تعزيز اليقين وهداية الحيران

الاعتراض الثالث على دلالة القرآن وإعجازه: إنكار وقوع التحدي بالقرآن

الرئيسية / كشاف الشبهات / شبهات حول الإسلام / شبهات حول إعجاز القرآن الكريم / الاعتراض الثالث على دلالة القرآن وإعجازه: إنكار وقوع التحدي بالقرآن

تقوم حقيقة هذا الاعتراض على أنه لا يوجد دليل يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تحدى العرب بالقرآن بالفعل، أو أنه أظهر ذلك لهم، فما الذي يمنع أن آيات التحدي أضيفت إلى القرآن بعد أن انتصر محمد وأتباعه على العرب؟! وما الذي يمنع يكون النبي أخفى آيات التحدي عن العرب حتى قويت دولته، وكثر أتباعه؟!! فلا يوجد لدينا ما يمنع وقوع هذا الاحتمال.

وهذا الاعتراض لا يعدو أن يكون تشغيبًا عقليا محضا، وهو لا يأتي إلا ممن لا يعرف طبيعة الصراعات الاجتماعية، ولا ماهية الظروف التي كانت محيطة بالإسلام، ولا طبيعة نقل النص القرآني وطريقة توثيقه.

فإن دعوة الإسلام كان لها ـ ولا يزال ـ أعداء متربصون، وكان يعيش في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة منافقون، وكان لكثير من المناوئين لدعوة الإسلام علاقة واسعة مع اليهود والنصارى خارج بلاد الإسلام، فالقيام بإضافة شيء إلى القرآن لم يكن منه، أو إخفاء شيء آخر، ثم إظهاره في الوقت المناسب عمل عظيم جدًّا، سيؤدي بالضرورة إلى التفات الأنظار إليه وشيوعه في العالمين.

فإن الادعاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم تحدى العرب في مواطن كثيرة من القرآن، واستحثهم على ذلك ووبخهم، ثم إن نسبة العجز إلى جميعهم، بل إلى جميع الجن والإنس يعد عملا عظيمًا جدا، فلو كان كذبًا لا حقيقة له لما أمكن للأعداد الكبيرة من الناس أن تسلم به، وتسكت عن بيان خطئه، فإن الطبائع مجبولة على نشر الأخبار إذا عرفتها الجماعة الكبيرة، ضرتهم أو نفعتهم؛ لأن الدواعي إلى النشر كثيرة مختلفة، ولا يمكن ضبطها، فيخرج المكتوم لأغراض مختلفة.

فلو كان الأمر على ما ذكر في الاعتراض؛ لظهر ذلك للناس لا محالة، وكان من المتعذر إخفاؤه وكتمانه؛ لأن المجتمع كثير العدد لا يعدم أن يوجد فيه أحد يذكر ذلك الفعل لظنه أنه أمر حسن جميل، أو يوجد فيه أحد يذكره لفساد دينه ونفاقه، أو يوجد فيه أحد يذكره تقربًا إلى الأعداء، أو لغرض من الدنيا، أو يوجد فيها أحد يذكره تعجبًا واستغرابًا، أو يذكره حاكيا لأولاده وخلانه.

والمقصود أن مثل ذلك الفعل الذي يتعلق بجماعات كبيرة من الناس، وفيه حكم عليهم جميعًا يستحيل أن يبقى سرًّا، وأن يمر الكذب فيه، ويروج على كل الناس، فلو كان الأمر كما ذكر في الاعتراض لظهر ذلك وأقيمت الأدلة والشواهد على كذبه لا محالة.

ثم إن هذا الاعتراض لا يختلف في حقيقته عن قول من يقول: بأن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن الذي أنزل على النبي، أو أن القرآن كان أضعاف أضعاف ما هو عليه، وكل هذه الدعاوى باطلة أثبت العلماء بطلانها بأدلة علمية

ظاهرة القوة والصحة.