أهم النتائج في نقد شبهة الشرّ.
(خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) [العنكبوت: ٤٤]
بعيدًا عن تداخل الكلام وتشعب النظر، ولأنّ الكلام ينسي بعضه بعضا، وليكون القارئ على معرفة بخلاصة التصوّر الثيوديسي لهذا الكتاب في سياق الجدل الإيماني – الإلحادي والذي سميناه (ثيوديسيا الحكم التكاملية)، أوجز الكلام في النقاط المعتصرة التالية:
- بإمكان المسلم أن يقدّم ثيوديسيا تكشف الحِكَم الإلهية من وجود الشر في عالم خلقه إله، قدير، عليم، رحيم، ولا يكتفي بمجرد الطرح الدفاعي الذي يطمح فقط في بيان فساد الاعتراض الإلحادي.
- مشكلة الشر لا تنفي في أقوى صورها وجود الإله الخالق، وليست بالتالي حجة للإلحاد، وإنما هي تسعى فقط لنفي إحدى الصفات الإلهية الثلاث: القدرة، العلم، الرحمة.
- وجود الشر دليل على وجود الخالق من أكثر من وجه.
- يتجاهل الملحد مواجهة مشكلة الخير التي هي أعظم ظهورا من مشكلة الشر.
- مشكلة الشر بحدتها الحالية هي نتاج عجز الكنيسة وكتبها المقدسة وعقائدها عن تقديم تصور سائغ لوجود الشر في عالم خلقه إله رحيم.
- كلّ جواب عن مشكلة الشر بوجه واحد من الحكمة (حرية الإرادة أو تهذيب النفس..) باطل لسببين أولهما أن مشكلة الشر هي في الحقيقة مشاكل متعددة وليست مشكلة واحدة وثانيهما: أن الإشكال متعلق بشرور متعددة الأجناس لا شر واحد.
- نحن نوافق الملاحدة في أنّ كل الأجوبة التي تقتصر على وجه واحد باطلة لقصورها، لكننا نقرر مع ذلك أنّ هذه الأجوبة تتكامل فيما بينها لتُصلح مصدر خللها، وهو القصور، ولتقدّم بذلك تفسيرا تكامليا يقلب التحدي إلى الجهة المقابلة؛ أي من تحدي الملاحدة للمؤمنين: “ما هي الحكمة من الشر؟” إلى تحدي المؤمنين للملاحدة: “ما حجتكم على أنّ أي مظهر من مظاهر الشر يخرج عن جميع أسباب الحكمة التي ذكرناها ؟!”.
- التحدي الإلحادي قائم على وجهين: المشكلة المنطقية للشر والمشكلة البرهانية أو الاحتمالية.
- المشكلة المنطقية للشر، والتي تزعم عدم تألف وجود إله قدير، عليم، رحيم مع وجود الشر؛ أي: تَرتُب التناقض على اجتماعهما، سقطت باعتراف أئمة الإلحاد، رغم أنه يندر أن يتفق الملاحدة والمؤمنون في منازعاتهم على شيء!
- جميع أوجه المشكلة البرهانية للشر ذبلت وما عاد أئمة الإلحاد يعوّلون عليها، إلا مشكلة الشر المجاني، وهي المشكلة التي يدور حولها النزاع بين الثيوديسيين والدفاعيين المؤمنين ومخالفيهم من الملاحدة.
- كل حديث عن الشر في عالم عظيم متداخل العلائق، وبعقل محدود المدارك، لا بدّ أن يبدأ – مهما كان موقف الخائض في شأن وجود الله ـ بالإقرار بالقصور الإدراكي للإنسان وأنّه لا يلزم من عدم الوجدان عدم الوجود.
- يلزم من القصور العقلي للإنسان، وضعف معارفه أمام علم الخالق أن تفوت حكم أمورٍ من العالم إدراكه.
- الشر المجاني مسألة محل نظر ومسألة وجود الخالق ثابتة بأدلة عقلية ساطعة؛ ولذلك فإقامة البحث في الشر المجاني على أساس التسليم بوجود الله يلزم منه نفي مجانية هذا الشر.
- (الخير المجاني) مشكلة أكبر من مشكلة الشر المجاني لأن كون الملحدِ مادي أعمى بلا قلب؛ إذ هو على الحصر مادة وطاقة في حال اضطراب سرمدي فلا مجال فيه للخير ابتداءً؛ فكيف إذن بالخير الفائض عن الحاجة؟!
- أهم ما يفسّر الشر في عالمنا، بما في ذلك الشر المجاني، الاختبار الإلهي، وحرية الإرادة، والحاجة إلى قوانين كونية مستقرة، وإشعار الإنسان بقيمة النعمة وحقيقتها ومعرفة حقارة الدنيا وضالتها.
- مشكلة الشر الذي يطال الحيوان تحفّها إشكالات كبرى أهمها معرفتنا الخارجية المحدودة بالحيوان، وألمه وحلّها يكمن في دراسة وعي الحيوان، وعلاقة الوعي بتجربة الألم.
- العالم الخالي من الشر كما يتصوّره الملحد لا يقل سوءا عن هذا العالم الذي يتبرّم، منه بل هو يفوقه فسادًا، كما أنه عند التحقيق قائم على تطلب محالات عقلية.
- رغم تذمّر الإنسان من الشر، إلا أنه لا يستطيع أن يعيش دونه لأنّ الحياة بلا شر هي حياة بلا معنى ولا يملك الإنسان قدرة على معايشة اللامعنى.
- حياتنا الدنيا جزء من قصة أطول، وبترها عن الآخرة يفقدها ضرورة دلالتها على الحكمة الإلهية الكبرى من إيجادها على السنن التي نعرفها.
- يرى المؤمن أن الحياة المشرقة بالمعنى في كون خلقه الله، تَهَب الشر معنى ودلالة إيجابية، في حين يرى الملحد أنّ الحياة المادية تسلب من الشر كلّ معنى؛ فالشر بذلك عند المؤمن والملحد يكتسب معناه ممّا يمنحه المرء للحياة من معنى أو ما يعدمه فيها من معنى.
وعصارة المقال هي: هذا الكون بشروره، على تعدد أنواعها ودرجاتها، هو ما يتوقعه المؤمن بإله قدير، عليم، رحيم خلق الإنسان على الصورة التي جاء بها القرآن وللحكم التي أوردها، القرآن ولغايات أوردها القرآن، ولذلك لا يجد المسلم نفسه في مأزق تصوّري للألوهية ولا لمعاني الحياة.
كلمة في الختام
( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُون * مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُون * لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِين) [الروم: ٤٣ – ٤٥].