تعزيز اليقين وهداية الحيران

دعوى انتشار الإسلام بحد السيف وإساءة معاملة الآخر

الرئيسية / كشاف الشبهات / شبهات حول الإسلام / شبهات حول التاريخ الإسلامي / دعوى انتشار الإسلام بحد السيف وإساءة معاملة الآخر

دعوى انتشار الإسلام بحد السيف وإساءة معاملة الآخر

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين أن الإسلام انتشر بحد السيف، وأنه أساء معاملة أهل البلاد المفتوحة من اليهود والنصارى، ويستدلون على ذلك بما يلي:

 سبق الجيوش المحاربة قوافل الدعاة، في البلاد المحاربة.

 إجبار بعض النصارى على الدخول في الإسلام.

 عدم قبوله للتعددية الدينية، والعمل على إقصاء الآخر.

ويهدفون من وراء ذلك إلى اتهام الإسلام بالدموية والعنف، وأنه دين غير مقنع بذاته ومبادئه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخلاصة:

 القاعدة الإسلامية في التعامل مع أهل الذمة وأهل البلاد المفتوحة أنه: )لا إكراه في الدين(.

 إن أحاديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – أوصت المسلمين بحسن معاملة أهل الذمة من اليهود والنصارى، وحذرتهم من ظلمهم ما داموا ملتزمين بالعهد، وكذلك كانت سياسة الخلفاء معهم، حيث استعملوهم في دواوين الدولة الإسلامية وولوهم عددا من الوظائف الإدارية العليا كالوزارة والكتابة وغيرها.

 ولقد سار النبي وصحابته على هذا النهج، وأحداث التاريخ تبرهن عمليا – بوضوح – على هذا، ومن ثم فقد أثمرت الفتوحات الإسلامية – على عكس موجات الاستعمار – نتائج مثمرة في البلاد المفتوحة، ولتكن الأندلس نموذجا، والتي تحولت – باعتراف الغربيين أنفسهم – إلى كعبة علم ومنارة حضارة، أما الاحتلال فأرض تغتصب، وموارد تنهب، وشعوب تستعبد، كما يحدث على أيدي غير المسلمين حينما تكون لهم الغلبة.

 لم يؤذن للمسلمين طوال الفترة المكية بقتال رغم صنوف الظلم والعذاب التي نزلت بهم، ولكن لما لج أهل الكفر في عنادهم وألجئوا المسلمين إلى الهجرة جاء الإذن بالقتال، ومع ذلك لم ينس القرآن أن يستوصي بالمسالمين للمسلمين من غيرهم: )لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8)( (الممتحنة).

 على الرغم من هذه الضجة حول رفعه – صلى الله عليه وسلم – السيف وخوضه الغزوات، فإن المتأمل للآثار الناجمة[88] عن هذا القتال، وأعداد ضحاياه يتبين مدى ضآلة هذه الآثار قياسا على الحروب الطاحنة في تاريخ الأديان الأخرى.

 ليس أدل على أن دعوة الإسلام قائمة على السلم من استغلال النبي – صلى الله عليه وسلم – لصلح الحديبية ليعود بالدعوة إلى أصلها – وهو السلم – فأخذ يكاتب زعماء الأرض برسائل صيغت بمنتهى الحكمة واللين؛ إذ إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – سمح يدعو ولا يتهدد، ويتلطف ولا يتوعد، ويخاطب الملوك مقرا بسلطانهم ومعترفا بمكانتهم.

 وعلى الرغم من سماحة الخطاب ووقار الكتاب إلا أن الردود جاءت متباينة، فمنهم من تلطف، ومنهم من أغلظ في الرد ومزق الكتاب، وجاهر بالعداوة، وصار طاغوتا يقف في سبيل نشر الدعوة، الأمر الذي دعا إلى استئناف الجهاد، وانطلاق موجة الفتح الإسلامي نحو جبهتي فارس والروم اللتين اتخذتا خطوات عملية في سبيل القضاء على الدعوة والدولة الوليدتين، ولم تكن هذه الحروب ضد الشعوب، وإنما كانت ضد الطواغيت من القياصرة والأكاسرة وجيوشهم.

 لقد كانت النبوات السابقة محلية مؤقتة، محدودة الزمان والمكان، حيث كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، ورغم محدودية طبيعة هذه النبوات إلا أن بعض الأديان السماوية، وكثيرا من الديانات الوضعية قد حاولت نشر مبادئها بالعنف والقهر اللذين صاحبا غالبية هذه المحاولات، ويكفي للتدليل على هذا ما قام به “أمنحتب”، حيث فرض على شعبه عبادة إله الشمس “آتون”، وأغلق معابد الآلهة، وحطم صورها، واضطهد المخالفين.

 من يطالع نصوص الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد يجد نصوصا صريحة تدلل على صحة ما ذهبنا إليه، ولم يقتصر الأمر على المخالفين في العقيدة، بل شمل أبناء العقيدة الواحدة، مثل ما حدث للبروتستانت على يد الكاثوليك في باريس، وما حدث للأرثوذكس في مصر على يد الكاثوليك الرومان بعد “مؤتمر خلقدونيا” لبحث طبيعة المسيح؛ حيث وصل عدد القتلى إلى أكثر من مليون قتيل أرثوذكسي.

 ولم تكن الكشوف الجغرافية الأوربية في مطلع العصر الحديث خالصة لوجه الحضارة والمدنية، فقد ارتكب المنصرون الذين رافقوا هذه الرحلات من الأعمال البشعة ما لا يليق بالإنسانية، فقد أبادوا مثلا الهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا، وكذا فعلوا في بقية مستعمراتهم الجديدة، فحين اكتشف الإسبان جزيرة هاييتي في بحر الكاريبي أبدوا من ضروب الوحشية ما لم يسبق له مثيل، متفننين في تعذيب سكانها بقطع أناملهم، وفقء عيونهم، وصب الزيت المغلي والرصاص المذاب في جراحهم، أو بإحراقهم أحياء على مرأى ومسمع من الأسرى؛ ليعترفوا بمخابئ الذهب، أو ليهتدوا إلى الدين.

 لما ضعفت شوكة المسلمين في الأندلس والقوقاز والبلقان وغيرها أبدى النصارى حقدهم وعنصريتهم تجاه المسلمين، ففعلوا بهم ما يندى له الجبين، فسيف الإسلام الطاهر أم هذه الهمجية العنصرية؟!

 فالحرب إذن سنة كونية لم يخل منها تاريخ أمة بشرية، لكن هناك فرقا بين أن تكون استبدادية استعمارية، وبين أن تكون شرعية جهادية.

المصدر