من الكتابات المهمة والتي باتت تحتل موقعها الخاص عند الملاحدة الجدد عند مناقشة قضية (المعايرة الدقيقة للكون) كتاب الفيزيائي الملحد فكتور ستنجر والذي عنون له مغالطة الضبط الدقيق The Fallacy of Fine-Tuning)) وهو بالمناسبة مؤلف كتاب «الله فرضية باطلة» والذي يعد أحد الكتابات المركزية للظاهرة الإلحادية الجديدة، فكرة الكتاب ظاهرة من عنوانه، فهو يسعى لمناقضة الفكرة السائدة بأن الكون يتسم بالإتقان الشديد حتى على مستوى ثوابته الكونية وبعض أحواله، وأنه لولا هذا الضبط الدقيق لاستحال وجودنا، وهي فكرة شائعة في كتابات كثير من علماء الطبيعة متدينين وملحدين، بل إن فكتور ستنجر نفسه يصرح بأنه حتى الملاحدة المختصون في الفيزياء يجدون ما يسمى بالمبدأ الإنساني صعب التفسير ماديًا، ويجدون أنفسهم مضطرين لاقتراح أكوان متعددة لتفسير هذه الظاهرة).
والحقيقة أن قائمة المؤمنين بالمعايرة الدقيقة كبيرة وطويلة تضم أسماء متعددة ومتنوعة في موقفها من تفسير هذه الظاهرة، فمن بين الأسماء باختصار: بارو، وكار، وكارتر، وديفيز، ودوكنز وديتش وإيليز، وجرين وجوث، وهاريسون، وهو كنج ،ولند ،وبيج وبنروز ،وبلکنجهورن ،وریز، ونديج، وسمولين، وسوسکند ،وتجمارك وتبلر وفلنكن، ووينبرج، وويلر، ويلزك، وغيرهم الكثير وقد ساق ستنجر في كتابه (The Fallacy of Fine-Tuning) عددًا من عبارات العلماء يعبرون فيها عن اندهاشهم من هذه الظاهرة المذهلة والإتقان الشديد، فمما نقله من عبارات مصرحًا بأنها مجرد انتقاءات من عدد ضخم من الكتابات حول الموضوع:
– يقول الفلكي إدوارد روبرت هاريسون (ها هو الدليل الكوني على وجود الله حجة التصميم والتي قدمها بيلي في صورة محدثة ومجددة، الضبط الدقيق للكون يقدم دليلا بدهيا لرب مصمم قم بالاختيار بين صدفة عمياء تفتقر إلى عدد هائل من الأكوان أو مصمم لكون واحد).
– يقول فرانسيس كولنز المختص في علم الوراثة، ورئيس مشروع الكشف عن الجينوم البشري: (الضبط الدقيق لجميع الثوابت والقوانين الفيزيائية من أجل إمكان حدوث حياة ذكية ليست عائدة للصدفة، ولكنها تعكس عمل من خلق هذا الكون ابتداء).
– يقول الطبيب مايكل أنثوني كوري: (الدرجة المذهلة من المعايرة الدقيقة لهذه العوامل الأساسية والتي تلت لحظة الانفجار الكبير تكشف عن درجة معجزة من الهندسة الدقيقة، والتي لا تبدو متصورة في حال انعدام مصمم ذي قدرات حسابية خارقة).
– يقول الفلكي جورج جريستين: (حينما نفحص الأدلة فإن فكرة وجود ذات متعالية تبدو ،ضرورية هل من الممكن أنه وبشكل مفاجئ، ومن غير قصد، وقعنا على الأدلة العلمية المثبتة لوجود كائن أعلى؟ هل هو الله الذي تدخل وصنع الكون لمصلحتنا ؟).
– عالم الفيزياء النظرية توني روثمان يضيف: (عالم اللاهوت في القرون الوسطى والذي كان ينظر في سماء الليل البهيم من خلال عيون أرسطو، ويرى الملائكة تحرك الأفلاك على نحو متناغم، أصبح اليوم هو عالم الكونيات، والذي ينظر لذات السماء من خلال عيون أينشتاين ويرى يد الله تعمل لا بواسطة الملائكة، وإنما بالثوابت في الطبيعة … حين نواجه جمال الكون وهذه المصادفات الغريبة في الطبيعة، فإن من المغري القيام بقفزة إيمانية من العلم إلى الدين أنا واثق أن كثيرًا من الفيزيائيين يرغبون في ذلك أتمنى فقط أن يعترفوا بذلك).
هذه بعض العبارات والتي نقلها فكتور ستنجر، وإلا فعبارات العلماء من مختلف الفروع المعرفية والتي تكشف عن هذه الحقيقة الكونية المذهلة كثيرة جدا، أظن بعضها قد مر سابقا وسيأتي في ثنايا البحث المزيد.
وترتكز أطروحة ستنجر على معطيات متعددة منها:
– أنه يجادل في مدى دقة بعض الحسابات المتعلقة ببعض الثوابث، وأن هامش التغير أكبر مما يقترحه بعض الباحثين، والحقيقة أن هذا ليس مشكلا، فعلى التسليم بصحة حساباته دون حسابات مخالفیه، ستظل مسألة المعايرة والضبط قائمة، فلو أن شخصا قال : لا بد من إصابة احتمال واحد من بين مليون احتمال للفوز بجائزة، فتعقبه آخر قائلا: بل يمكنه الفوز لو أصاب ١ أو 2 من بين تلك الاحتمالات لظلت إمكانية وقوع هذين الاحتمالين من بين جميع تلك الاحتمالات أمرًا مستبعدا في ظل الصدفة المحضة، هذا طبعا بالنسبة لبعض الحسابات التي تعقبها فقط، مع ملاحظة أن المطلوب هو وقوع حالة من التوافق بين ثوابت ومعطيات متعددة حتى يتحقق للكون الاشتراطات المطلوبة من أجل أن يوجد، وأن توجد فيه الحياة، فليس ميزان وجود الكون وعدمه متعلقا بثابت معين دون غيره بحيث أن توسيع مجال الاحتمالات الخاصة به والتي تجعل إمكانية مصادفة الرقم المطلوب صدفة أوسع وكافيا لتحقيق المطلوب، بل المطلوب إصابة جميع القيم الأخرى.
– ومن الأفكار التي يطرحها أن سقوط المنظومة الكونية كلها لا يكون لمجرد تغير واحد من تلك الثوابت، إذ بالإمكان أن يتغير بعضها، ولا يكون مؤثرًا سلبًا على بقاء المنظومة بشرط إعادة ضبط ثوابت أخرى، بمعنى آخر بإمكان ثابت معين أن يتخذ قيمًا متعددة، لكن سنحتاج لإعادة معايرة بقية الثوابت لتتوافق مع هذا التغيير الجديد فمجموعات الثوابت التي يمكن أن تستوعب الحياة ليست محصورة في سلسلة واحدة من الثوابت، هي الثوابت الموجودة في كوننا، بل بالإمكان إنتاج سلاسل أخرى قادرة على استيعاب الحياة، وهو ما يوسع مجال وقوع سلسلة من هذه السلاسل صدفة دون احتياج إلى جريان عملية ضبط (The Fallacy of Fine-Tuning)، ويمكن تقديم الملحوظات التالية على هذه الفكرة:
الأولى: أن هذا إن صح في حق بعض الثوابت فإنه لا يصح في ثوابت أخرى أو أحوال كونية معينة، فمن المعايير المشترطة لوجود الحياة معايير مستقلة، ويبدو أن أدنى إخلال فيها سيؤدي حتما إلى جعل الكون غير صالح للحياة.
الأمر الثاني: أن إنتاج عدد من سلاسل الثوابت الفيزيائية هذه، والقادرة على استيعاب الحياة وقبولها يصادفه مشكلة أن السلاسل الممكنة وغير القادرة على استقبال الحياة أكثر بشكل خرافي من السلاسل الممكنة، بل لا نسبة بينهما، فهذا الاعتراض لم يجب على أصل السؤال المطروح هنا وهو: كيف ضُبطت هذه الثوابت الفيزيائية؟ إذ احتمالية وقوع أحد حزم الثوابت القابلة للحياة، دون حزمة أخرى لا تقبل الحياة احتمال ضئيل جدا جدا جدا، وهو ما يستدعي سؤالا: لماذا انتقيت هذه الحزمة من الثوابت دون تلك؟
ثالثًا: أن احتمالية انضباط كل الثوابت في حزمة واحدة وتوافقها على النحو المطلوب احتمال ضئيل جدا، في مقابل احتمالات أن يختل هذا الثابت الفيزيائي، أو يختل ذاك دون أن يصادف تعديلا في بقية الثوابت بما يجعل المجموع قابلا لاستيعاب الحياة.
فالخلاصة أن احتمالات المعايرة والضبط على النحو المطلوب تظل ضئيلة بشكل فلكي في مقابل الاحتمالات المضادة أو بتعبير ريتشارد دوكنز: (بأية طريقة وبأي عدد من الاحتمالات يمكن أن نكون في ضوئها أحياء، فبالتأكيد هنالك طرق أكثر، وبشكل هائل لنكون ميتين).
– ينتقد فكرة انحصار أشكال الحياة العضوية في الطبيعة الكربونية فقط، وأن فكرة الضبط الدقيق إنما تم اقتراحها لتفسير صلاحية الكون لاستقبال هذا النمط الخاص من أنماط الحياة، فما المانع أن تكون لدينا أنواع من الكائنات الحية لا تشكل قاعدتها الكيميائية الكربون، بل تكون معتمدة مثلا على السيلكون، وإذا أمكن أن تكون لدينا أنماط حياتية خارج إطار القاعدة الكربونية، فاحتماليات ظهور الحياة – حتى لو تغيرت قيم الثوابت الطبيعية عما هي عليه – قائمة وأن قصارى الأمر أن هذه الثوابت الموجودة في كوننا صالحة لاستقبال الحياة الكربونية، فلو أنها تغيرت فقد يكون الكون أيضًا صالحًا لاستقبال الحياة، ولكن على نحو مختلف وللإجابة على هذا الإيراد وبعيدا عن الدخول التفصيلي في قضية إمكان ظهور حياة سيليوكونية، أو غيرها، ومدة احتمالات ظهور أنماط أخرى من الحياة في مقابل الحياة الكربونية فإن هذا الاعتراض لا يصلح أن يورد في وجه تلك الظروف والملابسات، والتي تبدو مضبوطة بشكل دقيق جدا من أجل نشأة الكون ووجوده، فكما سبق أن جملة من تلك الظروف والملابسات تم معايرتها على نحو دقيق من أجل أن يبقى الكون موجودًا بعد ابتداء وجوده، ولئلا يعاود انكماشه فيفنى، إضافة إلى الضبط الواقع من أجل أن يكون الكون قابلا لنشأة النجوم والكواكب، والتي تقوم بدورها بإنتاج الكيمياء بطبخ مختلف المواد الكيميائية فيها، وأن بعض أنماط الضبط الدقيق هي التي أوجدت التوازن الدقيق بين أن يكون الكون عبارة عن حساء هيدروجيني كبير، لا توجد فيه إلا هذه المادة البسيطة، أو أن يكون عبارة عن هيليوم فقط، فمسألة الضبط الدقيق يفسر لنا أمورًا متعددة، ومن بين القضايا المفسرة المسألة الأكثر عمقًا والمتعلقة بهذا الكون وهو نشأة الحياة، فقصارى ما يسعى إليه فكتور ستنجر كما تلاحظ هي محاولة التخفف من الاحتمالات التي تبدو في غير صالح الكون في مقابل تكثير عدد الاحتمالات التي في صالحه، لكن المشكلة أننا حتى لو سلمنا بصحة أطروحته المخففة من تلك والمكثرة من هذه، فإن فرق الاحتمالات بين الطرفين سيظل هائلًا إلى حد كبير، وهو ما يجعل سؤال الضبط والمعايرة قائمًا ومشروعا وهب أن طرفًا قال: احتمال وقوع هذا الأمر هو واحد في بليون بليون بليون بليون بليون احتمال، فقال له آخر: لا، بل هو مائة احتمال من بليون بليون بليون بليون احتمال، فيبدو لي أن احتمالات وقوع الأمر في الحالتين ضئيلة جدا جدا.
ومن أجود ما رأيته من نقد موجه لأطروحة ستنجر في كتابه هذا ورقة علمية مهمة بعنوان (The Fine-Tuning of the Universe for Intelligent Life) للمختص في مجال الفيزياء الفلكية لوك بارنز (Luke A. Barnes) وقد نشرت في المجلة العلمية المحكمة (منشورات المجتمع الفلكي الأسترالي) (Publications of the Astronomical Society of Australia) وهي عبارة عن ورقة علمية نقدية مطولة لكثير مما جاء في كتاب فكتور ستنجر، وقد بلغ الأمر إلى حد اتهامه بالوقوع في كثير من الأخطاء العلمية، وكشف عددًا كبيرًا منها، الأمر الذي حدا بفكتور ستنجر للرد عليه في ١٢ صفحة، وليعاود بارنز الرد عليه بعد ذلك، ويمكن أن نرصد بعض المعطيات المتعلقة بالجدل الدائر بينهما بما يرجح كفة الأطروحة التي قدمها بارنز في مقابل أطروحة ستنجر :
الأول: أن بارنز مهتم بمجال الكوزمولوجي، وله فيه عدد من الأبحاث المنشورة، وهو مبحث ألصق بقضيتنا من اختصاص ستنجر، والمتعلق بفيزياء الجسيمات.
الثاني: أن ستنجر إنما يعبر في كثير من مباحث كتابه عن رؤاه الذاتية، أما الموقف العلمي الذي ينطلق منه بارنز في هذه المسألة هو الموقف الأكثر شيوعًا في الدوائر العلمية.
الثالث: أن ستنجر ينطلق من مقدمات غريبة في بناء رؤيته في هذه المسألة، خذ مثلا قوله في أثناء حديثه عن إشكالية المعايرة الدقيقة بين نسبة الإلكترون إلى كتلة البروتون: (يمكننا المجادلة بأن كتلة الإلكترون ستكون أصغر بكثير من كتلة البروتون في أي كون قريب من كوننا، ولو بشكل بعيد). والمعنى الذي يريد قوله: أن صغر الإلكترون في مقابل كتلة البروتون أمر طبيعي لا يستدعي معايرة دقيقة لكن الطريف خاتمة هذه العبارة، والتي تكشف سوء فهم عميق لظاهرة الضبط الدقيق محل البحث، فليس من المستغرب أن تكون الأكوان (القريبة) من كوننا لها خصائص (قريبة) من كوننا، ومن بينها ضآلة حجم الإلكترون بالمقارنة بحجم البروتون، لكن البحث هنا إنما يدور على سؤال: لماذا كان الأمر كذلك؟ ليس بالمقارنة مع حزمة محدودة من الأكوان المقاربة لحال كوننا، وإنما مع عدد الاحتمالات اللانهائية من أكوان مخالفة، وهو ما يشكل اللغز، والذي يستسهل ستنجر حله بالمعلومات الفيزيائية المتوافرة ودون الحاجة إلى تقديم فرضيات من جنس الأكوان المتعددة والتي ستأتي وغيرها، وهو موقف يسطح فعلا حجم المشكلة حين نتطلب تفسيرًا ماديًا طبيعيًا لها.
الرابع: أن ستنجر ينطلق من رؤى فلسفية شديدة الإشكالية، ولا تتسم مواقفه العلمية بالاطراد والتوافق مع مثل هذه الرؤى، مما يحمل المراقب على الارتياب كثيرًا في طبيعة مثل هذه الأبحاث خشية من تسرب بعض التحيزات الأيديولوجية المسبقة خذ مثلا قوله في معرض حديثه عن مبدأ السببية وأن كل ما له بداية فلا بد له من سبب : (هل هذه المسألة معتمدة فعلا على حقيقة تجريبية؟ وهل قولنا كل ما له بداية له سبب حقيقة فعلا؟ من البديهي أننا لم نشاهد بداية كل شيء، وبالتالي فلا يصح لنا أن نقول: بأن كل ما له بداية فلا له من سبب، ومثلما أشار الفيلسوف الأسكتلندي العظيم ديفيد هيوم في بحث حول الفهم الإنساني : حتى لو أننا شاهدنا وقوع حدث عقب حدث آخر فليس بمقدورنا أن نستنتج بأن ثمة علاقة بين الحدثين). مثل هذا الموقف ينبغي أن يحمل صاحبه على اطراح ما بين يديه من اشتغال علمي، إذ عدم الانطلاق من مثل هذه المسلمة والمنازعة فيها يقف على الضد من الموقف العلمي الذي يتطلب الكشف عن أسباب الظواهر الطبيعية، بل تعرض لمسألة ما يمكن أن يقع لحواسنا من أغلاط ويذكر لذلك بعض التمثيلات ليقول: (القمر (قد) يكون موجودًا فعلا)، ويصرح بأن المكان والزمان إنما هي مجرد معايير كمية اخترعها الفيزيائيون، ولا يلزم أن يكون لها تحقق فعلي في الخارج، ومما يكشف حالة التحيز لنظرته المادية أنه بأن فكرة نشأة يصرح الكون من خلال كائنات فضائية أقرب للعقل من فكرة وجود خالق. ويقول في معرض حديثه عن الثابت الكوني Cosmological Constant): (أية حسابات تخالف البيانات بمقدار ۱۰ أس ٥٠ أو ۱۲۰ هي ببساطة خطأ ويجب أن لا تحمل على محمل الجد، يجب أن ننتظر فقط الحسابات الصحيحة).
هذه العبارة تكشف عن التحيز لموقف مبدئي مضاد لفكرة الضبط الدقيق فحقيقتها أن الحسابات لا بد أن تكون خطأ لماذا؟ لأنها لو لم تكن كذلك للزم أن يكون الثابت الكوني مضبوطا فعلا، ويكشف (لوك بارنز) في ورقته عن الخلل الواقع في فهم ستنجر لهذه المسألة وأنه ليس ثمة تعارض حقيقي بين البيانات وبين التقديرات الحسابية هنا.
الخامس: في الفصل ١٣ من كتابه قام ستنجر بالاعتراض على مسألة الضبط الدقيق بالاستعانة بنتائج برنامج حاسوبي قام بإنشائه قبل أكثر من سنة، وسماه (Monkey God)، وهو برنامج موجود على موقعه الشخصي على شبكة الإنترنت، وفكرته هو تقديم نوع من المحاكاة للكون عبر التلاعب بأربعة من الثوابت الفيزيائية بحيث يمكن تخليق أكوان افتراضية متعددة ومختلفة الخصائص بتغيير قيم تلك الثوابت قام ستنجر بوضع جملة من المعطيات التي يرى أنها ضرورية من أجل وجود الحياة، ليقوم البرنامج بتقديم النتائج بنسب الأكوان الصالحة للحياة في ضوء تلك المعايير في مقابل ما لن يكون صالحًا، وقد قدم (بارنز) نقدًا موسعًا لنتائج هذا البرنامج ختمه بقوله: (برنامج (Monkey God) معيب بشكل عميق بحيث تكون نتائجه عديمة المعنى، فمن أوجه النقد التي قدمها مثلا أن الفرضيات التي بنى عليها صلاحية الكون للحياة لم تكن مأخوذة من تلك المعطيات شديدة الدقة، والتي سبق بحثها، وأن المعايير الثمانية التي اعتمدها للحكم بصلاحية الكون للحياة فيها مشکلات فاثنان منها لا صلة لها بالموضوع أصلا، حيث أدخل في المعايير عدد الساعات في اليوم وأنها يجب أن تتجاوز ١٠ ساعات، وطول السنة وأنه يجب أن يتجاوز مائة يوم فليس من الواضح ما صلة هذين المعطيين بوجود الحياة من عدمه، وكذلك ذكر (بارنز) أنه أخطأ في ثلاثة معايير، وأحد المعايير يعتبر ناقصا بل إن المعادلة التي اعتمدها لحساب توزيع الاحتمالات فيها مشاكل.
أظن ما سبق كافيًا في إعطاء تصور عن بعض مشكلات الاعتراض الذي قدمه فکتور ستنجر)، ومن شاء التوسع فليرجع إلى الجدل الذي دار بين الرجلين فيما أشرت إليه سابقا من أوراق إضافة إلى الأطروحة النقدية التي قدمها الفيلسوف روبن كولنز (Robin Collins) والتي عنون لها بـ(مغالطات ستنجر) (Stinger’s Fallacies).