إذا كان الله يعلم منذ الأزل بوقوع المعاصي فكيف يغضب إذا وقعت؟
هذا السؤال يطرحه الملحد على المسلم، وقد يلتبس الأمر على بعض المسلمين.
مصدر الإشكال:
مصدر الإشكال في هذه الشبهة وفي شبهات أخرى تتعلق بصفات الله تعالى هو استحضار الصفات الإلهية في الخيال.. وكأن صفات الخالق هي نفسها صفات المخلوق. والصحيح أن ذات الخالق لا ندركها، وصفاته لا نعرفها إلا من الوحي، والله سبحانه يقول في الوحي: “ليس كمثله شيء وهو السميع البصير”.
فلا يصح أن نتخيل صفاته كما نتخيل صفات البشر، بل إن كل ما نتخيله من الصفات فصفات الله خلافها، وإنما نحن نعقل تلك الصفات كما وصف الله بها نفسه أو وصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، ونتوقف عند كيفيتها.
غضب الله وغضب البشر:
ولكي نعرف صفة الغضب التي يتصف بها الله عز وجل فسوف نستعرض الآيات التي وردت فيها الإشارة إلى غضب الله ونلاحظ أمرا مهما، وهو أن غضب الله نوع من أنواع العقاب يقع على من يستحقه وليس كغضب البشر الذي يقع في أنفسهم فيؤلمهم ويزعجهم، ولهذا فهو صفة كمال في حق الله وصفة نقص في حق البشر.
“… وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون”
“بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين”
“ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من الله”
“ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما”
“قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه… الآية”
“قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان… الآية”
“إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين”
“ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير”
“من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم”
“كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى”
“والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين”
“والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد”
“ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا”
“ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون”
“يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور”
ثم لاحظ وصف الغضب عند الناس في القرآن، فهو هنا حالة انفعالية يستحسن التخلص منها:
“والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون”
وتأمل في هذه الآية مقارنة واضحة بين غضب الإنسان (موسى) وغضب الله تعالى، الأول صفة نقص بشري مزعجة، والآخر صفة كمال تحل عقوبة بالعصاة:
“فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي”
لم لا يغضب الله قبل المعصية؟
إذا عرفنا أن غضب الله إنما هو عقوبة تقع على مستحقيها، فإن من غير المناسب أن نتساءل: لم لا يغضب الله قبل وقوع المعصية إذا كان يعلم أنها ستقع.. إذ كيف تأتي العقوبة قبل ارتكاب الجرم؟
وكما ذكرنا آنفا، فالإشكال الأساسي يكمن في الاعتقاد أن كيفية الغضب عند الله هي نفسها الكيفية التي يغضب بها البشر، وهذا خطأ فادح يقع فيه الكثيرون عند الحديث عن صفات الله تعالى.. فيجب أن نستحضر دائما في أذهاننا أنه “ليس كمثله شيء”، ويجب أيضا أن نلاحظ نفي التشبيه المضاعف هنا: (الكاف) و (مثل)، فلا تشابه أبدا بين صفات الخالق وصفات المخلوق إلا من ناحية كونها موجودة.