قال أحد الملاحدة : إذا كنت مصمما على أن السبب الأول للوجود هو الإله الأزلي القديم، فكن صادقا معى ومع نفسك في الإجابة عن هذا السؤال : هل تستطيع أن تتصور موجودًا قديمًا أزليًا لا موجد له ؟ أجبته : لا ، لا أحد يستطيع أن «يتصور» موجودًا لا موجد له، انفرجت أسارير مناظري.
عاد مناظري للعبوس بعد أن أضفت قائلاً : لقد جبلت عقولنا على أن لكل موجود حادث موجد، ولا تستطيع أن تخرج عن هذه القاعدة، لذلك لا أحد يقدر على تصور موجود لا موجد له، ولكن إذا كان وراء كل موجود حادث موجد فإن «العقل» يحتم الوصول إلى سبب أول لا سبب له لكل الموجودات، إذ يستحيل التسلسل في الأسباب إلى ما لا نهاية، ومن ثم يصبح السؤال عن سبب السبب الأول الذى هو الإله القديم) سؤال غبى.
وأضفت : وإذا كنا لا نستطيع تصور» الإله الذى لا موجد له ، فإن الإقرار العقلي بهذا الإله يصبح أمرًا لا مفر منه منطقيًا، والإقرار العقلي بشيء يعجز عن تصوره ليس بالأمر المستحيل، بل إنه يقابلنا في حقائق العلم! فالفيزياء الحديثة (الكوانتم) تخبرنا أن الجسيمات تحت الذرية يمكن أن توجد في أكثر من موضع فى وقت واحد ! ! ! إنها حقيقة علمية وإن كان يستحيل تصورها.
اعتدنا أن نتحدث عن الحواس الخمس، وهى الإبصار والسمع واللمس والتذوق والشم، ويستخدم المخ في هذه الإدراكات الحسية ( وكذلك وظائف المخ الحركية ) آليات كهربائية وكيميائية، ولكن هناك بعض النشاطات الإدراكية التي لا تستخدم هذه الحواس ! وفى هذه النشاطات يخترق الإنسان حاجز الزمان والمكان، ومن ثم تعجز الآليات الكهروكيميائية عن تفسيرها، ولا يبقى تفسير إلا القول بتواصل العقل الإنساني مع الروح المدرك الذى لا يحده زمان ولا مكان، ومن ثم فهى براهين يقدمها الله تعالى على عالم الغيب ومن ثم على الألوهية، وتقدم هذه البراهين حتى للملاحدة من البشر، ومن هذه الظواهر :
۱ – ظاهرة الرؤيا المسبقة ظاهرة الشعور بالألفة ) : إنها ظاهرة معروفة في علم النفس، بل لقد عشناها كلنا أو معظمنا، وتعنى الرؤيا المسبقة أننا قد نمر في حياتنا بموقف ما، ونستشعر أننا قد عايشناه من قبل بملابساته وتفاصيله . وغالبًا ما نشعر أننا قد سبق واطلعنا في أحد أحلامنا على ما سوف يحدث من تفاصيل .
وقد فسر الماديون هذا الأمر المعجز بأنه مجرد «تَوَهُم»، كما قال آخرون بأن أحد نصفى المخ يدرك الحدث قبل النصف الآخر، وعندما يدرك النصف المتأخر الموقف نشعر بالألفة، وقد ثبت خطأ هاتين الفرضيتين .
٢- ظاهرة الرؤيا الصادقة : في هذه الظاهرة، تتحقق على أرض
الواقع رؤى رآها الشخص من قبل في أحلامه بتفاصيلها . كيف اخترق العقل في ظاهرتي الرؤيا المسبقة والرؤيا الصادقة
حاجز الزمان واطلع على غيب لم يحدث بعد ؟ ! .
٣- ظاهرة التواصل عن بعد : قد تشعر الأم بقلق شديد تجاه ابنها المسافر عبر البحار، ثم تعرف فيما بعد أن حادثا قد أصابه في تلك اللحظة، وقد تُفكر في شخص ما وبعدها بلحظة تسمع رنين الهاتف وإذا به يتحدث إليك، هل لديك تفسير لمثل هذه الأحداث التي يخترق فيها العقل حاجز المكان ؟
٤ – خبرات الذين اقتربوا من الموت : أجريت العديد من الدراسات على أشخاص أصيبوا بنوبات قلبية وأعلن وفاتهم إكلينيكيا، لكنهم تماثلوا للشفاء وحكوا أمورًا عجيبة، ذكر بعضهم أنهم فارقوا أجسادهم وأخذوا يطوفون فوقها ويشاهدون الأطباء والممرضات وهم يقفون حولهم ويقومون بعلاجهم، ثم إذا بهم يدخلون فى أجسادهم مرة أخرى، وذكر بعضهم أ أنه شاهد نفقا طويلاً مظلمًا وفى آخره دائرة من نور، وذكر أحدهم أنه رأى حذاءً لونه أحمر ملقى فوق سطح المستشفى، وقد ثبت صحة ذلك ! .
لا شك أن ظواهر الإدراك خارج الحس التي يتم فيها خرق حاجز الزمان والمكان تضع العلم المادى فى موقف حرج، وتدفعنا لأن نستدعى لها تفسيرات غيبية غير مادية، بل وتجعلنا ننسب إلى العقل الإنساني نشاطات تتجاوز كثيرًا ما اعتدنا عليه، وتتجاوز قدرة المخ المادي على القيام بها.