تعزيز اليقين وهداية الحيران

إله الفجوات

إله الفجوات

 

     وتبرز قضية هامة أخرى من قصة لابلاس التي ذكرت قبل قليل، إذ يبرز في أيّ نقاش حول العلم الطبيعي والدين عاجلًا أم آجلًا مسألة “إله الفجوات”، الفكرة القائلة بأن تقديم إله أو الله يشكل دليلًا على الخمول الفكري: عندما نعجز عن تفسير شيء بطريقة علمية نقدّم “الله” لتغطية جهلنا، وسنتحدّث بالمزيد عن هذا لاحقًا، ولكن في هذه المرحلة من المهم الإشارة إلى أن لا يجوز أن نضع السيّد فورد في فجوات معرفتنا عن عمل محرّكات الاحتراق الداخلي، وبدقّة أكثر لا يجوز أن يطرح فورد في أي تفاسير سببية تخصّ الآليات، لأن هنري فورد ليس آلية: فهو العامل المسؤول عن وجود الآليات فقط في المقام الأوّل. ولذلك تحمل كلها علامات عمله الجيد – ويشمل هذا الأقسام التي نفهمها والتي لا نفهمها منها.

 

     ويصحّ الأمر أيضًا عند الحديث عن الله، ففي المستوى الأكثر تجرّدًا للقدرة التفسيرية للعلم الطبيعي ذاته؛ قال الفيلسوف ريتشارد سوينبيرن في كتابه: هل يوجد إله؟ (Is there (a God?: “لاحظ أنني لا أفترض وجود “إله الفجوات”، إله فقط لتفسير الأشياء التي لم يفسرّها العلم الطبيعي بعد، بل أفترض إلهًا ليفسّر لِمَاذا يقدّم العلم الطبيعي التفسير؛ فأنا لا أنكر أن العلم الطبيعي يفسّر، لكني أفترض إلهًا لتفسير لِمَاذا يقدّم العلم الطبيعي التفسير، إن نجاح العلم الطبيعي في إثبات قدر التنظيم العميق للعالم الطبيعي يقدّم الأساس القوي للاعتقاد بوجود سبب أعمق لذلك التنظيم.” ويستدل سوينبرن بهذا للوصول إلى أفضل تفسير ويقول بأن الله أفضل تفسير لوجود القدرة التفسيرية للعلم.

 

      النقطة التي نريد هنا أن نلم بها أن الله ليس بديلًا عن العلم الطبيعي كتفسير، فلا يجوز أن نفهمه فقط كإله للفجوات، بل على النقيض من ذلك هو أساس جميع التفاسير: فإن وجوده الذي قدّم إمكانية التفسير نفسها، التفسير العلمي وغيره. من المهمّ التأكيد على هذا الأمر لأن المؤلفين المؤثّرين مثل ريتشارد دوكنز سيصرّون على تصوّر الله كبديل تفسيري للعلم الطبيعي – وهذه فكرة لا توجد في الفكر الديني بأي عمق كان. لذلك يحارب دوكنز أعداءً وهميين – رافضًا لمفهوم عن الله لا يعتقد به أي مفكّر جاد على أي حال، ومثل هذا التصرّف حتمًا ليس علامة على العمق الفكري.

المصدر