تعزيز اليقين وهداية الحيران

 إنكار عالمية الإسلام

 إنكار عالمية الإسلام

مضمون الشبهة:

ينكر بعض المشككين عالمية الإسلام زاعمين أن رسالته محدودة الزمان والمكان، ويدعون:

أن الإسلام دين محلي قومي، أنزل للعرب واختص بهم في شبه الجزيرة العربية، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: )وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه( (إبراهيم: 4)، ويتساءلون: كيف يرسل الله رسولا إلى قوم لا يعرفون لغته، فلا يفهمون ما يقول؟!

أن الإسلام دين مؤقت اقتصرت صلاحيته الزمنية على وقت نزول الرسالة المحمدية. ويستدلون على ذلك بأن الإسلام نشأ في بيئة بدوية صحراوية، فلا يصلح للمدنية الحديثة.

أن الإسلام دين تتعدد صوره بتعدد الأقطار، وتبقى العروبة أصلا في حين يجيء الإسلام فرعا عليها.

أن فكرة عالمية الإسلام لم تخطر ببال محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه كان متأكدا من أنه مرسل إلى العرب وحدهم، ومن ثم يشككون في صحة الروايات التي تؤكد إرسال النبي – صلى الله عليه وسلم – الرسائل للملوك المعاصرين له، كالمقوقس في مصر، وملك الحبشة النجاشي، وهرقل عظيم الروم، وكسرى ملك الفرس.

أن المسلمين ظلوا بعد وفاة نبيهم بمائة عام يعدون الإسلام دينا محليا للعرب فحسب.

أن من يزعمون عالمية الدعوة الإسلامية، يضعون بذلك الله سبحانه موضعا لا يليق حتى بإنسان عاقل، ويستدلون على ذلك بأن الله تعالى يقول: )إنا أنزلناه قرآنا عربيا( (يوسف:٢)، متسائلين: كيف يعقل أن يبعث الله – عز وجل – رسوله محمدا – صلى الله عليه وسلم – بالإسلام إلى الناس كافة، ثم يوحي إليه بلسان عربي لا يفهمه إلا العرب؟! ويأمره بأن ينذر أهل مكة ومن حولهم من العرب؟! ومن هؤلاء من يزعم أن الإسلام كان خاصا بالعرب، ثم جعله محمد – صلى الله عليه وسلم – دينا عالميا، وعمم دعوته، عندما انتصر في المدينة.

وبالجملة فإن هؤلاء ينكرون عالمية الإسلام، هادفين من وراء ذلك إلى الطعن في صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان.

وجوه إبطال الشبهة:

1) عالمية أي دين أو محليته لا يحددها هوى المدعين وآراؤهم، وإنما نصوصه وسيرة رسوله وتاريخه، وهي كالآتي:

القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومكاتبته للملوك، وتاريخ الفتوحات الإسلامية، كل ذلك يؤكد عموم الدعوة الإسلامية، وعالمية الرسالة المحمدية الخاتمة.

نصوص الكتب السابقة تؤكد عالمية رسالة الإسلام وختمها للرسالات السابقة، كما تؤكد خصوص غيرها بزمانها ومكانها.

2) تتعدد المظاهر والشواهد التي تؤكد عالمية الإسلام وعموم رسالته، وتشهد بذلك.

3) معنى الآيات التي استدل بها المدعون وتفسيرها لا يدل على محلية الإسلام، وليس معنى نزول الرسالة على أمة بدوية أنها لا تصلح للمدنية، بل هي التي صنعت منهم أمة ذات حضارة عريقة ومدنية راقية قصرت دونها كل الحضارات والمدنيات.

4) الدين الإسلامي دين عالمي للناس كافة، ولا فرق فيه بينهم اعتمادا على الجنس أو النوع، بل التفضيل فيه على أساس التقوى؛ لذلك فالإسلام رسالة إنسانية نفسية عالمية تعالج نفوس الناس في كل زمان ومكان.

5) الإسلام هو الذي بعث أمة العرب بعثا من وهاد التاريخ وظلماته، ومنحهم هويتهم الخاصة وطابعهم المميز؛ فالإسلام هو الأصل والعروبة فرع عنه بعكس ما يدعي هؤلاء المغالطون.

6) الإسلام – بما أنه الرسالة الخاتمة الصالحة لكل زمان ومكان – قامت رسالته على أصول وفروع، أو ثوابت ومتغيرات؛ فالأصول ثابتة في كل عصر ومصر لا تتغير، والفروع يمكن الاجتهاد فيها بما يلائم كل زمان ومكان، ولكن في إطار الثوابت ودون الخروج عليها، وليس لكل دولة إسلام خاص – كما يدعي المفترون – إنما هي عوامل سعة الشريعة الإسلامية ومرونتها.

7) عالمية الإسلام أمر ثابت ومقرر، لكن العولمة بمفهومها المعاصر الذي يعني قولبة الأمم المختلفة – أي: صبها في قالب واحد على نمط معين ومسح هويتها – أمر مذموم، ولا ريب في ذلك لدى كل من لديه شرف وكرامة وأصالة.

التفصيل:

أولا. عالمية أي دين أو محليته لا يحددها هوى المدعين وآراؤهم، وإنما نصوصه وسيرة رسوله وتاريخه:

إن الأباطيل التي نحن بصدد دفعها – سواء كان أصحابها يزعمون أن الإسلام دين محلي قومي خاص بالعرب وحدهم، أم أن الإسلام كان دينا خاصا، ثم جعله محمد – صلى الله عليه وسلم – دينا عالميا عندما انتصر في المدينة، وسواء أكان هذا التحويل بعد وفاة محمد – صلى الله عليه وسلم – مباشرة، أم بعدها بمائة عام – كل هذه الأباطيل أباطيل واهية لا تستند إلى برهان عقلي أو نقلي، وهذا ما يجعلها تنهار أمام الحقائق التي تؤكدها نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والفتوحات الإسلامية، وتاريخ الإسلام، وذلك على التفصيل الآتي:

آيات القرآن الكريم:

إن كثيرا من آيات القرآن الكريم يتجه نحو عمومية الدعوة[1]، يقول عز وجل:

)إن هو إلا ذكر للعالمين (87) ولتعلمن نبأه بعد حين (88)( (ص).

)تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1)( (الفرقان).

)قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا( (الأعراف: ١٥٨).

)هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33)( (التوبة).

)وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون (28)( (سبأ).

)وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين (69) لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين (70)( (يس).

)قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (29) وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (30) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون (31) يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (32) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33)( (التوبة).

وفي مستهل استعراضه للأدلة النقلية على عالمية الدعوة الإسلامية من القرآن والسنة، ونصوص الأديان السابقة، كالتوراة والإنجيل، يورد الدكتور على عبد الحليم محمود عددا من الآيات القرآنية، يقدم لها بقوله: “سوف نستعرض في هذا الفصل – بعون الله تعالى – آيات بينات من القرآن الكريم، تؤكد عالمية الدعوة وتنادي بها، وذلك بعد ما قدمنا من أدلة كثيرة على ذلك، وقد حاولت أن أنظر في تلك الآيات الكريمات حسب ترتيب نزولها حتى يمكن أن أتتبع اتساع نطاق الدعوة، منذ أمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – بها لنفسه ولعشيرته الأقربين إلى أن أمر بتبليغ العالم كله.

وقد لاحظت في هذه الجولة الممتعة في رحاب القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى – وإن كان لم يطلب من محمد – صلى الله عليه وسلم – أن يبلغ دعوته العالم كله بادئ ذي بدء – أنزل على النبي – صلى الله عليه وسلم – آيات تشير إلى أن رسالته عالمية ودعوته للناس جميعا، أنزل تلك الآيات في بداية نزول الوحي، وبالتحديد في ثانى سورة نزلت عليه – صلى الله عليه وسلم – وذلك حين يتحدث عن القرآن الكريم فيقول: )وما هو إلا ذكر للعالمين (52)( (القلم)، وذلك لكي يضطلع محمد – صلى الله عليه وسلم – بالعبء ويعد نفسه له.

ثم يشفع هذه الآية الكريمة بآية أخرى أدل على طبيعة عمل الرسول – صلى الله عليه وسلم – في رابع سورة نزلت من القرآن – سورة المدثر – التي بدأت بالمطالبة بالإنذار والتشمير لما يستتبعه: )قم فأنذر (2)( (المدثر)، وفي هذه الصورة نفسها يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: )نذيرا للبشر (36)

المصدر