تعزيز اليقين وهداية الحيران

الاعتراض السابع على دلالة القرآن وإعجازه: أن عجز العرب ليس دليلا على عجز غيرهم

الرئيسية / كشاف الشبهات / شبهات حول الإسلام / شبهات حول إعجاز القرآن الكريم / الاعتراض السابع على دلالة القرآن وإعجازه: أن عجز العرب ليس دليلا على عجز غيرهم

تقوم حقيقة هذا الاعتراض على التسليم بعجز العرب عن معارضة القرآن، ولكن عجز العرب ليس دليلا على عجز غيرهم، فما الذي يمنع أن غيرهم يمكنه معارضة القرآن والمجيء بمثله؟! وما الذي يمنع أن يأتي أحد في آخر الزمان يمكنه أن يأتي بمثل القرآن أو أعلى منه؟!.

وهذا الاعتراض متناقض مع ما يقتضيه قياس الأولى، وهو دليل عقلي معتبر، فإن عجز الأقوى عن شيء ما يدل بالضرورة العقلية على عجز من هو أضعف منه عنه من باب أولى، فإن عجز الرجل القوي عن حمل صخرة كبيرة، يدل بقياس الأولى على عجز حمل الطفل الضعيف عن حملها.

فكذلك الحال في عجز العرب عن معارضة القرآن، فإن ذلك يدل بقياس الأولى عن عجز من عداهم من الناس؛ لأن العرب هم الأقوى والأولى في معارضة القرآن؛ لكونهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان، وهم مشتغلون بهذا الأمر ومتفاخرون به، فإن تحقق منهم العجز عن معارضة القرآن، فغيرهم سيكون أكثر عجزا وبعدا عن أن يأتي بمثل القرآن.

وهذا الأمر ليس خاصًا بهذه القضية، وإنما هو شامل في كل مجالات الحياة، فإن عجز أهل الاختصاص عن شيء ما متعلق باختصاصهم بعد تحديهم فيه، وتوبيخهم واستنفارهم يدل على أن غيرهم أولى بالعجز منهم، فلو أن رجلًا أتى بأمر في شأن الطب، وتحدى أهل الاختصاص فيه ووبخهم وقرعهم على معارضته، وعجز أهل الاختصاص جميعهم عن إثبات خطئه؛ فإن ذلك يدل على أن غيرهم سيكون أولى بالعجز.

أما القول: بأن لا مانع من أن يأتي أقوام في آخر الزمان يمكنهم معارضة القرآن، فهذا القول لا يعدو أن يكون مجرد فرض عقلي لا أساس له من الصحة، فإن العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أهل اللغة، وهم يتحدثون بها بالسليقة والطبع، ومن المستبعد في العقل أن يكون من تحصل على اللغة بالتعلم والتدريب أفهم لأسرار اللغة وفصاحتها من صاحب اللغة نفسها الذي طبع عليها، فشأن اللغة مختلف عن شأن المجالات الأخرى؛ لأن الأخذ بها عند أهلها أخذ بالطبع والسليقة، فمن المستبعد أن يكون المتأخر فيها أكمل من المتقدم، وأما المجالات الأخرى كالطب والكتابة والهندسة فإن الأخذ بها عند كل الناس أخذ بالتعلم والتدريب، فمن الممكن أن يكون المتأخر أكمل من المتقدم فيها.

 ثم إن الاعتماد على ذلك الفرض العقلي -أعني: القول بأنه لا مانع من أن يأتي أقوام في آخر الزمان يمكنهم معارضة القرآن ـ من غير قيد معرفي بين يؤدي إلى التشكيك في كل المعارف والعلوم التي يصدق الناس بها، فإنه بناء عليه يمكن أن يقال: إنه لا مانع من أن يصل الناس إلى مرحلة من العلم يكتشفون فيها أن كل ما كانوا عليه من العلوم باطل! ولا مانع من أن يكشف الإنسان بأن الرجل الذي كان يعتقده أباه لم يكن كذلك !! وهكذا الأمر في كل المعارف الضرورية.