تقوم حقيقة هذا الاعتراض على التسليم ببلوغ التحدي بالقرآن إلى جميع العرب، ولكن عدم إتيانهم بمثل القرآن ليس لكونهم كانوا عاجزين عن ذلك، وإنما يمكن أن يكون لاعتبارات أخرى متعددة، فقد يكون لأجل أنهم لم يهتموا بالأمر، أو لأجل أنهم كانوا مشغولين بشئون حياتهم، أو لغير ذلك، فالاعتماد في إثبات العجز على مجرد عدم الإتيان بالمثل غير صحيح، ولا دليل عليه.
وهذا الاعتراض باطل؛ لكونه مخالفًا للحال الذي كان عليه قوم النبي صلى الله عليه وسلم
فإن النبي تحداهم والعرب جميعًا بالقرآن، وفتح الطريق لمن أراد أن ينقض دعوته، ويبطل ما يدعيه من الوحي الإلهي بأن يأتي بمثل ما أتى به من القرآن، وتحداهم على ذلك واستحثهم ووبخهم وفرق بين جماعتهم، وسفه أحلامهم، وقبح آلهتهم، واتبعه كثير من شباب العرب ووجهائهم، ثم إن قريشًا وحلفاءها من العرب لم يتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وشأنه، وإنما قاموا بالتصدي لدعوته، وسعوا إلى تشويه صورته، وتعذيب أتباعه، وقتل بعضهم، بل أرسلوا إلى الحبشة بعضًا منهم في شأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولما انتقل النبي الله إلى المدينة قامت بينهم ومن معهم من الحلفاء وبين المسلمين معارك قتل فيها كثير منهم ومن رؤسائهم، وخسروا فيها كثيرًا من الأموال والأنفس، وطار خبر ذلك كله في جميع الأمصار.
فلو كان يمكنهم معارضة القرآن لفعلوا ذلك، واستراحوا من كل هذا العناء، ولو كان عدم معارضتهم القرآن ليس عن عجز، وإنما عن عدم مبالاة، وانشغال لبادروا إلى إظهار المعارضة بدل أن يقوموا بتلك المشاق كلها، التي خسروا فيها كثيرًا، وساءت سمعتهم بسببها بين العرب، ولقام بعض العرب بالتبرع بالمعارضة لأجل أن يحلّ ذلك الاشتباك الكبير الذي تسبب في حصول أضرار عديدة بالناس.
ولكن ذلك كله لم يقع، ولم يتبرع أحد من العرب بمعارضة القرآن، وذلك يدل على أن عدم مجيئهم بمثل القرآن لم يكن إلا لأنهم كانوا عاجزين عن المعارضة.