تعزيز اليقين وهداية الحيران

إله الفجوات

إله الفجوات

في أي حوار أو مناظرة عامة بين مؤمن وملحد غالباً ما يسمع المرء عبارة ”مغالطة إله الفجوات“ من الملحد بنبرة إنتصار وكأنما يستخدم أقوي أسلحته ضد الإيمان بوجود الخالق، من يستخدمون عبارة ”إله الفجوات“ يمكن القول أنهم يجادلون بهذه الطريقة:

”كل براهين المؤمنين علي وجود الخالق أو العالم وراء المادي والتي لا تتفق مع رؤيتي الإلحادية للعالم ليست براهين في الواقع بل هي مجرد فجوات معرفية في رؤيتي الإلحادية للعالم يملؤها المؤمن بالخالق والعالم وراء المادي، في المستقبل سيغلق العلم هذه الفجوات وسيتضح أن رؤيتي الإلحادية للعالم هي الصحيحة ولا وجود لخالق“.

لكن هذه الحجة في الواقع هي واحدة من أسخف الحجج التي يمكن أن يستخدمها الملحد ضد الإيمان لسببين:

– الحجة تخالف المنهجية العلمية.

عندما يكون هناك نظريتان متنافستان لتفسير مجموعة من الأشياء، كيف يختار العلماء بينهما؟ يبحثون عن نقاط الضعف ”الفجوات“ في إحدى النظريتين، وجود نقاط ضعف في نظرية ما لا يعني بالضرورة أنها خاطئة، لكن تراكم نقاط ضعف كثيرة ”فجوات“ أو ”أشياء كثيرة لا تستطيع النظرية تفسيرها“ في نظرية ما يضعف موقفها بشدة، فالعلماء سيختارون النظرية التي بها ”فجوات أقل“، وستكون هذه هي النظرية الأكثر عقلانية، هذه الطريقة التي تسير بها كافة العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء.

نعتبر الآن أن ”الإيمان“ = يوجد خالق صمم الكون و”الإلحاد“ = لا يوجد خالق ولا يوجد سوي العالم الطبيعي وفقط نظريتان متنافستان لتفسير الوجود، لا يوجد أي شيء خاطيء في إيضاح الفجوات في كلا النظريتين كما يفعل العلماء تماماً مع النظريات المتنافسة، فالملحدون أنفسهم لا يترددون أبداً في استخدام الفجوات الموجودة في وجة النظر الإيمانية للعالم ليجادلوا بأن الإيمان غير منطقي وغير عقلاني علي سبيل المثال يستخدمون ”معضلة الشر“ بكثرة لم الإله يخلق طفل بريء مصاب بسرطان الدماغ؟ أو لم الإله لم يمنع الحروب التي تم قتل الملايين خلالها؟ فما هو المانع أن يفعل المؤمن نفس الشيء ويستخدم هو الآخر الفجوات الموجودة في وجة النظر الإلحادية المادية للعالم ليجادل بأن الإلحاد غير منطقي وغير عقلاني علي سبيل المثال عجز وجهة النظر الإلحادية المادية عن تفسير تصميم الكون والحياة؟

عندما يستخدم المؤمن حجة التصميم Argument From Design:

» التصميم موجود بوضوح في الكون (الضبط الدقيق لثوابت وقوانين الطبيعة) وفي الأنظمة البيولوجية (تعقيد الخلايا مثلاً).

» منطقياً وجود التصميم دليل علي وجود مصمم أو ذكاء واعي.

» إذا لابد من وجود خالق مصمم لديه عقل خلق الوجود الذي نري تصميمه.

رد الملحد الذي يستخدم حجة ”إله الفجوات“ باستمرار يكون ”لا لا، هذا إله الفجوات في المستقبل سيكتشف العلم سبب وجود هذا التصميم بشكل طبيعي مادي بدون الحاجة إلي خالق“.

لكن ألا يستطيع المؤمن أن يرد بنفس الطريقة علي أي إعتراض إلحادي علي وجود الخالق؟

عندما يستخدم الملحد حجة التصميم السيء Argument From Poor Design:

» الإله كلي القدرات يجب أن يخلق مخلوقات ليس فيها أي عيوب.

» يوجد عيوب في المخلوقات علي سبيل المثال ”المادة الوراثية الخردة Junk DNA في أجسام الكائنات الحية والتي لا تشفر لوظائف حيوية“.

» إذا الإله ليس هو من خلق هذه المخلوقات أو أنه غير كلي القدرة.

رد المؤمن يمكنه أن يكون ببساطة كما يفعل الملحد تماماً ”لا لا، إلحاد الفجوات في المستقبل العلم سيكتشف وظائف للمادة الوراثية الخردة وبالتالي يوجد خالق“.

والأمر بالتأكيد لا يقتصر علي الأمور العلمية وحسب، فمعضلة الشر التي ذكرت بالأعلي علي سبيل المثال هي معضلة فلسفية منطقية، والكثير من الملحدين يستخدمونها في البرهنة علي أن وجود خالق يهتم بنا أمر غير منطقي، يستطيع المؤمن أن يجيب عليها بكل بساطة: ”إلحاد الفجوات في المستقبل سنكتشف الحكمة من وجود الشر فربما عقولنا محدودة فقط ولا نستطيع إدراك الحكمة من ذلك“.

كيف يستطيع أي شخص الآن أن يقوم بتخطئة نظرتك للعالم (سواء إيمانية أو إلحادية)؟ وأنت كل فجوة في نظرتك للعالم ترد ”في المستقبل ستغلق الفجوة بما يتوافق مع نظرتي أنا“. لا يستطيع أحد فعل ذلك سيكون هذا موقف غير قابل للتخطئة، يمكن لأي ڜخص أن يستخدم هذا النوع من الردود علي أي شيء لا يتوافق مع نظرته.

الأمور في الواقع يجب أن تسير هكذا كما تسير المنهجية العلمية:

» ”نحضر كافة الأدلة التي نملكها الآن عن الوجود“

» ”عندنا نظرتان الإيمان والإلحاد“

» ”نري أي النظرتين يفسر هذه الأدلة بشكل أفضل = يحتوي علي فجوات أقل“

» ”إذا هذا الموقف هو الموقف الأكثر عقلانية في ضوء الأدلة المتاحة“.

لا أن تفترض مسبقاً أن نظرتك للوجود هي الصحيحة وأن المعرفة المستقبلية ستغلق فجوات نظرتك بما يتماشى مع هواك ويتعارض مع نظرة من يخالفك، لأن أي شخص يستطيع عكس واستخدام نفس الأسلوب عليك عندما تشير لفجوة في نظرته للوجود.

– فجوات متزايدة.

حجة ”إله الفجوات“ قائمة علي إفتراض أنه كلما يتقدم العلم كلما أصبح الوصول لتفسير مادي طبيعي لكل شيء أسهل، هذا الإفتراض في الواقع ليس صحيح دائماً فعلي سبيل المثال:

في الماضي كل معرفتنا عن الخلية كانت أنها مكونة من غشاء بلازمي ونواة بداخله تعيش في السيتوبلازم، مع التقدم العلمي تم إكتشاف تعقيد هائل في الخلية ”المادة الوراثية داخل النواة وتعقيدها المذهل، جسم جولجي، الميتوكوندريا، الريبوسومات، الليسوسومات، الشبكة الإندوبلازمية، ….“ وكل أجزاء الخلية تتفاعل مع بعضها البعض بطرق معقدة لا يمكن حصرها، حتي أبسط أنواع الخلايا الموجودة علي كوكب الأرض أصبحنا نعرف الآن أن فيها درجات من التعقيد، بالتأكيد الإجابة علي سؤال كيف إنبثقت أول صور الحياة علي الأرض بشكل طبيعي مادي في وقت كل معرفتنا فيه عن الخلية أنها مكونة من غشاء بلازمي ونواة وسيتوبلازم ستكون سهلة مقارنة بإجابة هذا السؤال في ظل معرفتنا الحالية عن تعقيد أبسط الخلايا.

في الماضي حجج التصميم التي كان يقدمها الناس علي وجود الخالق كانت حجج معتمدة علي تصميم الكائنات الحية فقط، قبل التقدم العلمي ما كان أحد يعلم عن شيء يسمي ”ثابت البناء الدقيق“ علي سبيل المثال، مع التقدم العلمي واكتشاف نظريات نيوتن وأينتشتاين ونظرية ميكانيكا الكم ورصد الطبيعة من خلال التلسكوبات وبناء مصادمات الجسميات ببليونات الدولارات ظهرت حجة أقوي علي وجود التصميم في الوجود ”حجة الضبط الدقيق لقوانين وثوابت الكون كله” وليس الكائنات الحية فقط.

ففي الواقع التقدم العلمي أحياناً يجعل من الصعب الوصول لتفسير مادي طبيعي لظواهر مختلفة في الوجود، ويزيد من عقلانية الإيمان بوجود الخالق المصمم.

المصدر