تقوم حقيقة هذا الاعتراض على التسليم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى بالفعل العرب بالقرآن، ولكن لا يوجد دليل على أن ذلك التحدي بلغ كل العرب، فما الذي يمنع أن يكون في العرب أناس بلغاء يمكنهم معارضة القرآن لم يبلغهم التحدي به؟!.
وهذا الاعتراض لا يختلف عن الاعتراض السابق في البطلان والفساد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن على أصحابه، وعلى كفار قريش، وآيات التحدي بالقرآن أكثرها كان في السور المكية، وانتشر خبر الإسلام وحال النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه وحربه معهم، وطالت مدة دعوته لو بلغت أكثر من عقدين من الزمان، ثم توسعت دولة الإسلام في زمن النبي الله إلى اليمن جنوبًا، وإلى البحرين شرقًا، وإلى حدود الشام شمالا، وكانت للعرب في زمن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم نوادٍ وأسواق يتجمع فيها أعداد منهم من جميع أقطار الجزيرة العربية، ويتناقلون فيها الأخبار والأنباء، ويتفاخرون فيها بالأشعار والفصاحة والكلام البليغ .
فمن المستبعد عقلا مع كل هذه القرائن والأحوال أن يسمع العرب بالقرآن وبخبر الإسلام، ثم لا يسمعون بأمر هو من أعظم الأمور فيه، وهو أن النبي تحدى قومه بالإتيان بمثل القرآن، أو لا يسمعون بأمر هو من أهم الأمور التي تتعلق بما يمتازون به، ويشتغلون به في أسواقهم ونواديهم، فإن عدم سماعهم بذلك من أبعد ما يكون.