممكن اكتشاف مراحل تكون الأمطار إلا بعد اكتشاف الرادارات، ووفقًا للاكتشافات العلمية الحديثة يتكون المطر على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى؛ تبدأ فقاعات الهواء التي لا تحصى والتي ترغي في المحيطات قاذفة بجزيئات الماء نحو السماء، بعد ذلك تحمل الرياح هذه الجزيئات الغنية بالأملاح وترفعها إلى الغلاف الجوي، هذه الجزيئات التي تسمى الهباء الجوي تعمل كأفخاخ مائية وتكون قطرات الغيوم عبر تجميع قطيرات من بخار الماء الصاعد من البحار حولها.
وفي المرحلة الثانية؛ تتكون الغيوم من بخار الماء الذي يتكثف حول بلورات الملح أو جزيئات الغبار في الهواء، ولأن قطيرات المياه في هذه الغيوم صغيرة جدًّا يبلغ قطر الواحدة منها ما بين 0,01 ـ 0,02 ملم ـ فإن الغيوم تتعلق في الهواء وتنتشر في أرجاء السماء، وبهذا تغطى السماء بالغيوم.
أما المرحلة الثالثة؛ وفيها تتكاثف جزيئات المياه التي تحيط ببلورات الملح وجزيئات الغبار لتكون قطرات المطر، وبهذا فإن المطر الذي يصبح أثقل من الهواء يترك الغيوم ويبدأ بالهطول على الأرض.
وقد قام العلماء بدراسة الغيوم وتوصلوا من خلال ذلك إلى أن الغيوم الممطرة تتكون وتتشكل وفق نظام ومراحل محددة؛ فمثلا مراحل تكون الركام ـ وهو أحد أنواع الغيوم الممطرة ـ هي:
مرحلة الدفع؛ حيث تحمل الغيوم أو تدفع بواسطة الرياح.
مرحلة التجمع؛ حيث تتراكم السحب التي دفعتها الرياح مع بعضها البعض لتكون غيمة أكبر.
مرحلة التراكم؛ حيث إن السحب الصغيرة عندما تتجمع مع بعضها فإن التيار الهوائي الصاعد في الغيمة يزداد، ويكون قرب مركز الغيمة أقوى من التيارات التي تكون على أطرافها، وهذه التيارات تجعل جسم الغيمة ينمو عموديًّا؛ ولذلك فإن الغيمة أو السحابة تتراكم صعودًا.
ويؤدي هذا النمو العمودي للغيمة إلى تمددها إلى مناطق أكثر برودة من الغلاف الجوي، وعندها تتكون حبات المطر والبرد وتصبح أكبر ثم أكبر إلى أن تصبح حبات المطر والبرد ثقيلة جدًّا على التيارات الهوائية، بحيث يتعذر عليها حملها، فتبدأ بالهطول على شكل أمطار أو حبات برد([1]).
وهنا نتساءل: كيف يتأتى للإنسان أن يتحكم في وجود السحاب ولا سيما تكوينه؟
فمن الجدير بالذكر أنه ليس كل سحاب يكون ممطرًا؛ فالظروف الطبيعية التي تؤدي إلى تكوين السحب ونزول المطر لا يمكن أن يصنعها البشر، ولا سبيل إلى التحكم فيها.
ولا يزال موضوع المطر الصناعي ـ أو استمطار السحب العابرة([2]) ـ مجرد تجارب لم يثبت نجاحها بعد، وحتى إذا تم نجاحها فإنه من اللازم أن توفر الطبيعة الظروف الملائمة للمطر الطبيعي حتى يمكن استمطار السماء صناعيًّا؛ أي إن دور علماء الطبيعة الجوية لا يتعدى قدح الزناد فقط، بتوليد حالات من فوق التشبع داخل السحب الركامية، وعلى الأخص داخل أماكن نقط الماء فوق المبرد، وذلك بقذف بعض المواد التي تصلح أن تكون نوى التكاثف على هيئة مساحيق أو أبخرة ـ مثل ملح الطعام ـ أو بودرة الفضة، أو بلورات ثاني أكسيد الكربون([3]).
وقد جاء في جريدة الوطن السعودية حول هذا الموضوع ما يأتي: “على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على بداية التجارب في صناعة الأمطار، والمديح الذي كيل لهذه التقنية والوعود التي قطعتها الشركات لابتزاز المحتاجين للأمطار، وبالرغم من الإخفاقات المتتالية، ومشاركة أكثر من أربعين دولة، لا تزال هذه التقنية محل ريبة وشك. إن تجارب استمطار السحب لم تؤت أكلها بعد، ولا تزال في طور البحث والدراسة”.
كما جاء في تقرير الأكاديمية القومية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية أنه لا توجد حتى الآن أدلة حاسمة ونتائج موثقة تؤكد فاعلية هذه التقنية([4]).
يقول “م. أ. فاسي ” (M. A. Facy) ـ مهندس عام الأرصاد الجوية الوطنية في دائرة معارف يونيفرسال ـ ما يلي بالحرف الواحد: “لم يحدث أبدًا ومن المستحيل فعلًا أن يتمكن إنسان من إسقاط مطر صناعي من سحابة لا تحتوي على ماء المطر أصلًا، أو من سحابة لا تصل إلى درجة مناسبة من التطور والنضج بحيث تكون مؤهلة لإنزال المطر عندما تتوافر الظروف اللازمة لإنزاله؛ وبناء على ذلك لا يستطيع الإنسان أن يحدث المطر الصناعي إلا إذا كانت السحب الحاملة للمطر والقابلة لإنزاله موجودة، أما لو كانت السحب غير حاملة للمطر أو غير قابلة لإنزاله، فمن المستحيل على الإنسان الحصول على مطر من هذه السحب. وبالتالي نجد أن الإنسان في عملية المطر الصناعي لا يعمل شيئًا باستخدامه للوسائل التكنولوجية المتعلقة بالمطر الصناعي سوى أن يعجّل فقط بإنزال المطر من سحابة حاملة بالفعل لماء المطر، وبشرط أن تكون كل الظروف الطبيعية الملائمة لنزول المطر متوفّرة، ولو كان الأمر على غير هذا النحو لأمكن التغلب على مشكلة الجفاف تمامًا.
في مناطق شاسعة من صحراوات معينة يستحيل على أي إنسان أن يحدث المطر الصناعي، ولكن في بلاد ممطرة أصلا مثل فرنسا ـ مثلا ـ يمكن إحداث المطر الصناعي لوجود سحب محملة بماء المطر، وكل ما يعمله الإنسان بالنسبة إلى المطر الصناعي هو أن يعجل ـ بطرق معينة ـ فقط بإنزال المطر الطبيعي من السحب الحاملة له، إن التحكم في المطر وإمكانات الحصول باستمرار على طقس جميل لم تقض به إرادة الله ـ لا يزال حتى اليوم حُلمًا من أحلام البشر”([5]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية و بين ما أشارت إليه الآية الكريمة:
زعم المشككون أن الإنسان في العصر الحديث أصبح على علم تام بموعد سقوط المطر وأماكن نزوله، بل تجاوز الأمر فأصبح بإمكانه إسقاط هذا المطر صناعيًّا؛ طاعنين بذلك في اختصاص الله عز وجل بإنزال المطر.
وبداية يجب أن نفرق بين الغيث والمطر؛ فقد جاء في المعاجم العربية أن:
الغيث: المطر الذي يغيث من الجدب، وكان نافعًا في وقته.
والمطر: قد يكون نافعًا وقد يكون ضارًّا…
ويتضح المعنى بما نصت عليه آيات القرآن الكريم؛ فقد قال الله سبحانه وتعالى: )وأمطرنا عليهم مطرًا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين (84)((الأعراف)، وقال: )وأمطرنا عليهم مطرًا فساء مطر المنذرين (173)( (الشعراء)، وقال:)ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورًا (40)((الفرقان)، وقال:)وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد (28)( (الشورى)،)ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون (49)((يوسف).
وبالرجوع إلى قوله سبحانه وتعالى: )إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (34)((لقمان) يتبين لنا أن إنزال الغيث من الأمور التي اختص الله عز وجل بها، وجعل مردها إليه وحده.
وإذا علمنا أن الإنسان يجتهد في طلب الخير وهو المطر النافع (الغيث)، ويتوقع نزوله ـ دون جزم منه ـ أنه سينزل على منطقة معينة في وقت معين بمقدار معين؛ فتلك أمور لا علم إلا لله عز وجل بها، ولا يقدر الإنسان فيها إلا على التوقع والطلب، أما العطاء فمن الله بعلمه وقدرته، وليس بعلم الإنسان وقدرته أبدًا([6]).
ويقول الطاهر ابن عاشور في تفسيره لهذه الآية: “وجملة “وينزل الغيث” عطف على جملة الخبر، والتقدير: وإن الله ينزل الغيث، فيفيد التخصيص بتنزيل الغيث. والمقصود أيضًا عنده علم وقت نزول الغيث وليس المقصود مجرد الإخبار بأنه ينزل الغيث؛ لأن ذلك ليس مما ينكرونه، ولكن نظمت الجملة بأسلوب الفعل المضارع؛ ليحصل مع الدلالة على الاستئثار بالعلم به الامتنان بذلك المعلوم الذي هو نعمة. وفي اختيار الفعل المضارع إفادة أنه يجدد إنزال الغيث المرة بعد المرة عند احتياج الأرض”([7]).
فكيف يمكن للإنسان أن يتحكم في هذا القدر؟! وكيف له أن يقدر كميته؟! وهل في استطاعة الإنسان أن يتحكم في وجود السحاب أولًا؟!
إن الإنسان ليجتهد في طلب الخير ومنه المطر النافع، ويتوقع نزوله، فإن أصاب ما توقع كان من فضل الله، وليس لعلمه أن المطر سيسقط على هذه المنطقة جزمًا؛ فالعطاء من الله عز وجل بعلمه وقدرته، وليس بعلم الإنسان وقدرته أبدًا.
وبعد؛ فهل يمكن أن يجزم أحد: أنه يستطيع أن يمطر منطقة معينة بعلمه وقدرته في وقت معين بقدر معين([8])؟!
وقد أكد القرآن الكريم أن كميات الماء على الأرض تتوزع بنظام محسوب وليس عشوائيًّا، وذلك في قوله سبحانه وتعالى:)ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورًا (50)((الفرقان)، والعلم الحديث يخبرنا أن كميات المطر تتوزع بنظام.
كما أشار القرآن الكريم إلى أن الماء الذي ينزل من الغيوم يكون ماء طهورًا خاليًا من الجراثيم والمواد الضارة، يقول سبحانه وتعالى: )وأنزلنا من السماء ماء طهورًا (48)( (الفرقان)، وقد ثبت علميًّا أن طبقة الأوزون في الغلاف الجوي تقتل الجراثيم الموجودة في ماء المطر، كذلك تقوم الأشعة فوق البنفسجية بتطهير الماء مما علق فيه من بكتيريا أو أحياء مجهرية؛ فينزل الماء طاهرًا إلى الأرض([9]).
وفي المقابل نجد الاستمطار الصناعي يشكل خطرًا على صحة الإنسان والحيوان؛ فعلماء البيئة يقولون: “الأثر البيئي لهذه التقنية يجب البحث فيه ومعرفة جوانبه، فالمواد المستخدمة في بذر السحب مواد سامة ـ بحسب تصنيف المنظمات العالمية ـ فمكتب البيئة والصحة والسلامة بجامعة بيركلي ـ كاليفورنيا بالولايات المتحدة ـ يصنف يود الفضة بأنه مادة كيماوية غير عضوية، خطرة، لا تذوب في الماء، وسامة للإنسان، والأسماك.
وتفهرس وكالة حماية البيئة الأمريكية مادة يود الفضة ضمن المواد الخطرة والسامة. وفي دراسات طبية عديدة على تأثير يود الفضة على صحة الإنسان ثبت أنها تدخل إلى جسمه عن طريق الجهاز الهضمي، أو التنفسي، أو عن طريق امتصاص الجلد، وتصيبه بأمراض تبدأ بإثارة الجهاز الهضمي، وتحول لون الجلد إلى الأسود في حالات التسمم البسيطة، وتصل إلى تضخم القلب، والنوبات الصدرية الحادة مع الجرعات العالية”([10]).
وحينما سئل الشيخ عطية صقر رحمه الله عن المطر الصناعي وهل يتنافى مع قوله تعالى:)وينزل الغيث((لقمان: 34)، قال: “كلنا يعلم أن تكاثف بخار الماء الموجود في السحاب، أو في الجو عامة يحدث لعوامل، فينزل المطر أو الندى، وليس في ذلك مشاركة لقوله تعالى: )وينزل الغيث( (لقمان: 34)؛ لأن تكون السحاب وامتلاء الجو ببخار الماء على هذا النطاق الواسع هو صنع الله بالوسائط التي خلقها، فهو الخالق للبخار، ولحرارة الشمس، والمتحكم في برودة الجو، وكذلك في الرياح وسوقها للسحاب، وبقدرته أن يتحكم فيها فلا تنتج أثرًا، كما قال سبحانه وتعالى:)ألم تر أن الله يزجي سحابًا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركامًا فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء ((النور: 43).
إن العمليات التي يحاول بها بعض الناس إسقاط المطر من السحاب لها نظائر في نطاق ضيق، في عمليات فصل الملح عن الماء ليصير عذبًا؛ فهي تدور على التبخير والتكثيف، كما يحدث في الأنبيق الذي تستخرج به العطور، وليس عملهم هذا تدخلًا في صنع الله، بل هو تصرف واستخدام للمادة التي خلقها الله، ولا يمكن لأحد أن يخلق الحرارة أو البرودة أو الماء بوسائط أو مواد غير ما أوجده الله في الكون.
ومع ذلك فالمحاولات لا تغني؛ لأن كثيرًا من بلاد هؤلاء العلماء تشكو الجفاف وقلة الماء وهلاك الزرع والحيوان، فلو أمكنهم التحكم في المطر والماء والريح كما يتحكم الله ليغاثوا من القحط ما سكتوا، فقدرة الله فوق قدرتهم، وإرادة الله فوق إرادتهم، كما أن مداواة المريض بمواد خلقها الله، لا تسوغ إسناد الشفاء الحقيقي إلى غير الله.
وإلى جانب عجزهم عن الإغاثة من القحط، عجزوا عن دفع ما يقع من العواصف والصواعق والسيول والزلازل والبراكين على بلاد المتحضرين المزهوين بعلومهم واختراعاتهم، كل ذلك يزيدنا إيمانا بقوله تعالى:)يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد (15) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد (16) وما ذلك على الله بعزيز (17)((فاطر)”([11]).
وبهذا يتضح أنه لا علم للبشر بوقت نزول المطر ولا مقداره ولا مكان نزوله ـ على وجه اليقين ـ فهذه أمور خارجة عن نطاق القدرة البشرية المحدودة، قال سبحانه وتعالى:)وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (85)( (الإسراء).
3) وجه الإعجاز:
أشار القرآن إلى اختصاص الله عز وجل بإنزال الغيث (المطر النافع) وجعله من الأمور الغيبية، قال تعالى: )وينزل الغيث((لقمان:34)، وقد أثبت العلم الحديث أن نزول المطر لايمكن أن يصنعه البشر، ولا سبيل إلى التحكم في الظروف التي تؤدي إلىه من قبل البشر، فلا يستطيع البشر أن يجزموا بوقت نزول المطر ولا بمقداره ولا بمكان نزوله.
ثانيا. أصل الماء ودورته الطبيعية الثابتة:
1) الحقائق العلمية:
ثبت علميا أن أصل الماء الذي يمكن أن يستفيد به الإنسان تحت سطح الأرض هو من ماء المطر، ويعد هذا من المعارف العلمية الحديثة؛ فقد كان السائد في الحضارات السابقة أن الماء المتجمع تحت سطح الأرض مندفع إلى داخل القارات من ماء البحار والمحيطات عبر هوة سحيقة تخيلوها وأسموها “تاتار” (Tatare)، أو أن بخار ماء التربة يتكاثف في تجاويف الأرض كما افترض أرسطو.
وقد استمرت هذه الافتراضات الخاطئة سائدة حتى النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي 1877م، ولم تتبلور العلاقة بين ماء المطر والماء تحت سطح الأرض إلا مع بدايات القرن العشرين، وإن كان فرنسي يسمى “برنارد باليسي” (Bernard Palissy) قد أشار إلى شيء من ذلك في أواخر القرن السادس عشر الميلادي وتبعه في ذلك “ديكارت” في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي. وأغلب الظن أنهما قد استمدا هذه المعلومات من عدد من المصادر الإسلامية المترجمة التي كانت متاحة لكل منهما.
لقد ثبت علميًّا أن الماء الموجود على سطح الأرض قد اندفع إلى سطحها أصلًا من داخل الأرض عبر ثورات البراكين، ثم لم يلبث أن تكاثف في الأجزاء العليا من نطاق التغيرات الجوية ـ نطاق الرجع ـ الذي يتميز بتبرده مع الارتفاع حتى تصل درجة حرارته إلى أكثر من ستين درجة مئوية تحت الصفر فوق خط الاستواء؛ وذلك للبعد عن سطح الأرض الذي يمتص حرارة الشمس أثناء النهار ويعيد إشعاعها إلى غلافها الغازي بعد غروب الشمس([12]). ثم يعود هذا الماء إلى الأرض في صورة المطر والثلج والبرد، وهكذا يتحرك الماء بصفة مستمرة في دورة بين البحار والهواء واليابسة، وتشارك الجبال الشاهقة في تكوين جزء من بخار الماء في الهواء فيغطي الثلج قممها ثم ينصهر وينحدر تدريجيًّا ليغذي بعض الأنهار بالماء العذب مشاركًا في تلك الدورة المستمرة للماء([13]). وذلك كله يحدث دون تدخل من البشر.
توازن دورة المياه على الأرض:
تقدر الأبحاث الحديثة أنه يتبخر من ماء الأرض 380000 كم3/سنة، أغلبها 320000 كم3 من أسطح البحار والمحيطات، وأقلها 60000 كم3 من أسطح اليابسة، وتعود هذه الكمية إلى الأرض بمعدلات مختلفة؛ 284000 كم3 على البحار والمحيطات، 96000 كم3 على اليابسة([14]).
وهذا يعني أن المياه تدور دورة متوازنة ومحسوبة، عليها تقوم الحياة على الأرض. وحتى لو استعمل العلماء كل وسائل التكنولوجيا المتوفرة في العلم فلن يستطيعوا أن يعيدوا إنتاج هذه الدورة بطريقة صناعية.
إن مجرد خلل بسيط في هذه المعادلة سوف يؤدي إلى خلل بيئي قد ينهي الحياة على الأرض([15]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشار إليه القرآن الكريم:
لقد سبق القرآن الكريم العلوم الحديثة، وأشار إلى أن أصل الماء الذي يمكن أن يستفيد به الإنسان من تحت سطح الأرض هو ماء المطر، قال تعالى:)وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون (18)((المؤمنون)؛ فقد ثبت أخيرًا أن كل الماء الموجود على سطح الأرض قد اندفع إلى سطحها أصلًا من داخل الأرض عبر ثورات البراكين، وهذا أيضًا قد أشار إليه القرآن في قوله: ) والأرض بعد ذلك دحاها (30) أخرج منها ماءها ومرعاها (31)((النازعات).
قال ابن كثير: يذكر سبحانه وتعالى نعمه على عبيده التي لا تعد ولا تحصى، في إنزاله القطر من السماء “بقدر”؛ أي: بحسب الحاجة، لا كثيرًا فيفسد الأرض والعمران، ولا قليلًا فلا يكفي الزروع والثمار، بل بقدر الحاجة إليه من السقي والشرب والانتفاع به، حتى إن الأراضي التي تحتاج إلى ماء كثير لزراعتها، ولا تحتمل دِمْنتها إنزال المطر عليها (أي كثيرًا)، فإن الله سبحانه وتعالى يسوق إليها الماء من بلاد أخرى، كما في أرض مصر، ويقال لها: الأرض الجرز، يسوق الله إليها ماء النيل معه طين أحمر يجترفه من بلاد الحبشة في زمان أمطارها، فيأتي الماء يحمل طينًا أحمر، فيسقي أرض مصر، ويقر الطين على أرضهم ليزرعوا فيه؛ لأن أرضهم سباخ يغلب عليها الرمال([16]).
فيشير الله عز وجل بهذه الآية إلى أنه قدر نظام المطر الذي يغور، بحيث يسكن بعضه فيها، ويخرج بعضه الآخر إلى السطح. كما قدر نظام ماء المطر الذي يسيل على السطح، ويجري باستمرار في مجاريه، رغم انحدار هذه المجاري؛ فمنع بذلك الأول من الضياع والثاني من النضوب في مجاريه، ثم إنه لو شاء لضيع الأول في باطن الأرض، ولجعل الثاني ينضب في مجاريه بإنضاب جميعه من البحار([17])، وهذا مما لا طاقة للبشرية به.
3) وجه الإعجاز:
أشار القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى:)وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون (18)((المؤمنون) إلى أنه سبحانه وتعالى قدر نظام ماء المطر الذي ينزل من السماء ثم يغور في الأرض بحيث يسكن بعضه فيها، ويخرج بعضه إلى السطح؛ لينتفع به الإنسان وكافة المخلوقات، وهذا ما أثبته العلم الحديث.
(*) منتدى: الملحدين العرب www.el7ad.com.
[1]. انظر: آيات الإعجاز العلمي من وحي الكتاب والسنة، عبد الرحمن سعد صبي الدين، مرجع سابق، ص102.
[2]. الاستمطار Rainmaking: هو محاولة إسقاط المطر من السحب الموجودة في السماء، سواء ما كان منها مدرًّا للأمطار بشكل طبيعي، أم لم يكن كذلك. ويمكن أن ندرج تحت هذا المفهوم أية عملية تهدف إلى إسقاط الأمطار بشكل صناعي، بما في ذلك محاولات تشكيل السحب صناعيًّا، وتنمية مكوناتها. ويقصد من الاستمطار الصناعي أحد أمرين:
تعجيل هطول الأمطار من سحب معينة فوق مناطق بحاجة إليها، بدلًا من ذهابها إلى مناطق لا حاجة بها إلى الماء؛ لظروفها الطبيعية الملائمة للإدرار الطبيعي.
زيادة إدرار السحابة عمَّا يمكن أن تدره بشكل طبيعي.
[3]. الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية، د. أحمد مصطفى متولي، مرجع سابق، ص157.
[4]. لا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله وحقيقة الاستمطار، بحث منشور بمنتديات: أتباع المرسلين www.ebnmryam.com.
[5]. التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث، د. موريس بوكاي، مرجع سابق، ص225، 226.
[6]. لا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله وحقيقة الاستمطار، بحث منشور بمنتديات: أتباع المرسلين www.ebnmrayam.com.
[7]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج6، ج10، ص197.
[8]. لا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله وحقيقة الاستمطار، بحث منشور بمنتديات: أتباع المرسلين www.ebnmaryam.com.
[9]. روائع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، مقال منشور بموقع: شبكة أنوار مكة الإسلامية www.anwarmaka.net.
[10]. المطر الصناعي: حقيقته وأقوال العلماء فيه، مقال منشور بموقع: مزاميرwww.mzameer.com.
[11]. هل يمكن فعلا عمل مطر صناعي؟ مقال منشور بموقع: إجابات جوجل www.ejabat.google.com.
[12]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص455، 456، 463.
[13]. المعارف الكونية بين العلم والقرآن، د. منصور محمد حسب النبي، مرجع سابق، ص134.
[14]. الإعجاز العلمي في السنة النبوية، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ج1، ص41، 42.
[15]. آيات الإعجاز العلمي من وحي الكتاب والسنة، عبد الرحمن سعد صبي الدين، مرجع سابق، ص103.
[16]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج3، ص242 بتصرف.
[17]. الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية، د. أحمد مصطفى متولي، مرجع سابق، ص154، 155.
دعوى تحدّي العلم لقدرة الله على جعله من يشاء عقيمًا
مضمون الشبهة:
يزعم بعض الطاعنين أن العلم قدتحدى المشيئة الإلهية في كونه عز وجل يجعل من يشاء عقيمًا، وذلك في قوله تعالى: ) لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثًا ويهبلمن يشاء الذكور (49) أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا إنه عليمقدير (50)((الشورى)، ويقولون: “إن الله الذي يتفاخر بأنه يجعل منيشاء عقيمًا قد اضمحلت قوته بفضل تقدم العلم، وأصبحنا الآن بواسطة أطفال الأنابيبوالحيوانات المنوية المنتجة من المختبرات والأمومة بالإنابة ـ أن نجعل من يخلقهالله عقيمًا ينجب من الأطفال ما يشاء”، ويستدلون على زعمهم بالحالات التيكانت تعاني من عدم الإنجاب ثم تمت معالجتها، ويهدفون من وراء ذلك إلى التشكيك فيالنص القرآني والانتقاص من طلاقة القدرة الإلهية.
وجوه إبطال الشبهة:
1) لقد أثبت علماء الطب الحديث أن هناك فرقًا بين لفظتي العقم(Sterility) وقلةالإخصاب أو انعدامه (Infertility)، ومن الخطأ أن يستعملكلا اللفظين بمعنى واحد، كما صرحوا بعجز الطب عن إيجاد علاج ناجح للعقم حتىالآن، وإنما نجح الطب فقط في علاج بعض حالات عدم الإخصاب أو قلته، وهذا يتوافقتمامًا مع ما قرره علماء اللغة والتفسير، وليس في ذلك تحدٍ للمشيئة الإلهية حتىوإن استطاع العلم علاج العقم؛ لأن الدين قد حث على التداوي، كما أن العلاج لا يفيدإلا بإذن الله ومشيئته.
2) إن الإنجاب بواسطة أطفال الأنابيب ليس إيجادًا أو خلقًا منعدم، كما أن الإنجاب بواسطة هذا التلقيح الصناعي ليس مؤكدًا أو حاسمًا، وإنمايتوقف نجاحه على المشيئة الإلهية، ولا يعارض الدين إن تم بالصورة الصحيحة.
3) لقد أثبت علماء الطب الحديث فشل الحيوانات المنوية المنتجةفي المختبرات، وأنها لم تثبت فاعليتها حتى الآن، وحتى إن ثبتت فاعليتها فسوف تعتبرجريمة أخلاقية في حق البشرية من عدة وجوه، كما أنها لا تعتبر خلقًا أو إيجادًامثلما زعموا؛ وذلك لاعتمادهم على خلايا جذعية جنينية.
4) إن الأمومة بالإنابة أو تأجير الأرحام ليس علاجًا للعقم،كما أنه يؤدي ـ إن نجح ـ إلى أضرار صحية ونفسية بالغة، وينمي العداء وينشر الجريمةفي المجتمع؛ ولذا حرمه الإسلام.
التفصيل:
أولا. الفرق بين العقم وقلةالإخصاب أو انعدامه:
1) الحقائق العلمية:
لقدأثبت علماء الطب الحديث أن هناك فرقًا واضحًا بين العقم (Sterility) وقلة الخصوبة (Infertility)،وأوضحوا أيضًا أن العقم ليس له علاج، وأن الحالات ـ التي يدعي بسببها بعض الأطباءأنهم عالجوا العقم ـ التي تم شفاؤها داخلة تحت مسمى قلة الإخصاب أو انعدامه.
يقولالدكتور زهير السباعي والدكتور محمد علي البار: “لا يفرق كثير من الباحثين ـفضلا عن عامة الناس ـ بين العقم Sterility وعدم الإخصاب Infertility، ولا بد من التفريق بينهما؛ إذ إن العقم ليس له علاج ناجح حتىالآن، ومثاله الأمراض الخلقية والوراثية الشديدة التي تصيب الجهاز التناسلي، وعلىوجه الخصوص الغدة التناسلية، فغياب الخصية ((Agenesis أو ضمورها الشديد فيحالة متلازمة كلينفلتر (SyndromKlinefelter) أو عدم وجود المبيض أوشذوذ تكونه (AgenesisOrOvarianDysgenesis) أو متلازمة ترنر (Syndrome Turner)، وغيرها من الحالات المماثلة التي بها خلل في الصبغيات (Chromosomal Aberration)، أو خلل شديد في تكوين الجهاز التناسلي لأي سبب من الأسباب ـتؤدي جميعًاإلى العقم.
وقديمكن علاج بعض أنواع من هذه الحالات بزرع الخصية أو زرع المبيض، ولكن هذا العلاجفي حد ذاته متى تم نجاحه يؤدي إلى مشاكل أخلاقية ودينية عويصة يهتم بها الإسلامأشد الاهتمام؛ لأنها تؤدي إلى اختلاط الأنساب؛ حيث إن الصفات الوراثية للجنينستكون من الشخص الذي تبرع بالغدة التناسلية (سواء كانت خصية أو مبيضًا).
أماعدم الإخصاب (Infertility) فهو تعبير يشمل كل الحالات التي يمكن أن تعالج.
ثميتحدثان (الدكتور زهير السباعي والدكتور محمد علي البار) عن أسباب عدم الخصوبة،وهي:
- الأمراض الجنسية: تشكلالأمراض الجنسية الناتجة عن الزنا واللواط وغيرهما من الممارسات الشاذة أهم سببلانعدام الخصوبة، في الرجال والنساء على السواء.
وتسببالأمراض الجنسية المختلفة (السيلان، الكلاميديا، الزهري، الهربس) عدم الخصوبة لدىالرجل والمرأة؛ لأنها تسبب التهاب الغدة التناسلية (الخصية لدى الرجل والمبيض لدىالمرأة).
وأهممن ذلك أنها تسبب انسدادًا أو التهابًا مزمنًا في القنوات التي تحمل البويضة فيالمرأة (قناتي الرحم)، والقنوات التي تحمل الحيوانات المنوية لدى الرجل (البربخ،الحبل المنوي، البروستاتا، القناة القاذفة للمني، الحويصلة المنوية)، وذلك كلهيؤدي إلى عدم الخصوبة.
وقدشهد العالم أجمع زيادة رهيبة في مختلف أنواع الأمراض الجنسية، وظهور أمراض جديدةلم تكن معهودة من قبل، وذلك بسبب التحلل الأخلاقي، وثورة الجنس، وأجهزة الإعلامالتي تدعو إلى الإباحية.
وتشكلالأمراض الجنسية المختلفة، سواء كانت ذات أعراض يشكو منها المريض، أو حتى بدونأعراض؛ حيث لا يشكو المصاب بها بأي ألم، تشكل نسبة كبيرة جدًّا من حالات عدمالخصوبة.
وخلاصةالقول أن الأمراض الجنسية (الناتجة عن الزنا واللواط) هي اليوم ـ وخاصة في الغرب ـأهم سبب لحدوث حالات عدم الإخصاب التي تزداد انتشارًا يومًا بعد يوم.
- الإجهاض:يعتبر الإجهاض من أهم أسباب حدوث عدم الإخصاب، وقد يبدو هذا السبب غريبًا لمن همخارج الحقل الطبي؛ إذ كيف يصبح الحمل ثم الإجهاض سببًا لعدم الإخصاب؟ والحقيقة أنالحمل قد يحدث للمرأة في سن الخصوبة (ابتداء من الحادية عشرة إلى الأربعين) وتكونالمرأة غير مستعدة للحمل فتقوم بالإجهاض.
ونتيجةلانتشار الزنا انتشارًا مفزعًا في أنحاء العالم كافة، فإن هناك موجة عارمة ليستفقط من الأمراض الجنسية، بل من الحمل غير المرغوب فيه، وذلك رغم توفر وسائل منعالحمل، ومنذ أن أباحت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية الإجهاض؛ فقدتم إجهاض أكثر من 15 مليون امرأة حتى عام 1983م، مما حدا بالرئيس (ريجان) للقيامبحملة ضد الإجهاض.
ويتمإجهاض 50 مليون امرأة سنويًّا في العالم، ويؤدي ذلك إلى حدوث آلاف الوفيات، ومئاتالآلاف من حالات عدم الخصوبة.
- اللولب لمنع الحمل (الأداة الرحمية)(IUD): تستعمل ملايينالنساء اللولب لمنع الحمل، ويؤدي في بعض الأحيان إلى التهاب في الرحم والأنابيب،مما يؤدي بدوره إلى عدم الخصوبة.
- التهاب الحوض والمهبل الناتج عنالتهابات أخرى غير جنسية:وذلك مثل التهاب الزائدة الدودية والعمليات الجراحية.
- السل (الدرن):يعتبر سببًا مهمًّا في البلاد النامية لالتهابات الجهاز التناسلي في الرجل والمرأةعلى السواء، ويؤدي ذلك إلى عدم الخصوبة.
- الجماع أثناء الحيض: يؤديذلك إلى التهاب في الجهاز التناسلي للمرأة (وللرجل بصورة أقل)، وذلك بدوره يؤديإلى انخفاض الخصوبة أو انعدامها.
- الدوالي والقيلة المائية(Hydrocele) بالنسبة للرجل.
- تأخير سن الزواج:وخاصة بالنسبة للمرأة.
- عمل المرأة:المشابه لعمل الرجل والرياضة العنيفة.
- التعرض للأشعة:وخاصة بكميات كبيرة على الجهاز التناسلي للرجل والمرأة.
- استخدام بعض العقاقير:والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى انخفاض الخصوبة لدى الرجل والمرأة، وقد أثبتتالأبحاث العديدة التأثير الضار للتدخين (التبغ) على حركة الحيوانات المنوية، كماأثبتت كثير من الأبحاث التأثير الضار للخمور، وتؤدي هذه المواد إلى التأثير علىالحيوانات المنوية بالنسبة للرجل، وإلى التأثير على البويضات بالنسبة للمرأة،ويصحبها زيادة في التأثير على الكروموسومات (الصبغيات)؛ الأمر الذي يؤدي إلى زيادةحالات الإجهاض التلقائي، وما يصحبه من مضاعفات، ويتزامن استخدام المخدرات مع زيادةفي حالات الزنا؛ مما يؤدي بدوره إلى زيادة كبيرة في الأمراض الجنسية.
- قطع الأنابيب بالنسبة للمرأة، وقطع الأسهرين (الحبل المنوي)بالنسبة للرجل: وهو إجراء كثيرًا ما يندم علىفعله من أقدم عليه، ويعود يبحث عن وسائل متعددة لإعادة الخصوبة.
- الحميات:وخاصة الحمى المصاحبة لالتهاب الغدة النكفية؛ حيث تصاب الخصية في حوالي 5%من الحالات ويؤدي ذلك إلى العقم، ويصاب المبيض بصورة أندر، وذلك يؤدي إلى انعدامأيضًا”([1]).
ويؤكدالدكتور محمد دودح ـ الباحث في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي ـ على الفرق بينالعقم وقلة الإخصاب أو انعدامه، فيقول: “والعقم اصطلاحا: حالة لا أمل فيعلاجها كما في حالة الفشل الدائم للخصيتين أو المبيضين, أما إذا عولجت الحالة فلاتسمى حينئذٍ عقمًا أصلًا، وإنما ضعفًا في الخصوبة لأسباب يمكن بوسيلة أو بأخرىعلاجها, فإن شفيت حالة فهي ضعف في الخصوبة, وأما العقم فلا علاج له([2]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الآية الكريمة:
لقد ظن بعض الواهمين أن العلمقد تجاوز القرآن الكريم، وأنه قد تحدى المشيئة الإلهية في قوله تعالى: ) لله ملك السماواتوالأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور (49) أو يزوجهمذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا إنه عليم قدير (50)( (الشورى)، لكن عقلهؤلاء كان عاجزًا عن إدراك الحقائق العلمية التي أثبتها القرآن منذ أكثر من ألفوأربع مئة سنة، ثم أعلن الطب الحديث مؤخرًا توافقه مع هذه الحقائق، فالله عز وجلهو القادر على أن يجعل من يشاء عقيمًا كما قال عز وجل، ومهما تقدم العلم والطبالحديث فلن يستطيع أن يجعل من كتب الله عليه العقم غير عقيم، وقبل أن نعرض لتوافقالقرآن مع الطب الحديث، نود أن نوضح بعض المصطلحات التي تتعلق بهذا الموضوع؛كمصطلح العقم والعقر وقلة الإخصاب أو انعدامه، والإنجاب:
- الفرق اللغوي بين العقم والعقر، وقلة الإخصاب أو انعدامه، والإنجاب:
أولا.العقم: العَقم والعُقم بالفتح والضم: هَزْمة([3])تقع في الرحم فلا تقبل الولد، وعَقِمت الرحم عقمًا، وعُقِمت عُقْمًا وعَقَمًا وعَقْمًا، ، وعقمها الله يعقمها عقما، ورحم عقيم وعقيمة معقومة، والجمع عقائموعُقُم، وعقمت إذا لم تحمل فهي عقيم، والمرأة عقيم ومعقومة، والرجل عقيم ومعقوم،وفي كلام الحاضرة: الرجال عنده بكم والنساء بمثله عقم، ويقال للمرأة: معقومة الرحمكأنها مسدودتها([4]).
ثانيا.العقر: العَقْرُ والعُقْرُ: العُقْم، وهو استعقام الرحم، وهو ألا تحمل،وقد عقرت المرأة عَقَارةً وعِقارةً، وعَقَرت تَعْقِر عَقْرًا وعُقْرًا، وعَقِرَت عَقارًا وهي عاقر… ولقد عقرت بضم القافأشد العقر، وأعقر الله رحمها فهي معقرة، وعَقُر الرجلُ مثل المرأة أيضًا ورجال عُقَّرٌ ونساء عُقَّرٌ ورجل عاقر وعقير لا يولد له([5]).
ثالثا.الإخصاب: خَصِب خِصبا: كثر فيه العشب والكلأ، فهو خصب وخصيب، وهو وهيمخصاب، وأخصب المكان: خصب، ويقال: أخصب القوم: أمرعت بلادهم، وكثر طعامهم وشرابهم، وأخصب جناب فلان: كثر خيره… والإخصاب في علم الأحياء: اندماج الخليةالمذكرة في الخلية المؤنثة، ورجل خصيب؛ أي: رحب الجناب كثير الخير.
وقداستعير هنا الإخصاب في كثرة العشب والثمر والزروع، لكثرة الإخصاب في الأولاد؛ولهذا سمي من لا ينجب (أو علة عدم الإنجاب) بعدم الإخصاب، وهو قليل الذرية عمومًا([6]).
رابعا.الإنجاب: أنجب أي نجب، وأنجب أي أنجب له ولد نجيب، ويقال:أنجب به والداه، ويقال أيضًا أنجبه والداه، واستنجب: طلب النجيب وتخيره، والمنجاب:يقال للرجل والمرأة منجاب أي يلدان النجباء، والنجابة: النباهة وظهور الفضل علىالمثل([7]).
الفرق بين هذه المصطلحات:
أولا.الفرق بين العقم والعقر:
الذي يظهر أنه لا فرق بين العقم والعقر، وأنهما بمعنى واحد، والعلتان تكونان في المرأةوالرجل على السواء، كما مر معنا، رجل عقيم وامرأة عقيم؛ أي إنهما لا يلدان، وامرأةعاقر ورجل عاقر كذلك لا يلدان عادة.
ثانيا.الفرق بين الإنجاب والإخصاب:
الظاهرأن المعنيين متقاربان، وكلاهما يدل على الذرية والنسل، إلا أن الإنجاب يبدو أخص منالإخصاب كما يظهر من خلال معناهما، فالإخصاب ضد الجدب، يقال: بلد خصب، أما الإنجابففيه مزيد مزية، وهو النجابة والحصافة والنباهة والفضل على أقرانه.
ثالثا.الفرق بين العقم وعدم الخصوبة:
سبقذكر الفرق بينهما في اللغة من خلال توضيح معنى كل منهما في بنده، وأما في الطب فإنالعقم ليس له علاج ناجح حتى الآن، ويكون العقم بسبب الأمراض الخلقية والوراثيةالشديدة التي تصيب الجهاز التناسلي وخاصة القدرة التناسلية، فعدم وجود الخصية أوضمورها الشديد، أو عدم وجود المبيض أو شذوذ تكونه إلى غير ذلك من الحالات المماثلةتؤدي جميعها إلى العقم.
وقدتمكن الأطباء في الغرب من القيام بعلاج بعض هذه الأنواع، كزراعة الخصية أو المبيض،لكنها مرفوضة في الإسلام لما تؤدي إليه من اختلاط في الأنساب؛ حيث إن الصفاتالوراثية للجنين ستكون من الشخص الذي تبرع بالغدة التناسلية، هذا بالنسبة للعقم.
أماعدم الإخصاب: فهو تعبير يشمل كل الحالات المرضية التي يمكن أن تعالج؛ مثل عدمالإنجاب بين الزوجين لمدة سنتين متواليتين، وعدم الإنجاب لمدة سنة واحدة بشرط أنيكون الاتصال بين الزوجين مستمرًّا دون انقطاع بسبب سفر الزوج ونحوه من مرض وغيره،ويشترط لتلك الحالات عدم استخدام أي مانع من موانع الحمل، فهذه الحالات هي التييطلق عليها عدم الإخصاب، مع ملاحظة أن كثيرًا من الباحثين لا يفرقون في كتاباتهمبين العقم وعدم الإنجاب، كما هو الحال كذلك عند كثير من الناس([8]).
أقوال المفسرين في الآيةالكريمة:
لقداتفق أكثر المفسرين على شرح معنى العقم والعقر في القرآن الكريم، وأكدوا على أنهمابمعنى عدم الإنجاب، وأن العقيم في قوله تعالى: )ويجعل من يشاء عقيمًا( (الشوري : 50) هو الذيلا يولد له ولد، وهذا مصداق ما توصل إليه الطب الحديث.
فالقرطبي يقول في تفسيره لقوله تعالى: )ويجعل من يشاء عقيمًا( (الشوري:50): “أيلا يولد له، يقال: رجل عقيم، وامرأة عقيم.. ، ومنه الـملك العقيم؛ أي تقطع فيهالأرحام بالقتل والعقوق خوفًا على الملك، وريح عقيم؛ أي لا تلقح سحابًا ولا شجرًا،ويوم القيامة يوم عقيم؛ لأنه لا يوم بعده، ويقال: نساء عُقُم وعُقْم، قال الشاعر:
عقم النساء فما يلدن شبيهه | إن النساء بمثله عقم”([9]) |
ويقول في قوله تعالى: )وامرأتي عاقر( (آل عمران: 40): “أي عقيم لا تلد، يقال: رجل عاقر وامرأة عاقر بيّنةالعقر… وإنما قيل عاقر لأنه يراد به ذات عقر على النسب، ولو كان على الفعل لقال:عقرت فهي عقيرة كأن بها عقرًا؛ أي كبرًا من السن يمنعها من الولد”([10]).
ويقولابن كثير ـ أيضًا ـ في قوله تعالى: )ويجعل من يشاء عقيمًا( (الشوري:50): “أي لا يولد له”([11])،ويقول في قوله تعالى: )وامرأتي عاقر((آل عمران: 40): “أي لم تلد من أول عمرها”([12]).
ويقولابن عاشور في قوله تعالى: )وامرأتي عاقر((آل عمران: 40):”والعاقر المرأة التي لا تلد، عقرت رحمها؛ أي قطعته، ولأنه وصف خاص بالأنثىلم يؤنث كقولهم حائض ونافس ومرضع”([13]).
- جواز علاج قلة الإخصاب أو انعدامه:
وهناتجدر بنا الإشارة إلى أن العلاج ليس اعتراضًا على المشيئة الإلهية كما يرى البعض،ولو استطاع العلم الحديث أن يعالج العقم نفسه ـ بما لا يتعارض مع أخلاقيات الإسلامـ لن يكون ذلك اعتراضًا على المشيئة الإلهية؛ لأن من شفي من برئه قد نال ما كتبهالله له، كما أن من ظل مريضًا قد ابتلي بما كتبه الله عليه، وقد حث الإسلام علىالتداوي؛ ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم لمن سأله: «هل علينا جناح أن نتداوى؟ قال:تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم…»([14]).
3) وجه الإعجاز:
لقدتوصل العلم الحديث إلى أن العقم ليس له علاج ناجح حتى الآن، أما الحالات التي يتمعلاجها فإنما تدخل تحت مسمى قلة الإخصاب أو انعدامه، ولا تعتبر حالة من حالاتالعقم، وهذا يتفق تمامًا مع استخدام القرآن للفظتي العقم والعقر، كما يتفق معالمعنى اللغوي وأقوال المفسرين في الآيات الكريمة.
ثانيا. الإنجاب بواسطة أطفال الأنابيب ليس خلقًامن العدم، وصورته الصحيحة لا تعارض الدين، ونجاحه ليس مؤكدًا، بل يدخل تحت المشيئةالإلهية:
منذأن بدأت تجارب التلقيح الصناعي([15])،وخاصة تجارب التلقيح الصناعي الخارجي، أخذ البعض وخاصة من الذين يلحدون في وجودالله تعالى، يدّعون أن العلم قد حل مكان الله تعالى في عملية الخلق، وأنهميستطيعون أن ينشئوا خلقًا جديدًا؛ فها هم يستطيعون أن يخلقوا بشرًا خارج ظروفهالطبيعية، وأن يقوموا بأكثر من ذلك.
والحقأنه لا يمكن أن يكون ما قام به العلماء من تجارب وأبحاث ناجحة في موضوع التلقيحالصناعي ـ خلقًا آخر لم يخلقه الله تعالى، فهذا أمر منقوض من الوجهة العلميةالبحتة، ومنقوض من الوجهة النقلية (الشرعية) التي تصدر أحكامها انبثاقًا من كلامالله تعالى وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فأمامن الوجهة العلمية: فالخلق هو إنشاء الشيء ابتداء؛أي إيجاده من عدم، وهذه سنة الله تبارك وتعالى في جميع المخلوقات التي في الكون،فإنها جميعًا مخلوقة ابتداء من العدم، ثم سارت فيها سنة التوالد والتناسل بعد أنخلقها الله تعالى، والأمر في عملية التلقيح الصناعي كما هو مشاهد وملموس لدىالجميع ليس إيجادًا من عدم، بل إن المكونات الأساسية مخلوقة وموجودة، فالرجل الذيأخذت منه النطفة مخلوق وموجود هو ونطفته، وكذلك المرأة ومبيضها، وهذان الأمران هماالمكونان الأساسيان في عملية الخلق والبناء؛ أي هما شرط تكون الإنسان وضرورتهإنسانًا، فإذا ثبت أن مكونات الخلق موجودة فليس هنا خلق أو إيجاد من عدم، فتبقىمقولة من قال: إن التلقيح الصناعي الخارجي وتكوين أطفال الأنابيب هو خلق جديد ـعبارة عن كلام فارغ ليس له واقع أو معنى، والجديد في الأمر أن ظروفًا جديدة قدطرأت على عملية سير التلقيح إلى الرحم، ولا يعدو الأمر في هذه الحالة أن يكون علاجًامحضًا، فالعلماء وأدواتهم لم يكونوا أكثر من أدوات بين يدي الله سبحانه وتعالىوأسباب لجريان سننه واكتمالها.
أماالنصوص القطعية: فهي تنفي إمكانية وجود خالق غير اللهسبحانه وتعالى، وهذا ما نقرؤه في القرآن الكريم والسنة المطهرة، من ذلك قول اللهتعالى: ) إنه يبدأ الخلق ثم يعيده((يونس: 4)، وقوله تعالى: )الله يبدأ الخلق ثم يعيده( (يونس:34)، وقوله: ) هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه( (لقمان: 11)، والسؤالهنا إنكار من الله تعالى يدل على أنه لا خالق إلا الله، وأنه لا خلق إلا للهتعالى، وأن جميع ما في الكون من أشياء هي من خلق الله تعالى، وقوله تعالى أيضًاالذي يوضح أن خلق الإنسان نفسه هو من الله تعالى: )خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين(4) ( (النحل)، فكيف يدعى الإنسانالذي خلقه الله أن باستطاعته خلق إنسان مثله تمامًا؟!
وخيردليل على أن طفل الأنبوب من خلق الله تعالى هو مكونات الإنسان نفسه، فمن المعروفأن الله تعالى قد خلق آدم من طين؛ إذ قال تعالى: )إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرًا منطين (71) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (72)((ص)، وهذا ما يؤيده الواقع ويقره العلم، فلو أنك أخذت قبضةمن تراب الأرض، وقطعة من جسم الإنسان، وأجريت على كل منهما عمليات التحليلالكيميائي لوجدت العناصر التي يتركب منها الجسم مأخوذة من العناصر التي يتركب منهاالتراب، مع اختلاف مقدار كل عنصر تبعًا لأهمية الوظيفة التي يؤديها في الجسم،وبالقياس والتجربة فإن تركيب جسم طفل الأنبوب هو تركيب جسم الإنسان العادي نفسه،يدل على ذلك مطابقة تركيب طفل الأنبوب لأي طفل جاء إلى الدنيا بالطريقة الطبيعية؛وهذا يؤكد أن خالق الاثنين ـ من جاء عن الطريق الطبيعي أو عن طريق الأنبوب ـ هوخالق واحد سبحانه وتعالى، الذي ثبت بالدليل القطعي ـ العقلي والنقلي ـ أنه الذيخلق الطفل العادي وسائر المخلوقات )لا تبديل لخلق الله( (الروم: ٣٠)، إذًا فجميع الدلائل العقلية والنقلية تنفي أن يكونهناك خالق غير الله تعالى، وإن بدا للبعض أن العملية خلق جديد، وما هي بالخلقالجديد، بل هي استمرار لخلق الله سبحانه وتعالى، والمسألة أهون من أن يقام عليها برهان، ويطلب لها دليل([16]).
- التلقيح الصناعي من الوجهة الشرعية:
لقد اتفق الفقهاء من خلالفتواهم ومجامعهم الفقهية على أن هناك مجموعة من الطرق التي يحرم استخدامها فيالتلقيح الصناعي بنوعيه: الداخلي والخارجي، وهي:
- أن يجري التلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبويضة مأخوذة منامرأة ليست بزوجته، ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته.
- أن يجري التلقيح بين نطفة رجل غير الزوج وبويضة الزوجة، ثمتزرع تلك اللقيحة في رحم الزوجة، وهذه الصورة أشبه بالاستبضاع.
- أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة فيرحم امرأة متبرعة أو بأجر لحملها هذا الجنين.
- أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي رجل أجنبي وبويضة امرأةأجنبية، وتزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
- أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة فيرحم الزوجة الأخرى لمن عنده أكثر من زوجة([17]).
ويذكرأهل الاختصاص أنه يوجد الآن ست عشرة طريقة للإنجاب بواسطة التلقيح الصناعي بنوعيهالداخلي والخارجي، وكلها تعتبر مرفوضة من الناحية الشرعية، ما عدا الصورة التيأثبتناها، وهي أن يكون الماء من الزوج والبويضة من الزوجة، وفي رحم الزوجة نفسها،وحال قيام الزوجية، وبالشروط الآتية ـ التي وضعتها لجنة العلوم الطبية الفقهيةالإسلامية بالأردن في يوم الخميس 24/ 4/ 1413هـ الموافق 22/ 10/ 1992م ـ وهي:
- أن يتم التحقق من قيام الزوجية بين من أخذ منه السائلالمنوي والمرأة المراد تلقيحها.
- ألا يتم إجراء عملية التلقيح إلا بعد أن يغلب على ظن الطبيبأن عملية التلقيح ستعطي نتائج إيجابية، وله حينئذٍ أن يكرر عملية إجراء التلقيحأكثر من مرة.
- أن يكون الأطباء المساعدون له في إجراء العملية من الثقات،وأن يكون العاملون في المختبر المختص من الثقات أيضًا.
- أن يتم إهدار جميع ما بقي من الحيوانات المنوية بعدالتلقيح، وهذا يعني أنه لا يجوز إنشاء بنوك للمنيّ، كما هو الشأن في الدولالغربية، ولا يجوز الاحتفاظ بمنيّ الزوج بعد وفاته كذلك.
- الأولى أن تتم عملية التلقيح الداخلي فورًا وأمام الزوج([18])،ويجوز اللجوء إلى الأسلوب الثاني([19])عند قناعة الطبيب.
- أن يتم التلقيح بالأسلوب الثاني، وأن تتبع أساليب وإجراءاتخاصة تجعل احتمالات الخطأ في الأنابيب التي تحتوي السائل المنوي معدومة، وحينئذٍلا مانع من أن يجري التلقيح في عيادة الطبيب، شريطة أن يتم نقل الأنبوب الذي يحتويالسائل المنوي الخاص به من المختبر بواسطة الزوج نفسه أو من يثق به الزوج، وقد وقعالعلماء الحاضرون على ذلك([20]).
- دور المشيئة الإلهية في نجاح عمليات أطفال الأنابيب:
لا يمكن لأحد أن يدعي أن الإنسان قد استطاع بفضلالعلم أن يخلق إنسانًا آخر، وهذا ما قمنا بشرحه سابقًا، كما لا يمكن أن يدعي أحدأن العلم قد تحدى المشيئة الإلهية في علاج من جعله الله عقيمًا؛ وذلك لأن التقدمالعلمي لن يغير مقادير الله، وإذا ما تم علاج مثل هذه الحالات فإن ذلك بمشيئة اللهوفضله ومنته لا بفضل العلم الذي لم تتعد نسبة نجاحه ـ في عمليات أطفال الأنابيب ـنصف عدد الحالات المريضة بقلة الإخصاب، وهذا ما يوضحه الدكتور مازن الزبدةـ استشاري أمراض العقم والمساعدة على الإنجاب ـ حين يتحدث عن نجاح وتقدمعمليات طفل الأنابيب، فيقول: “بعدما كانت نسب النجاح لهذا النوع من العملياتلا تتجاوز 30% قبل سنوات، أصبحت اليوم تصل إلى 50%، وإن استمرار الأبحاث يعطيالأمل في تقدم أكبر في هذا النوع من العمليات التي أجريت لأول مرة في بريطانيا عام1978م”([21]).
وإننالنطمع أن يستمر التقدم لكن ذلك لن يردّ قضاء كتبه الله تعالى على أحد من البشر،وإذا كان هناك من يدعي أنه قادر على أن يخلق بشرًا فليمد في عمر نفسه يومًا أويومين إن استطاع، إن مخلوقًا لا يملك لنفسه موتًا ولا حياة ولا نشورًا لأضعف من أنيدعي قدرة على خلق غيره؛ بل إن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق الذي لا شريكله في ذلك.
- ثالثا.إنتاج الحيوانات المنوية من خلايا جذعية جنينية لا يعد خلقا، كما أنه يخالف الأخلاق والدين:
لقدادعى بعض المغرضين أن العلم قد حل مكان الله، وأنه قادر على خلق حيوانات منوية،مماثلة للحيوانات المنوية البشرية، وبهذا يبطل قوله تعالى: )أفرأيتم ما تمنون (58) أأنتم تخلقونه أمنحن الخالقون (59)( (الواقعة)، وبهذهالحيوانات المنوية يستطيعون معالجة من جعله الله عقيمًا، وأن يتحدوا المشيئةالإلهية، ويستند هؤلاء في زعمهم إلى ما قرره العلماء البريطانيون بجامعة نيوكاسلمن نجاحهم في إنتاج حيوانات منوية من خلال خلايا جذعية جنينية([22])لعلاج العقم لدى الرجال، وأكد هؤلاء على أن الأمر قد يستغرق خمس سنوات حتى تكتملهذه التقنية التي بدءوها بخلايا جذعية جنينية؛ حيث تم أخذ الخلايا من جنين عمرهأيام، ثم تم حفظها في صهاريج بها نيتروجين سائل، ثم وضعت في درجة حرارة الجسم وفيخليط من مواد كيماوية مختلفة لتشجيعها على النمو([23]).
آراء العلماء:
أـ العلماء التجريبيون:
شككالدكتور “آلان باسي” ـ أستاذ البيولوجيا بجامعة شيفلد ـ في نتائج البحث، ونقلت عنهمحطة (بي بي سي) البريطانية عدم اقتناعه بأن الحيوانات المنوية التي أفرزتهاالتجربة كاملة، وأشار إلى أن هناك حاجة لإخضاع هذه النتائج لاختبارات إضافيةلتحديد مدى نجاح التجربة.
ووافق”باسي” ـ الذي تخصص في دراسة الحيوانات المنوية لمدة عشرين عامًا ـ الدكتور “عظيمسوراني”، أستاذ علم وظائف الأعضاء والتكاثر بجامعة كمبرديج البريطانية.
وقال”سوراني”: إنها خلايا شبيهة بخلايا النطف، وهي جد بعيدة عن أنتكون خلايا نطف حقيقية، واستخدم “سوراني” في معرض رفضه لفظة(Authentic) باللغة الإنجليزية وهيكلمة تجمع عدة معانٍ؛ مثل: حقيقية، وأصيلة، وموثوق بها، وفق ما نقلت عنه صحيفةالجارديان البريطانية، عندما عرضت الأمر على عدد من المهتمين والمتخصصين وذكرت آراءهم تحتعنوان: هل يمكن حقًا خلق النطف في المعمل؟
ورفضالدكتور “بيتر براود” ـ أستاذ ورئيس صحة المرأة بجامعة الملك في لندنـ مثل تلك التجارب وما أفرزته، ونحى في تبرير رفضه منحى قانونيًّا، وأسس رأيهعلى وجهة نظر علمية، ثم تساءل ـ بعد أن تخطى فرضية نجاح البحث فعلًا ـ عن أيةتجارب يمكن أن تؤكد لنا مأمونية هذه النطف؟ مستشهدًا بما آلت إليه تجارب الاستنساخوموت النعجة الشهيرة دولي، وأكد أنه ما من سبب يدعونا إلى افتراض أن النطف المخلقةمعمليًّا سوف تكون أكثر مأمونية منها.
بـ آراء علماء الأخلاق:
أما عن علماء الأخلاق فإن “جوزفينكوينتافيل” ـ وهي من المعنيين بالبعد الأخلاقي في البحوث العلمية ـ شنتهجومًا حادًّا على التجربة، وقالت: إن هذا البحث دليل على الجنون اللأخلاقي؛ حيثيتم تدمير أجنة بشرية لتخليق حيوانات منوية، إنهم يقضون على حياة من أجل احتمال تخليقحياة أخرى، إنني أؤيد علاج العقم، ولكني أعتقد أنه لا يمكنك عمل كل ما تريد القيامبه.
كمانزع البعض إلى أن التجربة في حالة تمام نجاحها، وقيام الحيوانات المنوية “المخلق”بوظيفتها كاملة فيما يتعلق بالإخصاب وإنتاج جنين عند اتحادها ببويضة في رحم أنثىأو في وسط معملي، فإن ذلك يعني انتهاء عهد الرجل، وأن ذلك يفتح الباب أمامالأنماط الجديدة من الأسر التي يمكن أن تقوم على زواج الشواذ جنسيًّا.
جـ رأي علماء الدين الإسلامي:
هناكفرق واضح بين كلمتي “تخليق وخلق”؛ فالتخليق أو التكوين هو الاستعانة بماهو موجود بالفعل لابتكار شيء جديد، أما الخلق فإنما يكون من العدم، وما قام بههؤلاء العلماء لا يعد خلقًا من العدم، وإنما هو تخليق من خلايا حية؛ فقد اعترفهؤلاء العلماء أنهم استخدموا الخلايا الجذعية الجنينية في تخليق حيوانات منوية،وبالتالي فهم لم يستطيعوا ولن يستطيعوا أن يخلقوا شيئًا من العدم؛ ولذلك يقول اللهسبحانه وتعالى: )أفرأيتم ما تمنون (58) أأنتم تخلقونه أمنحن الخالقون (59)( (الواقعة).
وقدتناول علماء الدين هذه المسألة ورفضوها رفضًا باتًّا، رغم أن هذه الحيواناتالمنوية المنتجة لم يكتمل نموها، ولم تثبت فعاليتها حتى الآن.
فالدكتورمحمد رأفت عثمان ـ عضو مجمع البحوث الإسلامية ـ يرفض استخدام هذه الحيواناتالمنوية المنتجة في المختبرات، ويقول: إن الوسيلة الشرعية الوحيدة المعترف بها فيالإنجاب هي أن يكون الحيوان المنوي من الزوج والبويضة من الزوجة، وأية وسيلة غيرتلك يرفضها الإسلام شكلًا وموضوعًا؛ لاحتمال التداخل في الأنساب واختلاطها، كماأنه لا يجوز استخدام الخلايا الجذعية من الجنين المسقط تعمدًا من دون سبب طبييجيزه الشرع لتخليق حيوان منوي منه، كما يفعل هؤلاء العلماء.
وأكدالدكتور عثمان أن الإسلام لا يرفض استخدام العلم، ولكنه يرفض العبث به، وحث علىاستخدام هذه الخلايا في ضوء الضوابط الدينية في مصلحة البشر؛ مثل علاج بعض الأمراضوالتشوهات الخلقية بعد استئذان أصحاب الخلايا أو أوليائهم إذا كانوا أطفالًا؛ لأنهلا يجوز الحصول على الخلايا الجذعية واستخدامها في أي نشاط علمي عليه محاذير شرعيةمثل الاستنساخ إلا إذا كان علاجيًّا.
ويقولالدكتور محمد زيدان ـ الباحث الشرعي بمؤسسة إسلام أون لاين ـ : إن هذا العبثالعلمي لن يقود إلى شيء؛ لأن الله الخالق استأثر لنفسه بالخلق ابتداء، فقال: )ألا له الخلق والأمر ( (الأعراف: ٥٤)، وحيثإنه من المعروفكم هو محوري الدور الذي تلعبه النطف ـ الحيوانات المنوية ـ في مسألة الإنجابوالخلق في الأرحام كما عبر عنها القرآن، فإننا نرى أن مثل تلك التجارب لن تفضي إلى شيءذي بال.
واستطردالدكتور محمد زيدان موضحًا أن آي القرآن الحكيم حملت التعجيز والإعجاز في خلقالنطف بأسلوب قصر وحصر على الخالق البارئ، عندما قال الله تعالى متحديًا: )أفرأيتم ما تمنون (58) أأنتم تخلقونه أم نحنالخالقون (59)( (الواقعة)، والآية واضحة الدلالة في تعجيزالبشر بإنتاجأو تخليق منيّ يحمل نطفًا تنشأ عنها بإذنه عز وجل حيوات جديدة.
واختتمالدكتور زيدان كلامه بأن هؤلاء الذين ما فتأت محاولاتهم في سبر سر الخلق أوالاقتراب منه كمن يحرث في البحر، ولن تقود إلى شيء([24]).
وبذلك فقد اتحدت آراء العلماء التجريبيين وعلماء الأخلاق وأهل الدين الإسلامي على أن تلك التجربة غير صالحة؛ فمن الناحية العلمية رأوا أنها حيوانات منوية غير كاملة،وتحتاج إلى مزيد من البحث لاكتشاف صلاحيتها وفعاليتها، ومن الناحية الأخلاقية رأواأنها جريمة أخلاقية، ومن الناحية الدينية رأوا أنها ليست خلقًا من العدم كمايدعون، كما أنها تؤدي إلى مفاسد عديدة للبشرية؛ مما يعني أنها تتعارض مع الدينالإسلامي الذي يقضي بحرمتها.
رابعا. استئجار الأرحام لا يعدخلقًا للأجنة من العدم، وهو مرفوض عند علماء الطب والدين:
استئجارالأرحام له خمس صور تتفق جميعًا في كون الحمل داخل رحم امرأة متبرعة بالحمل، وتلكهي صوره:
الصورةالأولى: تكون البويضة من متبرعة، والحيوان المنوي منالزوج، ويتم الحمل والولادة من قبل امرأة متبرعة، وسببها كون الزوجة عاقرًا؛ أي:غير قادرة على إنتاج البويضات أو الحمل في رحمها.
الصورةالثانية: تنقل البويضة من متبرعة والحيوان المنوي منمتبرع، ويتم الحمل في رحم امرأة ثالثة أجنبية، وسببها كون الزوجة عقيمًا نهائيًّالا أمل لها في الإنجاب وكذلك الزوج.
الصورةالثالثة: وفي هذه الصورة ستقدم متبرعة بويضتها، وسيقدممتبرع حيوانه المنوي وستتبرع ثالثة بالحمل والولادة، وهذه حالة تكثر عند اللجوءإلى مصرف المنيّ([25]).
الصورةالرابعة: وتتم هذه العملية بأن يقدم الزوجان اللقيحةلامرأة أخرى أجنبية تحمل وتلد، وسببها معالجة عقم الزوجة بسبب وجود مرض في الرحميحول دون استمرار الحمل، أو أن الزوجة قد أزيل رحمها لسبب ما.
الصورةالخامسة: وفيها تقدم الزوجة الأولى بويضتها والزوجةالثانية رحمها للحمل والولادة ويقدم الزوج (أي زوج كلتا الزوجتين) منيّه، وسببهاكون الزوجة الأولى قادرة على الإباضة وغير قادرة على الحمل والولادة، وأما الزوجوالضرة فسليمان وقادران على إتمام العملية بنجاح([26]).
وقبل أن نتحدث عن رأي علماء الطب والشرع في هذه الصور السابقة للرحم المؤجر نود أن نؤكدعلى أن استئجار الأرحام لا يعد خلقًا؛ إذ الخلق هو الإيجاد من العدم، بينما الذييحدث في استئجار الأرحام ـ كما سبق أن شرحنا في الصور السابقة ـ هو استخدام بويضةموجودة بالفعل وتلقيحها بحيوان منوي موجود بالفعل وزرعها في رحم موجود بالفعل فيجسم المرأة، وليس في ذلك خلق من العدم كما ادعى بعض المغالطين حينما قالوا: إنالعلم يستطيع خلق أجنة عن طريق الأمومة بالإنابة أو استئجار الأرحام.
أماعن رأي علماء الدين في الصور الخمس السابقة لاستئجار الأرحام؛ فقد اتفقوا علىتحريمها جميعًا، وأما من خالف في ذلك لا يعتد برأيه؛ لضعفه ومخالفته لأدلة الجمهورالساطعة.
ورغم الجدل الذي ثار حول الصورة الخامسة من صور استئجار الأرحام، وهي إذا ما كان للزوجزوجتان واستعانت إحداهما برحم الأخرى لحمل بويضتها مع مني زوجها، نقول: رغم الجدلالذي ثار حول هذه الصورة إلا أنه انتهى بالتحريم اعتمادًا على أدلة واضحة.
وإليكم فتوى الشيخ عطية صقر ـ رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، بتاريخ مايو 1997م ـ عندما سئلعن حكم تأجير الرحم؛ فقال:
هذهالصورة حكمها التحريم؛ لأن فيها صورة الزنا، والزنا محرم بالكتاب والسنة والإجماع؛وذلك لأمور من أهمها أمران:
أ- المحافظة على الأنساب إذا كان الرجل والمرأة قابلينللإنجاب، بصلاحية مائه وصلاحية بويضتها، فلا يدرى لمن ينسب المولود ويكون مصيرهالضياع، وقد صح في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلمقال: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»([27]).
ب- صيانة الأعراض عن الانتهاك وحماية الحقوق لكل من الرجلوالمرأة، وفي الزنا وقعت المتعة الجنسية بغير الطريق الشرعي الذي يدل عليه قولالله تعالى في صفات المؤمنين المفلحين: )والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا علىأزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك همالعادون (7) ((المؤمنون).
وتظهرالحكمة الثانية في تحريم الزنا إذا كان أحد الطرفين غير صالح للإنجاب كما فيالصورة المذكورة في السؤال؛ حيث توقف جسم المرأة عن التبويض، فإذا كان مجرد دخولماء الرجل الغريب عن المرأة في رحمها حراما فكيف بدخول ماء وبويضة “بويضةملقحة بمائه”؛ أي دخول جنين أو أصل جنين غريب عنها؟! إن الحرمة تكون من بابأولى([28]).
كمايرفض الشيخ عطية صقر الصورة الخامسة من صور استئجار الرحم، وهي ما إذا كان الرجلمتزوجًا من زوجتين، الأولى لا ينتج جسمها بويضات لسبب أو لآخر، أو لا يمكن أن تحملباستعمال بويضاتها هي، فهل يمكن أن تؤخذ بويضة من الزوجة الثانية تلقح بحيوان منويمن زوج المرأتين، ثم يوضع الجنين في رحم الزوجة الأولى لتحمل وتلد، هل يجوز ذلك؟وإذا كان لا يجوز، فلماذا على الرغم من أن الأب واحد والعملية كلها تتم داخل إطارعلاقة زوجية مشتركة؟ والجواب: إذا أخذت بويضة الزوجة الثانية الملقحة بمنيّ زوجهاووضعت بدون إذنها وموافقتها في رحم ضرتها الأولى كان ذلك حرامًا؛ لأنه اعتداء علىحق الغير بدون إذنه، والكل يعلم ما بين الضرائر من حساسية شديدة، وأثر ذلك علىالأسرة.
وإنكان بإذنها وموافقتها يثار هذا السؤال: لماذا يلجأ الزوج إلى هذه العملية؟ إن كانلمصلحة تعود عليه هو مثل كثرة الإنجاب الحاصل من زوجتين لا من زوجة واحدة، فقديكون ذلك مقبولًا إن دعت إليه حاجة أو ضرورة، مع التأكد من القيام بواجب الرعايةالصحيحة، ومع ذلك لا أوافق عليه لما سيأتي بعد من العلاقة بين الإخوة الأشقاءوالإخوة غير الأشقاء.
وإنكان لمصلحة تعود على الزوجين، فإن المصلحة العائدة على الزوجة الثانية الصالحةللإنجاب ليست ذات قيمة، بل قد يكون في ذلك ضرر على أولادها عند تقصير الأب عنالوفاء بحق هذه الكثرة من الأولاد، أو بضآلة نصيب أولادها من ميراث أبيهم؛ حيثيوزع على عدد كبير من أولاده.
وإذاكانت المصلحة عائدة على الزوجة الأولى التي لا تنجب فإنها تتمثل في أمرين مهمين؛أولهما إرضاء عاطفة الأمومة وعدم الشعور بنقصها بالنسبة لضرتها، لكنها لا تتحققإلا إذا كان أولادها ينسبون إليها، وقد تقرر ـ كما سبق ذكره ـ أنها مجرد أم حاضنة،وما ينتج منها فهو لزوجها ولضرتها صاحبة البويضة، فإذا عرفت أن من يولد منها فهولضرتها فلماذا تتعب نفسها بالحمل والوضع دون فائدة لها؟! إذًا ليست هناك مصلحة لهاقيمتها من هذه العملية لكلتا الزوجتين، ولا يجوز للزوج أبدًا أن يجعل ما تلدهالزوجة الأولى الحاضنة أولادًا لها، لمعارضته ما سبق ذكره ولأنهم سيكونون بذلكبالنسبة لأولاد الزوجة الثانية صاحبة البويضة إخوة غير أشقاء؛ أي إخوة من أب فقط،وهذا له أثره في الميراث إذا توفي أحد الإخوة؛ فالأخ الشقيق يحجب الأخ لأب،والحاضنة إذا ماتت لا يحق لها شرعًا أن ترث ممن ولدتهم ولا أن يرثوا منها،فالأمومة النسبية مقطوعة، وذلك إلى جانب ما يكون بين الأولاد من كلتا الزوجتين منحساسيات معروفة لها آثار غير طيبة.
وهنايمكن أن نقول: إن المفاسد المترتبة على هذه العملية أكبر من المصلحة العائدة علىالزوج والزوجتين، والقاعدة الشرعية تقول: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ ولهذاأرجح عدم جواز هذه العملية، وإذا كان للزوج رغبة في كثرة الإنجاب فأمامه الوسائلالمشروعة الأخرى، مع مراعاة واجب العدل في معاملة الزوجات والأولاد.
وعلىهذا، فإنه لا يجوز أن تكون إحدى الزوجتين أمًّا حاضنة لبويضة ملقحة هي للزوجةالأخرى؛ فالأم الحاضنة لا يجوز لها أن تدخل رحمها ماء غير ماء زوجها، وفي الصورةالمذكورة وإن كان الماء ماء زوجها فإن البويضة ليست لها، وعلى فرض التجاوز في ذلكإذا كانت حضانتها للبويضة بإذن صاحبتها فإن الآثار المترتبة عليها والتي سبقبيانها في إجابة السؤال السابق تجعلني أرجح عدم الجواز([29]).
وقدفصل الدكتور رأفت عثمان سعيد القول في موضوع استئجار الأرحام، وعرض بالتفصيل أسبابتحريم هذا الاستئجار، فليرجع إليه من شاء الاستزادة، ولكن سنكتفي هنا بعرض عناوينهذه الأسباب منعا للإطالة، وهذه الأسباب منها ما يحرم الصور الأربعة الأولى فقط،ومنها ما يحرم الصور الخمسة كلها، وهي:
- عدم وجود زوجية بين صاحب الحيوان المنوي وصاحبة الرحمالبديلة.
- وجود ارتباط شرعي بين حق الإنجاب من رحم معينة وجوازالاستمتاع الجنسي بصاحبة هذا الرحم.
- عدم قابلية الرحم للبذل والإباحة.
- الشرع حرم كل ما يؤدي إلى حدوث النزاع والخلاف بين الناس.
- احتمال حمل الأم البديلة من زوجها.
- احتمال التدليس من المرأة المستأجرة.
- اختلاط الأنساب أمر وارد([30]).
وإذاكان هذا هو رأي علماء الدين، فما هو رأي الأطباء في مسألة استئجار الأرحام؟
لقدعبر الدكتور محمد فياض ـ رئيس الجمعية المصرية للخصوبة والعقم ورئيس الجمعيةالأفريقية لصحة الأم والطفل ـ عن وجهة نظره هو وزملائه من الأطباء، وقرر أنهم ضدهذه الفكرة في نقابة الأطباء، وبأن نقيب الأطباء وزملاءه وضعوا ضوابط قانونيةوأخلاقية لمنع إجراء هذه العملية في عشرات المراكز بمصر([31]).
ويشيرالدكتور عبد الهادي مصباح ـ أستاذ المناعة والتحاليل الطبية ـ إلى خطورة الرحمالمؤجرة، فيقول: “إن رحم المرأة غير مسئول عن الصفات الوراثية نظريًّا، ولكنهناك أشياء لا نستطيع أن نفهمها في فترة وجود الجنين في الرحم أثناء فترة الحمل،وأن الجينات المأخوذة من الحيوان المنوي من الأب والبويضة من الأم، يحدث بينهماامتزاج لاختيار الصفات التي سوف يكون عليها المولود، وعلى الرغم من أن ذلك يحدث فيالأيام الأولى من الإخصاب، فإن هناك بعض الجينات التي تحمل صفات معينة تكون كامنةوتحتاج إلى ظروف بيئية معينة لكي تظهرها، وهذا ما نخشاه من وجود الجنين في رحم أمغير أمه، وقد يحدث تغيير وتنشيط لهذه الصفات في بعض الجينات الوراثية الموجودةبالفعل في هذا الجنين، والتي لا نرغب في ظهورها في الأحوال العادية، وهذا يدل علىإمكانية تأثر الجنين بالصفات الوراثية لصاحبة الرحم المؤجرة”([32]).
ولكلما سبق ذكره رفض الأطباء تأجير الأرحام رفضا قاطعًا؛ فالدكتورة نادية الجندي ـوكيل أول وزارة الصحة ـ رفضت الفكرة تمامًا وأكدت أن أحدًا لا يجرؤ على عرض هذهالفكرة أمام البرلمان المصري، خاصة بعد الرفض الكامل لها وتحريم مجمع البحوثالإسلامية للفكرة، كما أن مجتمعنا شرقي يحافظ على الأنساب والعرق.
وأضافتأنه إذا كانت هذه الفكرة تطبق في أمريكا وأوربا فلا يجوز تطبيقها هنا؛ لأن هذايعني اختلاط الأنساب، كما أن صفات الطفل تأتي من المرأة الحامل به لأنها تؤثر فيهأيضًا، والفكرة من الناحية الاجتماعية والإنسانية أيضًا مرفوضة تمامًا.
وحاليًافي أوربا وأمريكا تشهد هذه القضايا نزاعات على أمومة الجنين، ولم تستطع المحاكمالتوصل إلى قرار بشأنها بسبب الحيرة في تحديد أم الطفل، فلماذا نلقي بأيدينا إلىالتهلكة؟ فيما نفى أطباء أمراض النساء والولادة في مصر وجود مثل هذه الحالات؛ حيثأكدت الدكتورة أميمة إدريس ـ رئيس قسم النساء والولادة بمستشفى قصر العيني ـ أنوضع سائل منوي في رحم امرأة أجنبية يعد زنا في الشريعة الإسلامية، ولا يجوز حتىمجرد التفكير في هذه الفكرة وليس فقط تطبيقها.
وقالالدكتور جلال البطوطي ـ أستاذ أمراض النساء والولادة ـ أنه يمكن التوصل إلى حللهذه المشكلة بالعلم دون مخالفة الشريعة الإسلامية واستغلال العلم في أشياء محرمة،مثل تكثيف الجهود للتوصل إلى طريقة لزرع الرحم حلًّا لهذه المشكلة؛ حيث إن الدينلا يرفض زرع الرحم، أو نقله من امرأة لأخرى، كما أنه ليس ممنوعًا علميًّا، فلماذانلجأ إلى الأشياء المحرمة؟!
واتفق علماء النفس على أن لهذه الفكرة الكثير من المشكلات النفسية والآثار السلبية؛ حيثأكد الدكتور فكري عبد العزيز ـ أستاذ علم النفس ـ أن الإحساس الوجداني الإنسانيالمتعارف عليه من خلال الإرسال والاستقبال للإحساسات، التي تعتبر أساس العلاقاتالإنسانية والأسرية، يلزم لها الشعور بالأمان النفسي والصحي والاجتماعي، ويكون هذامن خلال الوجود الطبيعي للإنسان في أن تكون بداية تكوينه في رحم أمه، ثم إحساسالأم بآلام الوضع ومتابعة الأسرة للابن في مرحلة الرضاعة ثم الطفولة المبكرة ثمالطفولة المتأخرة ثم النضوج والمراهقة؛ لكي يكتمل الارتباط بين الزوجين.
فيماأكد علماء الاجتماع على أن هذه الفكرة تُعد تحايلًا غير مشروع على الأمومةوالأبوة؛ حيث تقول الدكتورة عزة كريم ـ أستاذة علم الاجتماع: إن الأمومة لها شروطلتكوين الجنين منذ اللحظة الأولى، وليس فقط لمجرد العلاقة الزوجية التي لا تعبر عنالأمومة والأبوة.
وتشيرعزة كريم إلى أن الطفل سيولد في ظروف صراع بين المرأتين؛ مما يؤدي إلى إحساسهبالتمزق والضياع وعدم القدرة على تحديد أيهما أمه ويشعر بعدم الانتماء إليهما،ويرفض المجتمع الذي وضعه في هذا الموقف([33]).
ولعل القارئ الكريم عندما يقرأ آراء هؤلاء العلماء في مختلف المجالات الطبية والدينيةوالأخلاقية والنفسية والاجتماعية ـ والتي ترفض تأجير الأرحام ـ يدرك خطورة هذاالأمر وبشاعته، ويدرك أن العلم إن لم يقم على أسس من الأخلاق والدين يؤدي إلى تدميروإفساد المجتمع، كما يدرك القارئ في ختام هذه الشبهة أن العلم لا يستطيع أن يتحدىالمشيئة الإلهية، وأن العلم مهما تطور لن يخلق شيئًا من العدم، وإنما يعتمد على ماخلقه الله: )الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسانمن طين (7)( (السجدة).
(*) ماذا ترك العلم لإله السماء، كاملالنجار، مقال منشور بموقع: مؤسسة الحوار المتمدِّن www.ahewar.org. صحيفة الحوار المتمدن، العدد (2816).
[1]. الطبيب أدبه وفقهه، د. زهير السباعي ود. محمد علي البار، دار القلم، دمشق، ط1، 1413هـ/ 1993م، ص330: 336.
[2]. لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، د.محمد دودح، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[3]. الهزمة: كل نُقْرة في الجسد هزمة.
[4]. لسان العرب، مادة: عقم.
[5]. لسان العرب، مادة: عقر.
[6]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخالبشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، دار الإيمان،الإسكندرية، 1426هـ/ 2005م، ج1، ص701.
[7]. المعجم الوسيط، مادة: نجب.
[8]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخالبشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق،ج1، ص702، 703 بتصرف.
[9]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجعسابق، ج16، ص48.
[10]. المرجع السابق، ج4، ص79، 80.
[11]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دارالمعرفة، بيروت، ط1، 1400هـ/ 1980م، ج4، ص121.
[12]. المرجع السابق، ج3، ص112.
[13]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور،دار سحنون، تونس، مج3، ج3، ص242.
[14]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب:الطب، باب: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، (2/ 1137)، رقم (3436). وصححهالألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (3436).
[15]. التلقيح الصناعي نوعان: داخلي وخارجي:فالداخلي هو ما يختص بدمج الحيوان المنوي بالبويضة في الثلث الأعلى لقناة فالوب،وفي هذا النوع من التلقيح لا نحتاج إلى إخراج البويضة؛ لأنها تحقن داخل الرحم.
والخارجي:هو دمج الحيوان المنوي بالبويضة كذلك، لكن خارج الجسد في أنبوب اختبار، وبعد قبولالبويضة التلقيح ونموها لمدة تتراوح مابين 48: 72 ساعة داخل الأنبوب تعاد إلى قناةفالوب وتغرس في الرحم لتنمو نموًّا طبيعيًّا، وهذا هو التلقيح الخارجي (الموسوعةالفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيدمنصور موفعة، مرجع سابق، ج1، ص698).
[16]. أطفال الأنابيب بين العلم والشريعة،زياد أحمد سلامة، دار البيارق، بيروت، ط1، 1417هـ/ 1996م، ص13: 15 بتصرف.
[17]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخالبشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق،ج1، ص761.
[18]. أي: بالأسلوب الأول: ويتم فيه التلقيحأمام الزوجين بدون معالجة السائل المنوي في المختبر؛ حيث يؤخذ المني من الرجلوتحقن به زوجته مباشرة، وتتم أمام الزوج.
[19]. الأسلوب الثاني: ويتم بأخذ السائلالمنوي من الرجل ويوضع في أنبوبة وفي ظروف طبية خاصة، ويكتب عليه اسم الزوجرباعيًّا، ويرسل معه أو من يثق به إلى المختبر؛ حيث يتم إزالة الشوائب والحيواناتالمنوية الضعيفة، وهذه تستغرق مدة من الزمن حيث لا يمكن أن تتم العملية أمامالزوج، ثم يعود الزوج بها من المختبر، ويتم حقن الزوجة بها في عيادة الطبيب وأمامالزوج.
[20]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخالبشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق،ج1، ص752، 761 بتصرف.
[21]. تقدُّم طبي بتقنية أطفال الأنابيب،محمد النجار، مقال منشور بموقع: الجزيرة نت www.aljazeera.net.
[22]. الخلايا الجذعية الجنينية: هي الخلايا الأساسية التي تتألف منها الأجنة قبل أنتتخصص وظيفيًّا وبنيويًّا حسب أعضاء الجسمالمختلفة، فالخلايا الجذعية (StemCells) هي خلايا غير مكتملةالانقسام، قادرة تحتظروف مناسبة على تكوين خلية بالغة من أي عضو من أعضاء الجسم، وبالتالي يمكن اعتبارها نظام إصلاح وتجديد للجسم، وهي نوعان:خلايا جذعية جنينية تستخرج من الأجنةنفسها، وخلايا جذعية بالغة تستخرج من مختلف خلايا الجسم، مثل النخاع العظمي والرئة والقلب والعضلات والجلد وغيرها.
[23]. تخليق حيوانات منوية معمليًّا.. غيروارد، هشام محمد، بحث منشور بموقع: إسلام أون لاين www.islamonline.net.
[24]. انظر: تخليق حيوانات منوية معمليًّا..غير وارد، هشام محمد، بحث منشور بموقع: إسلام أون لاين www.islamonline.net. الخلايا الجذعية.. إنجاز علمي يثيرمخاوف أخلاقية، سهير عثمان، بحث منشور بموقع: www.moheet.com.
[25]. والفرق بين الحالة الثانية والثالثةأن الحالة الثانية يتفق فيها الزوجان مع رجل أجنبي وامرأة أجنبية يكونان معروفينبالنسبة لهما، أما الحالة الثالثة فإنها تتم عن طريق مصرف المني فلا يُعرف صاحبالمني ولا صاحبة البويضة، وإنما يتقدم الرجل بالمني والمرأة بالبويضة للمصرف، ثميأتي زوجان أو رجل أو امرأة ليأخذ منيًّا وبويضة ويتفق مع صاحبة رحم للحملوالولادة.
[26]. انظر: أطفال الأنابيب بين العلموالشريعة، زياد أحمد سلامة، مرجع سابق، ص99: 108.
[27]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)،كتاب: الحدود، باب: للعاهر الحجر، (12/ 130)، رقم (6818).
[28]. انظر: موقع: وزارة الأوقاف www.islamic-council.com.
[29]. انظر: موقع: وزارة الأوقاف www.islamic-council.com.
[30]. انظر: استئجار الأرحام، د. رأفت عثمانسعيد، بحث منشور بموقع: باب www.bab.com.
[31]. انظر: تأجير الأرحام بين العلموالقرآن، بحث منشور بموقع: إشراقة www.ishraqa.com.
[32]. إعلان على الإنترنت أثار الجدل حولالوسائل الجديدة للإخصاب، أحمد شعبان، موقع: الاتحاد www.alittihad.ae.
[33]. تأجير الأرحام في مصر يثير جدلالأطباء وأساتذة علم النفس والاجتماع، شموس التمامي، مقال منشور بموقع: جريدةالشرق الأوسط www.aawsat.com.
دعوى عدم اختصاص الله عز وجل بعلم ما في الأرحام
مضمون الشبهة:
في محاولة غير مجدية يدعي منكرو الإعجاز العلمي في القرآن الكريم أن اختصاص الله عز وجل بعلم ما في الأرحام، والذي جاء في قوله تعالى:)ويعلم ما في الأرحام( (لقمان: 34) يتنافى مع الاكتشافات العلمية الحديثة، قائلين: لقد استطاع العلم الحديث تحديد نوع الجنين وهو في بطن أمه من حيث كونه ذكرًا أو أنثى، كما استطاع العلماء حديثًا معرفة بعض الأمراض الوراثية التي تصيب الجنين. متسائلين: كيف يكون العلم بما في الأرحام غيبًا والأطباء يعلمون جنس الجنين في رحم أمه قبل ولادته؛ بل يعلمون الكثير من أسرار خلقه وهو في بطن أمه؟!
وجه إبطال الشبهة:
إن قول الله تعالى:)ويعلم ما في الأرحام( (لقمان: 34)ليس مقصورًا على العلم بنوع الجنين ـ وهو في رحم أمه ـ من حيث كونه ذكرًا أو أنثى كما يفهم هؤلاء، وإنما هو علم شامل بكل ما يخص الجنين عبر مراحل تخلقه وتطوره، ليس فقط في أرحام الإناث من الإنس، وإنما في أرحام الكائنات الحية جميعها، من إنسان وحيوان ونبات.
كما أن معرفة الأطباء لنوع الجنين ـ ذكرًا كان أو أنثى ـ أمر لا يتناقض مع اختصاص الله عز وجل بعلم الغيب، فإن كان الأطباء بعد التخلق قد عرفوا نوع الجنين، فإنهم قبل التخلق لم يكونوا يعرفون نوعه، كما أنهم لا يعرفون مدة بقائه جنينًا على وجه اليقين في بطن أمه؛ علاوة على أن الآية لم تصرح بذكر نوع الجنين، وإنما قالت: )ويعلم ما في الأرحام( (لقمان: 34)بصيغة العموم لا بصيغة الخصوص.
وإن كان توصل العلماء اليوم إلى معرفة جنس الجنين وهو في بطن أمه يُعد تقدمًا علميًّا كبيرًا، إلا أنه علم شهادة، وليس علم غيب؛ فالطبيب الذي يشاهد الجنين بالأشعة أو السونار ويصف ما يشاهده، مثله في ذلك مثل إنسان نظر إلى القمر من خلال التلسكوب، فإنه يشاهد ما لا نشاهده نحن من القمر، ولكنه لا يعلم ما يجري في جوفه من أسرار.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
يمر الجنين خلال مرحلة التخليق بتحولات خطيرة وكبيرة ومعقدة للغاية، وما زالت جوانب كثيرة من هذه التحولات تشكل لغزًا محيرًا للعلماء، مثل الانقسام السريع للخلايا الجينية وتمايزها إلى خلايا وأعضاء مختلفة التركيب والوظيفة، وتحدث خلال هذه الفترة الحرجة تغيرات مفاجئة قد ينجم عنها خلل في الصبغيات أو الجينات تؤدي إلى هلاك الجنين المبكر بنسبة عالية قد تتجاوز 60 % من مجموع الإسقاط التلقائي المبكر عند كل النساء، هذه التغيرات المفاجئة والمميتة ما زالت خارج نطاق العلم القطعي بحدوثها؛ وذلك لأن معظم أسبابها مجهولة، ويصعب جدًّا، بل يستحيل في كثير من الأحيان الكشف عنها سابقًا أو حتى توقع حدوثها.
ومن ناحية أخرى فإننا إذا نظرنا إلى المسببات التي تؤدي إلى هلاك الأجنة المبكرة وحدوث الإسقاط التلقائي لها، نجد أنها مسببات عديدة ومتداخلة ويستحيل التنبؤ بحدوث معظمها؛ فالنموغير الطبيعي للبويضة الملقحة (zygote) الناتج عن خلل في عدد الصبغيات والذي يمثلأكبر سبب للسقط التلقائي المبكر يسبب خللًا وانعدامًا في التوازن الحيوي لخلايا الجنين فيؤدي إلى هلاكه. والخلل التركيبي في الصبغيات، والذي يحدث نتيجة حدوث طفرات مفاجئة لأسباب معظمها مجهولة، يؤدي إما لتغيير الوظائف الجينية العديدة، أو لتغييرمسار التمايز للخلايا الجنينية، فيهلك الجنين تبعا لذلك.
صورة لبدء انغراس الجنين داخل بطانة الرحم
والخلل في آليات الغرس للبويضة الملقحة في بطانة الرحم، مثل: التحكم الهرموني المتخصص فيالانقباضات، والحركة الدودية للرحم وأبواقه، والعوامل الهرمونية العديدة ذات الصلة بنضج بطانة الرحم، وتكوّن الغشاء الساقط، والإشارة الصحيحة أو المناسبة للانغراس، واستجابة الكيسة الأريمية([1]) له، والعلاقة الخلوية بين الخلايا المغذية(Trophoblast)وبطانة الرحم.
فهذه العوامل يجب أن تتكامل، وتتوحد بدقة فائقة، حتى يتم تعشيش البويضة الملقحة، فإذا فشلت إحدى هذه الآليات فإن حياة البويضة الملقحة تكون معرضة لخطر الهلاك وحدوث الإسقاط.
كما أن تمايز الخلايا ونمو الجنين يتأثران بعوامل مختلفة، اكتُشف منها حتى الآن أكثر من 100 عامل؛ بالإضافة إلى العوامل الجينية (Genetic) وكثير من الهرمونات، والخلل في هذه العوامل يؤدي إلى موت الجنينوحدوث الإسقاط.
وهناك عوامل عديدة تؤثر على البيئة الداخلية للرحم والجنين، مثل: الإشعاع، والفيروسات، والمواد الكيميائية، ويمكن أن يحدث بسببها تشوهات خلقية، فيهلك الجنين ويحدث الإسقاط.
وهناك أيضًا عوامل أمومية يمكن أن تسبب الإسقاط، مثل: خلل الصبغيات ـ التركيبي والعددي ـ في بويضة الأم، والذي يزداد باطّراد معكبر سنها، وأنواع مختلفة من الأمراض الإنتانية (infectious diseases)؛ كالإصابةبفيروسات الحصبة والحصبة الألمانية([2]) والجدري وغيرها، والأمراض المزمنة المسببةللهزال الشديد، مثل: الأورام السرطانية، ومرض السكري، والخلل الهرموني الذي يمكن أن يتسبب في هلاك الجنين، والنواقص الغذائية، وتناول الكحول والتبغ، والعوامل المناعيةالعديدة، ومعظم أسباب هذه العوامل مجهولة، حتى الصدمات النفسية والعضوية يمكن أن تؤدي للإسقاط؛ فمجرد وهم الأم واعتقادها بأن حملها سوف يسقط، يمكن أن يكون سببًا فيحدوث الإسقاط.
إذا نظرنا إلى هذه العوامل العديدة والمتداخلة البسيطة منها والمركبة من أكثر من عامل، وقدرنا حدوث أحدها وفق قانون الاحتمالات، فإننا نستنتج بيقين أن التوصل للعلم القطعي بمستقبل هلاك الأجنة في أي طور من أطوار تخليقها الأولى، وحدوث الإسقاط التلقائي لها يعتبر ضربًا من الخيال، فالخلل في الصبغيات ـ كما قال العلماء ـ يحدث بطريقة عشوائية ومتفرقة، ولا يمكن العلم بحدوثه قبل أن يحدث، والاضطرابات في العوامل الجينية العديدة المسئولة عن تمايز الخلايا ونموها، وما يمكن أن يتعرض له الجنين من العواملالماسخة من الإشعاع والفيروسات والمواد الكيميائية، وما يمكن أن تتعرض له الأم منالصدمات النفسية أو العصبية أو الأمراض المختلفة في المستقبل، كل هذه العوامل لايستطيع أحد من البشر أن يجزم بحدوثها أو عدم حدوثها، وبالتالي فما ينبني عليها منحدوث الإسقاط التلقائي يظل مجهولًا لا يعلمه أحد.
وبناء على هذا، فإنه يستحيل على العلماء الآن ـ وفي المستقبل ـ معرفة مصير أي طور من أطوار الجنين قبل اكتمال تخليقه ونفخ الروح فيه، هل سيتخلق إلى الطور الذي يليه أم سيهلك، وتغيض به الأرحام([3])؟!
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الآية الكريمة:
صرحت الآية الكريمة: )ويعلم ما في الأرحام((لقمان: 34)بأن ما يحدث في الأرحام هو من اختصاص علم الله عز وجل، بيد أن العلم الحديث جاء بمعارف شتى فتطورت العلوم واستطاع الإنسان أن يكتشف بأجهزته الحديثة نوع الجنين ما إذا كان ذكرًا أو أنثى.
وهنا أثار المشككون شبهتهم متسائلين: كيف يكون العلم بما في الأرحام غيبًا والأطباء يعلمون جنس الجنين في رحم أمه قبل ولادته، بل يعلمون الكثير من أسرار خلقه وهو في بطن أمه؟!
ولا شك أن طرح مثل هذا التساؤل ينم عن قصر فهم للآية الكريمة؛ حيث قصر هؤلاء علم ما في الأرحام على معرفة جنس الجنين من حيث كونه ذكرًا أو أنثى، والحق خلاف ذلك.
وفيما يلي سنوضح لمن طرح هذا التساؤل ـ سواء بحسن نية أو بسوء نية ـ المراد بقوله تعالى: )ويعلم ما في الأرحام( (لقمان: 34).
ولعل نظرة إلى الدلالات اللغوية التي اشتملت عليها الآية الكريمة وإلى بعض أقوال المفسرين ـ توضح بجلاء ما تشتمل عليه الآية من إعجاز.
- من الدلالات اللغوية في قوله تعالى: (ويعلم ما في الأرحام((لقمان: 34):
(ما) اسم موصول يفيد العموم، قال ابن عثيمين: “وتعلق العلم بهذا العام هو تعلق عام أيضًا، فعلم ما في الأرحام لا يقتصر على علم كونه ذكرًا أو أنثى، واحدًا أو متعددًا، بل علم ما في الأرحام أشمل من ذلك”([4]).
والأرحام: جمع رحم، وهي منبت الولد([5]). وقد جاءت كلمة (الأرحام) جمعًا غير محددة بنوع معين، فهي تطلق على أرحام الإناث من الإنسان والحيوان والنبات.
إن الأسلوب في قوله تعالى: )ويعلم ما في الأرحام( (لقمان: 34) أسلوب مختلف.. أسلوب مفتوح النهاية، يبدأ بالفعل المضارع الذي يدل على الحال والاستقبال؛ يعني: اليوم وغدًا وإلى ما شاء الله.
كما أن الفعل المضارع هنا هو عامل السحر اللغوي في الآية؛ حيث يقتضي أن كل خطوة ولحظة وجانب من جوانب الفعل وتبعاته واستمراريته تخصه عز وجل.
وسبحان الله! لو كان الأسلوب هنا أسلوب قصر لكان سببًا في النقد والاتهام ولكن جعله مفتوح النهاية، فالله الذي يبدأ الفعل ويتابعه ويسيطر عليه، ولكن يسمح بوجود الأسباب البشرية المهيئة لحدوثه بإذنه عز وجل([6]).
من أقوال المفسرين:
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى:)ويعلم ما في الأرحام( (لقمان: 34): “كذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكرًا أو أنثى، أو شقيًّا أو سعيدًا، علم الملائكة الموكلين بذلك، ومن شاء الله من خلقه”([7]).
ويقول الطاهر ابن عاشور موضحًا معنى حصر مفاتح الغيب في هذه الخمسة الواردة في الآية الكريمة: )إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (34)( (لقمان)، يقول: “ومعنى حصر مفاتح الغيب في هذه الخمسة أنها هي الأمور المغيبة المتعلقة بأحوال الناس في هذا العالم، وأن التعبير عنها بالمفاتح أنها تكون مجهولة للناس فإذا وقعت فكأن وقوعها فتح لما كان مغلقًا، وأما بقية أحوال الناس فخفاؤها عنهم متفاوت ويمكن لبعضهم تعيينها، مثل: تعيين يوم كذا للزفاف، ويوم كذا للغزو، وهكذا مواقيت العبادات والأعياد، وكذلك مقارنات الأزمنة، مثل: يوم كذا مدخل الربيع؛ فلا تجد مغيبات لا قبل لأحد بمعرفة وقوعها من أحوال الناس في هذا العالم غير هذه الخمسة، فأما في العوالم الأخرى وفي الحياة الآخرة فالمغيبات عن علم الناس كثيرة وليست لها مفاتح علم في هذا العالم”([8]).
قال صاحب الظلال في قوله تعالى:)ويعلم ما في الأرحام( (لقمان: 34): “اختصاص بالعلم كالاختصاص في أمر الساعة فهو سبحانه الذي يعلم وحده ـ علم يقين ـ ماذا في الأرحام في كل لحظة، وفي كل طور، من فيض وغيض، ومن حمل حتى حين لا يكون للحمل حجم ولا جرم يدرك، ونوع هذا الحمل ذكرًا أو أنثى، حين لا يملك أحد أن يعرف عن ذلك شيئًا في اللحظات الأولى لاتحاد الخلية الذكرية والبويضة، وملامح الجنين وخواصه وحالته واستعداداته، فكل أولئك مما يختص به علم الله تعالى…”([9]).
وقال الشيخ الشعراوي في تفسير قوله تعالى: )ويعلم ما في الأرحام( (لقمان: 34): “هذه أيضًا من مفاتح الغيب، وستظل كذلك مهما تقدمت العلوم، ومهما ادعى الخلق أنهم يعلمون ما في الأرحام، والذي أحدث إشكالًا في هذه المسألة الآن الأجهزة الحديثة التي استطاعوا بها رؤية الجنين، وتحديد نوعه أذكرًا أم أنثى، فهذه الخطوة العلمية أحدثت بلبلة عند بعض الناس، فتوهموا أن الأطباء يعلمون ما في الأرحام، وبناء عليه ظنوا أن هذه المسألة لم تعد من مفاتح الغيب التي استأثر الله بها.
ونقول: أنتم بسلطان العلم علمتم ما في الأرحام بعد أن تكون ووضحت معالمه، واكتملت خلقته، أما الخالق عز وجل فيعلم ما في الأرحام قبل أن تحمل الأم به، ألم يبشر الله تعالى نبيه زكريا عليه السلام بولده يحيى قبل أن تحمل فيه أمه؟ ونحن لا نعلم هذا الغيب بذواتنا، إنما بما علمنا الله، فالطبيب الذي يخبرك بنوع الجنين لايعلم الغيب، إنما معلم غيب، والله تعالى يكشف لبعض الخلق بعض الغيبيات.
من ذلك ما كان من الصديق أبي بكر رضى الله عنه حين أوصى ابنته عائشة رضي الله عنها قبل أن يموت وقال لها: يا عائشة، إنما هما أخواك وأختاك([10])، فتعجبت عائشة؛ حيث لم يكن لها من الإخوة سوى محمد وعبد الرحمن، ومن الأخوات أسماء، لكن الصديق في هذا الوقت كان متزوجًا من حبيبة بنت خارجة، وكانت حاملًا، وبعد موته ولدت له بنتًا، فهل نقول: إن الصديق كان يعلم الغيب؟ لا، إنما أعلم من الله، إذًا الممنوع هنا العلم الذاتي؛ أن تعلم بذاتك.
ثم إن الطبيب يعلم الآن نوع الجنين، إما من صورة الأشعة أو التحاليل التي يجريها على عينة من الجنين، وهذا لا يعتبر علما للغيب، والتحدي أن تجلس المرأة الحامل أمامك وتقول لها: أنت ستلدين كذا وكذا، وهذا لا يحدث أبدًا”([11]).
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: كيف نوفق بين علم الأطباء الآن بذكورة الجنين وأنوثته، وقوله تعالى: )ويعلم ما في الأرحام( (لقمان: 34) ؟!
فأجاب بقوله: “قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبيّن أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبدًا، وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة، فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة لها، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته؛ لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبدًا.
فإذا تبين ذلك فقد قيل: إنهم الآن توصلوا بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام، والعلم بكونه أنثى أو ذكرًا، فإن كان ما قيل باطلًا فلا كلام، وإن كان صدقًا فإنه لا يعارض الآية؛ حيث إن الآية تدل على أمر غيبي هو متعلق علم الله تعالى في هذه الأمور الخمسة، والأمور الغيبية في حال الجنين هي: مقدار مدته في بطن أمه، وحياته، وعمله، ورزقه، وشقاوته أو سعادته، وكونه ذكرًا أم أنثى، قبل أن يخلق، أما بعد أن يخلق فليس العلم بذكورته أو أنوثته من علم الغيب، لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة، إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاثة، التي لو أزيلت لتبين أمره، ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكرًا أم أنثى، وليس في الآية تصريح بذكر العلم بالذكورة والأنوثة”([12]).
هذه بعض أقوال المفسرين حول معنى قوله تعالى:)ويعلم ما في الأرحام( (لقمان: 34) ، وقد ظهر منها أن الآية الكريمة لم تقصر كل علم في الأرحام على علم الغيب فقط؛ فعلم ما في الأرحام، منه ما هو علم غيب ومنه ما هو علم شهادة.
ويزداد الأمر وضوحًا إذا جمعنا بين النصوص الواردة في هذا الموضوع؛ “فقد وردت في سورة الرعد آية تجمع بين العموم لما في الأرحام، وعلم الله المحيط به، وبين علم غيض الأرحام الذي لا يعلمه إلا الله؛ وهي قوله تعالى: )الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار (8)( (الرعد).
فعلم الله بما تحمل كل أنثى، كعلم الله بما في الأرحام، من حيث دلالة (ما) الموصولة في كلتا الآيتين، والتي تدل على العموم، فاللفظ فيهما عام شامل لكل ما يتعلق بعالم الغيب والشهادة في الحمل، وهذا المعنى العام المجمل، فُصِّل بقوله تعالى:)وما تغيض الأرحام وما تزداد((الرعد:8)؛ أي إن الله تعالى يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد؛ فالعلم المتعلق بغيض الأرحام هو من الغيب المقصور علمه على الله تعالى، والعلمالمتعلق بازدياد الأرحام بالأجنة؛ هو علم شهادة، وعلم الله فيه علم إحاطةوشمول.
ويؤكد هذا قوله تعالى في الآية التالية: )عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال (9)((الرعد)؛ إشارة إلى أن في الآية السابقة جزءًا من عالم الغيب، وهو: )وما تغيض الأرحام((الرعد:8) ، وجزءًا من عالم الشهادة؛ وهو علم الله المحيط الشامل لجميع أحوال وصفات حمل كل أنثى على وجه الأرض وما تزداد به الأرحام من هذا الحمل”([13]).
وليس ما تبين هو غاية ما يحمله اللفظ القرآني من معنى، لا؛ بل إن لفظ (تحمل) في قوله تعالى: )الله يعلم ما تحمل كل أنثى( (الرعد:8) يدل على التكرار، وهو ما يصفه علماء البيان بالحدوث والتجدد، فدل ذلك على أن كل أنثى متى خلقها الله أنثى كان سبحانه عالـمًا بأنها ستحمل طول حياتها مرة واحدة، أو مرات قليلة أو كثيرة، كما يعلم أن أنواع أجنتها ذكور أو إناث أو مختلطون، وأنهم توائم أو مفردون، وهم أسقاط أو متممون أو متنوعون، وهؤلاء جميعًا ـ على اختلاف أوضاعهم ـ مشمولون بعلم الله في كل شئونهم رزقًا وأجلًا، وشقاوة أو سعادة،)ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14)( (الملك)([14]).
ويأتي الحديث الشريف مؤيدًا نسق القرآن الكريم في قصر الغيب ـ المطلق عن علم البشر ـ على حال غيض الأرحام قبل تخلق الجنين دون حال ازديادها بعد تخلقه، نجد ذلك في الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله؛ لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله”([15]).
“إذًا هناك نصوص قد بينت بجلاء أن الأمر المحجوب عن علم غير الله إنما هو في مرحلةما قبل تكوُّن الجنين، فعلمنا أن الأرحام ـ قبل أن تزداد حتى يراها كل المحيطين بالحامل ـتعاني من حالة تقلص وانكماش وغور ونقصان, وفي تلك الفترة حال الجنين المرتقب محجوب عن علم غير الله تعالى، فهو مفتاح من مفاتيح الغيب يفتح على أبواب مغلقة، ولايملكه دون الخالق سبحانه أحد…
وفي مرحلة الغيض يستحيل على إنسان أن يعرف صفات الجنين المقبل، ولو جئت بصفين من الحجارة؛ وقلت: أنا سأصنع من هذه الأحجار بناء، هل سيعلم أحدالسامعين يقينًا أيكون من الصفين مدرسة أم مستشفى؟ فيلا أم عمارة؟!
هكذا الجنين فيمرحلة الغيض لا يعلم أحد ـ غير الله تعالى ـ بما سيكون عليه حاله”([16]).
ماذا يعني العلم بغيض ما في الأرحام؟
العلم بغيض الأرحام يعني العلم المسبق بحدوث الإسقاط التلقائي المبكر بشقيه قبل تمام تخليق الجنين برغم توفر مقدمات الخلق الضرورية ومادته الأولى، وتهيؤ الأسباب وانتفاء الموانع لحدوثه، فيتخلص الرحم من تلك الموادالأولية؛ إما بإسقاطها أو بغورها واندثارها؛ وذلك لبيان أن الإيجاد بعد العدم والإعدام بعد الوجود ظاهرة متكررة تبين إمكان وقوع البعث بالنظير والضد، وأنالتخليق هو اختيار من الفاعل المختار.
وعلى هذا يكون المراد بعلم غيض الأرحام ـ الذيلا يعلمه إلا الله ـ هو العلم بمستقبل هلاك الأجنة المبكرة، أو بمعنى آخر: العلمبإرادة الله في إنشاء إنسان جديد من عدمه، وأن هذا العلم مقصور على الله وحده، ويستحيل على البشر معرفته([17]).
إن الآية ـ وما في معناها من الأدلة الشرعية الأخرى ـ إنما تتحدث عن الغيب، ولا تتحدث عن المشاهدة، فمن زعم أنه يستطيع معرفة جنس الجنين في بطن أمه رجمًا بالغيب، فهذا الذي لا يستطيع ذلك، أما من لجأ إلى وسيلة من الوسائل التي تجعله يبصر ذلك بعينيه أو ما في حكمهما، فيكون قد انتقل من عالم الغيب إلى عالم المشاهدة، كما هو الحال في لحظة خروج الجنين من بطن أمه، ولمزيد من الإيضاح نورد المثال الآتي:
لو أن أحد المعاندين للوحي من كفار مكة أو غيرهم قام متحديًا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أنا أستطيع معرفة ما في الرحم، ثم عمد إلى امرأة حبلى، فبقر بطنها، ونظر إلى جنينها، وقال: هو ذكر، هل يكون هذا واقعًا موقع التحدي؟!
نحن لا نشك أن هذا لو وقع، لكان أول من يسخر منه أصحابه؛ لأن سياق الآية يتحدث عن عالم الغيب، ولا يتحدث عن عالم المشاهدة.
فإذا قبلنا هذا، فما الفرق إذًا بين أن يبقر بطن المرأة، وبين أن يدخل في رحمها آلة تصوير، تصور الجنين وهو في الرحم، أو ما هو بديل عن آلة التصوير كالأشعة التي تخترق جدار البطن وتنفذ إلى الرحم([18])؟
إن قول ربنا تبارك وتعالى: )ويعلم ما في الأرحام((الرعد:8) فيه إشارة واضحة إلى أن في الأرحام من الأسرار والغيوب ما لا يعلمه إلا الله، وأن من هذه الغيوب ما هو مرحلي يمكن للإنسان مع تطور أجهزته ومعارفه المكتسبة أن يصل إلى شيء منه في يوم من الأيام، بإذن الله تعالى وإرادته، وما هو مطلق لا سبيل للإنسان في الوصول إليه؛ لأن الله قد حجبه عن خلقه.
فمن تلك الغيوب المرحلية التي تم الكشف العلمي عنها مؤخرًا أن كثيرًا من النساء يحملن ثم يفقدن حملهن في الأسابيع الأولى من الحمل؛ أي في المراحل الأولى من تخليق الجنين، دون أدنى دراية منهن، وتعرف هذه الظاهرة باسم السقوط التلقائي للحمل (spontaneousabortionormiscarriage)، وعادة ما يتم ذلك في الأسابيع الأربعة الأولى من زمن الإخصاب، وقد يمتد إلى الأسبوع العشرين دون أدنى دراية من صاحبة الحمل.
وهذه الظاهرة شائعة الحدوث؛ إذ تتراوح نسبتها بين (40%)، و (60%) قبل الأسبوع الرابع من تاريخ الإخصاب، وبعد ذلك تتناقص إلى ما بين (15%)، (20%)، ولم يدرك الأطباء ذلك إلا مؤخرًا.
وفي حالات السقوط التلقائي للحمل قد ينزل الجنين وهو في حدود (1٫5 مم) إلى (5 مم) في الطول، مع الدورة الشهرية مصاحبًا بكم من الدماء الغزيرة دون أدنى دراية من صاحبته. وفي حالات أخرى قد يتحلل الجنين ويمتصه جدار الرحم بالكامل، وتشيع هذه الحالة فيما يعرف باسم ظاهرة التوائم المتلاشية (The Vanishing Twin Syndrome).
وقد لا يسقط كيس الحمل الفارغ بعد موت أحد هذه التوائم أو بعد موتها جميعًا، وتعرف هذه الحالة باسم السقط أو الإجهاض المخفي (TheMissedmiscarriageorTheMissedabortion).
وهذه مجرد واحدة من الأحداث والدورات العديدة التي تقع في داخل الأرحام، ولا تدري بها صاحبة الحمل نفسها، وهي تشمل كلًّا من الأجنة التي يلفظها الرحم دمًا، والتي تتحلل بداخله وتغور مادتها في جداره كما يغور الماء في الأرض تمامًا، ولذلك عبر القرآن الكريم عن هذه الظاهرة من قبل أربعة عشر قرنًا بتعبير:)وما تغيض الأرحام وما تزداد((الرعد:8) ، وهو تعبير يشمل الحالتين السابقتين كما يشمل غيرهما من أحداث رحمية، وهو تعبير بلغ من الدقة اللغوية والعلمية والإعجازية المنتهى؛ وذلك لأن هذه الظاهرة لم تعرف إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين بعد تصنيع أجهزة الكشف بالأشعة فوق الصوتية (TheUltrasonicWaveDetectors)، والتي باستخدامها أمكن إثبات أن حوالي (50%) من حمل التوائم يفقد جزئيًّا أو كليا في داخل الرحم في الأسابيع الأولى من الحمل، فإذا هلك أحد التوأمين أو كلاهما ترك مكانه على هيئة كيس صغير ممتلئ بمادة كثيفة ما يلبث أن يختفي، وباختفائه يزول تمامًا الأثر الدال على وجود جنين آخر، أو وجود حمل على الإطلاق إذا هلك الجنينان([19]).
وإذا كانت هذه بعض الغيوب المرحلية التي استطاع العلم الحديث ـ بإذن من الله ـ الكشف عنها، فإن هناك أسرارًا تتعلق بتخلق الجنين في الرحم لا يعلم إنسان عنها شيئًا، ولن يعلم منها إلا ما أذن الله تعالى له به.
ومن أمثلة ذلك أن النطفة الأنثوية تنقسم إلى عدة خلايا بعد أن تلقح من قبل الحيوان المنوي، هذه الخلايا تكون متشابهة تمامًا إلى أن يصبح عددها ثماني خلايا؛ أي أن تصبح البويضة الملقحة في مرحلة ما يسمى بـ “التوتة” (Morula)، ومن ثم تتمايز الخلايا شيئًا فشيئًا، وتستمر في الانفلاق إلى أن يقارب عددها الخمسين، عندئذٍ تنقسم مجموعة الخلايا ـ وهي مستمرة في الانفلاق ـ إلى جزأين: واحد سوف يؤدي إلى تخلق الجنين، ويسمى: كتلة الخلايا الداخلية، والثاني: يؤدي إلى تخلق المشيمة (Placenta)، ويسمى: كتلة الخلايا الخارجية.
ومن ثم تتمايز كتلة الخلايا الداخلية ـ التي سوف تكون الجنين فيما بعد ـ إلى ثلاث طبقات من الخلايا:
أ ـ الطبقة الخارجية، وتدعى: الأكتودرم.
ب ـ الطبقة المتوسطة، وتدعى: الميزودرم.
ج ـ الطبقة الداخلية، وتدعى: الأنتودرم.
أما كيف تعلم كل خلية إلى أي فريق تنضم، إلى كتلة الخلايا الداخلية أم إلى كتلة الخلايا الخارجية؟ إلى طبقة الأكتودرم أم إلى طبقة الميزودرم أم إلى طبقة الأنتودرم؟ وأي عضو ستساهم في تخليقه؟ فهذا أمر ما زال مبهمًا إلى الآن.
يقول الدكتور “لارس هامبرغر” شاهدًا على هذه المسائل: إن هذا هو أحد أسرار الحياة الذي ما زال يحيرنا، وهو محط أبحاث علمية واسعة([20]).
كما أن الحيوانات المنوية التي يبلغ عددها مئتي مليون أو أكثر في الدفقة الواحدة، نصفها يحمل الصفات الأنثوية ونصفها الآخر يحمل الصفات الذكرية، فمن بين هذا الكم الهائل من الحيوانات المنوية لا يستطيع الإنسان على وجه الدقة أن يعرف أيًّا من هذه الحيوانات هو الذي سيقوم بعملية الإخصاب أو تلقيح البويضة!
يقول الدكتور زغلول النجار: تحتاج البويضة الناضجة السليمة الصحيحة الواحدة إلى مئة مليون حَيْمَن على أقل تقدير بشرط أن تكون هذه الحيامن صحيحة وسليمة ونشطة؛ حتى يتمكن أحدها من إخصاب تلك البويضة المختارة بصفات وراثية خاصة، بهذا الحيمن المختار كذلك بصفات وراثية خاصة، والذي لا يتعدى طوله في المتوسط (005‚0) مم، لكي تبقى لكل فرد من بلايين البشر بصمة وراثية خاصة تميزه عن غيره.
وهنا أيضًا يتضح لنا كم الغيوب والدورات والأحداث التي تتم في داخل الرحم، والتي لا يعلمها إلا الله تعالى، كما تتضح قدرة الخالق العظيم في نشر الصفات الوراثية التي أودعها صلب أبينا آدم عليه السلام وتوزيعها على بنيه وأحفاده على مرور الزمن حتى قيام الساعة بعلم الله وقدرته؛ خاصة إذا علمنا أن الرجل يخرج في الدفقة الواحدة ما بين مئة مليون إلى ثلاث مئة مليون حَيْمَن، وأن هذه النطف لا تستطيع العيش لأكثر من 72 ساعة([21]).
على أن الإنسان لا يعلم الوقت المحدد الذي يخترق فيه الحيوان المنوي البويضة، ويقوم بعملية التلقيح، وهل سيعيش لإتمام مراحل تخلق الجنين أم سيموت؟! وإن عاش، هل سيعيش سليمًا أم سيكمل حياته مصابًا ببعض التشوهات؟! هل سيكون هذا الحيوان المنوي جنينًا ذكيًّا أم غبيًّا؟ طويلًا أم قصيرًا؟!… إلخ.
كما أن تحديد نوع الجنين من الأمور التي لا يعرفها الإنسان ولا يعلم عنها شيئًا في المراحل الأولى من الإخصاب؛ فعندما تنتج الزيجوت ـ البويضة المخصبة ـ يتحدد جنس المولود ذكرًا كان أو أنثى، فإذا كان الحيوان المنوي يحمل كروموزوم (y) تنتج زيجوت تحتوي على كروموزومات (XY) (مولود ذكر)، وإذا كان الحيوان المنوي يحمل كروموزوم (X) تنتج زيجوت تحتوي على كروموزومات (XX) مولود أنثى. هذا ما يعرفه الجميع، ولكن هذه ليست الصورة الكاملة للموضوع؛ حيث يمكنلجنين يحمل كروموزوم (Y) أن يكون أنثى وجنين آخر يحمل كروموزوم (X) أن يكون ذكرًا، وتعرف هذه الظاهرة بما يسمى (Pseudohermaphrodites)، وهنالك حالات أخرى لن نتطرق إليها.
إن مسار التطور الجنسي لدى الذكر والأنثى مركب ومعقد للغاية، وفي الوقت نفسه متشابه جدًّا، والعديد منالجينات تتدخل في هذا التطور.
وعلى الرغم مما ذكر آنفا، إلا أن الهوية الجنسية الكاملة للجنين والوظائف المنبعثة من هذه الهوية والشكل الخارجي لا تتحدد فقط إلا في الأسبوع السابع. (انظر: كتاب LangmansMedicalEmbryology، الكتاب المعتمد في تعليم علم تطور الأجنة في كليات الطب فيالعالم، صفحة 337 الفقرة الثانية)؛ حيث إن (Germ Cells)([22]) تصل إلى (Gonads) الغدد التناسلية فقط خلال الأسبوع السادس، وإذا لم تصل هذه الخلايا في هذا الوقت إلى الـ (Gonads) لن تكتمل عملية التطور الجنسي الهادفةلتحديد جنس المولود، كما أن لها دورًا مهمًّا أيضًا في تحديد جنس المولود.
مع وصول هذه الخلايا ـ نهاية الأسبوع الخامس وبداية السادس ـ لا يوجد أي فرق بين الجنين الذي سيتحول فيما بعد إلى أنثى أو ذكر، فلا يمكن تحديد الجنس في هذه الفترة، فهما متماثلان تمامًا. وبسبب استحالة التفرقة تعرف الـ (Gonad) بـ (IndifferetGonad)؛ أي: لا يعرف ذكرًا كان أو أنثى.
في أول ستة أسابيع تعرف بالـ (indifferentstage)، ونقطة التحول تبدأ في بدايةالأسبوع السابع وفقا للبروتينات الموجودة في جسم الجنين([23]).
على أن هناك أشياء يتوقعها الأطباء وتأتي عكس ما كانوا يتوقعون، من ذلك مسألة عدد الأجنة عند الولادة؛ فقد يتوقع الأطباء عددًا ويأتي عدد الأجنة أكثر مما توقعوه، ومما يؤكد ذلك تلك الحادثة الشهيرة التي حدثت في الولايات المتحدة؛ حيث وضعت امرأة ثمانية توائم في مستشفى في كاليفورنيا، فيما يعتقد أنها الحالة الثانية فقط في الولايات المتحدة لولادة هذا العدد من التوائم.
وقالت الدكتورة “كارين مابليس” ـ من مركز (قيصر برمانينت الطبي) في ضاحية (بيل فلاور) بمدينة لوس أنجلوس: ولد التوائم الثمانية قبل موعدهم بتسعة أسابيع عن طريقجراحة قيصرية في مفاجأة لفريق الأطباء المكون من 46 عضوًا الذي كان يتوقع سبعة توائمفقط، وتراوح وزن الأطفال بين 680 جرامًا و 1,47كيلو جرامًا. وقالت مابليس: بعد أن أخرجنا الطفل السابع وهو ما كنا نتوقعه فوجئنا بالطفل الثامن([24]).
وطبقًا للعلوم الطبية الحديثة فإن معرفة نوع الجنين تتم عن طريق ثلاث محاولات:
الأولى: عن طريق تحليل السائل الأمنيوسي (membrane Amniotic) في الأسبوع السادس عشر من بدء الحمل، ويتم ذلك بإدخال حقنة في الرحم عن طريق البطن بعد تحديد مكان الجنين والمشيمة بواسطة الموجات فوق الصوتية، ثم قياس نسبة هرمون الذكر إلى هرمون الأنثى في السائل الأمنيوسي، ولكن قد ينتج عن ذلك مضاعفات، مثل: الإجهاض أو إصابة الجنين في بعض الحالات.
الثانية: أخذ عينة من الغشاء الكريوني (ChirionicMembrane) في الشهور الأولى من الحمل.
الثالثة: استخدام الموجات فوق الصوتية في الفترة الأخيرة من الحمل لتصوير الجهاز التناسلي للجنين.
فهذه الحالات الثلاث تعتمد على التحليل أو التصوير، وتتم هذه المحاولات بعد تكوين الجنين، ولا دخل لأحد في تغيير الوضع القائم. وفوق هذا فإن هذه النتائج ظنية، وحتى لو كانت النتائج بنسبة 100% فإنها لا تتعارض مع قوله تعالى:) ويعلم ما في الأرحام((الرعد:8).
إن ما يصل إليه الطبيب عن طريق التصوير بالموجات فوق الصوتية أو عن طريق التحليل ليس معرفة للغيب، ولكنه كالذي يقوم بإدخال منظار ليرى من خلاله الحصو أو ليرى قرحة المعدة، أو كالذي يفتح البطن؛ ليقوم بعمل استكشاف عن مرض معين.
وإن معرفة نوع الجنين لو نظرنا إليها لوجدناها واحدة من آلاف المعلومات التي تتعلق بالجنين.
فهناك التركيب الخلقي من حيث التصوير والأوصاف الخاصة بأعضائه الخارجية والداخلية، وهناك الأسرار الكامنة في علم الوراثة، وهناك العديد من الأسرار في الأوردة والشرايين والجهاز العصبي والغدد، وهل سيكتب له البقاء أم سيولد ميتًا أم يولد مشوها؟… إلى آخر هذه الأمور التي لا يعلمها إلا الله عز وجل.
ودون أدنى إشارة إلى تعجيز أحد من هؤلاء، هل يعلم أحد تحديد الصفات التي سيكون عليها الجنين؟ هل يمكن التنبؤ بالمستوى العقلي الذي سوف يكون عليه مستوى ذكائه بناء على مستوى ذكاء والديه؟
إن كان ما توصل إليه الطب الحديث هو معرفة السبب الذي على أساسه تنتقل بعض المواصفات من الأبوين للأبناء، فهل يمكن وضع حدود فاصلة في هذا الصدد([25])؟
التحدي بمفاتح الغيب الخمسة:
تحت عنوان: “المغيبات الخمس وأثرها في حياة الإنسان” كتب الدكتور عبد الحي الفرماوي يقول: “قد يعلم بعض الناس بما آتاهم الله من علم بعض ما في هذه الأرحام، لكن علمهم لهذا البعض لا يكون إلا في حالات معينة وأوقات محددة منه؛ كأن يعلم بعض العلماء أن الأنثى حامل أو غير حامل قبل أن تظهر ملامح ذلك لغير المختص، وذلك بواسطة التحاليل المعملية، أو قد يعلم بعضهم مثلًا وضع الجنين في بطن أمه مقلوبًا أو غير مقلوب، وذلك بواسطة الأجهزة الحديثة التي تبين ذلك وهي الأشعة، أو قد يعلم فريق ثالث نوع الجنين أذكر هو أم أنثى؟ وهو لا يزال في بطن أمه، أو… أو … إلى آخر هذه الأشياء التي أدرك الإنسان معرفتها، والتي ما زال يبحث حول معرفتها، سواء أكان بالنسبة للأجنة في أرحام الطيور، أم في أرحام الحيوانات، أم في أرحام الإنسان، والتي ما زال يبحث حول معرفتها كل يوم”([26]).
لقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن هناك غيبًا لا يعلمه إلا هو، وسماه مفاتح الغيب في قوله تعالى: )وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ( (الأنعام: 59)، وحدد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الغيب في خمسةأشياء: علم وقت قيام الساعة، وعلم وقت نزول المطر، وعلم ما تغيض به الأرحام، وكسب الأنفس، ومعرفة مكان موتها وزمانه، حتى في الزمن القريب (الغد)؛ أي إن هذه الأشياءالخمسة المغيبة محجوبة عن علم الإنسان وإدراكه، وعلمها مقصور على الله وحده.
وبالتالي لن يتمكن البشر ـ مهما حاولوا ـ من معرفة هذا الغيب، وقد تحدتهم نصوص القرآن والسنة في هذه الخمس، في زمن سادت فيه الكهانة والتنجيم والسحر فعجزوا، واستمر هذا التحدي للإنسان عبر القرون حتى اكتشف عددًا من السنن الكونية في هذا الزمان، فعرف بها بعض المجهول في الكون والحياة؛ وهو مع كل ذلك العلم عاجز تمامًا عن أن يعرف ويعلم يقينًا هذه المغيبات الخمس، برغم اليقين العلمي الآن.
فقضية إنشاء إنسان جديد، برغم توفر مقدماتها والتي أصبحت مشاهدة الآن، بعدما تم تصويرها ورؤيتها بالعين، وبرغم وصول الإنسان إلى كم هائل ودقيق في معرفة كثير من سنن الخلق في عالم الشهادة، إلا أنه سيظل عاجزًا عن إدراك ومعرفة سر إنشائه وخلقه، وسيظل عاجزًا عن أن يعلم يقينًا هل كل طور جنيني صحيح أو شبه صحيح سيتحول إلى الطور الآخر؟ وهل سيتخلق إنسانًا جديدًا أم لا؟
بمعنى: هل كل نطفة أمشاج تتحول إلى علقة؟ وهلكل علقة تتحول إلى مضغة؟ وهل كل مضغة سيتم تخليقها وتصويرها، وتنفخ الروح فيها، وتنشأ خلقًا آخر، ويزداد بها الرحم؟ أم تتوقف سنن الخلق الغيبية في أي طور من هذهالأطوار المبكرة، فتهلك في هذه الأطوار، معبرة عن إرادة الله سبحانه وتعالى بعدم إنشاء إنسان جديد منهذه المقدمات والمكونات، وتتخلص الأرحام منها إما بإسقاطها، أو بتحللها واختفاء آثارها؟
إن العلم بمستقبل الأجنة المبكرة في أطوارها الصحيحة أو شبه الصحيحة، هل هي هالكة أم مخلقة؟ بمعنى آخر: هل يغيض الرحم بها أم ينشأ منها إنسان جديد تنفخ فيه الروح ويزداد به الرحم؟ هذا العلم هو الغيب الحقيقي الذي لا يعلمه إلا الله؛ أي إن العلم بمشيئة الله في الخلق هو مفتاح الغيب([27]).
الحكمة من اختصاص الله تعالى بعلم ما في الأرحام:
لقد اختص الله تعالى نفسه بعلم ذلك كله على النحو الذي ذكرنا، واختصاصه سبحانه وتعالى به من أجل نعمه وعظيم فضله سبحانه على عباده، ولكن لماذا اختص الله عز وجل ذاته بعلم ما في الأرحام؟!
بيان ذلك: أن العلماء لو عرفوا كل شيء عن الجنين وهو في رحم أمه كعلم الله تعالى بذلك؛ أي علموا بعض ما سيكون عليه من ذكاء أو غباء، سيصبح ناجحًا يحمل الزهو والفخر لأهله أو فاشلًا يجلب العار… إلى آخر هذه الصفات والحالات الموجودة في أفراد بني الإنسان، أينكر عاقل أنه سيوجد بعض الناس ـ إن لم يكن جميعهم ـ يتوجهون إلى الأطباء للتخلص من هذا الجنين الذي علموا أنه سيصبح مجرمًا أو فاشلًا أو صاحب عاهة، أو للتخلص من هذا الجنين الذي يعرف أنه أنثى عند من لا يريد إنجاب الأنثى مثلًا؛ ليصبح العالم كله كما يريدون ـ وكما يحلو لهم حينها ـ ناجحًا مشهورًا غنيًّا ذكيًّا سعيدًا… إلى آخر هذه الصفات المنتقاة التي يفضلونها؟
لكن قبل أن ينكر ذلك أحد، نحب أن ننبه إلى ما يحدث اليوم من تخلص بعضهم من الجنين لعدم رغبتهم في الإنجاب بحجة أنهم يريدون تأمين أنفسهم ماديًّا قبل الإنجاب، أو من تخلص بعضهم من الجنين لأي سبب آخر مما يعرفه المختصون.
تعالوا الآن نتخيل ما يحدث على الخريطة البشرية لو أن الإنسان علم ما في الأرحام علم الله تعالى به دون أن يتحلى هذا الإنسان برحمة الله تعالى وحكمته.
ونترك لكم حرية الخيال فيما سيكون عليه الحال من انقلاب الموازين واختلاف المقاييس وتباين الأهواء وصيرورة العالم إلى حال لا تستقيم معها الحياة.
ونتساءل: هل يظهر الذكي إلا وجود الغبي؟ وهل يُعرف السخي إلا بوجود البخيل؟ وهل تدرك عزة الغنى إلا بذلة الفقر؟ وهل تعرف نعمة الصحة إلا بعد المرض؟
إنها حكمة الله تعالى في امتلاء الحياة الدنيا بالأضداد والمتناقضات! وهنا نسارع فنقول: أليس اختصاص الله تعالى بعلم ذلك من أجل نعمه وعظيم فضله على عباده([28])؟!
إذًا، فهناك أمور وأسرار تتعلق بخلق الجنين لا يعرف الإنسان عنها شيئًا، فإن عرف بعضًا منها ـ كأن يعرف جنس الجنين وبعض الأمراض التي تصيبه ـ فذلك لا يتنافى مع علم الله بما في الأرحام؛ وذلك لأربعة أمور:
أولها: أن الله يعلم ذلك قبل أن يتخلق الجنين؛ أي قبل أن تتلقحبويضة الأنثى بماء الذكر، إلى أن يولد، بل قبل أن يكون هناك الزواج بين الرجل والمرأة، والأطباء لا يعرفون ذلك إلا بعد إخصاب البويضة بزمن يمكنهم فيه الفحص والاستدلال، وما يقال: إنهم يعرفون ذلك قبل الإخصاب بفحص ماء الرجل ومعرفة الكروموسومات الغالبة فيه، فإن هناك عوامل أخرى لا يستطيع العلم التحكم فيها، وكلها تحت إرادة الله سبحانه، وما يستنبطونه مقدمًا فهو لا يعدو مرحلة الظن والتخمين.
ثانيها: أن علم الله بنوع الجنين علم حقيقي لا يتخلف، وعلمالعلماء بذلك علم ظني قد يتخلف، وبخاصة في الأيام الأولى للحمل.
ثالثها: أن علم الله بالجنين علم شامل لنوعه ورزقه وأجله وسعادته وشقائه، وذلك غيرمستطاع إلا لله سبحانه وتعالى، الذي قدر كل شيء قبل أن يخلقه.
رابعها: أن علم الله لا يسبقه جهل، وعلم غيره مسبوق بالجهل.
وبهذه الأمور وغيرها يظل علم الله سبحانه وتعالى في قدسيته وشموله وصدقه لا يدانيه فيه مخلوق من مخلوقاته، قالتعالى:)وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ( ([29]) (الانعام:59).
بعد هذا العرض لتوضيح المراد بقوله تعالى: )ويعلم ما في الأرحام((لقمان :34) نرى أنه من المفيد أن نورد تلخيصًا سريعًا يجمل ما سبق:
- مفاتح الغيب هي: السنن أو الطرق الموصلة لاستكشاف الغيب الحقيقي المقصور علمه ـ بكلياته وجزئياته ـ على الله تعالى، أو هي خزائن الغيب، أو هما معًا. ومفاتح الغيبالخمس محجوب علمها عن الخلق جميعًا، ولا يعلمها علمًا ذاتيًّا إلا الله وحده، أما علم الله المحيط الشامل لعالم الشهادة، فليس من مفاتح الغيب الخمس.
- وفقا للقواعد الأصولية التي توجب الجمع والتوفيق بين النصوص الواردة في الموضوع نفسه، فإن العموم الوارد في آية سورة لقمان:)إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (34)((لقمان) يراد به الخصوص الوارد في الحديث “مفاتح الغيب خمس لايعلمها إلاالله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متىيأتي المطر أحد إلا الله…”([30]) الحديث، وعليه فإن العلم بما في الأرحام الذي لا يعلمه إلا الله هو علم ما تغيض الأرحام، كما أن العلم الذي لا يعلمه إلا الله في إنزال الغيث هو العلم بوقت نزوله.
- غيض الأرحام هو هلاك الأجنة المبكر، أو ما يعرف طبيًّا بالإسقاط التلقائي للأجنة في أطوار خلقها المبكرة؛ أي في الأسابيع الثمانية الأولى بعد التلقيح، ويشمل الأجنة التي تبتلعها الأرحام أو تلفظها.
- العلم بغيض الأرحام يعني: أن العلم بمستقبل تخليق أطوار الأجنة الأولى، من طور إلى طور، هل هي هالكة أم مخلقة؟ غيب لا يعلمه إلا الله وحده؛ وهذا يعني أن مشيئة إنشاء إنسان جديدمن عدمه، في علم الله وحده.
- قضية الذكورة والأنوثة والتشوهات الخلقية للأجنة في بطون أمهاتها، ليست من مفاتح الغيب الخمسة، بل هي من عالم الشهادة، والقطع فيها بالعلم من قبل الأطباء والخبراء ليس من الغيب الحقيقي؛ بل هي من الأشياء الخاضعة لسنن الاستكشاف، والتي أمرنا بالتعرف عليها([31]).
3) وجه الإعجاز:
على الرغم من تقدم العلم واستطاعته ـ بإذن الله ـ الكشف عن نوع الجنين في رحم أمه إلا أن هذا لا يعد خرقًا لقاعدة مفاتح الغيب؛ حيث إننا لو نظرنا إلى معرفة نوع الجنين من حيث كونه ذكرًا أو أنثى لوجدناها واحدة من آلاف المعلومات التي تتعلق بتخلق الجنين أو تطوره؛ مما يثبت إعجاز القرآن وسبقه للعلم الحديث في هذا المضمار منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان.
كما أن دلالة غيض الأرحام على الإسقاط التلقائي المبكر بصورتيه: غور الأجنة وإسقاطها, وما يصاحبه من نقصان ونضوب لبرك السوائل والدماء المحيطة بالأجنة ـ لهو إعجاز علمي واضح سبق به القرآن الكريم علم الأجنة بقرون, فالعرب رغم أنهم يعرفون معنى لفظ الغيض لغة إلا أنهم لم ينطقوا بجملة (غيض الأرحام) قط قبل نزول القرآن الكريم.
ولقد اتضح بيقين ـ في هذا الزمان ـ بعد تقدم علم الأجنة الوصفي والتجريبي دقة لفظ الغيض ودلالته الشاملة لكل الأحداث التي تمر بها الأجنة الهالكة في مرحلة التخليق؛ فبعضها تسقطه الأرحام, ويمكن أن يشاهد وتدرك آثاره, والبعض الآخر يتلاشى ويختفي ولا تدرك آثاره؛ ويصدق عليها أن الأرحام قد ابتلعتها كما تبتلع الأرض الماء. وهذه الحقيقة لم تعرف إلا في أواخر القرن العشرين, بعد تقدم أجهزة البحث والرصد والتحاليل الدقيقة, ولم تحدد بدقة إلا بعد استخدام أجهزة الموجات فوق الصوتية المكتشفة حديثًا.
وهكذا أثبت العلم ـ بيقين ـ دقة هذا التعبير وشموليته؛ وبهذا يتحقق السبق القرآني في الإشارة إلى حقائق علمية دقيقة, لم يكتشف معظمها إلا في النصف الثاني من القرن العشرين؛ تحقيقًا لقول الله تعالى: )إن هو إلا ذكر للعالمين (87) ولتعلمن نبأه بعد حين (88)( (ص).
(*) وَهْم الإعجاز العلمي، د. خالد منتصر، دار العين، القاهرة، ط1، 2005م.
[1]. تُعدُّ الكيسة الأريمية مضغة ما قبل الانغراس، وهي تتطور حتى اليوم الخامس من التلقيح، كما تتضمَّن الكيسة الأريمية جميع المواد الضرورية للتطور إلى كائن بشري كامل، وتتألف الكيسة الأريمية من:
الكتلة الخلوية الداخلية، وتتكوَّن من 30 ـ 34 خلية، يصفها العلماء بأنها متعددة القدرة؛ وذلك لقدرتها على التمايز إلى أي نوع من أنواع الخلايا في الجسم.
الخلايا الخارجية (المحيطية)، والتي تتطور لتعطي الملحقات الجنينية (مشيمة، حبل سري…).
هذا وإن خلايا الكتلة الداخلية ـ خلال مسيرة التطور الجنيني ـ مسئولة عن إعطاء جميع الطبقات (البويضات) الجنينية الأصلية الابتدائية الثلاث: الخارجية، الوسطى، الداخلية؛ وبذلك تكون هذه الخلايا قادرة على التحول إلى أكثر من 200 نوع من الخلايا الموجودة في الجسم عندما تحصل على التحريض الكافي والضروري لتتحول إلى نموذج محدد من الخلايا، كما تجدر الإشارة إلى أن خلايا الكتلة الداخلية في الكيسة الأريمية لا تشارك في إعطاء الأغشية الجنينية الخارجية أو المشيمة أبدًا.
[2]. الحصبة الألمانية (Rubella): مرض مُعدٍ لا يسبب للطفل إزعاجًا أكثر من الزُّكام، وقد سُمِّيت بهذا الاسم؛ لأنها اكتشفت للمرة الأولى على يد مجموعة من الأطباء الألمان في منتصف القرن الثامن عشر، وتستمر فترة حضانة الفيروس بعد أن يدخل الجسم من 14 إلى 21 يومًا، وعادة تكون 18 يومًا، ثم تبدأ أعراض المرض في الظهور، مثل ارتفاع درجة حرارة الجسم خلال اليومين الأولين، ولا يحتاج مرضى الحصبة الألمانية إلى علاج خاص، ولكن هذا المرض قد يؤثر على الجنين وهو في رحم أمه؛ كأن يولد الطفل مُشوَّهًا، أو مصابًا بمرض القلب، أو مصابًا بفقدان النظر أو السمع، أو يصاب بتأخر في النمو العقلي والجسدي، أو غير ذلك؛ ولذلك يجب أن تتجنَّب المرأة الحامل الاتصال بشخص مصاب بالحصبة الألمانية لتجنب العدوى.
[3]. مفاتح الغيب.. وعلم ما في الأرحام، د. عبد الجواد الصاوي، بحث منشور بمجلة الإعجاز العلمي، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، السعودية، العدد (28)، رمضان 1428هـ، ص35، 36.
[4]. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، محمد بن صالح بن محمد العثيمين، جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، دار الوطن، دار الثريا، السعودية، 1413هـ، ج5، ص198.
[5]. لسان العرب، مادة: رحم.
[6]. المغيبات الخمس، مقال منشور بموقع: حراس العقيدة www.hurras.net.
[7]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج3، ص453.
[8]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج10، ج21، ص198.
[9]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج5، ص2799.
[10]. أخرجه مالك في موطئه، كتاب: البيوع والتجارات والسلم، باب: النُّحْلَى، ص259، رقم (808).
[11]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ج19، ص11768، 11769.
[12]. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، مرجع سابق، ج1، ص36.
[13]. مفاتح الغيب.. وعلم ما في الأرحام، د. عبد الجواد الصاوي، مرجع سابق، ص33.
[14]. هل يملك أحد الإخبار بنوع الجنين؟ محمد السقا عيد، مقال منشور بموقع: اسم الله www.esmallah.org.
[15]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى:)عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا(26)((الجن)، (13/ 374)، رقم (7379).
[16]. هل في كشف جنس الجنين منازعة لله في الغيب؟ د. محمد دودح، بحث منشور بموقع: الإسلام اليوم www.islamtoday.net.
[17]. مفاتح الغيب.. وعلم ما في الأرحام، د. عبد الجواد الصاوي، مرجع سابق، ص35.
[18]. هل العلم الحديث يعلم ما في الأرحام؟ مقال منشور بموقع: شبهات www.shobohat.com.
[19]. خلق الإنسان في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص513: 515.
[20]. إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، كريم نجيب الأغر، مرجع سابق، ص229.
[21]. خلق الإنسان في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص517، 518.
[22]. هي الخلايا الأولية التي ستتحوَّل إلى خلايا أنثوية أو ذكرية.
[23]. متى يُحدَّد جنس المولود؟ مقال منشور بموقع: التوحيد www.eltwhed.com.
[24]. امرأة تلد ثمانية توائم في مستشفى في كاليفورنيا، مقال منشور بموقع: www.quran.maktoob.com.
[25]. هل يملك أحد الإخبار بنوع الجنين؟ محمد السقا عيد، مقال منشور بموقع: اسم الله www.esmallah.org.
[26]. المغيبات الخمس وأثرها في حياة الإنسان، د. عبد الحي الفرماوي، مقال منشور بمجلة منار الإسلام، أبو ظبي، العدد (6)، 1416هـ، ص27.
[27]. مفاتح الغيب.. وعلم ما في الأرحام، د. عبد الجواد الصاوي، مرجع سابق، ص35، 36.
[28]. هل يملك أحد الإخبار بنوع الجنين؟ محمد السقا عيد، مقال منشور بموقع: اسم الله www.esmallah.org.com.
[29]. هل العلم الحديث يعلم ما في الأرحام؟ مقال منشور بموقع: شبهات www.Shobhat.com.
[30]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى:)عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا(26)((الجن)، (13/ 374)، رقم (7379).
[31]. مفاتح الغيب.. وعلم ما في الأرحام، د. عبد الجواد الصاوي، مرجع سابق، ص39.
دعوى مقدرة العلم الحديث على تغيير إرادة الله في خلقه
مضمون الشبهة:
يدعي بعض الطاعنين أن العلم الحديث قادر على تغيير إرادة الله في خلقه؛ حيث إن الله سبحانه وتعالى يصور آلاف الناس في الأرحام بتشوهات خلقية متعددة، والعلم الحديث يقوم بمعالجتها. ويتساءلون: كيف يقول الله سبحانه وتعالى:)لا تبديل لخلق الله( (الروم: ٣٠) والعلماء في العصر الحديث قد استطاعوا أن يغيروا هذا الخلق؟!
وجه إبطال الشبهة:
إن تصوير الله عز وجل للتشوهات الخلقية في الأرحام يسير وفق سنن كونية؛ إظهارًا لطلاقة قدرته سبحانه وتعالى، أما عن معالجة العلم الحديث لهذه التشوهات فإنه ضمن إرادة الله سبحانه وتعالى الكلية، وليس تغييرًا البتة لإرادته سبحانه وتعالى كما يدّعون؛ خاصة أن الله سبحانه وتعالى قد أباح العلاج وحث عليه، وأوجد طرقًا له، وأما عن قوله سبحانه وتعالى: )لا تبديل لخلق الله( (الروم: ٣٠) فإن المراد به عند أكثر المفسرين هو النهي عن تغيير خلق الله وليس نفيه، دل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى على لسان إبليس: )ولآمرنهم فليغيرن خلق الله( (النساء: ١١٩)، إضافة إلى أن تغيير خلق الله الذي قام به العلماء ـ ولا يزالون يقومون به ـ ليس تغييرًا كليًّا، بل هو تغيير جزئي ظاهري، أما العاطفة والفطرة فلا يمكن تغييرهما بأية حال.
التفصيل:
لا شك أن الخالق سبحانه وتعالى هو الذي يصور الخلق في الأرحام كيف يشاء؛ من ذكر أو أنثى، أو أسود أو أبيض، أو طويل أو قصير، تام الخلق وغير تام، قال سبحانه وتعالى:)هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم (6)( (آل عمران)([1]).
وهذه حقيقة لم تدركها العلوم المكتسبة إلا بعد تطور كل من علوم الأجنة والوراثة، وقراءة الشفرة الوراثية للإنسان، وإدراك الضوابط العديدة التي تتحكم في تخلق الأجنة في أرحام الأمهات؛ الأمر الذي يشير إلى أنها لا يمكن أن تتخلق بعفوية أو صدفة، بل لا بد لها من خالق عليم حكيم، له من صفات الألوهية والربوبية والوحدانية، ومن طلاقة القدرة، وشمول العلم وكمال الحكمة ـ ما يمكنه من تحقيق ذلك([2]).
وانطلاقًا من ذلك نقرر أن الله تعالى لما خلق الكون جعله يجري وفق سنن كونية تحفظ ثباته وتصون نظامه، وقد يدفع هذا الانتظام الثابت المستقر بعض الناس إلى توهم حتمية هذا النظام وقهريته، بل إن بعض الناس قد يغفل عن وجود الصانع المتصرف في خلقه نتيجة الثبات الذي لا يكاد يختل البتة، فكان من تمام حكمة الله سبحانه وتعالى أن تحدث الحوادث الكونية الخارقة لسنن الكون المعتادة؛ لتدل على أن حوادث الكون المعتادة مخلوقة مصنوعة لبارئها المتصرف في مملكته تمام التصرف، بدليل حدوث غير المعتاد وغير المألوف.
وكان من طلاقة قدرة الله عز وجل في هذا الكون أنه يخلق بعض البشر بتشوهات خلقية متعددة، كأجزاء زائدة أو ناقصة في الجسم، وتوائم ملتصقة، وخنثى مشكل… إلخ، وما ذلك إلا تنبيهًا للغافلين وتثبيتًا للموقنين بأنه: )هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم (24)( (الحشر: ٢٤)([3]).
وهنا أثار الطاعنون شبهتهم قائلين: إن العلم الحديث يقوم بإصلاح التشوهات الخلقية ومعالجتها، وهذا تغيير لإرادة الله، علمًا بأنه سبحانه وتعالى يقول: )لا تبديل لخلق الله((الروم:30).
والجواب عن هذا يتمثل فيما يأتي:
لقد حث الإسلام على التداوي ومنع أسباب المرض، والتوقي منه ما أمكن ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله»([4]).
ولا شك أن التشوهات الخلقية مرض من الأمراض التي قدرها الله سبحانه وتعالى لبعض عباده، يؤكد هذا أن حوالي ثلث هذه التشوهات لها أسباب وراثية وبيئية، وذلك كما أثبت الطب الحديث.
إذًا فمعالجة هذه التشوهات أمر مندوب إليه في الشريعة الإسلامية، فكيف يدّعون أنه تغيير لإرادة الله عز وجل؟!
إن إرادة الله عز وجل تعني: “صفة أزلية قائمة بذاته تعالى، من شأنها تحقيق الممكنات ببعض ما يجوز عليها من وجود وعدم، بقطع النظر عن أي مؤثر خارجي”([5]).
وهذه الصفة مطلقة كاملة، صالحة للتعلق بكل الممكنات، وشاء الله أن يكون للإنسان اختيار وإرادة؛ فقد تعلقت إرادة الله عز وجل بأن يغرس في كيان الإنسان هذا السر الذي هو محور التكليف فيه، وأن يجعله يصدر في كثير من تصرفاته عن هذا السر الذي يسمى به حرًّا أو مختارًا.
ومعنى ذلك أن إرادة الله سبحانه وتعالى تعلقت بأن تكون مريدًا، فسَرَت إرادة الله عز وجل بذلك إلى كل ما تريده وتختاره من أعمال. إذًا فلا يمكن أن يقع أي تعارض بين إرادة الله سبحانه وتعالى وما تختاره عن طريق إرادتك الخاصة؛ إذ لو فرضنا أن الله غير مريد لعمل قد اخترته بإرادتك، فمعنى ذلك أنه سبحانه وتعالى غير مريد لإرادتك التي وجهتك إلى ذلك الفعل، وهو مناقض لما ثبت من أن الله عز وجل قد شاء لك أن تكون مريدًا، وشاء أن يخلق فيك هذا السر، فثبت بطلان فرض أن الله قد لا يريد العمل الذي تختاره.
ولنضرب على ذلك مثلًا يقرب لنا هذه الحقيقة: خادم عندك في الدار، تريد أن تعلم مدى صدقه وأمانته في الخدمة والمعاملة، ولكي تصل إلى بغيتك هذه تعطيه مبلغًا من المال وتبعثه إلى السوق لشراء الحوائج وتفسح له المجال أن يتصرف كما يشاء دون أن تضع عليه رقيبًا أو تضيق عليه السبيل.
فأنت بترتيبك هذا أردت أن يكون حرًّا فيما يفعل ويذر، لا يستجيب إلا لنداء ضميره وتفكيره الداخلي؛ بحيث يتمتع بإرادة لا يشوبها قسر، حتى تعلم بذلك طويته، فإن عاد وقد خان الأمانة فيما أعطيته من المال وما عاد به من المتاع، فأنت في الواقع مريد لهذه النتيجة، وإن عاد وقد حقق منتهى الأمانة في عمله، فأنت مريد أيضًا لهذه النتيجة؛ إذ أنت لم ترد إطلاق يده بالتصرف كما يشاء إلا وأنت مريد لظهور نتيجة لذلك أيًّا كانت النتيجة، تحبها وترضاها أم لا.
إذا تبين لنا هذا، علمنا أن مصير الإرادة الإنسانية في جنب إرادة الله، ليس إلا كمصير إرادة الخادم في جنب إرادة سيده، ولله المثل الأعلى، فإرادتك المتعلقة بتصرفاتك الاختيارية منطوية تحت إرادة الله سبحانه وتعالى، ولكن لا عن طريق القسر والإكراه (كما هو شأن إرادته المتعلقة بالنوع الأول من حركات ووظائف آلية)، وإنما عن طريق بث سر الإرادة والاختيار في كيانك، وكانت حكمته من ذلك أن تكسب بموجبها ما تحب، دون قسر أو إكراه، لتتجلى طويتك في سلوكك، فتستأهل بذلك مثوبة الله أو عقابه، وواضح أن سلوكك هذا يصبح بسبب ذلك من مرادات الله عز وجل.
وهكذا تعلم أن الله تعالى لا يقع في ملكه إلا ما يشاء ويريد، ولا يناقض ذلك أنه أعطاك أيضًا إرادة ومشيئة، كما لا يناقض علمه بالأشياء كلها أنه أعطاك أنت أيضًا علمًا بشىءٍ يسيرٍ منها([6]).
ومن خلال هذه المقدمة التأصيلية المهمة يتبين لكل مدّعٍ أن توصل الطب الحديث إلى علاج للتشوهات الخلقية هو ضمن إرادة الله سبحانه وتعالى الكلية، وليس تغييرًا البتة لإرادة الله عز وجل كما يدّعون؛ خاصة أن الله سبحانه وتعالى قد أباح العلاج وحث عليه، وأوجد طرقًا له.
وأما عن قوله سبحانه وتعالى: )لا تبديل لخلق الله( (الروم:30) ، والذي هو جزء من قوله سبحانه وتعالى: )فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (30)((الروم) ـ فإنه لا يقوم دليلًا البتة على ما ادعاه الطاعنون وذلك لما يأتي:
لقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد بقوله سبحانه وتعالى: )لا تبديل لخلق الله((الروم:30) هو النهي عن تغيير خلق الله وليس نفيه.
قال ابن الجوزي: “قوله سبحانه وتعالى: )لا تبديل لخلق الله((الروم:30) لفظه لفظ النفي، ومعناه النهي، والتقدير: لا تبدلوا خلق الله”([7]).
ونظير هذه الآية قوله سبحانه وتعالى في آية أخرى: )فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج( (البقرة: ١٩٧)؛ أي: لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا في الحج([8]).
وليس أدل على المعنى السابق من قوله سبحانه وتعالى على لسان إبليس: )ولآمرنهم فليغيرن خلق الله((النساء:119)، فلو لم يكن المراد من الآية التي معنا النهي، لما استطاع الشيطان أن يقول هذا الكلام هنا عصيانًا منه لأمر الله سبحانه وتعالى، فالله عز وجل إذا نفى شيئًا لا يستطيع أهل الأرض ـ وإن اجتمعوا ـ أن يثبتوه.
وبالفعل تمكن الشيطان من إضلال الناس؛ حتى قاموا بتغيير خلق الله ظاهريًّا فقط، ولكن يبقى الخلق الأصلي، وتبقى الفطرة والعاطفة لا يمكن تغييرها:)فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (30)((الروم).
الخلاصة:
- إن الله سبحانه وتعالى يصور التشوهات الخلقية في الأرحام؛ تنبيها للغافلين وتثبيتًا للموقنين بطلاقة قدرته سبحانه وتعالى.
- إن معالجة العلم الحديث للتشوهات الخلقية يسير ضمن إرادته سبحانه وتعالى الكلية؛ فإنه عز وجل قد أباح العلاج وحث عليه، وأوجد طرقًا له.
- المراد بقوله سبحانه وتعالى:(لا تبديل لخلق الله( (الروم:30)،عند أكثر المفسرين هو النهي عن تغيير خلق الله وليس نفيه، دل على هذا قول الله سبحانه وتعالى على لسان إبليس: )ولآمرنهم فليغيرن خلق الله((النساء:119).
- إن محاولات تغيير خلق الله سبحانه وتعالى لا تعدو أن تكون تغييرًا جزئيًّا ظاهريًّا فحسب، أما الفطرة والعاطفة فلا يمكن تغييرهما البتة.
(*) ماذا ترك العلم لإله السماء؟! كامل النجار، مقال منشور بموقع: الحوار المتمدنwww.ahewar.org.
[1]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، مرجع سابق، ج6، ص168 بتصرف.
[2]. خلق الإنسان في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص393.
[3]. رسالة في آلام الأطفال وتشوهاتهم الخلقية: نظرة إسلامية، د. وسيم فتح الله، مقال منشور بموقع: صيد الفوائدwww.saaid.net.
[4]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود، (6/ 121)، رقم (4236). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[5]. كبرى اليقينيات الكونية، د. محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط25، 1426هـ/ 2005م، ص120.
[6]. المرجع السابق، ص155، 156 بتصرف.
[7]. زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، مرجع سابق، ج5، ص96.
[8]. انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، الشنقيطي، مرجع سابق، ج1، ص309.
دعوى أن إمكانية اختيار جنس الجنين يُعدُّ تحدِّيًا للمشيئة الإلهية
مضمون الشبهة:
يزعم بعض الملحدين أن العلم قد حلَّ مكان الله سبحانه وتعالى في عملية اختيار جنس الجنين ذكرًا كان أو أنثى، وذلك من خلال التدخُّل في الصبغيات الحاملة للصفات الوراثية والتلاعب بها على نحو ما يريدون، واعتبروا ذلك تحدِّيًا للمشيئة الإلهية التي أخبر المولى سبحانه وتعالى عنها في قوله: )يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور (49)( (الشورى). رامين من وراء ذلك إلى إثبات خطأ القرآن الكريم في إخباره عن اختصاص الله سبحانه وتعالى بتحديد جنس الجنين، وذلك بعد أن استطاع الأطباء اختيار جنس الجنين بناء على اختيار الأبوين.
وجه إبطال الشبهة:
إن أَخْذ العبد بالأسباب التي جعلها الله سبحانه وتعالى وسيلة لإدراك مسبباتها ـ سواء أكان ذلك في تحديد جنس الجنين أم في غيره ـ لا يتضمَّن منازعة لله في خلقه ومشيئته وتصويره، وذلك أن كل ما يكون من العبد لا يخرج عن تقدير الله ومشيئته وخلقه، فإذا أراد الله أن تتم عملية اختيار نوع الجنين فسينجح العمل الطبي، وإذا لم يرد الله ذلك فستفشل العملية، تمامًا مثلما يحدث في علاج المرضى، فقد ينجح العلاج وقد يفشل، بالإضافة إلى أن إيجاد هذه الحيوانات المذكَّرة أو المؤنثة التي يعتمد عليها الأطباء في تحديد الجنس هي من عند الله سبحانه وتعالى ، فهو وحده القادر على إعطائها لمن يشاء.
التفصيل:
إن محاولة تحديد جنس الجنين ـ ذكرًا أو أنثى ـ ليست تحدِّيًا للمشيئة الإلهية في شيء؛ إذ إن عملية اختيار نوع الجنين نفسها تتم بإرادة الله سبحانه وتعالى ، فإذا أراد الله أن تتم هذه العملية فسينجح العمل الطبي، وإذا لم يرد ذلك فستفشل.
وذكر الدكتور خالد بن عبد الله المصلح دليل القائلين بعدم جواز تحديد جنس الجنين ـ بناء على أنه منازعة لله في خلقه ومشيئته وما اختص به من علم ما في الأرحام ـ … ثم يجيب عن هذا الدليل فيقول: وأجيب عن ذلك بما يأتي:
الأول: أن أَخْذَ العبد بالأسباب التي جعلها الله سبحانه وتعالى وسيلة لإدراك مسبباتها ـ سواء أكان ذلك في تحديد جنس الجنين أم في غيره ـ لا يتضمَّن منازعة لله في خلقه ومشيئته وتصويره، وذلك أن كل ما يكون من العبد لا يخرج عن تقدير الله كما قال سبحانه وتعالى: )وما تشاءون إلا أن يشاء الله((الإنسان: 30)، وكما قال:)الله خالق كل شيء((الزمر: ٦٢)، والإيمان بهذا لا يلغي مشيئة العبد وعمله، كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة، فالنصوص دالة على إثبات مشيئة العباد وفعلهم، وبهذا يتبيَّن أن العمل على تحديد جنس الجنين لا يتضمن منازعة للرب سبحانه وتعالى في مشيئته وخلقه وتصويره، ويوضِّح هذا أن الأسباب لا تستقل بالتأثير، بل هي مفتقرة لأمر الله تعالى، فتأثيرها يكون بتقديره، فلو شاء لسلبها قواها فلم تؤثِّر شيئًا، (وليس شيء من الأسباب مستقلًّا بالفعل، بل هو محتاج إلى أسباب أُخرَ تعاونه، وإلى دفع موانع تعارضه ولا تستقل إلا مشيئة الله سبحانه وتعالى ، فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاء الله كان وإن لم يشأ العباد، وما لم يشأ لم يكن ولو شاء العباد).
الثاني: أن العمل على تحديد جنس الجنين لا ينافي اختصاص الله تعالى بعلم ما في الأرحام، ويتبيَّن هذا بما يأتي:
- أن العمل على تحديد جنس الجنين لا يعدو كونه أخذًا بسبب من الأسباب لإدراك غاية قد تحصل وقد لا تحصل كسائر أسباب المطالب والمرغوبات، فالوطء الذي هو سبب الحمل عمل يقوم به الزوجان لتحصيل الولد قد ينتج عنه الحمل وقد لا ينتج، فليس في ذلك ما ينفي اختصاص الله تعالى بعلم ما في الأرحام.
- 2.أنه في حال حصول النتيجة المطلوبة بتحديد جنس الجنين فليس في ذلك ما ينافي ما ذكره الله تعالى من اختصاص علمه بما في الأرحام، فإن الذي اختصَّ به الله تعالى هو العلم السابق للوجود، وكذا العلم التام بما في أرحام ذوات الأرحام من كل وجه، وكذا العلم بما يكون من حالهم وعملهم ومآلهم، فعِلْم جنس الجنين لا ينافي ذلك ولا يعارضه؛ لأن الله تعالى يُظْهِرُ عليه بعض خلقه؛ إما بالإعلام، وإما بالتجربة والخبرة، وإما بغير ذلك من الوسائل والأسباب، وهو قطرة في بحر.
وبيان ذلك أن جنس ما في أرحام إناث بني آدم يُعْلِمُ اللهُ تعالى به الملكَ الموكَّل بالرحم كما دلَّت على ذلك الأحاديث، ومن أشهرها حديث ابن مسعود رضى الله عنه في بيان مراحل خلق الإنسان؛ ففيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الملك الموكَّل بالجنين عند خلقه: قال: يا رب، أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك»([1])، وكذا حديث أنس رضى الله عنه عن النبي صلى لله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل وكَّل بالرحم ملكًا يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى؟ شقيٌّ أم سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ فيُكتب في بطن أمه»([2])([3]).
ويؤيِّد الدكتور محمد رأفت عثمان أن هذا التحديد لا يتعارض مع مشيئة الله فيقول: “إن اختيار نوع الجنين لا يتنافى إطلاقًا مع كون الاختيار الذي تمَّ هو هبة من الله سبحانه وتعالى؛ وذلك لأننا نؤمن إيمانًا يقينيًّا أن كل ما في الكون لا يحدث إلا بإرادة الله سبحانه وتعالى, فإذا أراد الله أن تتم عملية اختيار نوع الجنين فسينجح العمل الطبي, وإذا لم يرد الله ذلك فستفشل العملية, كما يحصل في علاج المرضي، فقد ينجح العلاج وقد يفشل, ولو كان ما يقوله بعضهم صحيحًا لكان علاج العقم من المحرمات؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال في السياق نفسه: )ويجعل من يشاء عقيمًا(الشورى: ٥٠)، فإذا كان التحكم في اختيار نوع الجنين ممنوعًا لأنه هبة من الله سبحانه وتعالى, فإنه أيضًا سيكون علاج العقم ممنوعًا, ولا يقول بذلك عاقل، ونظير هذه الآية الكريمة قول الله سبحانه وتعالى: )قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير (26)(آل عمران)، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يعز ويذل, يهب الملك لمن يشاء وينزعه ممن يشاء, إلا أن هذا لا يمنع أن يبحث الإنسان عن الأسباب التي تؤدي إلى تحصيل العزة، ويبتعد عن الأشياء التي تؤدي إلى حصول مذلَّته”([4]).
وترى الدكتورة سعاد صالح ـ العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر ـ أنه لا مانع من هذا الأمر إلا إذا كان القصد منه هو إنجاب ذكر لحجب الميراث, ومهما تقدَّم العلم فإنه لا يمكن أن يحدث أي شيء إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى, ومن يقول: إن نتيجة عملية اختيار نوع الجنين مضمونة 100% فهو مخطئ, وعندما يتصادم العلم مع الدين فلا يكون علمًا, فلن يتحقَّق أي شيء إلا بمشيئة الله له، وذلك في قوله سبحانه وتعالى:)لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور (49) أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا إنه عليم قدير (50)((الشورى)([5]).
وما الغرابة في أن هذه المحاولة لا تنافي أن الله وحده هو الخالق، وهو الذي يهب الذكور والإناث، وذلك لأن الله تعالى من حكمته أنه يجعل الشيء مرتبطًا بسببه، كما أن الله تعالى هو الشافي ويجعل لذلك سببًا، وهو تناول الدواء المناسب، والله تعالى هو المميت ويقدر لذلك أسبابًا كالحوادث والأمراض وغيرها، والله تعالى هو الرزاق ويقدِّر أسباب ذلك، والله تعالى هو الذي ينزل المطر ويقدر أسباب ذلك من الرياح الباردة، ووجود السحاب … إلخ، والله تعالى هو الذي يخلق البشر ويقدر أسباب ذلك كالزواج، فكذلك هو الذي يخلق الذكر والأنثى، ويقدر أسباب ذلك أيضًا، والإسلام ينظر إلى الأسباب نظرة وسطية بين النافي لها، والمغالي فيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وإن كان الله تعالى قد جعل لها ـ أي: مسألة تعليق الأشياء بغير الله ـ أسبابًا، فالسبب لا يستقلُّ بنفسه، بل لا بد له من معاون، ولا بد أن يمنع المعارِض المعَوِّق له، وهو لا يحصل ويبقى إلا بمشيئة الله تعالى, ولهذا قيل: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقصٌ في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع”([6]).
فالسبب لا يثمر ما يراد منه إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى؛ فقد تتبع الأم النظام الغذائي غير أن الله تعالى لا يقدِّر لها حصول ما تريد، بل لا يكون إلا ما يريده الله تعالى([7])، وكذلك قد يقوم الطبيب بإجراء هذه العملية ـ اختيار نوع الجنين ـ لكنها لا تنجح، وهذا ما يحدث كثيرًا، فالكل راجع إلى مشيئة الله وإرادته لا إرادة الإنسان.
ويزداد الأمر يقينًا بأنه لا تعارض بين قوله تعالى: )يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور (49)((الشوري)، وبين إمكان تحديد جنس الجنين؛ لأن عمل هذه المختبرات أو المستشفيات هو فصل الحيوان المنوي الذي يحمل الذكورة عن الحيوان المنوي الذي يحمل الأنوثة، ثم تلقيح البويضة بأحدهما، أما إيجاد هذه الحيوانات المذكرةمنها والمؤنثة فهو من الله الذي يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور، فلاتعارض إذًا بين الآية وبين إمكانية تحديد جنس المولود مخبريًّا، وهذا أمر واضح([8])
يقول زياد أحمد سلامة مبينًا عدم التعارض: لا بد من معرفة معنى مراد الله تعالى، ومعنى إرادته للوصول إلى شيء في هذه المسألة، فقوله تعالى: )يخلق ما يشاء( يبيِّن أن الخلق الابتدائي أو الإيجاد من العدم هو بيد الله تعالى وحده، وقوله:)يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور (49)((الشوري)، أنه جلَّت قدرته بيده أن يكون المولود لفلان من الناس ذكرًا أو أنثى، وقد تتم عملية الهبة هذه بواسطة أسباب يقوم بها الإنسان نفسه من خلال التحكم في الصبغيات؛ إذ لا تشير الآية إلى أن الهبة هذه يتحكم بها الله سبحانه وتعالى وحده، فقد تتم أيضًا من خلال الإنسان، وهذا التدخُّل لا يُعَدُّ خلقًا أو تعديلًا لخلق الله سبحانه وتعالى، أرأيت أن الشفاء بيد الله تعالى، ولكن يجريه على أيدي الأطباء أو بأسباب الدواء، أرأيت أن الرزق بيد الله ويجريه على أيدي العباد، أرأيت أن الأجل بيد الله وقد يجريه الله على أيدي بعض الناس، ولكن قد يظن بعض الناس أن هذه الأمور مقاديرها بيد الناس، وفي الحقيقة هي بيد الله تعالى وحده.
ويؤيِّد ذلك معنى إرادة الله تعالى والذي هو كما يقول: “صفة أزلية قائمة بذاته تعالى من شأنها تخصيص الممكنات ببعض ما يجوز عليها من وجود وعدم وتكيف، بقطع النظر عن أي مؤثر خارجي… وهي مطلقة كاملة وصالحة للتعلُّق بكل الممكنات، وشاء الله أن يكون للإنسان اختيار وإرادة؛ فقد تعلقت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يخلق في كيان الإنسان هذا السر الذي هو محور التكليف فيه، وأن يجعله يصدر في كثير من تصرفاته عن هذا السر الذي يُسمَّى به حرًّا أو مختارًا، فإرادة الله تعالى في أن يخلق ذكرًا أو أنثى إرادة قائمة متكاملة غير منقوصة، ولا يعارضها أن يكون للإنسان دور في إيجاد أو تحديد جنس هذا المولود، فإرادة الله سبحانه وتعالى شاءت أن يكون ذلك الإنسان مختارًا في تحديد جنس المولود، وهذا الاختيار هو ضمن إرادة الله سبحانه وتعالى الكلية، وبذلك فإذا أراد الله أن يخلق ذكرًا أو أنثى، يخلقه بإرادته وقدرته المنفردة على النحو الذي أراد، وإذا تدخل أحد في هذا الأمر، فيكون هذا التدخل ضمن إرادة الله”([9]).
الخلاصة:
- إن أخذ العبد بالأسباب التي جعلها الله تعالى وسيلة لإدراك مسبباتها ـ ومنها تحديد جنس الجنين ـ لا يتضمَّن منازعة لله تعالى في خلقه ومشيئته وتصويره، وذلك أن كل ما يكون من العبد لا يخرج عن تقدير الله ومشيئته وخلقه.
- عملية اختيار نوع الجنين لا تحدث إلا إذا أراد الله لها أن تحدث، وإذا لم يرد الله لها ذلك فستفشل العملية، كما يحدث في علاج المرضى، فقد ينجح العلاج وقد يفشل.
- إن من حكمة الله سبحانه وتعالى أن يجعل الشيء مرتبطًا بسببه، فهو الذي يخلق البشر ويقدِّر أسباب ذلك كالزواج، وهو الذي يخلق الذكر والأنثى ويقدر أسباب ذلك أيضًا، ولا يمكن أن يثمر السبب إلا بمشيئة الله تعالى.
- إن عمل المستشفيات في عملية اختيار جنس الجنين، هو فصل الحيوان المنوي الذي يحمل الذكورة عن الحيوان المنوي الذي يحمل الأنوثة ثم تلقيح البويضة بأحدهما، أما إيجاد هذه الحيوانات المذكَّرة أو المؤنثة فهو من الله الذي يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور، فلا تعارض إذًا بين قوله تعالى:)يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور (49)((الشوري)، وبين إمكانية تحديد جنس الجنين مخبريًّا.
(*) أطفال الأنابيب بين العلم والشريعة، زياد أحمد سلامة، مرجع سابق.
[1]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، (9/ 3760)، رقم (6602).
[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحيض، باب: مُخلَّقة وغير مخلقة، (1/ 498)، رقم (318).
[3]. رؤية شرعية في تحديد جنس الجنين، د. خالد بن عبد الله المصلح، كتاب منشور بموقع: www.almosleh.com.
[4].)يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ(49)((الشوري)، مقال منشور بموقع: مصر النهارده www.masrelnahrda.net.
[5].)يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)((الشوري)، مقال منشور بموقع: مصر النهارده www.masrelnahrda.net.
[6]. الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1408هـ/ 1987م، ج5، ص233.
[7]. هل يتعارض تحديد جنس الجنين مع كون الله تعالى هو الذي يهب الذكور والإناث، مقال منشور بموقع: الإسلام سؤال وجواب www.islamga.com.
[8]. درء التعارض بين قوله تعالى: )يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)((الشوري)، وبين إمكان تحديد جنس المولود، مقال منشور بموقع: سبيل الإسلام www.sbeelalislam.org.
[9]. أطفال الأنابيب بين العلم والشريعة، زياد أحمد سلامة، مرجع سابق، ص18.
التشكيك في خلق الإنسان في أحسن تقويم
مضمون الشبهة:
يشكِّك بعض المغرضين في بديع قدرة الله سبحانه وتعالى في خلق الإنسان، الذي أخبر عنه قوله سبحانه وتعالى: )لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (4)( (التين).
متسائلين: أين هذا التقويم الحسن، وأين هذا الخلق الذكي، والإنسان به الكثير من الأعضاء الزائدة التي لا فائدة منها، ويمثلون لهذه الأعضاء بما يأتي:
- الزائدة الدودية: التي يزعمون أنها خلقت عبثًا، ويستدلون على ذلك بأن كثيرًا من الأشخاص يقومون بإزالتها، ويعيشون بدونها في حياة طبيعية.
- كثرة الحيوانات المنوية: حيث إن حيوانًا واحدًا فقط هو الذي يلقح البويضة، فلماذا لم يكتف بحيوان واحد في كل دفقة منيّ؟
- اللوزتان: وهما معرضتان للورم كثيرًا مما يسبب كثيرًا من الالتهابات لصاحبهما، فيدعوه ذلك إلى إزالتهما ولا يسبب ذلك ضررا له.
- ضرس العقل: حيث إن الأسنان تقوم بالدور، وأن 5% فقط من البشر الذين يمتلكون ضرس العقل بصحة جيدة، أما عدا ذلك فيضطرون إلى خلعه للتخلص من مشاكله، ولا يؤثر ذلك عليهم في شيء.
- القُلْفة التي تغطي رأس العضو التناسلي: لا يرون وجودها مفيدًا في شيء، وما المغزى من خلقها ثم الأمر بإزالتها وتحمل المشاق في ذلك؟!
- شعر العانة والإبطين: حيث يستهزئون من خلقه ثم الأمر بإزالته.
ويقولون: ألم يكن بمقدور الله تعالى أن يخلق الإنسان كما يريد دون هذه الزوائد؟
ويرمون من وراء ذلك إلى إثبات أن الإنسان لم يخلق في أحسن تقويم كما قال القرآن، بل إن هذا يعد دليلًا واضحًا على أن التطور الطبيعي هو الذي جعل الإنسان بهذه الصورة، وليس خلق الله وإلا لكان في صورة أدق وأحكم.
وجه إبطال الشبهة:
- أخبر الله سبحانه وتعالى أنه خلق الإنسان في أحسن صورة وهيئة، وأنه جعله على أحسن الوجوه التي ينبغي أن يكون عليها، وأن أي عضو من أعضائه لم يُخلق عبثًا، وإنما خلق لوظيفة مهمة؛ فقالسبحانه وتعالى: )لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (4) ( (التين)، ثم جاءت الدراسات الطبية الحديثة مؤكدة تلك الحقيقة العلمية، يتضح ذلك من خلال بيان أهمية بعض الأعضاء التي ظن بعض المشككين أنها لا فائدة منها، هذه الأعضاء هي:
- الزائدة الدودية: تعتبر مصنعًا لإنتاج وحفظ مجموعة من البكتيريا التي تلعب دورًا مفيدًا للمعدة، والتي تفقد عند تعرض الجسم لأمراض الكوليرا والإسهال الشديد وغيرها.
- كثرة الحيوانات المنوية: أثبتت التحاليل الطبية أن الحد الأدنى للإخصاب هو عشرون مليونًا من الحيوانات المنوية في كل مليلتر من المنيّ، ولا يتم الإخصاب في أقل من ذلك إلا في حالات نادرة جدًّا.
- اللوزتان: تشكلان خطًّا دفاعيًّا ضد كل ما يهدد جسم الإنسان من ميكروبات غازية عن طريق الفم أو الأنف، فهما يمثلان سلاح الحدود الذي يحمي الجسم من الغزاة.
- ضرس العقل: يعمل على تأمين التراص بين الأسنان، وانتظامها في سلسلة متماسكة، إلى جانب دوره المهم في حالة إحلاله محل الضروس الأخرى في حالة فقدها، ومساعدته في عملية المضغ.
- القُلْفة التي تغطي رأس العضو التناسلي: تحمي رأس العضو التناسلي الحساس من تأثير السائل الأمنيوسي في الرحم، الذي يتكون أغلبه من البول الذي يفرزه الجنين، وهذا السائل مخرش للأغشية المخاطية، لكن بعد الولادة تنتهي فائدتها وتظهر أضرارها التي من أشهرها سرطان عنق الرحم، وسرطان جلد القضيب.
- شعر العانة والإبطين: له فوائد عديدة، منها: المحافظة على الجلد في هذه المناطق، والمساعدة على الاستثارة الجنسية، ويعتبر شعر الإبطين في هذه المنطقة القريبة من القلب بمثابة الإسفنج لامتصاص العرق وتبخيره بصورة أسرع ليتم تبريد المنطقة، ومن ثم تبريد الدم العائد للجسم، كل ذلك طالما أن الشعر صغير، أما إذا زاد في الطول انقلبت المنافع أضرارًا.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
مع تقدم العلم واختراع الأجهزة الحديثة التي تمكن بها الأطباء من مراقبة الأجهزة الداخلية لجسم الإنسان رغبة في معرفة جوهره ـ أخذ الأطباء والعلماء في البحث عن كل جزء من أجزاء جسم الإنسان، ومعرفة طبيعة عمله، وما الحكمة من وجوده؟ وركز العلماء بحثهم على الأعضاء التي لا تظهر فائدتها للعين المجردة، ومن خلال هذه الأبحاث تبين أن خلق الإنسان محكم، وأن كل شيء فيه خلق بقدر، لا نقص فيه ولا زيادة ولا عبث، ويمكننا بيان ذلك من خلال ذكر الحقائق العلمية التي توصل إليها العلم لبعض هذه الأعضاء.
أولا: الزائدة الدودية Appendix:
الزائدة الدودية التي كان يظن الناس منذ عقود طويلة أنها عضو زائد في الجسم وأنه لا فائدة منها ـ ظهر للعلماء أن لها منافع هائلة؛ فقد قال فريق طبي أمريكي أنه اكتشف الدور الحقيقي للزائدة الدودية التي تحير العلماء في معرفة فائدتها؛ حيث إنها المسئولة عن إنتاج وحفظ مجموعة متنوعة من البكتيريا والجراثيم التي تلعب دورًا مفيدًا للمعدة.
وذكر الفريق التابع لجامعة ديوك الأمريكية (DukeUniversity) أن هذا الاكتشاف قد يحسم الجدل حيال الدور المفترض للزائدة الدودية، بعد أن اعتبرت مدارس الطب الرسمية لعقود طويلة أنها عضو فقد دوره مع تطور الإنسان وبات من الممكن إزالته دون ارتدادات سلبية؛ فقد كانت الزائدة دليلًا من الأدلة المزعومة لنظرية التطور الهالكة، فانقلب السحر على الساحر وأصبحت دليلًا من الأدلة المهمة التي تدحض نظرية التطور.
ووفقا للدراسة التي أجراها هذا الفريق ونشرها في مجلة الطب النظري فإن عدد الجراثيم والبكتيريا التي يحويها جسم الإنسان تفوق عدد خلاياه، لكن السواد الأعظم من هذه الكائنات الدقيقة يمارس دورًا إيجابيًّا داخل الجسم، ويساعد على هضم الأطعمة.
وتشير الدراسة إلى أن أمراضًا معينة، مثل: الكوليرا أو الإسهال الشديد قد تؤدي إلى إفراغ الأمعاء من هذه البكتيريا والجراثيم المفيدة، وهنا يبدأ دور الزائدة التي يتوجب عليها في هذه الحالة العمل على إعادة إنتاج تلك الجراثيم وحفظها.
وللتأكيد على صحة ما ذكرناه، اعتبرت الدراسة أن موقع الزائدة الدودية في الطرف الأسفل من الأمعاء الغليظة التي تعتبر ممرًا أحادي الاتجاه للطعام تشكل دليلًا على ذلك([1]).
وهذا الاكتشاف قد تسابقت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة على نشره بين الناس، ومن أهم الوسائل جريدة الشرق الأوسط حيث كتبت تقول: لأجيال مضت، كان ينظر للزائدة كجزء من الأمعاء زائد عن الحاجة،عديم الوظيفة، عديم الفائدة، مزعج، يتم رفضه واستئصاله، وكان الجراحون يقومونبإزالة الزائدة الدودية كعمل دوري روتيني، ويعيش الناس بعدها ومن دونها بشكل مريح.
أما الآن فبعض العلماء يعتقدون أنهم أوضحوا الوظيفة الحقيقية للزائدة، بأنهاتأوي وتحمي الجراثيم المفيدة والجيدة للأمعاء، وتبدو وظيفة الزائدة متعلقةبالكمية الهائلة للبكتيريا التي تقطن الجهاز الهضمي البشري.
واستنادًا إلى دراسة قام بها البروفيسور “بيل باركر” أستاذ الجراحة، مع مجموعة من الجراحين وأخصائي المناعة في جامعة ديوك، ونُشرت في مجلة الطب النظري، فإن البكتيريا توجد ـ في الوضع المثالي للجسم ـ بأعدادكبيرة تفوق عدد خلايا الجسم البشري، وتُعدّ أغلب البكتيريا من النوع الجيد الذييساعد على هضم الغذاء، وتعمل الزائدة كمنزل آمن جيد للبكتيريا، خاصة إذا نظرنا إلىموقعها بين الأمعاء الغليظة في طريق تدفق الغذاء والجراثيم في الأمعاء ولها نهايةمسدودة.
وقد تموت مجموعة من هذه البكتيريا في الأمعاء أو تطرد خارج الجسم، كما فيحالات الإسهال، مثل: الكوليرا أو الزحار الأميبي؛ مما يفقد الجسم البكتيريا المفيدة بالأمعاء، وتكون وظيفة الزائدة في تلك الحالة أن تتصرف مثل مصنع للبكتيريا، تزرعالجراثيم الجيدة لتعيد تشغيل النظام الهضمي([2]).
صورة للزائدة الدودية الطبيعية
صورة للزائدة الدودية الملتهبة
ثانيا. كثرة الحيوانات المنوية:
تفرز الخصية مئات الملايين من الحيوانات المنوية، وفي كل دفقة منيّ ما بين مئتين إلى ثلاث مئة مليون حيوان منوي.
وكل حيوان منوي من هذه الحيوانات كالقذيفة الصاروخية، له رأس مصفح مدبب، وله عنق صغير، وله ذيل طويل بواسطته يتحرك وينطلق ليقطع المفاوز حتى يصل إلى البويضة أو يموت.
وليست كل الحيوانات المنوية على وتيرة واحدة؛ فهي أمة كاملة، بل أمم متكاملة؛ فمنها القصير ومنها الطويل، ومنها القوي ومنها الضعيف، ومنها ذو الرأس ومنها ذو الرأسين، ومنها من له رأس مدبب، ومنها من له رأس ملتوٍ، ومنها الذكور ومنها الإناث، ونقصد بالذكور الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة y، ونقصد بالإناث الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الأنوثة x.
لكن ما السبب في كثرة الحيوانات المنوية في القذفة الواحدة؟ وهل هناك فائدة من وجود هذا العدد الهائل من هذه الحيوانات في القذفة الواحدة؟
الجواب عن ذلك يتضح حينما نعلم أن ما يقرب من 20% من الحيوانات المنوية ينزل وهو غير صالح للتلقيح ابتداء، كما أن نسبة أخرى تبلغ 20% أيضًا تموت في خلال ساعتين من نزولها من الإحليل، وتحتاج الحيوانات المنوية لقطع رحلتها من المهبل إلى الرحم حتى تصل إلى البويضة في قناة الرحم ـ تحتاج إلى 6 ساعات على الأقل، وهي المدة التي تقطعها الحيوانات المنوية القوية الشكيمة السريعة الحركة، وغالبًا ما تكون الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة، أما الحيوانات الأبطأ حركة، وهي عادة الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الأنوثة، فإنها تحتاج إلى ما بين 12 إلى 24 ساعة لتقطع هذه الرحلة الطويلة المحفوفة بالمخاطر.
ويموت عدد كبير آخر من الحيوانات المنوية نتيجة للإفراز الحامضي الموجود في المهبل، كما يموت عدد آخر عند عنق الرحم.
صورة حقيقية للخلايا التناسلية الذكرية “الحيامن” تزدحم عند المادة المخاطية (mucus) المبطنة لعنق الرحم، والتي تيسر مرور الحيامن فيه
وفي أثناء الرحلة المحفوفة بالمفاوز والمخاطر يهلك عدد آخر من الحيوانات المنوية، وبما أن هناك قناتين للرحم والحيوانات المنوية لا تعلم في أيهما البويضة، فإن عددًا كبيرًا سيلقى حتفه عندما يذهب إلى قناة الرحم التي لا توجد بها البويضة، ليس ذلك فحسب، لكن وصول الحيوانات المنوية لا بد أن يتزامن مع خروج البويضة من المبيض، وإلا فالموت هو المصير المحتوم لكل حي، فالبويضة لا تعيش أكثر من 24 ساعة، بل إن فترة خصوبة البويضة هي اثنتا عشرة ساعة فقط.
أما ما يصل من الحيوانات المنوية التي تبلغ مئات الملايين عند بدء رحلتها لا يزيد في النهاية عن خمس مئة حيوان منوي فقط، ولا بد من تحلل أجساد هذه الحيوانات، حتى تذيب جدار البويضة السميك لتسمح لواحد منهم فقط بالولوج ليتحد مع البويضة مكونًا النطفة الأمشاج.
صورة متتابعة للحيوانات المنوية وهي تصل إلى عنق الرحم، وفي الصورة رقم (2) لم يبق حيًّا منها إلا القليل، وفي الصورة الثالثة جثث الحيوانات المنوية الميتة عند العنق
وإذا علم القارئ الكريم أن الدراسات الطبية ـ بناء على ما سقناه من أسباب موت كثير من الحيوانات المنوية ـ قد أثبتت أن عشرين مليونًا من الحيوانات المنوية في كل مليلتر من المنيّ تعتبر الحد الأدنى للإخصاب، ولا يتم الإخصاب بأقل منها إلا في الحالات النادرة ـ علم حينئذٍ سبب كثرة هذه الحيوانات المنوية، وأنه لا غنى للرجل عنها([3]).
بالإضافة إلى ما ذكرناه من أسباب، فإن صغر حجم البويضة المتناهي بالنسبة للرحم يستوجب امتلاءه بالحيوانات المنوية؛ لعلهم يلاقونها أينما كانت في الرحم الواسع، وهذا يتطلب أن يكون عدد الحيوانات المنوية كافيًا لإغراق الرحم، بحيث تزيد احتمالات التقاء الحيوانات المنوية المتحركة بالبويضة، آخذين في الاعتبار أن الحيوانات المنوية تضعف تدريجيًّا أثناء رحلة البحث عن البويضة، فلا يبقى من الملايين إلا حيوانات منوية معدودة قادرة على الإخصاب([4]).
صورة حقيقية بواسطة المجهر الإلكتروني الكاسح لإحدى البويضات (الخلية التكاثرية الأنثوية) وقد تجمعت على سطحها الحيامن (الخلايا التكاثرية الذكرية).
وهكذا تتضح بجلاء فائدة وجود هذا العدد الكبير من الحيوانات المنوية، وهذه القاعدة لا تشذ في الوجود كله، فكلما كانت الحياة أقصر ومحفوفة بالمخاطر، ووسائل الدفاع قليلة عوضها الله بكثرة عددها ووفرة نسلها، انظر إلى عالم الفيروسات والبكتيريا، إنها تتكاثر بالملايين في الساعة الواحدة ولكنها سرعان ما تموت، ولولا ذلك لفنيت عن بكرة أبيها.
وإذا نظرت إلى عالم الحشرات تجد القاعدة ذاتها؛ فالذبابة تبيض في الأسبوع الواحد آلاف البويضات، ولو نجحت هذه البويضات في أن تتحول إلى يرقات ثم إلى حشرات، لغطت سطح الكرة الأرضية في وقت وجيز، ولما جعلت لغيرها مكانًا للبقاء، إلا أن عوامل الموت تكتنفها من كل حدب وصوب، فلا يبقى منها إلا القليل.
وفي عالم الأسماك تبيض سمكة النجمة (Starfish) ملايين البويضات في المرة الواحدة، ولو لم تكتنفها عوامل الفناء والموت لملأت البحار والمحيطات في مدة وجيزة بحيث لا تبقي مكانًا لغيرها.
وفي جميع عوالم الأحياء من فيروسات وبكتيريا، من نبات وحيوان، من طير وسمك ـ تجد هذه القاعدة: إذا طالت الأعمار وقلت الأخطار؛ قل النسل، وإذا قلت الأعمار وأحدقت بالنسل الأخطار؛ كثر التوالد، حتى يبقى التوازن قائمًا محفوظًا بين جميع الكائنات، لا يطغى أحدها على الآخر([5]).
ثالثا. اللوزتان:
اللوزتان عضو مهم من أعضاء جسم الإنسان، يتكون من نسيج ليمفاوي متعدد، وبه عدة تجاويف لزيادة مساحة السطح المواجه لأي ميكروب، ويغطى هذا الجزء المكشوف بغشاء يحمل أجسامًا مناعية وأجسامًا مضادة بداخل الخلايا الليمفاوية، وخلايا تنتج مادة تقوي مناعة الجسم، وتقوي اللوزتين، ولحمية خلف الأنف، وباقي الخلايا الليمفاوية على جانبي الجزء الخلفي للسان وجدار البلعوم تعمل على التصدي لأي ميكروب يدخل الجسم عن طريق الأنف أو الفم والتعرف عليه، وإرسال إشارة إلىالمحطة التالية للجهاز الليمفاوي (الغدد الليمفاوية المحيطة بالفك السفلي والرقبة) لإنتاج الأجسام المناعية المضادة للميكروب والقضاء عليه عند الإصابة الأولى بهذاالميكروب، وتكون لديها القدرة للتعرف على الميكروب نفسه والتصدي له عند تكررالإصابة([6]).
وإذا أردنا أن نمثل لهذا الجهاز المهم، فهو قريب من سلاح الحدود الذي يحمي الجسم، وهو على ثغر من ثغور الجسم وفي أوله؛ حيث إن الجراثيم التي تدخل الجسم يلتقطها ويبدأ بمكافحتها كأول خط دفاعي في الجسم، ويجب ألا تزال اللوزتان فى حالة أنهما طبيعيتان، أما إذا حدث لهما التهاب متكرر من 4 إلى 5 مرات سنويًّا يفضل إزالتهما([7]).
ونزيد الأمر وضوحًا فنقول: إن مهمة اللوزتين الأساسية هي تشكيل خط دفاعي ضد كل ما يهدد جسم الإنسان من ميكروبات غازية، فإذا ما دخل ميكروب غازٍ عن طريق فتحتي الفم أو الأنف، فإن هذا الخط الدفاعي يتصدى له، وتدور رحى معركة ضارية لا تهدأ حتى يتم تحطيم ذلك الميكروب([8]).
رابعا. ضرس العقل:
هناك شبه إجماع عالمي على سبب هذه التسمية ـ ضرس العقل ـ ونراه من خلال التسمية الإنجليزية القريبة من التسمية العربية “ضرس العقل”، فاللغة الإنجليزية تطلق تسمية مشابهة وهي (wisdom molar)، ولكن هذا الإجماع هو إجماع على الظن؛ ذاك أن تأويل هذه التسمية ومآلها يعود إلى الفترة الزمنية التي يظهر فيها ضرس العقل في الحفرة الفموية، وهي تمتد نسبيًّا من عمر 17 إلى 25 سنة، وعلى ذلك ظهور ضرس العقل ووجوده في الفم يشير إلى سن تعقل الإنسان ونضوجه الفكري([9]).
وكانت النظرية القديمة تلوم ضروس العقل لكونها تبزغ في هذه الفترة من الزمان، فإنها تضغط على الأسنان وتسبب تزاحمها، وشاع خلع ضروس العقل كإجراء روتيني لمنع تزاحم الأسنان، وخاصة لهؤلاء الذين عدلواأسنانهم بالتقويم.
وبعد دراسات أخرى أكثر حداثة أثبت العلماء أن السبب الحقيقي ليسضروس العقل، وإنما يعود إلى طريقة نمو الوجه والفكين وخاصة الفك السفلي، وأن نموه الذي يمتد إلى ما بعد عمر العشرين ونمو الأنسجة المحيطة، يشكلان السبب في تزاحمالأسنان وليس ضروس العقل؛ لأن كثيرًا من الناس الذين ليس لديهم ضروس عقل أو الذين خلعوها ما زالوا معرضين إلى تزاحم الأسنان.
وهذه الدراسات جعلت الأطباء يحرمون خلع هذه الضروس إلا إذا كان هناك ما يستدعي ذلك؛ مثل التسوس أو التهابات اللثة المحيطة، وقد أصدرت بريطانيا نشرة حكومية طبية تمنع خلع ضروس العقل فى حالة أنها سليمة، وذلك حين تلقى أطباء الأسنان في بريطانيا تحذيرًا رسميًّا من عدم خلع أسنان العقل لمرضاهم إذا كانت في حالة سليمة، حتى لو رغب المرضى في عكس ذلك، وقد جاء ذلك من جانب المعهد الوطني للجودة الصحية([10]).
ويرجع ذلك إلى أهمية ضروس العقل، والدور الذي تلعبه لصالح جسم الإنسان، ويمكننا أن نجمل ذلك في النقاط الآتية:
- أن ضرس العقل “الرحى الثالثة” يلعب دورًا مهمًّا بين مجموعة أسنان الفكين يتجسد هذا الدور في تأمين التراص بين الأسنان، وانتظام مجموعة الأسنان في سلسلة متماسكة ومتراصة؛ فقد ثبت أن القلع غير المبرر والمبكر لأضراس العقل، يتسبب في فراغات بين الأسنان على مستوى القواطع الأمامية، ولكن حدوث هذه الفراغات يحتاج إلى زمن طويل حتى يظهر، وبالإحصاء تبين أن ظهور هذه الفراغات عند الأشخاص الذين تخلصوا من ضرس العقل يظهر بين سن 50 ـ 60 عامًا، وكثيرًا ما يأتي إلى العيادات أشخاص يشكون من ظهور فراغات بين أسنانهم الأمامية لم تكن موجودة، وبعد الفحص والتأكد من عدم وجود أية إصابة على مستوى اللثة والنسج الداعمة، يلاحظ أن هؤلاء الأشخاص فقدوا أضراس العقل مبكرًا، وسنضرب مثلًا يقرب الفكرة للجميع، لو كان لدينا سبحة من الخرز وضغطنا على آخر خرزة من كل طرف سنلاحظ تراص حبات الخرز وتماسكها، وحين نرخي الطرفين ونزيل الضغط تتباعد حبات الخرز عن بعضها، فدور أضراس العقل يشبه هذا الضغط على مجموعة الأسنان في الفكين، فيتأمن لدينا التراص.
- كثيرًا ما كان لضرس العقل دور مهم في إنقاذ الموقف عندما يكون طبيب الأسنان بصدد إجراء تعويض ثابت “جسور”، في حال فقد الرحى الثانية لأسباب قاهرة، ويشكل هنا ضرس العقل دعامة احتياط تجنب المريض القيام بعملية زرع أسنان، ودخوله في تعقيدات الزرع والتكاليف الباهظة، ونشير إلى أن إصابة الرحى الثانية بأمراض قد تودي بحياتها أمر صعب، ولكن هنا تبقى الرحى الثالثة صمام أمان يجب المحافظة عليه وعدم التعسف في قلعه([11]).
- أن هذه الأضراس تساعد في عملية المضغ حتى لو أصيبت بالتسوس.
- أنها تشكل ركيزة لوضع الأسنان الاصطناعية في حال وقوع الأسنان الطبيعية([12]).
ومن خلال هذه الفوائد يتبين لنا أهمية ضرس العقل، وأنه لم يخلق في الإنسان عبثًا؛ ولذلك حث الأطباء على عدم خلعه في حالة أنه سليم من التسوس والأمراض، وحول الحكمة من مراحل خلق الأسنان وكيفية عملها تقول الدكتورة نعمت صدقي في كتابها “معجزة القرآن”: “لا تنمو الأسنان وتخرج من اللثة إلا عندما تقترب حاجة الطفل إلى المضغ، ثم تملأ بعد ذلك فكيه ليمضغ الطعام، حتى إذا كبر حجم الفكين في سن السابعة سقطت هذه الأسنان الصغيرة ونمت بدلًا منها أسنان أكبر وأقوى، فإذا ما كبر حجم الفكين ثانيًا أطل ضرس جديد في نهاية كل فك، فملأ الفراغ الذي نشأ عن زيادة حجمه، فما أن يكبر حجم الفكين مرة أخرى ويقترب المرء من سن العشرين، حتى تتكرر زيادة الأضراس الأربعة فتملأ الفراغ ثانيًا.
وجعل الله سبحانه وتعالى في الجزء الأمامي من الفك ـ أي بين شقتي الفم ـ الأسنان وهي القواطع التي تقضم الطعام؛ ولذا وضعها سبحانه وتعالى في مدخل الفم، ثم الأنياب في الجانبين الأماميين وهي التي تمزق اللحوم؛ حيث خلقها الله سبحانه وتعالى مدببة الأطراف، ثم الضروس صفين داخل الفم خلف الخدين اللذين يمنعان خروج الطعام إلى خارجه، وهذه الضروس تطحن الطعام طحنًا فتعده للهضم”([13]).
خامسا. القُلْفة التي تغطي رأس العضو التناسلي:
القلفة هي غطاء يغطي العضو التناسلي (البظر عند النساء والقضيب عند الرجال)، وتتطور القلفة عند الجنين منذ الأسبوع الثامن للحمل وتغطي رأس العضو التناسلي بالكامل في البداية، ثم تظهر فتحة البول منها، وجلد القلفة يختلف عن بقية الجلد في الجسم؛ إذ إنه مشابه للجلد الطبيعي من الخارج، ولكن من القسمالداخلي، أي الملامس لرأس العضو التناسلي، فهو عبارة عن نسيج مشابه لبطانة الفم؛ أي ما يسمى غشاء مخاطيًّا.
والقلفة تحمي رأس العضو التناسلي الحساس من تأثير السائل الأمنيوسي، وهذا السائل الأمنيوسي يتكون أغلبه من البول الذي يفرزه الجنين؛ حيث يعبر السائل خلال كليته ويفرزه فيتراجع كبول؛ فالبول يشكل 70% من السائل الأمنيوسي، وهذا السائل مخرش للأغشية المخاطية، ويذكر أهل الاختصاص ـ ومنهم الطبيب صبحي عزام ـ أن الحكمة من إزالة القلفة محل الختان بعد الولادة أن فائدتها قد انتهت بالولادة وأصبحت بلا فائدة، والذي جعلها عديمة الفائدة بعد الولادة أن هذا السائل ـ كما ذكرنا ـ كان يسبب التهابات ضارة لرأس القضيب أو البظر لولا وجود هذه القلفة، لكن بعد أن يولد الطفل فإن أمه هي من تنظفه وتهتم به فلا داعي لوجودها حينئذٍ([14]).
لذلك شرع الله سبحانه وتعالى الختان بعد الولادة، وهو إزالة هذه القلفة، وقد ثبت أن الختان يحمي من سرطان عنق الرحم الذي يقل بين المختونين، وكذلك سرطان جلد القضيب الذي لا يكاد يعرف عندهم.
ليس ذلك فحسب، ولكن الالتهابات الميكروبية المتكررة نتيجة وجود القلفة تسبب حقب البول وضيق مجرى فتحة البول (PHIM OSIS)، وهذا المرض نادر الحدوث جدًّا عند المختتنين، بينما هو غير نادر عند غيرهم ممن لا يختتنون.
وبقاء القلفة مما يزيد الغلمة والشبق في الرجال والنساء، فالبظر عضو حساس جدًّا مثل حشفة القضيب، وهو عضو انتصابي كذلك، ولا شك أنه مما يزيد الغلمة والشبق، وذلك من دواعي الزنا إذا لم يتسن الزواج، بالإضافة إلى ذلك فإن القلفة تتجمع فيها الإفرازات وتنمو الميكروبات، فإزالتها مما يساعد على تنظيف وتطهير هذا العضو الحساس([15]).
سادسا. شعر العانة والإبطين وأهمية إزالته:
اكتشف العلم الحديث عدة فوائد لوجود الشعر حول الأعضاء التناسلية، ومن هذه الفوائد:
- المحافظة على الجلد في المناطق المحيطة بالشعر.
- المساعدة على نمو الأوعية الدموية خلال الاستثارة الجنسية أثناء الجماع.
- حماية منطقة الفرج من التعرض المباشر للأضرار الخارجية.
- امتصاص العرق الفائض بتلك الأماكن الحارة.
- يمنع احتكاك الصفن مع جلد الفخذين فيمنع التسلخات المؤذية للجلد.
- أنه مؤشر نظري للبلوغ الجنسي([16]).
أما عن شعر الإبطين فإن أهميته ترجع إلى أن هذه المنطقة تعتبر من أكثر المناطق تعرقًا، وكذلك يوجد فيها كميات هائلة من الشعيرات الدموية، وهي منطقة قريبة من القلب؛ لذا تكثر منابت الشعر الرقيق، وهذا الشعر أصبح بمثابة الإسفنج لامتصاص العرق وتبخيره بصورة أسرع ليتم تبريد المنطقة، ومن ثم تبريد الدم العائد للجسم([17]).
بالإضافة إلى أن الشعر في الجسد يسمح بتفتح المسام، والذي يساعد على خروج السموم عن طريق التعرق، ويحمي الجلد من تراكم الطبقات الجلدية الميتة على الأجزاء الحساسة، وعند إزالة هذا الشعر يسمح الشعر بانتزاع الجلد الميت معه([18]).
والشعر الكثيف تجده يخرج في الأماكن الحساسة في الجسم وذلك لحمايتها من الصدمات وغيرها، فإن الشعر يمتص الصدمة، ويؤدي وظيفة مهمة في الجسم بما يقوم به من مساعدته على التنفس وطرح الغازات المتراكمة فيه، كما أن له وظائف كلنا يعلمها بالنسبة للرأس والحاجبين والأجفان، أما الإبط فبما أنه كثير التعرق وأقل تعرضًا للهواء من غيره من المناطق، فإن هذا العرق المندفع كثيرًا ما يؤدي بسبب ما فيه من مواد إلى تعفنات وتولد الجراثيم، ولولا وجود الشعر تحت الإبط لتسربت هذه الجراثيم إلى الداخل وفعلت ما تفعل، غير أن الشعر بما يقوم به من الدفع المتواصل للغازات المتراكمة في الجلد إلى خارج الجسم يحول بسبب هذا دون تسرب العرق وما فيه من السموم إلى الجسم.
ومع هذه الفوائد فإنها لاتتم إلا بنتف شعر الإبط لئلا تتراكم عليه المواد المندفعة مع العرق فتسبب تلك التعفنات، مع العلم أن البقية الباقية تحت الجلد وهي المسماة ببصلة الشعرة، تؤدي الوظيفة نفسها التي تؤديها الشعرة في عدم السماح بدخول العرق وغيره من المواد الغريبة إلى الجسم([19]).
والغدد التي تحت هذا الشعر ـ شعر العانة والإبط ـ هي غدد عرقية وليست غددًا دهنية، فالحلق أو النتف في هذه الحالة ضروري لنشاط هذه الغدد العرقية ونظافتها، وهذه الغدد العرقية الموجودة في هذين الموضعين تختلف تمامًا عن الغدد الدهنية الموجودة في الوجه؛ فنتف شعر الإبط وحلق العانة يمنع حصول التهابات في الغدد العرقيةلا سيما الالتهابات الصديدية، والإبط يعتبر من أكثر المواضع تعرضًا لمرضالقمال([20]).
وقد جاءت البحوث الطبية مؤكدة أن حلق شعر العانة يقي الإنسان من كثير من الأمراض التي يسببها ترك حلقها؛ فشعر العانة إذا طال أصبح مقرًّا خصبًا لأنواع من الجراثيم والطفيليات, وترك شعر العانة هو المسئول عن مرض تقمل العانة المنتشر بكثرة في أوربا، والذي يؤدي إلى تقرحات والتهابات في هذه المنطقة, كما يخفف الحلق من إمكانية الإصابة.
وكذلك منطقة الإبط فيكثر فيها العرق كما تكثر الإفرازات الدهنية؛ والأفضل فيها النتف لا الحلق؛ لأن النتف يضعف الشعر فيقل التعرق تحت الآباط ومن ثم تقل الرائحة الكريهة.
ونمو الشعر تحت الإبطين بعد البلوغ يرافقه نضوج غدد عرقية خاصة تفرز مواد ذات رائحة خاصة, فإذا تراكمت معها الأوساخ والغبار أزنخت، وأصبح لها رائحة كريهة, وإن نتف هذا الشعر يخفف إلى حد كبير من هذه الرائحة، ويخفف من الإصابة بالعديد من الأمراض التي تصيب تلك المنطقة، كالمذح والسعفات الفطرية والتهابات الغدد العرقية (عروسة الإبط) والتهاب الأجربة الشعرية وغيرها, كما يقي منالإصابة بالحشرات المتطفلة على الأشعار كقمل العانة([21]).
وخلاصة الأمر أن الشعر في منطقتي العانة وتحت الإبط ضروري للإنسان وله فوائد عظيمة طالما أنه صغير، ويمكننا تقدير المدة الزمنية المناسبة بأنها لا تتعدى الأربعين يومًا، “بعد ذلك يبدأ الضرر من التعفن والالتهاب والرائحة الكريهة والحكة، وظهور البثور القيحية، واصطباغ الجلد، وتراكم الجلد الميت مما يصعب إزالته بسرعة”([22]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الآية الكريمة:
كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان “بخلقه في أجمل تركيب، وأعدل هيئة؛ في تفاصيل جسده، واستقامة عوده، وارتفاع هامته، وتناسق أبعاده، ورجاحة عقله، وحرية إرادته، وطلاقة لسانه، وقوة بيانه، وقدراته النفسية والروحية الهائلة، وملكاته العديدة، وفطرته السليمة، وغير ذلك من الصفات التي خصه الخالق العظيم بها، وفضله بذلك على كثير ممن خلق تفضيلًا”([23]).
وقد أثبت الأطباء أن كل عضو من أعضاء جسم الإنسان خلق لدور مهم ولحكمة جليلة ولم يخلق عبثًا أو سدًى، وأن أي تغيير في جسمه يؤدي إلى خلل ما، أو عدم استطاعته الحياة على أكمل وجه، هذه الحقيقة التي يؤكدها لنا العلم يوما بعد يوم، ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه ـ وهو أعلم بمن خلق ـ فقال: )لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (4)((التين).
- من أقوال المفسرين في الآية:
جاء في تفسير القرطبي: المراد بالإنسان في قوله تعالى: )لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم(4)((التين)، آدم وذريته. )في أحسن تقويم (4)((التين)،وهو اعتداله واستواء شبابه؛ كذا قال عامة المفسرين، وهو أحسن ما يكون؛ لأنه خلق كل شيء منكبًا على وجهه، وخلقه هو مستويًا، وله لسان ذلق، ويد وأصابع يقبض بها… فهذا يدلك على أن الإنسان أحسن خلق الله باطنًا وظاهرًا، جمال هيئة، وبديع تركيب: الرأس بما فيه، والصدر بما جمعه، والبطن بما حواه، والفرج وما طواه، واليدان وما بطشتاه، والرجلان وما احتملتاه؛ ولذلك قالت الفلاسفة: إنه العالم الأصغر؛ إذ كل ما في المخلوقات جمع فيه([24]).
ويقول ابن كثير: “وقوله تعالى: )لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم(4)((التين)، هذا هو المقسم عليه، وأنه سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن صورة، وشكل منتصب القامة، سوي الأعضاء حسنها”([25]).
وقال صاحب الظلال: “فتخصيص الإنسان هنا وفي مواضع قرآنية أخرى بحسن التركيب، وحسن التقويم، وحسن التعديل، فيه فضل عناية بهذا المخلوق، وإن عناية الله بأمر هذا المخلوق ـ على ما به من ضعف وعلى ما يقع منه من انحراف عن الفطرة وفساد ـ لتشير إلى أن له شأنًا عند الله، ووزنًا في نظام هذا الوجود، وتتجلى هذه العناية في خلقه وتركيبه على هذا النحو الفائق، سواء في تكوينه الجسماني البالغ الدقة والتعقيد، أم في تكوينه العقلي الفريد، أم في تكوينه الروحي العجيب”([26]).
وذكر صاحب صفوة التفاسير أن المعنى: “لقد خلقنا جنس الإنسان، في أحسن شكل، متصفًا بأجمل وأكمل الصفات، من حسن الصورة وانتصاب القامة، وتناسب الأعضاء، مزينًا بالعلم والفهم، والعقل والتمييز، والنطق والأدب، قال مجاهد : “أحسن تقويم”: أحسن صورة، وأبدع خلق”([27]).
ويقول الدكتور محمد السيد طنطاوي: “والمعنى: لقد خلقنا الإنسان في أعدل قامة، وأجمل صورة، وأحسن هيئة، ومنحناه بعد ذلك ما لم نمنحه لغيره، من بيان فصيح، ومن عقل راجح، ومن علم واسع، ومن إرادة وقدرة على تحقيق ما يبتغيه في هذه الحياة، بإذننا ومشيئتنا.
والتقويم في الأصل: تصيير الشيء على الصورة التي ينبغي أن يكون عليها في التعديل والتركيب، تقول: قومت الشيء تقويمًا، إذا جعلته على أحسن الوجوه التي ينبغي أن يكون عليها، في التعديل والتركيب، وهذا الحسن يشمل الظاهر والباطن للإنسان”([28]).
من هذه التفاسير يتبين أن المفسرين أشاروا إلى أن الله خلق الإنسان في أحسن صورة وهيئة، وأنه جعله على أحسن الوجوه التي ينبغي أن يكون عليها، ثم جاء نفر ممن لا علم لهم بالطب ولا غيره، وطعنوا في حسن خلق الإنسان، وزعموا أن به أعضاء كثيرة لا فائدة منها، وأنها خلقت عبثًا، مما يدل على عدم دقة الخالق ـ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا ـ وجعلوا يعدون هذه الأعضاء، وهي: الزائدة الدودية، كثرة الحيوانات المنوية، اللوزتان، ضرس العقل، القُلْفة التي تغطي رأس العضو التناسلي، شعر العانة والإبطين.
لكن الله سبحانه وتعالى “أتقن كل شيء صنعه، وأحسن كل شيء خلقه،وأنك) ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت( (الملك: ٣)؛ من حيث كمال الخلق، ومع ذلك خص الله تعالى الإنسان في هذه الآية، وفي آيات أخرى بحسن التركيب: )في أي صورة ما شاء ركبك (8)( (الانفطار)، وبحسن التقويم: )لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (4)((التين)، وبحسن التعديل: )الذي خلقك فسواك فعدلك (7)( (الانفطار)”([29]).
وقد دافع الله سبحانه وتعالى عن كلامه ضد هؤلاء الأعداء، فسخر لقرآنه من ينصره، فجاء الأطباء والمتخصصون وأثبتوا بما لا يدع مجالًا للشك بعد التجارب المتعددة أهمية هذه الأعضاء التي يزعمون عدم فائدتها وأهميتها.
واتضح ذلك مما أفضنا فيه من حقائق علمية تبين فائدة أعضاء الجسد الإنساني؛ فالزائدة الدودية هذه التي يزعمون أنها دون أية فائدة، وأنها تسبب الالتهاب والإضرار بالإنسان ـ قد ذكر فريق طبي أمريكي أن لها منافع هائلة؛ إذ إنها المسئولة عن إنتاج وحفظ مجموعة متنوعة من البكتيريا والجراثيم التي تلعب دورًا مفيدًا للمعدة.
فهل عضو له هذا الدور المهم الفعال الذي يحمي الجسم من كثير من الأمراض يعتبر زائدًا لا فائدة منه؟ أو أنه خلق عبثًا دون حكمة؟ كلا إنه يدل على إتقان صنع الله ورحمته بهذا المخلوق الضعيف.
هذا عن الزائدة الدودية، أما عن كثرة الحيوانات المنوية، فإنهم ذهبوا يتساءلون عن الحكمة من خلق الملايين من الحيوانات المنوية التي تذهب إلى رحم الأنثى دفقة واحدة، وزعموا أن واحدًا منها كان كافيًا لتلقيح البويضة، ولا فائدة من هذه الملايين.
لكن العلم الحديث أثبت قصر نظرهم وقلة علمهم حينما أثبت أن الحد الأدنى للإخصاب أن يكون عدد الحيوانات المنوية في المليلتر لا يقل عن عشرين مليونًا، ولا يتم الإخصاب بأقل من ذلك العدد، وذلك يرجع إلى أسباب عديدة سبق ذكرها.
ومن ثم فإن الحاجة ملحة إلى كثرة الحيوانات المنوية في دفقة المنيّ الواحدة، وإذا كانت الأبحاث الطبية قد أثبتت أنه لا يحدث الحمل إلا بعدد لا يقل عن عشرين مليونًا من الحيوانات المنوية في المليلتر ـ يتبين أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق هذه الحيوانات عبثًا دون فائدة، وإنما خلقها سبحانه وتعالى وهو أعلم بأهميتها ودورها في حدوث الحمل.
أما عن اللوزتين فذهبوا يزعمون أنهما زائدتان لا فائدة منهما، ويتعرضان للورم كثيرًا، وإذا تركهما الإنسان حتى الثلاثين من عمره تعتبر هذه مجاملة طبية منه.
لكن الحقيقة الطبية التي توصل إليها العلماء أثبتت أن للوزتين فائدة عظيمة في جسم الإنسان؛ حيث يمثلان خطًّا دفاعيًا قويًّا ضد كل ما يهدد الجسم من ميكروبات غازية عن طريق الأنف أو الفم.
ثم ننتقل إلى العضو الرابع الذي زعم المشككون أنه زائد أيضًا، والأفضل عدمه، وهو ضرس العقل، وهذا خطأ فادح؛ إذ يلعب ضرس العقل دورًا مهمًّا في عدم حدوث فراغات بين الأسنان، وانتظامها في سلسلة متماسكة متراصة، وخلعها يتسبب في حدوث فراغات بين الأسنان، هذه الفراغات تؤدي إلى حدوث خلل في تراص الأسنان.
وأما عن خلق الله سبحانه وتعالى العضو التناسلي للإنسان وعليه قلفة، فإن ذلك لحماية رأس العضو التناسلي الحساس من تأثير السائل الأمنيوسي في الرحم، وهذا السائل الأمنيوسي يتكون أغلبه من البول الذي يفرزه الجنين، أما بعد الولادة فإن الأفضل إزالتها لانتفاء العلة من وجودها، لا سيما أن الختان ـ وهو إزالة هذه القلفة ـ يحمي من سرطان عنق الرحم، وكذلك سرطان جلد القضيب.
أما عن شعر العانة والإبطين فقد ذهب الطاعنون يسخرون من خلقه ويستهزئون من الخالق سبحانه وتعالى لخلقه إياه ثم أمره الناس بإزالته، لكن العلم جاء مخبرًا أن للشعر فوائد عظيمة طالما أنه صغير، وهذا ينطبق تمامًا مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية من الأمر بحلق العانة ونتف الإبط؛ فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الفطرة خمس: الاختتان، والاستحداد([30])، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط»([31]). وحددت السنة هذه المدة، فقال أنس رضى الله عنه: «وُقِّت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، ألا نترك أكثر من أربعين ليلة»([32]).
وإن كنا قد بينا فائدة هذه الأعضاء وأهميتها، وأنها تدل على بديع صنع الله وإتقانه في خلق هذا الإنسان ـ فإن نظرة خاطفة إلى بقية أعضائه لتدل بما لا يدع مجالًا للشك أن كل شيء خلق فيه بقدر وحكمة، فمما يبين ويوضح أن الإنسان خلق في أحسن تقويم، جهاز المناعة المكتسب، أو خط الدفاع الثالث في جسم الإنسان.
لقد خص المولى عز وجل الإنسان بأجهزة دفاع بالغة الدقة، وأول هذه الأجهزة الجلد، وهو درع سابغة على البدن، ترد عنه الجراثيم والأوبئة، وهو خط الدفاع الأول، وخص المولى عز وجل كل عضو في جسم الإنسان وكل جهاز وكل حاسة بجهاز دفاع خاص به.
فالعين مثلا خصت بالأهداب والأجفان والدمع، وهذه الأجهزة الخاصة هي خط الدفاع الثاني.
وأما خط الدفاع الثالث فهو الدم بجنوده من الكريات البيضاء، وعدد هذه الكريات التي هي جنود خط الدفاع الثالث (خمسة وعشرون مليون كرية) في أيام السلم، ويتضاعف هذا العدد في حال الاستنفار، وقد يصل إلى مئات الملايين في حال القتال، في فترة لا تتجاوز الساعات أو الأيام، ولهذه الجيوش الجرارة من الكريات البيضاء سلاح إشارة مؤلف من بضع مواد كيماوية، يعد وسيلة الاتصال والتفاهم فيما بينها.
أما خطة جهاز المناعة في الدفاع عن الجسم فهي من الدقة والتنسيق والفاعلية والذكاء الخارق؛ فبعد ثوانٍ معدودات من اجتياز أي جسم غريب لخطوط الدفاع الأولى والثانية، تتوجه خلايا الدم البيضاء إلى الجسم الغريب، وثمة كريات مهمتها أخذ الشفرة الكيميائية الخاصة بهذا العدو، والاحتفاظ بها، ثم نقلها إلى المراكز الليمفاوية، حيث تقوم الخلايا المحصنة بتفكيك رموز هذه الشفرة تمهيدًا لصنع المصل المضاد لها.
وبعد صنع المصل المضاد تتوجه الخلايا المقاتلة حاملة هذا السلاح، وهو المصل، لتهاجم به الجسم الغريب، وبعد أن تصرعه بهذا السلاح الفعال تأتي الخلايا اللاقمة لتنظيف ساحة المعركة من بقايا جثث الأعداء، ليعود الدم كما كان نقيًّا سليمًا، وهذه الكرية البيضاء ـ التي هي العنصر الأساسي في جهاز المناعة ـ لا يزيد قطرها عن خمسة عشر ميكرونًا، كل ذلك كأنه ينطق بقوله سبحانه وتعالى: )لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (4)( (التين)([33]).
3) وجه الإعجاز:
تخبرنا الدراسات الطبية الحديثة أن خلق الإنسان يفوق أي خلق آخر، وأن كل شيء فيه خلق بقدر، ولم يخلق شيء فيه عبثًا؛ فالأعضاء التي توهم المدعون عدم جدواها أثبت العلم أهميتها ودورها الخلاق، ظهر ذلك في دور الزائدة الدودية، وأهمية كثرة الحيوانات المنوية في الدفقة الواحدة، والدور الذي تلعبه اللوزتان، وضرس العقل، والقُلْفة التي تغطي رأس العضو التناسلي، طالما أنه داخل الرحم، والحث على إزالتها بعد الولادة لئلا تسبب أضرارًا عديدة، وكذا فائدة شعر العانة والإبطين، وهذا يتطابق تمام المطابقة مع ما أخبر الله تعالى عنه؛ فقد تحدث الخالق سبحانه وتعالى عن تلك الحقيقة العلمية الرائعة، فقال سبحانه وتعالى: )لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (4)( (التين).
(*) أوضح 10 دلائل على التطور في جسد الإنسان، مقال منشور بموقع: اللادينيين العرب www.ladeenyon.com. هل هناك أعضاء في جسمنا عديمة الفائدة حقًّا، مقال منشور بموقع: www.qaria386.com.
[1]. الزائدة الدودية تشهد على وجود الله، مقال منشور بموقع: منتديات الكلمة الطيبة www.gesah.het. فريق طبي أمريكي يكتشف فائدة الزائدة الدودية لجسم الإنسان، مقال منشور بموقع: عالم الصيادلة world.comwww.pharmacists .
[2]. الزائدة الدودية: أهميتها وضرورات استئصالها، مقال منشور بجريدة الشرق الأوسط، العدد (10600)، 27 ذي القعدة 1428هـ/ 6 ديسمبر 2007م.
[3]. خلق الإنسان بين الطب والقرآن، د. محمد علي البار، مرجع سابق، ص159: 167.
[4]. خصائص الحيوان المنوي، بحث منشور بموقع: الكيمياء الحيوية للجميع www.bioche mistry4all.com.
[5]. خلق الإنسان بين الطب والقرآن، د. محمد علي البار، مرجع سابق، ص168.
[6]. ما هي فائدة اللوزتين؟ مقال منشور بموقع: إجابات www.ejabat google.com.
[7]. ما هي فائدة اللوزتين؟ وهل بقاؤهما في الجسم أفضل أم إزالتهما؟ مقال منشور بموقع: ساحة صوت الأطباء www.doctorsaloud.com.
[8]. استئصال اللوزتين، د. فواز القاسم، بحث منشور بموقع: الصحة www.sehha.com.
[9]. حافظوا على ضرس العقل، د. باسم أحمد القاسم، مقال منشور بموقع: عالم الصحةwww.alamlsahha.com.
[10]. هل هناك فائدة من ضرس العقل، د. علي حبيب، مقال منشور بموقع: إجابات جوجلwww.ejabat.google.com.
[11]. حافظوا على ضرس العقل، مقال منشور بموقع: www.4dentistry.net.
[12]. أهمية ضرس العقل ومسببات خلعه، د. أنور نعمة، مقال منشور بموقع: ساحات بني دارم www.darmm.com.
[13]. الموسوعة الكونية الكبرى: آيات الله في خلق الإنسان وبعثه وحسابه، د. ماهر أحمد الصوفي، المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، ج14، ص152.
[14]. حكمة الله في خلق القلفة، مقال منشور بموقع: منتدى التوحيد www.eltwhed.com.
[15]. انظر: خلق الإنسان بين الطب والقرآن، د. محمد علي البار، مرجع سابق، ص32، 33.
[16]. الحكمة من نتف الإبط وحلق العانة، مقال منشور بمنتديات: www.naja7net.com.
[17]. هل شعر الإبط والعانة له فوائد، مقال منشور بموقع: إجابات جوجل www.ejabat.google.com.
[18]. ما فائدة وجود الشعر الذي تحت الإبط إذا كنا سنحلقه؟ مقال منشور بموقع: إجابات جوجل www.ejabat.google.com.
[19]. هل صحيح أن إبط النبي الشريف لا شعر عليه؟ مقال منشور بموقع: الشيخ الإنساني محمد أمين شيخو www.thingsnotsaid.org.
[20]. الإعجاز في أمر النبي بإعفاء اللحية ونتف الإبط، مقال منشور بموقع: منتدى الكمبيوتر الكفي www.ppc2you.com.
[21]. الإعجاز العلمي في سنن الفطرة، مقال منشور بموقع: منتدى النور www.allnor.net.
[22]. ما فائدة وجود الشعر الذي تحت الإبط إذا كنا سنحلقه؟ مقال منشور بموقع: إجابات جوجل www.ejabat.google.com.
[23]. من آيات الإعجاز العلمي: الإنسان من الميلاد إلى البعث في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص415.
[24]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج20، ص114.
[25]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج4، ص527.
[26]. في ظلال القرآن، سيد قطب، مرجع سابق، ج6، ص3933.
[27]. صفوة التفاسير، محمد علي الصابوني، مرجع سابق، ج3، ص1743.
[28]. التفسير الوسيط للقرآن الكريم، د. محمد السيد طنطاوي، مؤسسة الرسالة، القاهرة، 1406هـ/ 1986م، ج15، ص632.
[29]. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، يوسف الحاج أحمد، مرجع سابق، ص142.
[30]. الاستحداد: هو حلق العانة، سُمِّي استحدادًا لاستعمال الحديدة، وهي الموسي.
[31]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة، (2/ 778)، رقم (857).
[32]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة، (2/ 779)، رقم (588).
[33]. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، يوسف الحاج أحمد، مرجع سابق، ص142، 143.